"فضيحة" تطارد إيران حول قصفها المزعوم لمركز للموساد بأربيل.. ما القصة؟
في خطوة شكلت "فضيحة" من العيار الثقيل، نشرت وسائل إعلام إيرانية رسمية صورا ومقاطع فيديو مفبركة أرادت من خلالها إيهام الرأي العام الداخلي والخارجي، بخصوص روايتها التي ادعت فيها طهران أنها قصفت مركزا للموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق.
وأطلق الحرس الثوري الإيراني 11 صاروخا باليستيا على مدينة أربيل في إقليم كردستان في 15 يناير/ كانون الثاني 2023، سقط عدد منها على بيت رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي، ما أدى إلى مقتله وطفلته البالغة من العمر 11 شهرا وصديق له ومساعدة المنزل.
وزعمت إيران في هجومها على كردستان العراق، أنها دمّرت مركزا للموساد، لكن السلطات العراقية في بغداد وأربيل، نفت هذه الرواية جملة وتفصيلا، وأكدت أن القصف استهدف منزل رجل الأعمال الكردي، وقدمت شكوى بذلك إلى مجلس الأمن الدولي.
فبركة مفضوحة
في 20 يناير 2024، نشرت وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري الإيراني، تقريرا مطولا عن بيشرو دزيي، الذي قتلته في قصفها الصاروخي، ادعت فيه أن الأخير لديه علاقة بالموساد، وأن نفط إقليم كردستان يباع إلى الاحتلال الإسرائيلي عن طريقه.
وزعم تقرير الوكالة الإيرانية أن الصواريخ لم تصب منزل مدني ورجل أعمال في أربيل، بل "تم استهداف أحد أهم عملاء الموساد"، مدعيا أن "مجموعة فالكون" التي يمتلكها دزيي مرتبطة بشكل مباشر بوكالة المخابرات الأميركية، وأنها في الوقت نفسه "شركة نقل نفط كردستان إلى إسرائيل".
وادعى موقع الحرس الثوري في جزء من تقريره بأن مجموعة "فالكون"، هي "مؤسسة لإنشاء شبكة تجسس للموساد والولايات المتحدة"، بينما وصفها في جزء آخر بأنها "شركة أمنية تحمي الصحفيين الأجانب أثناء تغطيتهم حرب تنظيم الدولة".
الوكالة الإيرانية عززت تقريرها بصور عدة لرجل الأعمال الكردي، أظهرته أنه يقف إلى جانب حاخام يهودي، وأخرى تظهر دزيي وسط مجموعة من الجنود، وزعمت أنه كان يسعى إلى إنشاء شبكة تجسس لصالح الموساد في إقليم كردستان العراق.
وفي مقطع فيديو نشره التقرير مترجما إلى اللغة العربية، قال إنها مقابلة تلفزيونية في قناة إسرائيلية، تظهر حوارا عن التواجد الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق، والعلاقة بين تل أبيب وأربيل.
وفي سؤال ترجمة التقرير إلى اللغة العربية تسأل المذيعة الإسرائيلية الضيف الذي أظهره وكأنه محلل سياسي أو عسكري، قائلة: "هل صحيح أن الموساد متواجد في شمال العراق بهذا الحجم الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام؟".
فيجيب الضيف حسب الترجمة الظاهرة في المقطع، قائلا: "الموساد قوي للغاية في شمال العراق، وهذا ليس غريبا. إسرائيل لديها مشاركة فعالة على كافة المستويات، بناء على طلب الجانب الكردي، لذلك أعتقد أن وجودنا يجب أن يصل إلى مستوى واضح وصريح حتى يصل إلى مستوى التمثيل الرسمي بين إسرائيل والإقليم".
وتبين لاحقا أن جميع الصور التي استخدمتها الوكالة الإيرانية ليست حقيقية وخضعت للتلاعب، إضافة إلى أن مقطع الفيديو كان مضمون الحوار بعيد كل البعد عن السياسة، وإنما يتعلق موضوعه بالشأن الطبي، وتحديدا جراحة الليزر وتصحيح البصر، وهذا ما أقرت به وكالة "تسنيم" بعد يومين.
وقالت الوكالة التابعة للحرس الثوري في 22 يناير، إنها لم تكن "المصدر الأول" لتلك الصور، ملقية باللوم على الإذاعة والتلفزة الرسمية لإيران ووسائل إعلام أخرى، وذلك في تقرير نشرته حمل عنوان "من المصدر الأول لصور بيشرو دزيي؟".
