مصدر قلق.. لماذا تأخر انضمام دول منطقة غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي؟
حلم القارة الأوروبية لقرون عديدة هو العيش في وحدة، وقد كانت منطقة غرب البلقان جزءا مهما من القارة الأوروبية عبر التاريخ.
واستقرت تلك المنطقة بعد الصراعات في نهاية القرن العشرين وبدأت تسير نحو عملية التكامل مع الاتحاد الأوروبي.
وتهدف كل دولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي إلى تحقيق شيءٍ ما، وقد كان مبتغى دول غرب البلقان توفير الأمن والأمان لأراضيها.
ولكن رغبة دول البلقان في عضوية الاتحاد قد تضاءلت في الآونة الأخيرة؛ بسبب احتمالية توسع دائرة الصراع بين روسيا وأوكرانيا لتطال أراضي الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي فقد أصبح الأمر مصدر قلق للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى إعادة موضوع توسيع أراضيها إلى جدول الأعمال مرة أخرى.
جذب الانتباه
وقال "مركز أنقرة لدراسة السياسة والأزمات" في مقال للكاتبة، سناء بيرينجي، إن "دول غرب البلقان بدأت في جذب الانتباه بتصميمها وجهودها الإصلاحية نحو عضوية الاتحاد الأوروبي في أوائل القرن الحادي والعشرين".
وأضافت أن "دولا مثل صربيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وألبانيا قد أوضحت رغبتها في توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل منطقة غرب البلقان في أقرب وقت ممكن، وبحلول عام 2030 على أقصى تقدير".
وأكدت الكاتبة التزام الاتحاد الأوروبي بأهدافه في مسألة ضم غرب البلقان إلى أراضي الاتحاد، مشيرة إلى أن هذا هو الهدف الإستراتيجي المشترك لكل من الاتحاد ودول غرب البلقان.
وفي سبيل هذا الهدف، "أصبح توحيد دول القارة الأوروبية ككل هو الرؤية الرئيسة للاتحاد"، وفق بيرينجي.
وأضافت أن "الاتحاد الأوروبي يبذل جهده بالفعل لزيادة عدد الأعضاء من خلال إجراء المفاوضات منذ عام 1993".
كما أشارت بيرينجي إلى أن "مبادئ المصلحة والأمن والتعاون تشكل النقاط الأساسية في الاتحاد الأوروبي كما هو في كل اتحاد إقليمي".
وأوضحت أن المبادئ التي سميت باسم "معايير كوبنهاغن" والتي تم اشتراطها في قمة كوبنهاغن عام 1993، هي بمثابة دليل أساسي للدول الراغبة في عضوية الاتحاد الأوروبي.
ويتعين على البلدان الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد أن تتبنى الديمقراطية وسيادة القانون كمبدأ، وأن تعطي الأولوية لحقوق الإنسان، وأن تتمتع بالقدرة على إقامة سوق تنافسية.
بالإضافة إلى أن تكون مستعدة لتقديم التضحيات اللازمة في سبيل العمل معا في العديد من المجالات، بحسب "معايير كوبنهاغن".
واجتمعت دول غرب البلقان مع الاتحاد الأوروبي لأول مرة في قمة سالونيك عام 2003.
ورغم اتخاذ خطوات مختلفة لعضوية هذه الدول في الاتحاد الأوروبي منذ ذلك التاريخ، إلا أن توسع الاتحاد شهد العديد من النكسات.
الطريق إلى الاتحاد
وحاولت ألبانيا إقامة اتصالات وثيقة مع الاتحاد في التسعينيات من أجل تسريع العملية، وذلك من خلال إقامة علاقات جيدة مع اليونان وإيطاليا، ولكنها اضطرت لاحقا إلى تأجيل العملية بسبب عدم وجود وحدة اقتصادية وسياسية.
وساهمت مبادرة "عملية الاستقرار والانتساب" التي بدأها الاتحاد عام 1999 في ترشّح ألبانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.ومع بداية عملية عضويتها في الاتحاد مجددا عام 2020، أصبحت ألبانيا دولة مرشحة رسميا في جدول أعمال الاتحاد الأوروبي.
ومن ناحية أخرى، كانت صربيا تسعى لهذه العضوية للحد من صراعها الدائم مع البوسنة والهرسك وكوسوفو، حيث كانت من ضمن الدول التي شجعتها مبادرة "عملية الاستقرار والانتساب" للترشح كعضو كامل في الاتحاد، وقد بدأت محاولاتها في الانتساب عام 2000.
