كيف مهّد المرشد الأعلى الطريق أمام الإصلاحي بزشكيان لتولي الرئاسة؟

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعيدا عن نتائج الانتخابات، ترجح الكثير من التقارير دفع المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي نحو وصول السياسي الإصلاحي، مسعود بزشكيان، إلى سدة الحكم في إيران وتوليه رئاسة الجمهورية خلفا للمحافظ إبراهيم رئيسي، الذي لقي مصرعه في 19 مايو/ أيار 2024.

وبنسبة تجاوزت 53 بالمئة من أصوات الإيرانيين، فاز بزشكيان على منافسه المحافظ سعيد جليلي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 5 يونيو/حزيران، وذلك بعد أسبوع من جولة أولى شهدت تنافس ستة مرشحين، لم يتمكن أحدهم من تحقيق الأغلبية.

وبعد كل من: محمد خاتمي (1997 إلى 2005)، وحسن روحاني (2013 إلى 2021)، يُعد مسعود بزشكيان ثالث شخصية إصلاحية تتولى رئاسة الجمهورية في إيران منذ الإطاحة بالنظام الملكي العلماني عام 1979 وتولي التيار الشيعي الديني السلطة. 

في رصد أجرته صحيفة "الاستقلال" للملف الانتخابي الإيراني، ظهرت العديد من المعطيات قبل صعود بزشكيان إلى الرئاسة، والتي يبدو أنها مهّدت الطريق أمام تولي شخصية إصلاحية المنصب رغم وجود خمسة منافسين من التيار المحافظ (المتشدد).

تشكيك بالأرقام

أولى هذه المعطيات هو أن مجموع الأصوات التي حصلت عليها الشخصيات الثلاثة المنافسة لبزشكيان في الجولة الأولى من الانتخابات بعد انسحاب اثنين من المتنافسين المحافظين الخمسة، تجاوزت 13 مليون صوت، بينما حصد المرشح الإصلاحي 10.4 ملايين صوت.

ورغم دعم كل مرشحي المحافظين للمحافظ جليلي في الجولة الثانية، وحصوله على 13 مليون صوت، حقق الإصلاحي بزشكيان، 17 مليون صوت، الأمر الذي عزته وزارة الداخلية الإيرانية إلى ارتفاع نسبة المشاركة إلى 49.8 بالمئة، بعدما بلغت بالجولة الأولى 40 بالمئة.

لكن شخصيات إيرانية معارضة شككت في ارتفاع نسبة المشاركة بالجولة الثانية، وتحدثت عن مقاطعة واسعة أكثر مما شهدته الجولة الأولى خلافا لما جرى إعلانه رسميا من السلطات الإيرانية.

وقال أمين عام حزب "كوموله" المعارض، عبد الله مهتدي، إن "المقاطعة الواسعة للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش النظام الإيراني".

وكتب على منصة "إكس" في 5 يوليو "إن استجداء التصويت والتهديد، لم يؤثرا على المقاطعة الساحقة"، مؤكدا أن "الجولة الثانية من المقاطعة كانت أكثر انتشارا".

وأضاف: "سيظهر التاريخ مستقبلا كيف أدت هذه المقاطعة واسعة النطاق إلى زيادة ثقة الشعب بنفسه وإيمانه بتفوق قوته، وسحقت مصداقية النظام أمام أعين الجميع، وكيف مهدت الطريق أمام الثورة المستقبلية".

وشكك موقع "إيران واير" المعارض في 5 يوليو، في نسب المشاركة المرتفعة التي تحدثت عنها السلطات في الجولة الثانية.

وأكد أن الانتخابات أجريت في ظل تزايد لا مبالاة الناخبين بعد سنوات من التحديات الاقتصادية والاحتجاجات واسعة النطاق والتوترات الإقليمية.

وأوضح الموقع أن "وسائل إعلام حكومية تزعم أن هناك زيادة في إقبال الناخبين مقارنة بالجولة الأولى، لكن صورا نشرها ناشطون على مواقع التواصل، تظهر مراكز اقتراع فارغة في مدن إيرانية عدة، بما في ذلك طهران وشهر كورد وخراسان رضوي".

إرادة خامنئي

ورغم رفض مجلس صيانة الدستور، ترشح بزكشيان لانتخابات الرئاسة عام 2021، بسبب "عدم أهليته"، فقد وافق على خوضه السباق الانتخابي الأخير بتدخل مباشر من المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، دون الإفصاح عن الأسباب.

وقال بزشكيان في آخر انتخابات برلمانية خاضها عام 2024، إن مجلس صيانة الدستور رفض أهليته لخوضها، بدعوى عدم التزامه العملي بنظام الحكم، غير أن خامنئي تدخل وأوصى بالتصديق على أهليته.

وسبق لبزشكيان الترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مرتين، حيث انسحب من دورة 2013 بعد إعلان ترشحه، وفشل في إكمال خوض انتخابات 2021، التي فاز فيها إبراهيم رئيسي، بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته.

ويربط البعض بين إرادة النظام الإيراني حاليا في الدفع بشخصية إصلاحية، ورفض ذلك عام 2009 عندما أصرّ على تولي أحمدي نجاد الرئاسة الإيرانية لولاية ثانية، وذلك من خلال تزوير نتائج الانتخابات، حسبما ادعى الإصلاحيون في ذلك الوقت.

وعلى ضوء نتائج انتخابات عام 2009، تفجرت احتجاجات واسعة في إيران، دعما لمرشّحَي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، استمرت حتى بدايات عام 2010.

