كارثة فيضانات درنة تفتح ملف السدود العربية.. هل تواجه سوريا سيناريو مشابها؟
أعادت كارثة فيضانات درنة شرق ليبيا في العاشر من سبتمبر/أيلول 2023 والتي خلفت قرابة أربعة آلاف قتيل بعد انهيار سدين، تسليط الضوء على السدود في الوطن العربي ومنها سوريا.
إذ شكلت السدود في سوريا أحد أخطر التهديدات من انهيارها بفعل العمليات العسكرية، جراء حرب نظام بشار الأسد على الشعب لإخماد الثورة التي اندلعت ضده عام 2011.
ولا سيما أن بعض السدود جرى التحصن بها وبأبنيتها التشغيلية؛ مما عرضها لخطر الاستهداف ضمن سياق تلك العمليات العسكرية.
فعلى سبيل المثال، تحصن تنظيم الدولة في سد الفرات أكبر السدود السورية على نهر الفرات عام 2017.
وقد خشي آنذاك من تعرضه للقصف الأميركي إبان مكافحة تنظيم الدولة لطرده من محافظة الرقة التي يقع فيها سد الفرات والتي حولها التنظيم إلى "عاصمة للخلافة" المزعومة.
لكن مع ذلك، تعرضت سوريا لاختبارات عديدة، دعت لضرورة إجراء مسح شامل لوضع السدود والتأكد من جاهزيتها لمنع انهيارها نتيجة عوامل طبيعة أو في ظل التغيرات المناخية الكبيرة التي تتعرض لها الدول.
وفي حادثة هزت سوريا بتاريخ 4 يونيو/حزيران 2002، انهار سد زيزون المصنف بأنه عالي الارتفاع والواقع على بعد 90 كيلو مترا شمال غرب مدينة حماة.
وحدث ذلك بسبب تشققات في جسمه نتيجة احتجازه مياها أكثر من طاقته مما أدى لانهياره وتدفقت المياه نحو قرية زيزون التي تقع خلف السد مباشرة ودمرها بالكامل وأدت الواقعة لمقتل 22 شخصا ووقوع إصابات.
لكن لاحقا تبين وجود تقارير سابقة قبل انهيار السد موجهة إلى رئاسة وزراء النظام السوري حول حالة ومستقبل سد زيزون وأنه في خطر، مع احتمالات تعرضه للانتفاخ عند التعبئة وبالتالي سيكون الانهيار حتميا.
إلا أن حكومة الأسد لم تستجب لهذه التقييمات ولم تجر أي عمليات صيانة أو تأهيل لوضع سد "زيزون" الذي جعل من القرية أثرا بعد عين.
سدود خطرة
ويوجد راهنا في البلاد 3 مناطق نفوذ تتبع نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن، ومناطق المعارضة في الشمال السوري، تتوزع فيها سدود البلاد.
وينبع نهر الفرات من جنوب تركيا، ويمر في سوريا بطول نحو ستمئة كيلومتر من مدينة جرابلس على الحدود مع تركيا، وحتى مدينة البوكمال شرقا على الحدود العراقية.
وأقيمت عليه في سوريا ثلاثة سدود هي: تشرين قرب مدينة منبج بريف حلب، وسد الفرات، وسد "البعث" في ريف الرقة الغربي، وهذه السدود الثلاثة واقعة الآن تحت سيطرة "قسد".
وفي عام 2017 عاد الحديث عن سد الفرات الواقع في مدينة الطبقة بريف مدينة الرقة، عندما بدأ التحالف الدولي بمساندة من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لطرد تنظيم الدولة من المحافظة.
وآنذاك لم يكن الخطر بسبب عوامل التغيرات المناخية التي لم تكن مثارة بهذا الشكل راهنا، بل بفعل تمركز وتحصن عناصر تنظيم الدولة داخل سد الفرات.
إذ يعد سد الفرات من أهم السدود في سوريا والوطن العربي، ويستفاد منه في مشاريع زراعية وفي توليد الكهرباء حيث يصرف مياهه باتجاه بحيرة "الأسد".
وبدأ الخبراء والفنيون من الاتحاد السوفييتي بناء سد الفرات عام 1968 وانتهى العمل به في مارس/آذار 1978، ويبلغ طوله 4.5 كيلومترات، وعرضه من الأعلى 20 مترا وعند القاعدة 60 مترا.
وبني جسم السد من الإسمنت والحديد الصلب، وصمم لمقاومة هزة أرضية تصل قوتها إلى سبع درجات، ويحتجز خلفه أكثر من عشرة مليارات متر مكعب من المياه.
والحاجز المائي لسد الفرات مزود بآلية لتصريف المياه عبر قنوات، وذلك في حال تعرض السد لهزة من أي نوع كان.
كما أن المعايير الهندسية السليمة التي جرى العمل بها لدى تشييد السد، أخذت بالحسبان كل الظروف بما فيها ظروف الحرب.