إلا أن عملية الترشح تأجلت حتى 1 مارس/آذار 2012، لتبدأ مرة أخرى بشكل رسمي بدءا من ذلك التاريخ.
ورغم ذلك، فقد كانت عملية الانضمام تسير ببطء شديد بسبب وجهة نظر الشعب الصربي تجاه الاتحاد الأوروبي والأزمات الأمنية التي تعيشها صربيا مع كوسوفو.
وفي حال فشلت صربيا في الدخول للاتحاد الأوروبي فإن احتمال عدم الاستقرار السياسي وعودة التطرف في منطقة البلقان ستكون مصدر قلق رئيس بالنسبة للاتحاد.
ولذلك فإن المفاوضات التي تخص عضوية صربيا تجري بأقصى سرعة بدءا من عام 2020.
وخلافا لدول غرب البلقان الأخرى، كانت جمهورية الجبل الأسود هي الأكثر قربا لمعايير كوبنهاغن ولا تعاني من بيئة صراع، حيث بدأت الجمهورية عملية الإصلاح بعد إعلان استقلالها مباشرة عام 2006.
وبعد مرور عام على استقلالها، وقعت على مبادرة "عملية الاستقرار والانتساب"، وتمت الموافقة على وضع الجبل الأسود بين الدول المرشحة عام 2010، وبذلك بدأت عملية التفاوض رسميا في 2012.
وكان مما جذب اهتمام الاتحاد الأوروبي بالجبل الأسود هو دعوة حلف شمال الأطلسي "الناتو" لها عام 2015 لضمها إلى جيشها.
وأشارت الكاتبة إلى أنه "رغم كل ما سبق إلا أن التقدم الاقتصادي للجبل الأسود يحول بينها وبين الانضمام إلى الاتحاد، مما أدى أيضا إلى تباطؤ هذه العملية".
حق الفيتو
أما مقدونيا الشمالية فقد تقدمت أيضا بطلب الترشيح عام 2004 ليتم قبوله في 2005، كما تم إدراج مقدونيا الشمالية أيضا في "عملية الاستقرار والانتساب" عام 2009.
وأضافت الكاتبة مستطردة أن "عملية العضوية لا يمكن أن تبدأ بالكامل بسبب رفض اليونان لمقدونيا استنادا إلى حق الفيتو الذي تتمتع به، وقد أصبحت اليونان العقبة الرئيسة أمام عضويتها في حلف الناتو أيضا".
وفي النهاية تقرّر بدء المفاوضات مع مقدونيا الشمالية بعد قرار محكمة العدل الدولية في مارس 2020.
بينما البوسنة والهرسك شهدت عملية ترشيح صعبة لعضوية الاتحاد الأوروبي بسبب وضع سياستها الداخلية المعقدة.
ولكن هذه المشاكل قد حُلّت بحلول عام 2015، حيث تم قبولها ضمن مبادرة "عملية الاستقرار والانتساب"؛ لتبدأ البوسنة والهرسك عملية الترشيح.
إنّ إمكانية انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي تفتح بابا كبيرا للتحسن والتقدم لهذه الدول في مختلف النواحي.
كما يقدم مساهمة كبيرة في عملية توسيع الاتحاد الأوروبي والتأطير الكامل للقارة.
وترى الكاتبة أن "الثقة والوحدة السياسية والاقتصادية التي سيتم تحقيقها من خلال هذه العضوية هي طريق دول غرب البلقان إلى العظمة والحصانة الدولية".
وتظن أن "تردد الطرفين في هذا الأمر هو ما يؤدي إلى إطالة أمد هذه العمليات".
كما أن سبب هذا التردد هو "عدم امتلاك دول غرب البلقان الهياكل الوطنية اللازمة لتشكيل وحدتها السياسية والاقتصادية، حيث لا تزال الصراعات الداخلية والخارجية في دول غرب البلقان تظهر نفسها بين الحين والآخر".
وترجح الكاتبة أن "السبب وراء ذلك هو تردد الاتحاد الأوروبي في اتخاذ القرار، والتشكيك بقدرته على التحكم في عمليات التوسع بشكل جيد، فمع ادعاء الاتحاد لإنجازه الوحدة الدولية في القارة، إلا أن ما يوجد في هيكله الداخلي ليس إلا وحدة اسمية بين دول الاتحاد".
وختمت بيرينجي مقالها بالقول: "يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ على الفور الخطوات اللازمة للاستعداد للتوسع، بدلا من ترك وعود عضويته عقيمة ومخيبة للآمال في المنطقة".