دعته أخيرا للقاء بايدن.. لماذا أخرت واشنطن زيارة رئيس وزراء العراق عاما كاملا؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت الدعوة التي وجهتها الولايات المتحدة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لزيارة البيت الأبيض العديد من التساؤلات بشأن أهميتها وتوقيتها الذي جاء بعد عام كامل على توليه رئاسة حكومة الإطار التنسيقي الحليف لإيران.

وتولى السوداني منصبه في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد مرور عام كامل على إجراء الانتخابات البرلمانية، التي فازت بها كتلة التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، والتي أخفقت في تشكيل حكومة أغلبية سياسية، واستقالت من البرلمان في يونيو من العام نفسه.

أرضية مناسبة

الدعوة لزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس جو بايدن جاءت أثناء لقاء جمع السوداني بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في نيويورك على هامش حضوره اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 19 سبتمبر/ أيلول 2023.

وقال بيان لمكتبه السوداني الإعلامي إنه جرى خلال اللقاء "بحث أوجه التعاون بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، وسبل تعزيز الشراكة في مختلف المجالات والصعد".

ونقل الوزير الأميركي خلال اللقاء، دعوة بايدن إلى السوداني لزيارة البيت الأبيض من "أجل المزيد من التباحث في العلاقات الثنائية بين البلدين"، بحسب البيان.

وأكد السوداني "تقديره للدعوة واستعداده لتلبيتها في موعد يُحدد لاحقا"، مشددا على أهمية "استئناف أعمال اللجنة العراقيةـ الأميركية المشتركة، فيما يخص اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين البلدين".

ووقع العراق والولايات المتحدة، اتفاقية الإطار الإستراتيجي عام 2008، تضمنت عدة محاور، من بينها تنظيم وجود القوات الأميركية في البلاد، بالإضافة لبنود تتعلق بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.

ونقل بيان مكتب السوداني عن بلينكن، قوله إن "الولايات المتحدة حريصة على التعاون مع العراق في ملفات مواجهة آثار التغير المناخي، وتطوير البنى التحتية، وتوسعة الشراكة في مجالات شتى" مجددا "دعم الولايات المتحدة الأميركية لاستقرار العراق وتنميته وازدهاره".

وفي 19 سبتمبر، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، إن دعوة بايدن إلى السوداني لزيارة واشنطن تأكيد على استقلالية منهج رئيس الوزراء في السياستين الداخلية والخارجية والتقدير الدولي العالي الذي يحظى به، لافتا إلى أن اللقاء المرتقب بين الرئيسين سيتوج سياسة احترام المصالح المتبادلة ويعمق التفاهم المشترك.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" عن العوادي، قوله إنه "كان بالإمكان أن يرتب موعد لقاء بين القيادتين على هامش اجتماعات الجمعية العمومية في نيويورك، إلا أن مكانة العراق ورئاسة حكومته لا يمكن أن تختزل بلقاءات على هوامش اجتماعات، لا سيما وكونه اللقاء الأول بين الرئاستين".

وتابع، أنه" يمكن الاستنتاج بأن الظروف السياسية بعد مضي عشرة أشهر من عمر حكومة رئيس الوزراء والخطوات الداخلية التي سارت عليها قد هيأت أرضية مناسبة لدى الطرفين مبنية على فهم دقيق لكل منهما وبالتالي لا بد من اللقاء لإتمام مسيرة التعاون والتفاهم بين بغداد وواشنطن".

وأكد العوادي، أن "اللقاءات الكبرى بهذا المستوى لا يمكن أن تكون لمجرد اللقاء أو لالتقاط الصور التذكارية فيما لو تمت بصورة مستعجلة، فقد أخذت القيادتان الأميركية والعراقية وقتهما الكافي في إثبات حسن النوايا، ودراسة سياسة الطرف الآخر، وتهيئة أرضية مناسبة للتفاهم وتطوير العلاقات الثنائية".

ملفان أساسيان

وبخصوص أهمية الدعوة الموجهة للسوداني في الوقت الحالي، قالت مصادر سياسية مطلعة إن "الولايات المتحدة عادت إلى العراق الآن، وأنها تريد عودته إلى حاضنتها كما حصل بعد احتلاله عام 2003".

ولفتت مصادر لـ"الاستقلال" طالبة عدم الكشف عن هويتها إلى أن "الولايات المتحدة تضغط للشراكة الشاملة مع العراق، وليس فقط على الصعيد الأمني، وهذا طالما نادت بها السفيرة الحالية لواشنطن في بغداد ألينا رومانوسكي، وأشارت إليها في معظم تغريداتها".

وفي 20 فبراير 2023، أوضحت رومانوسكي خلال تغريدة لها على منصة "إكس" (تويتر سابق) أن "الشراكة الأميركية العراقية الشاملة تعني مساعدة اقتصاد العراق على الازدهار والاكتفاء الذاتي من الطاقة وخلق الوظائف وتحقيق النتائج". 

ورأت المصادر العراقية أن "السوداني كونه رئيس وزراء حكومة شكلها الإطار التنسيقي الحليف لإيران، يواجه حاليا مشكلة حقيقية، وهي أن الولايات المتحدة تشترط عليه معالجة ملفين، الأول إنهاء المليشيات المسلحة، والثاني إيقاف الأموال الذاهبة من العراق لإيران، لكن خطواته ما زالت مترددة في الاستجابة".

وأشارت إلى أنه "إذا فُتحت أبواب البيت الأبيض للسوداني اليوم، فهذا يعني أنه حصل شيء ملموس لدى الأميركان في الملفين، وغالب الظن بالتنسيق مع إيران، ما يدل على وجود حلحلة للموقف أميركيا، رغم أن الدعوة لم يحدد موعدها بعد مما يبقيها متوقفة لغاية ذلك".