سُميت الاحتجاجات من قبل مؤيديها بـ"الحركة الخضراء الإيرانية" انعكاسا لـ"حملة موسوي".

في المقابل، سميت الصحوة الفارسية، أو الربيع الفارسي، أو الثورة الخضراء، انعكاسا لـ"الهوية الفارسية" للإيرانيين وما يسمى "الثورة الملونة".

بدأت الاحتجاجات ليلة 12 يونيو 2009، عقب الإعلان عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بنسبة 63 بالمئة من الأصوات، رغم العديد من المخالفات المبلغ عنها.

في حينها، شكك جميع مرشحي المعارضة في نزاهة الأصوات وحدوث تلاعب وتزوير، إذ طالب موسوي بتشكيل لجنة مستقلة لتقييم نتائج الانتخابات.

لكن خامنئي رفض، وقال إن كلا من الدستور والقوانين السائدة أعطى مجلس صيانة الدستور السلطة الوحيدة فيما يتعلق بنتائج الانتخابات.

وفي 19 يونيو 2019، أكد شقيق الرئيس الإيراني الأسبق وأمين عام حزب المشاركة الإسلامي السابق، محمد رضا خاتمي، حدوث عملية تزوير في الانتخابات الرئاسة الإيرانية المثيرة للجدل في 2009 لصالح الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. 

وكشف خاتمي بعد جلسة محاكمته الرابعة غير العلنية خلال حديثه للصحفيين خارج المحكمة عن إضافة أكثر من 7 ملايين صوت لصالح الرئيس السابق أحمدي نجاد في غرفة جمع الأصوات قائلا: "لقد أثبت ذلك".

وقال شقيق الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي الذي أيد المتظاهرين في عام 2009، إن "الفتنة الحقيقية هي التزوير وليس الاحتجاج عليه"، في إشارة إلى إطلاق المتشددين على التظاهرات المؤيدة للمرشح الإصلاحي مير موسوي والمحتجين على النتائج وصف “الفتنة”.

تلوّن النظام

ومع اشتداد العقوبات الغربية على إيران بسبب مساعيها الرامية إلى التحول لدولة نووية وعدم تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تعليق برنامجها النووي، انتهت الولاية الثانية للرئيس الإيراني المحافظ، أحمدي نجاد، وحلّ محله الإصلاحي حسن روحاني عام 2013.

ويرى مراقبون أن مجيء روحاني في تلك المرحلة، والتوصل إلى الاتفاق النووي مع الغرب في 2015، ورفع للعقوبات بعدها، لا يختلف كثيرا عن مجيء بزشكيان، إذ إن النظام الإيراني يحاول أن يفك اختناقه بتقديم شخصية إصلاحيه للرئاسة تفاوض الدول الغربية.

وقال الباحث السياسي العراقي، لطيف المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" إن "فوز الإصلاحي بزشكيان في الوقت الحالي دليل على أن الدولة حاليا تختلف في تفكيرها كليا عن إيران الثورة التي يتصورها الكثيرون".

وأوضح المهداوي أن "التعامل مع الآخر بما يناسب المرحلة من جهة ومضي مشروعها العقائدي من جهة أخرى طرفان مستمران في السياسة الإيرانية، وهما جناحان لا يتقاطعان وإن بدا ذلك ظاهرا ما دامت مفاتيح الملفات كلها بيد واحدة تضبط الإيقاع دوما مهما عملت على تنويعه اضطرارا".

وأشار الباحث إلى أن "وصول بزشكيان إلى الرئاسة يشي بعودة إيران بقوة إلى المفاوضات النووية، خصوصا إذا فاز الرئيس الأميركي جو بايدن بولاية ثانية، وهذا ما صرّح به محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق، ومستشار الرئيس الإصلاحي الحالي".

وفي 19 يونيو، قال ظريف خلال حوار مع التلفزيون الإيراني برفقة بزشكيان إن “بايدن كان يريد العودة إلى الاتفاق النووي، لكن لسببين لم يعد إليه”.

الأول؛ أن إسرائيل لم تسمح بذلك واغتالت (العالم النووي محسن) فخري زادة، والسبب الثاني؛ كان إقرار قانون الإجراء الإستراتيجي في البرلمان الإيراني.

وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، صوت البرلمان الإيراني، على مشروع قانون "الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء العقوبات"، والذي يشمل رفع تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 بالمئة.

ووصفت منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة، بزشكيان بأنه "أحد البيادق التي وافق خامنئي على ترشيحه لتسخين مهزلة الانتخابات الرئاسية لنظام الملالي لكي يلعب بورقة الإصلاحيين والأصوليين المحروقة في إيران".

ونعتت المنظمة المعارضة خلال تقرير نشرته على موقعها الرسمي في 17 يونيو، بزشكيان بأنه "ليس إلا دمية بيد خامنئي، حيث قال رسميا قبل أيام في جامعة طهران إنه منصهر في نظام ولاية الفقيه".

ويعد رئيس الجمهورية في إيران هو رأس السلطة التنفيذية، وهي إحدى أبرز هيئات الحكم إلى جانب السلطتين التشريعية "مجلس الشورى الإسلامي" والقضائية، إلا أن رأس الدولة وصاحب الكلمة الفصل في سياساتها العليا هو المرشد الأعلى لإيران.

وفي حين أن المرشد الأعلى للبلاد له الكلمة العليا في جميع الشؤون، فإن الرئيس الإيراني له بعض التأثير على السياسة الداخلية والخارجية، بحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في 21 يونيو 2024.