حشود عسكرية صربية على حدود كوسوفو وأميركا تهدد والناتو يعزز قواته.. ما القصة؟
في تطور خطير ينذر باشتعال حرب حقيقية، نشرت صربيا تعزيزات عسكرية قرب حدود كوسوفو ضمن مخططها لدعم الأقلية الصربية في الأخيرة على أمل تشكيل ما يعرف بـ"اتحاد البلديات الصربية".
بسبب خطورة الوضع، حذر البيت الأبيض، في 29 سبتمبر/ أيلول 2023 من أن صربيا تقوم بعملية انتشار عسكري "غير مسبوق" على طول حدودها مع كوسوفو، داعياً بلغراد إلى سحب قواتها، وهددت الولايات المتحدة بإجراءات ضد هذا التحرك الصربي.
القلق الأميركي سببه، وفق متحدث مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، أن "الانتشار العسكري الصربي الكبير على طول حدود كوسوفو، ضم قوات ومدفعية متطورة ودبابات ووحدة مشاة آلية، ويشير لنية شن صربيا حربا ضد كوسوفو.
في اليوم نفسه، تحدث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، وطالبه بتهدئة التوتر مع كوسوفو وسحب قواته، وفق "وزارة الخارجية الأميركية".
وقال الرئيس الصربي إن وزير الخارجية الأميركي هدد بلاده بـ "إجراءات" لم يحددها، قد يتم اتخاذها ضد بلغراد، مع تصاعد التوتر في أعقاب الاشتباكات الدامية بين صرب كوسوفو والشرطة.
من جانبه، أعلن حلف شمال الأطلسي "ناتو"، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أنه سينشر نحو 600 جندي بريطاني في كوسوفو لتعزيز قوته المنتشرة في البلاد باسم قوة "كفور" للتصدي للتوتر المتجدد بالمنطقة.
وجاءت هذه التوترات عقب اغتيال مسلحين من المتمردين الصرب في كوسوفو، شرطي كوسوفي، وردت القوات الخاصة في شرطة كوسوفو بمطاردة قرابة 30 من المقاتلين الصرب وفق وكالة "رويترز".
حيث حاصرت القوات الخاصة للشرطة، المجموعة المسلحة الذين لجأوا إلى دير أرثوذكسي في قرية بانجسكا القريبة من الحدود، وقتلت ثلاثة منهم في تبادل لإطلاق النار المسلحين، وأعقب ذلك حشود عسكرية صربية.
والاشتباك الأخير جزء من توتر وأزمة أكبر ترجع إلى أبريل/ نيسان 2023، عندما قاطع الصرب الأرثوذوكس في كوسوفو الانتخابات المحلية.
ما أدى إلى سيطرة المسلمين من العرق الألباني على المجالس المحلية في أربعة من مدنها، بها أغلبية صربية شمال كوسوفو قرب الحدود مع جمهورية صربيا.
وقد قرر رئيس الوزراء ألبين كورتي في مايو/ أيار 2023 تعيين أربعة مسلمين على رأس مجالس محلية في أربع بلدات تقطنها غالبية من الصرب، بعدما قاطع هؤلاء الانتخابات التي أجريت في مناطقهم، وأعقب القرار مظاهرات للأقلية الصربية.
وعندما حاول الموظفون المنتخبون المسلمون دخول البنايات الحكومية، تعرضوا لهجومٍ على يد مسلحين مسيحيين تدعمهم بلغراد، ويحملون شارات حرف "Z"، وهو شعار روسيا في الحرب الأوكرانية، ومنعوهم من تسلم مناصبهم.
ولا تكمن المشكلة في رفض الصرب رئاسة مسلمين لهذه المجالس البلدية، ولكن في رفضهم سلسلة أمور أخرى تجعلهم تحت سيادة دولة كوسوفو المستقلة، مثل رفضهم لوحات تراخيص السيارات الكوسوفية وغيرها.
وتشجعهم صربيا أملا في انفصالهم عن كوسوفو بجمهورية انفصالية على غرار صرب البوسنة الذين فعلوا الشيء نفسه ورفضوا الانصياع لقوانين الدولة البوسنية الموحدة، وتدعمهم صربيا أيضا، أملا في استعادة هذه المناطق ذات الأغلبية الصربية في كوسوفو والبوسنة يوما ما.
وأعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا في عام 2008، في أعقاب حرب 1998-1999 التي حاول فيها مسلمو كوسوفو الانفصال عما كان يعرف آنذاك بجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، المكونة من صربيا والجبل الأسود اليوم.
وتدخل حلف شمال الأطلسي في 1999 لوقف القتال، ولم تعترف صربيا باستقلال كوسوفو، وظلت تتهمها بإساءة معاملة السكان من أصل صربي، الذين تدعمهم بالسلاح لنشر الفوضى.
سر التصعيد
في 24 سبتمبر 2023، قُتل شرطي مسلم من كوسوفو وأصيب آخر جراء إطلاق مسلحين صرب النار عليهما بعدما أغلقوا طريقا في منطقة "بنياسكا" ذات الغالبية الصربية شمالي كوسوفو.