ولفتت المصادر السياسية إلى أن "هناك من يشير إلى أن قوى الإطار التنسيقي قد تمردت على إيران وما تطلبه منهم، وأنهم باتوا فاسدين وانحازوا واستسلموا إلى الغرب، لكن هذا في ظني وهم".

وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي إن "توجيه دعوة للسوداني لزيارة البيت الأبيض دون تحديد موعد رسمي لها، يؤكد أن الإدارة مازالت تعمل على مراقبة ومتابعة عمل حكومة الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة".

وأوضح الشريفي خلال حديث لصحيفة "العربي الجديد" في 19 سبتمبر، أن "هذا السبب كان وراء تأخر الدعوة كثيرا"، متوقعا أن "يكون موعد الزيارة ذاتها بعيدا جدا كذلك".

وتابع: "الولايات المتحدة تعد بشكل واضح أن حكومة السوداني هي حكومة الأحزاب والفصائل المسلحة القريبة والمدعومة من إيران، وهي حذرة جدا في التعامل معها".

وزاد الشريفي قائلا: "نعتقد أن توجيه دعوة لرئيس الوزراء العراقي لزيارة البيت الأبيض جاءت بعد وساطات عملت عليها أطراف إقليمية وداخلية من جهات وشخصيات مؤثرة في واشنطن".

ولفت إلى أن "زيارة السوداني إلى واشنطن لا تعني الدعم الأميركي المطلق له، وربما تكون لها نتائج عكسية، حينما تبلِغ الإدارة الأميركية عن رفضها للانسحاب من العراق، ومطالبة الأول بدور حكومي أكثر فاعلية تجاه عمليات تهريب الدولار وتحركات الفصائل المسلحة خارج سلطة الدولة".

مؤشر إيجابي

وفي المقابل، رأى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، أن "لقاء وزير الخارجية الأميركي والسوداني على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، يعد أعلى مستوى تواصل بين الجانبين منذ أن تشكيل الحكومة العراقية وحتى الآن".

وأوضح حيدر خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 20 سبتمبر، أن "واشنطن اكتفت سابقا بمستوى السفيرة الأميركية في بغداد، وهذا اللقاء الأخير يعد مؤشرا ايجابيا في التقييم الأميركي لسير عمل حكومة السوداني خلال العام الأول من عمرها".

وأعرب الباحث العراقي أن "الدعوة الرسمية التي تلقاها السوداني من الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة البيت الأبيض، مؤشر كذلك على اهتمام واشنطن بمنجزات حكومته، رغم أنها لم تحدد موعد الزيارة بعد، كونها تحتاج إلى ترتيبات واسعة حتى تكون مثمرة ومنتجة".

وأردف: "يمكن قراءة ملامح وجهة النظر الأميركية إزاء منجزات حكومة السوداني بما ورد في البيان الرسمي الذي صدر في واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، بعد لقاء بلينكن بالسوداني والذي أشار فيه إلى تأكيد الطرفين على الشراكة الثنائية وإصرارهما على الالتزام ببنود اتفاقية الإطار الإستراتيجي".

وكذلك ركز بيان ميلر على موضوع إعادة العمل بخط أنبوب النفط المار عبر تركيا، وهو ما عده الباحث نزار حيدر يشير إلى "اهتمام واشنطن بملف العلاقة بين بغداد وأربيل".

وفي 18 سبتمبر، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال بيان رسمي إن الوزير بلينكن ورئيس الوزراء السوداني جددا التزامهما بمواصلة تعزيز الشراكة بين البلدين، وأكدا من جديد المبادئ الواردة في اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق.

وشجع الوزير بلينكن حكومة العراق على مواصلة تطوير موارد الطاقة بشكل مستدام ومكافحة تغير المناخ وأكد دعم الولايات المتحدة لإعادة فتح خط الأنابيب مع تركيا، وحث الحكومة العراقية على مواصلة تعاونها مع إقليم كردستان لتعزيز استقرارها ومرونتها، بحسب ميلر.

في 25 مارس/آذار 2023، أوقفت تركيا صادرات العراق الشمالية البالغة 450 ألف برميل يوميا، بعد حكم غرفة التجارة الدولية بباريس، الذي أمر أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرح بها من حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2018.

وهذه ليست المرة الأولى التي تهتم واشنطن بموضوع استئناف تدفق نفط إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي، إذ وجه أعضاء الكونغرس الأميركي رسالة إلى وزير الخارجية بلينكن، دعوه فيها إلى ضرورة التدخل وحل هذه المشكلة.

وبحسب شبكة "رووداو" العراقية، فإنه جاء في نص رسالة وجهها عدد من أعضاء الكونغرس، إلى بلينكن، في 15 يونيو 2023، أن "توقف ضخ النفط عبر الأنبوب العراقي– التركي منذ شهر مارس، أدى إلى خسارة إقليم كردستان 80 بالمئة من إيراداته".

وأكدت الرسالة التي حملت توقيع عدد من أعضاء "مجموعة دعم الكرد" في الكونغرس الأميركي وهم كل من: مايكل ولتس، سيس مولتن، ودون بيكن، أن "هذا الأنبوب هو الخيار العملي الوحيد الذي يمكن لإقليم كردستان أن يصدّر من خلاله النفط الذي يقوم بإنتاجه".

وعبر أعضاء الكونغرس لوزير الخارجية الأميركي عن قلقهم، قائلين إن "هذه المشكلة قد تتسبب بأزمة إنسانية كبيرة، حال عدم حلها قريبا"، مؤكدين أن "استئناف تصدير النفط ضروري".