وتلحق بالسد محطة التحويل التي تتفرع منها خطوط التوتر العالي نحو مناطق عدة في سوريا.
لكن مع ذلك كان يخشى إبان سيطرة تنظيم الدولة (حتى عام 2017) من تعطيل نظم التحكم الداخلي ووقف عمل السد ما قد يؤدي إلى فيضان وانهيارات.
حتى إن الأمم المتحدة حذرت عام 2017 من مخاطر فيضان كارثي إذا ما انهار السد المعرض لخطر ارتفاع منسوب المياه وأعمال تخريبية متعمدة من تنظيم الدولة.
وبحسب المختصين فإن انهيار سد الفرات يعني كنتيجة مباشرة غمر ثلث مساحة سوريا، فضلا عن تأثر مناطق واسعة في العراق تصل إلى مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار.
أما سد "تشرين" على نهر الفرات في مدينة منبج بريف حلب الشرقي فقد دخل الخدمة عام 1999.
ويحتوي السد على 6 مجموعات توليد كهربائية ضخمة كان لها دور كبير بإيصال الكهرباء لمدن وبلدات ريف حلب الشرقي بشكل كامل.
أما سد "البعث"، فهو ثالث أكبر السدود السورية في ريف الرقة الغربي، وبدأ بناؤه عام 1983 وانتهى في 1986، ويبلغ طوله مع المحطة 3069 مترا، وعرضه من القاعدة 60 مترا، والارتفاع 10 أمتار.
وسد "البعث" أصغر من سد الفرات ويستثمر الأول المياه الآتية من الثاني، ويعمل على توليد 375 مليون كيلوواط ساعة سنويا، بالإضافة لتنظيم جريان مياه النهر.
ويؤكد المختصون أن إجراء عمليات الصيانة الروتينية منها، أو الطارئة لسد البعث مهمة جدا منعا لانهياره بفعل أي عوامل طبيعية ما قد يؤدي إلى غرق مئات القرى والتسبب بكارثة إنسانية هناك.
ويوجد في محافظة الحسكة الواقعة معظمها تحت سيطرة قوات "قسد" عشرة سدود منتشرة في مختلف مناطق المحافظة، أكبرها تخزينا سد "باسل الأسد" جنوب الحسكة بحجم تخزين أعظمي يبلغ 604 ملايين متر مكعب.
اختبار الزلزال
عقب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير/شباط 2023 وأدى لدمار واسع ومقتل 2000 سوري، جاء الاختبار الجديد لوضع السدود في البلاد.
وقد تسبب الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجات لتصدع كبير في "سد 17 نيسان" المعروف بـ"سد ميدانكي" نسبة إلى القرية المطلة عليه على نهر عفرين شمال غربي حلب.
وحينها حذر خبراء من أن مدينة عفرين ومعظم القرى المحيط بها، بما فيها عشرات مخيمات النازحين بمحيطها مهددة بكارثة إنسانية ومعرضة للغمر والغرق في حال انهيار السد.
ينبع "سد ميدانكي" من جبال طوروس في تركيا، ويسير في ريف حلب بطول 55 كيلومترا وفي الأراضي التركية بطول 95 كيلومترا.
وبدأت أعمال تشييد "سد ميدانكي"، عام 1997، وافتتح في 24 أبريل/نيسان 2004، ويبلغ ارتفاعه 73 مترا، وعرض القاعدة 385 مترا، وطول القمة 980 مترا، وعرض القمة 10 أمتار.
وله بحيرة صناعية أقيمت بعد إنشائه، تبلغ مساحتها (14كم²)، وبحجم تخزين إجمالي يبلغ (190 مليون متر مكعب)، وهذا السد يمكن أن يقاوم الزلازل حتى قوة 9 على مقياس ريختر.
ويزعم النظام السوري الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2011 عبر تصريحات مسؤوليه المحليين أن السدود الواقعة بمناطق سيطرته تخضع لتفقد دوري.
وقد أكدت مديرية الموارد المائية التابعة للنظام السوري بمحافظة اللاذقية الساحلية على البحر المتوسط مطلع أبريل 2023 أنها تدير 14 سدا منفذا ومستثمرا بحجم تخزين إجمالي 366.450 مليون متر مكعب، حيث ينعكس امتلاء هذه السدود إيجابا على القطاع الزراعي.
ووفق ما قال مدير الموارد المائية باللاذقية فراس حيدر لوكالة "سانا" في 5 أبريل 2023، جرى تعزيل أقنية الري المكشوفة ومخرج نفق هضبة عين البيضا، والبدء بأعمال الصيانة اللازمة للتجهيزات الكهربائية والميكانيكية في محطات الضخ.
هذا إضافة إلى إجراء أعمال الصيانة اللازمة لشبكات الري في مختلف المواقع من استبدالات أو إصلاحات للخطوط التي تأثرت نتيجة الزلزال الأخير.