وقالت "تسنيم" إنه "رغم الشكوك على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن وكالة تسنيم المصدر الأول لصور دزيي، بل إن الصور نشرت قبل ذلك من قبل بعض وسائل الإعلام بينها قسم الأخبار في مؤسسة إذاعة وتلفزة الجمهورية".
ارتباك إيراني
وقالت شبكة "رووداو" الكردية العراقية في 22 يناير، إنه بعد استهداف إيران لمنزل دزيي، بدأت بمحاولات حثيثة لتثبت للرأي المحلي والدولي أنه كان ينتمي لجهاز الموساد.
وأوضحت أن وصول مستشار الأمن الوطني العراقي، قاسم الأعرجي، إلى أربيل في يوم الهجوم، وتصريحه بأن الاستهداف الإيراني طال منزل مدني، ولا علاقة له بقواعد إسرائيلية أو بالموساد، تسبب بإرباك المسؤولين الإيرانيين وخاصة الحرس الثوري.
ولفتت إلى أن تصريحات مسؤولي إيران تضاربت بشأن الهدف من مهاجمة منزل رجل الأعمال، لذلك نشر الحرس الثوري هذا التقرير لتهدئة الغضب الشعبي في البلاد وشرق كردستان الإيرانية، خصوصا بعد نشر صور الطفلة زینة بيشرو البالغة من العمر 11 شهرا، والتي قتلت في القصف.
لم تكتفِ ايران بقتله مع بعض افراد اسرته وضيوفه وتدمير قصره بل بدأت وسائل اعلامها بالاساءة له ميتاً حيث نشرت وكالة تسنيم الايرانية المقربة من الحرس الثوري صوراً مفبركة على انها تجمع الفقيد الراحل بيشرو اغا دزيي مع شخصيات اسرائيلية بعد تلاعبها بالصورة الحقيقة عبر برنامج الفوتشوب ،… pic.twitter.com/uthPMvx0N8
— مشعان الجبوري (@mashanaljabouri) January 21, 2024
وفي 21 يناير، علق السياسي العراقي، مشعان الجبوري، على حسابه في منصة "إكس" قائلا: "لم تكتفِ إيران بقتله مع بعض أفراد أسرته وضيوفه وتدمير قصره، بل بدأت وسائل إعلامها بالإساءة له ميتا، إذ نشرت وكالة تسنيم صورا مفبركة على أنها تجمع الفقيد بيشرو دزيي مع شخصيات إسرائيلية بعد تلاعبها بالصورة الحقيقة عبر برنامج الفوتشوب".
وكذلك علق، أوس الخفاجي الزعيم السابق لمليشيا "أبو الفصل العباس" الشيعية التي كانت ضمن قوات الحشد الشعبي، عبر منصة "إكس"، قائلا: "أصبحت هذه الأساليب مكشوفة حتى للمطبلين أنفسهم، فتش عن الاقتصاد ستجد أن دماءنا أضحت رخيصة من أجل إيقاف صفقة (أو تمريرها)".
اصبحت هذي الأساليب مكشوفة حتى للمطبلين أنفسهم ، فتش عن الاقتصاد ستجد ان دماءنا اضحت رخيصة من اجل ايقاف صفقة ( أو تمريرها ) .
عظم الله أجرك يا أبا يزن . والصبر والسلوان لما تبقى من عائلة اغا دزيي .— أوس الخفاجي (@AwsKhfaji) January 21, 2024
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي الكردي، شاهو القرة داغي عبر منصة "إكس" في 21 يناير، إنه "عندما يلجأ الإعلام الرسمي الإيراني للكذب بصورة فاضحة، فاعلم حجم التخبط الذي وصلوا إليه ومحاولة تغطية الجريمة بهذا التزييف".
وفي تدوينة أخرى، تساءل القرة داغي "هل إيران تقصد بمركز الموساد وتجمع عناصر الصهاينة في إقليم كردستان هم الأطفال؟ أو صور الفوتوشوب التي نشرتها الإعلام الإيراني؟ متى يتوقفون عن التزييف وتغيير الحقائق لتغطية الفشل الذي وقعوا فيه؟".
وخلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في 22 يناير، إن الضربة التي وجّهتها طهران في أربيل لا تتعارض مع سيادة العراق ووحدة أراضيه.
وأفاد كنعاني بأن "هناك تهديدات من إقليم كردستان العراق، وإيران لن تتوانى عن الدفاع عن أمنها"، غير أنه شدَّد على أن "العلاقات الإيرانية العراقية قوية ومتينة، وأن هناك تعاونا ثنائيا بين البلدين على مختلف الأصعدة".
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية مجددا:
"تمركز وتجمع عناصر صهيونية وعناصر تابعة للموساد للعمل ضد الأمن القومي الإيراني في إقليم كردستان العراق أمر غير مقبول "
.
هل يقصدون الاطفال؟ او صور الفوتوشوب التي نشرتها الاعلام الايراني؟
متى يتوقفون عن التزييف وتغيير الحقائق لتغطية…— شاهو القرةداغي (@shahokurdy) January 22, 2024
"دعاية كاذبة"
وتعليقا على تصريحات المسؤولين الإيرانيين والصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل إعلام إيرانية بحق رجل الأعمال الكردي، قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق، بيشوا هوراماني، إنه لا يمكن لإيران التغطية على هجومها الصاروخي على أربيل عبر "الدعاية الكاذبة".
وأفاد المتحدث خلال بيان له في 22 يناير، بأن الناطق باسم وزارة خارجية إيران ساق حججا مرة أخرى في مؤتمر صحفي لتبرير هجومها "الذي زُعم أنه استهدف قاعدة الموساد الإسرائيلي في أربيل وأن الهجوم لم يكن ضد سيادة العراق وإقليم كردستان".
وأضاف هوراماني أن "وفد الحكومة والبرلمان في العراق وعددا كبيرا من وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني زاروا منزل رجل الأعمال دزيي الذي قتل في الهجوم الإيراني".
وتابع: "أثبت الجميع أن الهجوم الصاروخي كان جريمة بحق المدنيين والنساء والأطفال، ومع ذلك لا يزال المسؤولون الإيرانيون ينكرون ذلك، ويفتخرون بهذه الجريمة ضد مواطني إقليم كردستان الأبرياء".
ولفت إلى أن "ما ارتكبه الحرس الثوري الإيراني من خلال صواريخه التي قتلت الأطفال، كانت جريمة خطيرة ضد المواطنين العاديين في إقليم كردستان، وأسفر عن مقتل وإصابة النساء والأطفال".
ومضى المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، قائلا: "ولن تغطي هذه الجريمة أي دعاية كاذبة وتزييف أخبار وصور مفبركة، ولن ينخدع الرأي العام في إيران والعراق والمنطقة".
وفي 16 يناير، نفى وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، وجود مراكز مرتبطة بالموساد في أربيل بإقليم كردستان شمال البلاد.
وقال حسين إن "إيران قصفت أربيل لأنها لا تستطيع مواجهة إسرائيل أو الرد عليها"، مؤكدا أن "الحرس الثوري هاجم مباني مدنية في أربيل، وقتلى الهجوم وجرحاه من أكراد العراق، وهذا انتهاك للقانون الدولي".
ولفت الوزير العراقي إلى أن "التوتر بين إسرائيل وإيران يتجسد على الأراضي العراقية، والإيرانيون لا يريدون مهاجمة إسرائيل، أو لا يستطيعون مهاجمتها، لذا يبحثون عن ضحايا حولهم؛ فهاجموا أربيل".
وأكد حسين أن "العراقيين هم من يدفعون ثمن التوتر بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى".
وفي تعليقه على الهجوم، قال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي ينتمي إلى قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحليف لإيران، إن قصف طهران لأربيل "عمل عدواني يقوض العلاقة القوية بين البلدين".
وأضاف رئيس الوزراء خلال مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 16 يناير 2024، على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس السويسرية، أن "الضربة الإيرانية في أربيل كانت عملا عدوانيا واضحا ضد العراق استهدف منطقة سكنية وضحاياها عائلة عراقية كردية، بينهم أطفال".
وصرح السوداني بأن "هذا الفعل بالتأكيد تطور خطير يقوض العلاقة القوية بين العراق وإيران"، لافتا إلى أن "الحكومة العراقية تحتفظ بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات الدبلوماسية والقانونية بما يتطابق مع مبدأ السيادة الوطنية".