ضعف أمني ومنافسة محتدمة وتغيرات دولية.. ما مصير الوجود الروسي بإفريقيا؟

"لم يكن عاما جيدا لآلة الدعاية الروسية في إفريقيا"
بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، برز تحدٍّ جديد لروسيا في القارة السمراء، إذ لم يفقد الكرملين سمعته كحامي الديكتاتوريين فحسب.
بل أصبحت العمليات الروسية في إفريقيا أكثر تعقيدا، لا سيما أنها تشهد منافسة بين مجموعات المرتزقة مثل فاغنر، والفيلق الإفريقي التابع للجيش الروسي.
ووسط شكوك حول استمرار قاعدة حميميم الروسية في سوريا، ونقل موسكو لجزء كبير من معداتها العسكرية منها إلى شرق ليبيا.
برز تساؤل حول مدى ثقة موسكو بحفتر، للاعتماد عليه في إنشاء قاعدة عسكرية روسية ضخمة في ليبيا.
وهو ما ناقشه تقرير، نشرته صحيفة "دير ستاندارد" النمساوية، حيث بحث إمكانية عودة دول الساحل الإفريقي للتعاون الأمني مع التحالفات الغربية مرة أخرى، أو مع شركاء آخرين كتركيا.
ويأتي ذلك في ظل تزايد الضغوط على روسيا نتيجة تراجع دورها في بعض المناطق، بجانب التدهور الأمني الكبير في بعض الدول التي تحالفت أمنيا مع موسكو.

تدهور كبير
"لم يكن عاما جيدا لآلة الدعاية الروسية في إفريقيا"، بهذه العبارة استهل التقرير وصف الوضع الأمني للقوات الروسية في إفريقيا لعام 2024.
ووفقا للتقرير، تعرض مرتزقة فاغنر، بالتعاون مع جنود محليين في شمال مالي، خلال شهر يوليو/ تموز 2024، لكمين نصبه الانفصاليون الطوارق.
وتابع: "انتشرت صور لعشرات القتلى من الروس على نطاق واسع عبر الإنترنت، وتكرر الأمر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، خلال حادثة مشابهة".
وأشار إلى أن تلك الحوادث لم تقع فقط في مالي، بل أيضا في بوركينا فاسو والنيجر، حيث "تدهورت الأوضاع الأمنية بشكل دراماتيكي منذ الإعلان المتحمس من الكرملين عن تحالفات أمنية".
وأضاف: "وفي السودان، حيث وعد الحكام العسكريون المتنازعون فلاديمير بوتين ببناء قاعدته البحرية الروسية على البحر الأحمر، فإن حجر الأساس لا يزال معلقا".
ورأى التقرير أنه "من الممكن أن يصبح العام المقبل أكثر صعوبة بالنسبة للتوسع الروسي المنشود في إفريقيا".
وعزا ذلك إلى أن "الكرملين، مع سقوط نظام الأسد، فقد سمعته كحامي موثوق للديكتاتوريين"، مشيرا إلى أن "مستقبل قاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية السورية بات مهددا".
مركز لوجستيات
وتأتي أهمية القاعدة الروسية في سوريا بصفتها "مركز لوجستيات العمليات العسكرية الروسية في إفريقيا".
إذ "يتم نقل المواد والأفراد من روسيا إلى سوريا، حيث يتم تزويد الطائرات بالوقود، ثم تواصل رحلاتها إلى إحدى القواعد الروسية الأربعة في ليبيا ومن ثم إلى دول الساحل الحليفة"، وفق التقرير.
وأوضح أنه "في الأيام الأخيرة، كانت هناك بعض الرحلات المباشرة من روسيا إلى ليبيا، ولكن المسافة طويلة جدا بالنسبة للأحمال الثقيلة".
وأردف: "ومن الصعب تصور تناوب الأفراد وتسليم المعدات العسكرية، بدون سوريا".
في السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن الكرملين لا يزال يتفاوض مع الحكام الجدد في سوريا، بشأن تمديد عقود الإيجار.
ويعود العقد الخاص بقاعدة حميميم الجوية إلى الحقبة السوفيتية، بينما يعود عقد القاعدة البحرية إلى عام 2013، وكلاهما يمتد لسنوات قادمة.
ونقل التقرير عن وسائل إعلام روسية رسمية تحدثها عن "قرب التوصل إلى اتفاق".
"ومع ذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية، في الأيام التي تلت سقوط الديكتاتور بشار الأسد، إشارات إلى استعدادات لانسحاب القوات الروسية"، بحسب الصحيفة النمساوية.

