رغم إجرائها قبل شهور.. لماذا يتأخر حسم استحقاقات الانتخابات المحلية بالعراق؟
محللون أكدوا أن الخلافات داخل ائتلاف إدارة الدولة تنعكس على ديالى وكركوك
رغم مرور نحو نصف عام على إجراء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في العراق، لم تحسم محافظتا كركوك وديالى بعد الاستحقاقات الانتخابية من أجل تنصيب محافظين جدد للمدينتين المعروفتين بالتنوّع الطائفي والعرقي، من العرب السنة والشيعة، والأكراد والتركمان.
وبعد 10 أعوام على آخر انتخابات مماثلة، أجريت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، انتخابات مجالس المحافظات في العراق، والتي تملك صلاحيات واسعة كونها لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة.
تقارب النتائج
تعطّل انتخاب محافظ كركوك الغنية بالنفط، يعود سببه إلى صراع بين العرب والأكراد والتركمان على المنصب، الذي يتولى إدارته شخصية عربية سنية منذ 2017 وحتى اليوم، بعدما أدارت المحافظة القوى الكردية، وتحديدا الاتحاد الوطني الكردستاني، منذ عام 2003.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، كلف رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، نائب محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري بشغل منصب المحافظ، بالوكالة خلفا للمحافظ السابق القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، نجم الدين كريم، الذي أقاله البرلمان.
وأقال البرلمان العراقي كريم، بناء على طلب العبادي، بعدما أصر الأول على إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان العراق في كركوك 25 سبتمبر/أيلول 2017، رغم أن المحافظة من المناطق المتنازع عليها، وتقع ضمن مسؤولية الحكومة المركزية ببغداد وليست خاضعة لسلطة الإقليم.
وأعلنت القوات العراقية 21 أكتوبر 2017 أنها استعادت السيطرة على مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط المتنازع عليها والخاضعة لسلطة قوات البيشمركة الكردية منذ عام 2014، بعد انسحاب الجيش العراقي جرّاء اجتياح تنظيم الدولة للمدينة مع عدد من محافظات شمال البلاد.
وجاءت السيطرة على كركوك بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء وقتها حيدر العبادي عن إصداره توجيهات بـ"فرض الأمن" في المحافظة، بعدما عد المحافظ نجم الدين كريم متمردا على إرادة بغداد، والذهاب باتجاه تنفيذ قرارات إقليم كردستان العراق.
وأفرزت الانتخابات المحلية الأخيرة في كركوك، نتائج متقاربة بين أكبر مكونين، إذ حقق الأكراد 7 مقاعد من أصل 16 للمحافظة، ومقعد واحد حليف لهم عن المكون المسيحي، في مقابل حصول المكون العربي على 6 مقاعد، ومقعدين للتركمان، الحليف الأقرب للعرب.
أما في ديالى المحاذية لإيران، فالأمر لا يختلف كثيرا عن كركوك، لكن الصراع هنا ينحصر بين المكونين الشيعي والسني.
فرغم أن المحافظة ذات غالبية سنية بنسبة تتجاوز الـ 60 بالمئة، لكن الشيعة يصرون على بقاء المنصب في أيديهم بعدما حصلوا عليه منذ عام 2015.
علاوة على الصراع بين المكونين، هناك تنازع شيعي- شيعي على المنصب، إذ تصرّ "منظمة بدر" بقيادة هادي العامري على الاحتفاظ به، كون المحافظ الحالي مثنى التميمي ينتمي إليها.
بينما ترفض ذلك، "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، و"ائتلاف دولة القانون" برئاسة نوري المالكي، ويحاولان الإتيان بشخصية تمثلهما.
وتحاول القوى السنية استعادة المنصب، وذلك بإعلان عضو مجلس محافظة ديالى فارس الجبوري في 2 مايو 2024، ترشيح النائب السني في البرلمان، رعد الدهلكي ليكون محافظا لها، مؤكدا أن ذلك جاء باتفاق كتل المكون كلها (العزم، تقدم، والسيادة).
وشهدت انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة في محافظة ديالى، نتائج متقاربة أيضا، وذلك بحصول القوى الشيعية مجتمعة على 7 مقاعد من أصل 15.
في المقابل حققت القوائم السنية كلها 7 مقاعد، بينما ذهب مقعد وحيد إلى المكوّن الكردي في المدينة.
غياب التوافق
وعن مدى مساهمة التنوّع الطائفي والعرقي في تعثر انتخاب محافظين لديالى وكركوك والتأخر في حسم الاستحقاقات الانتخابية، رأى مراقبون أن الأمر له علاقة بغياب التوافق داخل ائتلاف "إدارة الدولة" الذي يتشكل من جميع القوى البرلمانية في البلاد.
وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، حيث يمثل الأول الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون الكردية".
وقال الأكاديمي والباحث العراقي، مؤيد الدوري، لـ"الاستقلال" إن "الخلافات داخل ائتلاف إدارة الدولة، يعطل إلى اليوم اختيار رئيس جديد للبرلمان خلفاء لمحمد الحلبوسي، وهذا أيضا انسحب على اختيار محافظين لديالى وكركوك".