وسد "16 تشرين" هو أكبر سدود محافظة اللاذقية على نهر الكبير الشمالي، حيث تبلغ نسبة التخزين فيه 188,2 مليون متر مكعب من إجمالي حجم التخزين الطبيعي 210 ملايين متر مكعب في وقت يصل الوارد المائي إلى بحيرة السد 76 مترا مكعبا بالثانية.
أما سد قطينة المائي ويبلغ طوله 1120 مترا بارتفاع 7 أمتار، فهو من أقدم السدود في العالم ويقع جنوب غرب حمص على بحيرة قطينة التي تعد أكبر تجمع طبيعي للمياه في سوريا.
ويعود تاريخ بناء السد القديم إلى الفترة السلوقية منذ نحو 2100 سنة وظل باقيا على حاله إلى أن بني السد الحديث أمامه مباشرة وبقي القديم خلفه موجودا حتى يومنا هذا.
وحجم التخزين الأقصى للمياه فيه 200 مليون متر مكعب علما أن مساحة بحيرة قطينة تبلغ 60 كم مربعا.
ويتفرع من السد مجريان الأول ينظم جريان نهر العاصي والثاني لساقية الري التي تعد من أقدم الأقنية الصناعية في العالم وتمر عبر الأراضي الزراعية لمحافظة حمص وصولا إلى حماة وتروي الأراضي الزراعية على ضفتيها.
سدود محلية رئيسة
وتشتهر بلدة زيتا بريف القصير في محافظة حمص بسدها الذي يعد من أكبر السدود المائية في سوريا، حيث يتسع لنحو 80 مليون متر مكعب من المياه.
وسد زيتا يعد ثاني أطول سد في سوريا ويبلغ طول جسمه أكثر من 5 آلاف متر وارتفاعه 35 مترا وبوشر بإنجازه بداية تسعينيات القرن العشرين، وهو يخزن الفائض من نهر العاصي في فصل الشتاء.
أما سد "دريكيش" في محافظة طرطوس، فيقع على نهر قيس على بعد 1,5 كيلومتر عن مدينة دريكيش في منطقة الجبال الساحلية.
وجرى تدشينه عام 2015 ويهدف من خلال استثمار مياه بحيرته التي تخزن أكثر من خمسة ملايين متر مكعب تتجدد باستمرار إلى دعم مشاريع الزراعة وتوفير مياه الشرب.
بلغ طول السد 276 مترا عند القمة وارتفاعه 41 مترا وتشكلت خلف السد بحيرة الدريكيش ويبلغ طولها 1 كيلومتر ومتوسط عرضها 350 مترا تنتهي عند نبع الدلبة المغذي لها
والسد ركامي قليل التكلفة يعطي تغذية باطنية للينابيع الجوفية تبلغ 23 مليون متر مكعب، عدا سعته التخزينية الظاهرية البالغة 6 ملايين متر مكعب.
والسد مبني على نهر قيس الذي يمثل أحد روافد نهر حصين البحر، حيث تبلغ موارده المائية 76 مليون متر مكعب بفضل معدل هطل مطري يزيد عن 1200 مم سنويا.
وهناك سد الرستن ويقع في مدينة تحمل نفس الاسم وتتبع محافظة حمص، وأقيم عام 1958 على نهر العاصي، ويخزن 250 مليون متر مكعب من المياه.
أما "سد تلدو" السطحي فيقع على بعد 2 كيلومتر جنوب مدينة تلدو بريف حمص، يحجز مياه السيول القادمة من جبل الحلو، طوله 1769 مترا، وطاقته التخزينية القصوى 15.5 مليون متر مكعب، ويستفاد منه في ري الأراضي الزراعية.
ويعد سد تسيل من أهم السدود في الجنوب السوري قرب الحدود السورية الأردنية، إضافة إلى سد "الوحدة" على ذات الحدود الذي بني عام 2004، ويقع على نهر اليرموك، وطوله 110 أمتار وبطاقة تخزينه تصل إلى 115 مليون متر مكعب.
ويهدف السد إلى تزويد الأردن بالماء سواء للاستهلاك البشري أو للزراعة، مقابل تزويد سوريا بالطاقة الكهرومائية.
ويقول مختصون إن غياب الإمكانيات لدى نظام الأسد تجعله عاجزا عن ترميم وصيانة سدي تسيل والوحدة.
ويوجد في محافظة القنيطرة جنوب سوريا الخاضعة لنظام الأسد سبعة سدود تخزينية بحجم تخزين حوالي 80 مليون متر مكعب.
وتعاني السدود هذا العام انخفاضا في حجم التخزين بسبب نقص الهاطل المطري، وكذلك الاستهلاك الزائد من المياه بسبب كثرة الزراعة دون ترشيد استهلاكها.