كارثة أوباما متواصلة.. كيف انتهى الحال بليبيا بعد الإطاحة بحكم القذافي؟

7 months ago

12

طباعة

مشاركة

في مارس/آذار 2011 أطلق حلف شمال الأطلسي "ناتو"، بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما عملية عسكرية واسعة ضد ليبيا، للإطاحة بحكم الزعيم الليبي السابق معمر القذافي. 

وبعد سبعة أشهر، في أكتوبر/تشرين الأول 2011، سيطر الثوار الليبيون على البلاد وقتلوا القذافي بالرصاص. وخرج أوباما قائلا: "لقد حققنا أهدافنا من دون إرسال جندي أميركي واحد إلى الأرض".

وبدا حينها أن الولايات المتحدة حققت ثلاثة أهداف: "رعاية الربيع العربي، وتجنب الإبادة الجماعية على غرار ما حدث في رواندا، والقضاء على ليبيا كمصدر محتمل للإرهاب".

ومع حلول الذكرى السنوية لهذه الأحداث، نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا للأستاذ المشارك في كلية ليندون بي. جونسون للشؤون العامة، آلان جيه كوبرمان، أكد فيه أن "هذا التقييم الأميركي كان سابقا لأوانه".

فشل ذريع

وأضاف كوبرمان: "إذا نظرنا إلى الماضي، فسوف يتبين لنا أن تدخل أوباما في ليبيا فشل فشلا ذريعا، حتى إذا حكمنا عليه بمعاييره الخاصة".

فليبيا لم تفشل في التحول إلى دولة ديمقراطية فحسب؛ بل تحولت إلى دولة فاشلة، تضاعف فيها عدة مرات القتل الناجم عن العنف، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.

وبدلا من مساعدة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، كما فعل القذافي خلال العقد الأخير من حكمه، أصبحت ليبيا الآن بمثابة ملاذ آمن للمليشيات المرتبطة بكل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.

وأضر التدخل في ليبيا أيضا بمصالح أخرى للولايات المتحدة، حيث قوض جهود منع الانتشار النووي، وثبط التعاون مع روسيا في الأمم المتحدة، وأجج الحرب الأهلية في سوريا.

وعلى الرغم مما يدعيه المدافعون عن المهمة، فقد كانت هناك سياسة أفضل بالإمكان، وهي عدم التدخل على الإطلاق، فالمدنيون الليبيون السلميون لم يكونوا مستهدفين فعليا.

فلو اتبعت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذا المسار، لكان بوسعهم إنقاذ ليبيا من الفوضى الناجمة عن ذلك، ومنحها الفرصة للتقدم في ظل خليفة القذافي الذي اختاره: ابنه سيف الإسلام، الليبرالي نسبيا والذي تلقى تعليمه في الغرب.

وبالتالي فهي بمثابة قصة تحذيرية حول كيف يمكن للتدخل الإنساني أن يأتي بنتائج عكسية على كل من الطرف المتدخل وأولئك الذين يهدف إلى مساعدتهم، وفق وصف كوبرمان.

وقال الكاتب: "على الرغم من أن القذافي دعم الإرهاب لعقود -كما شهد على ذلك دفع نظامه في وقت لاحق تعويضات عن تفجير طائرة لوكربي عام 1988- فقد تطور الزعيم الليبي إلى حليف للولايات المتحدة ضد الإرهاب العالمي حتى قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001".

وأشار إلى أن أحد دوافع القذافي لذلك، هو أنه واجه تهديدا داخليا من المسلحين التابعين لتنظيم القاعدة.

وأفاد بأن "رئيس الأمن الخارجي في عهد القذافي، موسى كوسا، التقى عدة مرات مع كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية لتقديم معلومات استخباراتية عن المقاتلين الليبيين في أفغانستان وعن مروّج الأسلحة النووية الباكستاني، عبد القدير خان".

وفي عام 2009، أشاد الجنرال ويليام وارد، الذي ترأس القيادة الأميركية في إفريقيا، بالحكومة الليبية بوصفها "شريكا رئيسا في مكافحة الإرهاب العابر للحدود".

وألمح الكاتب إلى أن ما حدث في ليبيا سبّب انتشار السلاح في دول أخرى، زاعما أن "الصواريخ شقت طريقها عبر مصر إلى قطاع غزة".

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2012، أطلق مسلحون من غزة صاروخا مضادا للطائرات للمرة الأولى، لكنهم أخطأوا طائرة هليكوبتر تابعة للجيش الإسرائيلي.

وادعى حينها مسؤولون إسرائيليون أن الأسلحة مصدرها ليبيا.

علاوة على ذلك، ربما يكون التدخل في ليبيا قد عزز العنف في سوريا، وفق المقال.

ففي مارس/آذار 2011، كانت الانتفاضة السورية لا تزال غير عنيفة إلى حد كبير، وكان رد حكومة الأسد -على الرغم من أنه غير متناسب- محدودا نسبيا، حيث أودى بحياة أقل من 100 سوري أسبوعيا.