وأوضح الدوري أن "الحلبوسي الذي أقيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لم يحسم بديله له داخل قوى الإطار التنسيقي أيضا، واليوم يحصل الأمر نفسه لمناصب المحافظين، لذلك البلد في حالة من غياب التوافق السياسي، وهذا إذا استمر فإنه سيولّد أزمات أخرى في المستقبل القريب".
وأكد الباحث أن "الخلافات امتدت إلى داخل المكوّن الواحد، فالأكراد في كركوك غير متفقين بشكل كامل، كما أن كتل السنة تتنازع فيما بينها والشيعة كذلك على منصب محافظ ديالى، لذلك فإن التنوّع الطائفي والعرقي في هذه الحالة ساهم في تعميق المشكلات ولم ينهها".
وفي هذه النقطة تحديدا، ذكرت صحيفة "المدى" العراقية مطلع مايو 2024، أن "التسريبات تشير إلى أن دخول السُنة في أزمة ديالى له علاقة باختيار رئيس البرلمان المعطل منذ أشهر".
وأوضحت أن الدهلكي (النائب السني المرشح لمنصب محافظ ديالى) هو من (عزم) الفريق الخصم، لزعيم حزب (تقدم) محمد الحلبوسي. والفريق الأول يصر على الإسراع بعقد جلسة لاختيار رئيس البرلمان، ويخشى التسويف.
ونقلت الصحيفة العراقية عن قيادي الإطار التنسيقي الشيعي (لم تكشف هويته)، أن "اختيار رئيس البرلمان سيساعد في حل أزمة المحافظات، ومنها ديالى"، مؤكدا أن "السُنة سينسحبون من أزمة المحافظة المذكورة حال اختيار مرشح من الفريق المعارض للحلبوسي".
أما عن محافظة كركوك، يقول القيادي الإطاري إن “الأوضاع في ديالى شبه محسومة على خلاف كركوك”.
وأشار إلى أن "المقترح الأكثر قبولا في كركوك الآن هو تداول السلطة بين القوى الفائزة كل عام ونصف العام بين الكرد والعرب والتركمان".
"خلافات كبيرة"
على الصعيد ذاته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري، إن "أحد أسباب تأخر إنهاء ملف كركوك وديالى، هو عدم بروز حزب على آخر أو حصوله على الأغلبية حتى يكون ضاغطا لفرض معادلة معينة".
وأكد الشمري خلال حديث لموقع "ارفع صوتك" التابع لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 16 فبراير/شباط 2024، أن "سببا آخر أدى لتعطيل اختيار المحافظ في كليهما، وهو أن المكونات السياسية فيهما تعاني خلافات كبيرة".
ولفت المحلل السياسي العراقي إلى أنه "في كركوك لا يوجد ملامح اتفاق عربي –عربي، أو اتفاق نهائي بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستانيين، إضافة إلى أن التركمان منشطرون بين من يؤيد التوجهات العربية وبين من يؤيد الأحزاب الكردية".
وتابع: "كما أن محاولات إعادة كل من محافظ كركوك وديالى السابقين من جديد إلى الواجهة عطّل بشكل كبير جدا حسم تنصيب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة".
من جهته، كشف العضو التركماني بمجلس محافظة كركوك أحمد رمزي، أن إدارة المحافظة لا يمكن لأي جهة أن تنفرد في تشكيلها دون موافقة باقي الأطراف.
وأرجع ذلك إلى أن "المحافظة بحاجة لمشاركة جميع مكوناتها عربا وكردا وتركمانا ومسيحيين، والدليل أن نتائج الانتخابات أظهرت تعادلا بين المكونات ولا يمكن لجهة الاستفراد بالإدارة".
ونقلت وكالة "موازين" العراقية عن رمزي في 4 مايو، قوله إن “عدم وجود اتفاق بين الكتل السياسية والذهاب برؤية موحدة لرئيس الوزراء يعني استمرار تعطيل المفاوضات وتوقف تشكيل إدارة كركوك ومجلسها".
وشدد في هذه النقطة على أن المجلس واجتماعاته مرتبط بعملية التوافق على إدارة المحافظة وهوية المحافظ.
وبموجب المادة السابعة من قانون مجالس المحافظات العراقية للعام 2008، فإن انتخاب مجلس المحافظة، للمحافظ ونائبيه يجب أن يكون بالأغلبية المطلقة، التي تمثل نصف الأعضاء زائد واحد.
وتتولى مجالس المحافظات المنتخبة- التي تعد بمثابة برلمانات مصغرة- مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين.
ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المُخصصة للمحافظة من الحكومة الاتحادية في بغداد.
المصادر
- مجلس كركوك يكشف سبب تأخر حسم تشكيل الحكومة المحلية
- ديالى وكركوك.. الاستحقاقات معطلة منذ 5 أشهر
- بعد وقف رواتب موظفي كردستان العراق.. هل ينفرط عقد حكومة السوداني؟
- ما الذي يُعطّل اختيار محافظي كركوك وديالى؟
- العبادي يعين محافظا جديدا بالوكالة لكركوك
- نتائج الانتخابات في كركوك العراقية تُعقّد تشكيل حكومتها: لا حل إلا بتوافق مكوناتها القومية
- صدور مرسوم جمهوري بتعيين مثنى التميمي محافظاً لديالى
- عضو بمجلس ديالى: الأحد المقبل سيتم طرح رعد الدهلكي لمنصب المحافظ