واتهم رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، صربيا بدعم المسلحين، وطالب بلغراد بـ "التوقف عن رعاية الهجمات الإرهابية في الشمال"، ملمحا لأن لها "مصلحة" من وراء التصعيد وتشجيع صرب كوسوفو على التمرد.
وعقب مطاردة شرطة كوسوفو المسلحين الصرب وقتل ثلاثة منهم في أحد الأديرة تحصنوا بها، ثار الصرب، وحشدت دولة صربيا قوات عسكرية، فأعلن حلف شمال الأطلسي "الناتو" 29 سبتمبر 2023 نشر قوات إضافية في كوسوفو لوقف العنف.
سر التصعيد يمكن في التحريض من جانب جمهورية صربيا للصرب الكوسوفيين، مثلما حضرت صرب البوسنة، أملا في تشكيل اتحاد مع مناطق الصرب في كوسوفو والبوسنة، عبر دفع صرب كوسوفو لتشكيل اتحاد للبلديات الصربية يتحول لجيب منفصل داخل كوسوفو.
هذا الاتحاد هو تجمع عرقي وكيان سياسي تروج له صربيا في شمال كوسوفو، ويرى محللون أن الهدف من تشكيله أن يكون على غرار ما حدث في البوسنة.
حيث تمرد صرب البوسنة عام 1992 على حكومة البوسنة، وقاموا بتشكيل اتحادات مشابهة، والآن أصبح لهم شبه دولة مستقلة تزعج جمهورية البوسنة المسلمة.
وتروج بلغراد فكرة تشكيل اتحاد عرقي في شمال كوسوفو بصفتها السبيل لتأسيس كيان سياسي بالوكالة فوق أراضي كوسوفو.
وتضغط على رئيس الوزراء في كوسوفو، ألبين كورتي للموافقة على تشكيل اتحاد البلديات الصربية، الذي تضغط عليه أيضا أوروبا لتهدئة الأوضاع.
ولو سمحت حكومة كوسوفو بتشكيل هذا الاتحاد للبلديات الصربية داخل كوسوفو، فسوف يكون ذلك بمثابة كابح لجماح طموحات بناء كوسوفو كدولة أوروبية حديثة، كما سيقوض سيادة كوسوفو ويمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو.
وتشير صحف أميركية إلي سبب آخر لتشجيع رئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش تمرد صرب كوسوفو، يتعلق بأسباب داخلية.
حيث يسعى الرئيس الصربي لتشتيت الأنظار عن الاستياء الشعبي المتزايد ضد حكمه وتراجع شعبيته بتصعيد التوتر في كوسوفو، على غرار ما يفعله كل الحكام المستبدين الذين يستغلون الأزمات الخارجية لصرف الأنظار عن المشكلات الداخلية.
ويشير المحللون، الذين يتهمون الرئيس الصربي بأنه وراء التوتر الأخير ومده صرب كوسوفو بالسلاح، أنه امتداد لنظام الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش الذي قمع ألبان كوسوفو.
أكدوا أن المسؤولين الصرب الذين أعقبوا "ميلوشيفيتش" اتبعوا السياسة نفسها في التصعيد مع كوسوفو.
فقد كان الرئيس الصربي الحالي "فوتشيتش" هو وزير الإعلام في حكومة جزار الصرب ميلوشيفيتش، كما خدم وزير الخارجية الراهن إيفيتسا داتشيتش كمتحدث باسم ميلوشيفيتش، فيما كان رئيس المخابرات ألكسندر فولين مساعدا لزوجة ميلوشيفيتش ميرا ماركوفيتش.
أي أن القيادة الحالية في بلغراد هي امتداد لنظام ميلوشيفيتش في التسعينيات، ما يجعل إصرارها على الحرب مع كوسوفو والبوسنة أمرا في صميم عقيدتها السياسية الدينية.
وعقب شن الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش حملة تطهير عرقي ضد المسلمين الألبان في كوسوفو، رد حلف الناتو بتدخل إنساني وحملة قصف جوية ضد صربيا، استمرت من مارس وحتى يونيو 1999.
ما أجبر ميلوشيفيتش على سحب قواته، وظلت قوات حفظ السلام التي يقودها الناتو ترعى الأمن في المنطقة منذ ذلك الحين.
وتبع هذا إعلان كوسوفو عام 2008 استقلالها الذي اعترفت به الولايات المتحدة وتركيا، وغالبية دول الاتحاد الأوروبي، بينما لم تعترف روسيا والصين واليونان وإسبانيا باستقلال كوسوفو، ورفضت بلغراد الاعتراف بالأمر الواقع.
موقف أوروبا
ويقول محللون إن ما شجع صرب كوسوفو على تصعيد التمرد هو موقف أوروبا التي بدأت تنحاز منذ فترة للصرب على حساب كوسوفو.