مشهد معقد
وشددت الصحيفة على أن "النشاط التجاري الروسي في إفريقيا سيصبح -في كل الأحوال- أكثر تعقيدا مما هو عليه بالفعل".
حيث أفاد التقرير بأن "مرتزقة فاغنر يتقاسمون العمليات مع جنود "فيلق إفريقيا"، الذين يتبعون وزارة الدفاع الروسية ويتقاضون رواتب أقل".
وأكمل: "تتلقى قوات فاغنر المقاتلة مكافآت سخية من خلال تراخيص التعدين، لكن تجنيد المدربين والمستشارين لفيلق إفريقيا الأقل شهرة يواجه صعوبات منذ فترة طويلة".
من جانبه يرى أولف ليسينج، مدير برنامج إقليم الساحل بمؤسسة كونراد أديناور، أن "تعزيز البنية التحتية الروسية، مثل مستودعات الأسلحة، بات ممكنا الآن في ليبيا".
مع ذلك، لفت ليسينج الانتباه إلى أن "حفتر معروف بتقلباته ونقض وعوده".
مضيفا: "سيطالب حفتر على الأرجح بأسلحة مثل المدافع المضادة للطائرات كمقابل، مع وجود شكوك حول قدرة الكرملين على تلبية تلك المطالب".
ويبدو المشهد أكثر تعقيدا في ليبيا عن سوريا، التي كان الكرملين يتمتع فيها بشراكة حصرية إلى جانب إيران، وفق التقرير.
وأوضح قائلا: "في ليبيا، تؤثر إيطاليا على حفتر فيما يتعلق بسياسات الهجرة، بينما تزود الإمارات الجنرال بالأسلحة".
مضيفا: "ليس لدى الإمارات مصلحة في أن تصبح أنشطتها تحت الأضواء، بسبب تعزيز الأنشطة الروسية".
كما رأى أن التوسع الروسي المنشود في دول مثل تشاد، التي ألغت أخيرا اتفاقا عسكريا مع فرنسا، أصبح "مستبعدا الآن"، مصرحا: "لا أستطيع تصور ذلك".
أما في بوركينا فاسو، التي تتعاون مع روسيا منذ عام 2022 وتستخدم 200 جندي من "فيلق إفريقيا" لحماية الجنرالات بشكل رئيسي، فإن الرؤية مختلفة، حسب الصحيفة النمساوية.
وأفاد التقرير بأن "المستشار الرسمي للمجلس العسكري، لوران كيورا، أظهر التقليل من تأثير الأحداث في سوريا، مؤكدا أن الأمور هناك لا تزال غير محسومة".
مضيفا: "روسيا ستفعل كل ما بوسعها لضمان الحفاظ على مكانتها في سوريا مستقبلا، وقد يتحول أعداء الأمس هناك إلى أصدقاء".
واستدرك التقرير: "لكن حتى كيورا يعترف بأن المخاطر كبيرة".
وقال المستشار: "هناك الكثير من الأمور على المحك بالنسبة لروسيا والدول الإفريقية، ففاغنر تعد حصنا لدول الساحل، خاصة تلك التي اتخذت موقفا ضد الغرب".
ورأى أن سقوط الأسد لا يحمل تأثيرا "في الوقت الحالي على الأقل"، بل على العكس، اعتبر أنه "من الممكن أن يزيد اهتمام روسيا بإفريقيا مستقبلا".

عودة اضطرارية
من ناحية أخرى، يرى جاكي سيلييرز من مركز الدراسات الأمنية في جنوب إفريقيا، فرصة جديدة للغرب في غرب ووسط إفريقيا.
وقال المحلل: "إذا خرجت قاعدة حميميم العسكرية من الخدمة، فسنرى تأثير ذلك في منطقة الساحل خلال بضعة أشهر".
وأضاف أنه "بدون دعم الكرملين، قد تجد دول مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر نفسها مضطرة للعودة إلى الانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)".
وأشار إلى "أن هذه الدول، لا تعتمد بالكامل على روسيا في إمدادات الأسلحة لمحاربة الإسلاميين والجماعات المتمردة".
فبحسبه، دعمت فرنسا على مدار عقود، دولا ذات سمعة ديمقراطية مشكوك فيها.
وتابع: "كما أن دولا مثل مصر والإمارات وتركيا، مستعدة لتوسيع التعاون العسكري في المنطقة".
وعقب التقرير: "في الواقع، بدأ السرد الروسي الذي يروجه الكرملين بصفته الملاذ الأخير لدول الساحل الإفريقي بالتصدع".
واستشهد بانتشار مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، "يظهر على ما يبدو مدربين عسكريين أتراك، وهم يشرفون على تدريبات مع جنود في مالي".
حيث أشار أنه "يُقال إن هؤلاء الجنود، هم الحرس الشخصي لرئيس المجلس العسكري، أسيمي غويتا".