"ولكن بعد أن أعطى الناتو اليد العليا للثوار في ليبيا، تحول نظراؤهم في سوريا إلى العنف في صيف عام 2011، وربما كانوا يتوقعون اجتذاب تدخل مماثل"، بحسب كوبرمان.

خيار بديل

وقال كوبرمان: "على الرغم من الاضطرابات الهائلة الناجمة عن تدخل الناتو، فإن بعض أنصاره الذين مازالوا يدافعون عنه، يزعمون أن البديل -وهو ترك القذافي في السلطة- كان ليصبح أسوأ".

لكن يعتقد الكاتب أن "القذافي لم يكن مستقبل ليبيا على أية حال، فقد كان يبلغ من العمر 69 عاما ويعاني من اعتلال صحته، وكان يضع الأساس لنقل السلطة إلى ابنه سيف الإسلام، الذي كان لسنوات عديدة يجهز أجندة إصلاحية".

وأعلن سيف الإسلام في عام 2010: "لن أقبل أي منصب ما لم يكن هناك دستور جديد، وقوانين جديدة، وانتخابات شفافة"، مضيفا أنه "ينبغي أن يتمكن الجميع من الوصول إلى المناصب العامة، ولا ينبغي لنا أن نحتكر السلطة".

"كما أقنع سيف والده بأن النظام يجب أن يعترف بمسؤوليته عن مذبحة السجن سيئة السمعة عام 1996 ويدفع تعويضات لأسر مئات الضحايا".

ويشير الكاتب هنا مجزرة "سجن أبو سليم"، التي قتل فيها نظام القذافي حوالي 1270 سجينا، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش".

بالإضافة إلى ذلك، في عام 2008، نشر سيف الإسلام شهادة من سجناء سابقين زعموا تعرضهم للتعذيب على يد اللجان الثورية غير الرسمية التابعة للقذافي، وطالب بنزع سلاحها.

ومن عام 2009 إلى عام 2010، أقنع سيف الإسلام والده بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين الليبيين تقريبا، وأنشأ برنامجا للقضاء على تطرف الإسلاميين، والذي استشهد به الخبراء الغربيون كنموذج.

كما دعا نجل القذافي إلى إلغاء وزارة الإعلام الليبية، لصالح وسائل الإعلام الخاصة.

حتى إنه دعا علماء أميركيين مشهورين -بما في ذلك فرانسيس فوكوياما، وروبرت بوتنام، وكاس سنشتاين- لإلقاء محاضرات حول المجتمع المدني والديمقراطية.

ولعل أوضح مؤشر على المؤهلات الإصلاحية لسيف الإسلام -وفق المقال- هو أنه في عام 2011، تبين أن كبار القادة السياسيين للثورة كانوا مسؤولين جلبهم سيف الإسلام إلى الحكومة في وقت سابق.

فقد كان رئيس وزراء المجلس الوطني الانتقالي التابع للثوار خلال الحرب، محمود جبريل، يرأس مجلس التنمية الاقتصادية الوطني التابع لسيف الإسلام.

كما اختير رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، من قبل سيف الإسلام في عام 2007 لتعزيز الإصلاح القضائي كوزير للعدل في ليبيا، وهو ما فعله حتى انشقاقه وانضمامه إلى الثوار.

ويقول كوبرمان: "على الرغم من أن سيف لم يكن ليحول ليبيا إلى ديمقراطية جيفرسون بين عشية وضحاها، إلا أنه بدا عازما على القضاء على أوجه القصور والظلم الأكثر فظاعة في نظام والده".

درس ليبيا

وأشار المقال إلى أن "أوباما اعترف بندمه على ما حدث في ليبيا، ولكنه للأسف استوعب الدرس الخطأ".

فقد قال أوباما لكاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، توماس فريدمان، في أغسطس/آب 2014: "أعتقد أننا قللنا من تقدير الواقع"، مشيرا إلى أنه كانت هناك "حاجة إلى الدخول بكل قوة" وإلى "جهد أكثر جرأة لإعادة بناء المجتمع".

ولكن هذا هو بالضبط الخيار الخاطئ -وفق المقال- فلم يكن الخطأ في ليبيا يتمثل في عدم كفاية جهود ما بعد التدخل؛ لقد كان قرار التدخل في المقام الأول.

ويرى الكاتب أن "الدرس الحقيقي المستفاد من ليبيا هو أنه عندما تستهدف دولة ما المتمردين على نطاق ضيق، يتعين على المجتمع الدولي أن يمتنع عن شن حملة عسكرية لأسباب إنسانية لمساعدة المسلحين".

كما يعتقد أن المسار الحكيم الذي كان على أوباما اتباعه، هو تعزيز الإصلاح السلمي من ذلك النوع الذي كان سيف الإسلام نجل القذافي يسعى لتنفيذه.

الكلمات المفتاحية