أوضحوا أن الاتحاد الأوروبي بدأ ينحاز بشكل فج لصربيا، رغم علمه بأنها تحاول أن تفتعل المشاكل مع كوسوفو.
وألقى عدد من المسؤولين الأوروبيين باللوم على حكومة رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي بأنها وراء التصعيد الأخير مع صرب كوسوفو وصربيا، رغم علمهم بنوايا الصرب ومسؤوليتهم عن العنف.
وسبق أن هدد الاتحاد الأوروبي في 14 يونيو/حزيران 2023، كوسوفو "بعواقب سياسية" في حال لم تتحرك باتجاه التهدئة مع المجموعة الصربية شمالي البلاد، وذلك بعد أن أعلنت صربيا اعتقال 3 شرطيين من كوسوفو تجاوزوا الحدود.
وذلك رغم أن حكومة كوسوفو اتهمت صربيا بخطفهم وإدخالهم أراضيها، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، حينئذ.
وهدد المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، رئيس الوزراء في كوسوفو، ألبين كورتي بـ "عواقب سياسية" لو لم يقم بتهدئة الأمور مع صرب كوسوفو.
ودفع هذا صحيفة "الغارديان" البريطانية لانتقاد الاتحاد الأوروبي في افتتاحيتها 25 سبتمبر 2023 مؤكدة أنه "يجب على أوروبا أن تفعل المزيد بشأن مستقبل كوسوفو".
ووصفت "إستراتيجية الوساطة" التي يتبناها الاتحاد الأوروبي في كوسوفو بأنها "غير ناجحة"، مشيرة إلى "الفشل الدبلوماسي" للاتحاد الأوروبي في حل مشكلة صرب كوسوفو بسبب تركيزه على استرضاء الصرب في أعقاب الغزو الروسي.
وقالت الصحيفة: "ضاعف الاتحاد الأوروبي جهوده لجعل منطقة غرب البلقان في مداره ومكافحة نفوذ موسكو، وترك المنطقة ساخنة في البلقان".
وكان رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، قال للغارديان في 24 سبتمبر 2023، إن "المحادثات مع صربيا التي تتم بوساطة الاتحاد الأوروبي وصلت إلى طريق مسدود".
واتهم رئيس وزراء كوسوفو المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي للمحادثات بأنه "فقد حياده".
وكان لافتا أنه رغم الانحياز الأوروبي للصرب والضغط على كوسوفو، اعترف رجل الأعمال الصربي المتطرف ميلان رادويتشيتش أنه هو من خطط للعملية التي نفذها صرب مسلحون وأسفرت عن قتل شرطي من كوسوفو.
وحاول "رادويتشيتش" تبرئة صربيا من هذه الجريمة التي أشعلت التوتر مجددا، واستقال من منصب نائب رئيس الحزب السياسي لصرب كوسوفو، وهو حزب تدعمه بلغراد ويمثل صرب كوسوفو، لكن الموقف الغربي ظل منحازا ضد كوسفو.
ولم يوضح بيان رادويتشيتش، الذي نشرته صحيفة "بلقان سايت" في 29 سبتمبر 2023، سبب وجود مجموعة الصرب المسلحين في "بنياسكا" أو كيف حصلوا على ترسانة الأسلحة والمركبات باهظة الثمن التي عثرت عليها شرطة كوسوفو هناك بعد القبض على بعض المسلحين.
واتهم سياسيون في كوسوفو حكومة بلغراد بالوقوف وراء الجماعة الصربية المسلحة ونفت صربيا ذلك، واكتفي الغرب بالصمت.
وقالت "فيوسا عثماني" رئيسة كوسوفو لوكالة "رويترز" في 28 سبتمبر إن المهاجمين الصرب الـ30 المدججين بالسلاح، والذين اقتحموا قرية في منطقة ذات أغلبية صربية في كوسوفو وقتلوا شرطيا كوسوفيا تحركوا بدوافع انفصالية.
قالت إنهم "تحركوا بدوافع قومية معتبرين أن صربيا هي دولتهم لا كوسوفو، وفوتشيتش (رئيس صربيا) هو زعيمهم"، لذا ألقت باللوم على صربيا في التوتر المسلح الذي حدث.
وأضافت أن صربيا تحاول "تنفيذ نموذج شبه جزيرة القرم" (الذي تنفذه روسيا في أوكرانيا) في كوسوفو، في محاولة لزعزعة استقرار المنطقة ذات الأغلبية الصربية، وطالبت الرئيس الصربي بأن يتوقف عن "العبث في كوسوفو".
المصادر
- The US is warning of a big build-up of Serbian troops on the Kosovo border. Here’s why tensions are high
- Kosovan PM Albin Kurti says talks with Serbia have reached deadlock
- Exclusive: Kosovo's president blames Serbia for shootout, says Kosovo 'under attack'
- The Guardian view on Kosovo’s future: Europe must do more
- Kosovo Serb Kingpin Radoicic Takes Responsibility for Weekend Shootout