أداء غير مبشر.. هل حكومة أخنوش قادرة على إحياء المناطق المنكوبة جراء الزلزال؟
إخفاقات حكومة عزيز أخنوش المتتالية بالمغرب، دفعت العديد من المراقبين إلى إبداء تخوفات مشروعة بخصوص قدرتها على تدبير تبعات ما بعد زلزال الحوز، خاصة ضمان نزاهة صرف الإعانات المالية المخصصة للمتضررين.
وعبر فاعلون سياسيون عن تخوفهم من فشل الحكومة في تفعيل وتطبيق التوجيهات التي أعلن عنها العاهل المغربي محمد السادس، في 14 سبتمبر/أيلول 2023، والتي قضت بتخصيص إعانات مالية لضمان سكن للمتضررين، تتراوح ما بين 8 و14 ألف دولار لكل أسرة.
وفي اجتماع عمل عقده العاهل المغربي في 20 سبتمبر 2023، جرى الإعلان تخصيص ميزانية قدرها 12 مليار دولار لتنمية الأقاليم الستة المتضررة من الزلزال، على مدى خمس سنوات.
ووقع الزلزال مساء 8 سبتمبر 2023، تضررت منه أساسا مدن مراكش، الحوز، تارودانت، شيشاوة، أزيلال، وورزازات، وأدى إلى مقتل أكثر من 3000 مواطن، وإصابة أكثر من 6000 آخرين.
وتشكلت حكومة أخنوش في 7 أكتوبر/تشرين أول 2021، مكونة من حزب رئيس الحكومة، "التجمع الوطني للأحرار"، إضافة إلى حزبي "الأصالة والمعاصرة"، و"الاستقلال".
وتواجه الحكومة انتقادات واسعة بالمغرب بسبب تضارب المصالح لعدد من أعضائها، وعلى رأسهم أخنوش، الذي يسيطر على قطاع المحروقات في البلاد، ويُتهم بتعطيل مؤسسات الحكامة والمنافسة، لضمان صمتها إزاء الغلاء الكبير في الأسعار، والأرباح غير الشرعية في القطاع.
تخوفات مشروعة
أكد الأستاذ الجامعي والبرلماني السابق عبد العزيز أفتاتي، أن التخوفات التي تثار بخصوص شفافية تدبير هذه الحكومة للمخصصات المالية الموجهة للمتضررين من الزلزال، متداولة ومطروحة.
وقال أفتاتي لـ "الاستقلال"، إن التخوفات تثار رغم أن هذه المحنة الوطنية المفجعة تتطلب تعاونا وتآزرا وتضامنا ملحميا ولمدى متوسط، من أجل معالجة مخلفات الزلزال كافة في الأرواح والممتلكات.
وبين أن القضية لا تحتمل المناكفات الزائدة عن اللزوم، والانشغال بغير التركيز على التعاون في هذه الظروف العصيبة.
وتابع المتحدث ذاته: "هذه الكارثة الكبيرة تطلبت إجراءات مستعجلة رسمية وشعبية، وتعبئة إمكانات كبيرة منذ الأيام الأولى".
وأشار إلى أنه يجرى الآن إرساء أسس تدخل مؤسسي وعلى مدى متوسط (5 سنوات)، وبتقديرات مالية ناهزت 120 مليار درهم لساكنة الأقاليم المتضررة (أزيد من 4 ملايين نسمة).
وأضاف أفتاتي: "ومع الأسف حتى في مثل هذه الظروف المأساوية قد تبرز مافيات الاغتناء غير المشروع، والتي تنشط في كافة القطاعات، وليس في قطاع البناء فقط".
واسترسل أن "الكل يتذكر مأساة زلزال الحسيمة وكيف استغلها بعض عديمي الضمير (أقلية مجهرية بالطبع)، وراكموا ثروات مشبوهة، ومنهم من اختفى، كقيادات من حزب الأصالة والمعاصرة، المشارك حاليا في الحكومة".
وتوقف أفتاتي عند ما تتسم به حكومة أخنوش، قائلا إنها قائمة على أنها تحالف لأحزاب شركات ريعية، وهي في السراء كما في الضراء لا تفهم إلا لغة الاغتناء في كل الأحوال، والإثراء في كل المناسبات، وفق تعبيره.
وفي جوابه عن السؤال المتعلق بكيفية تحصين هذه المخصصات من الضياع وسوء التدبير، قال أفتاتي إن "طريق ذلك هو التعاون في المراحل المقبلة ثم الشفافية والنزاهة".
وأيضا بالبحث عن أكبر تثمين للإمكانات وتسخيرها في أجود المشاريع وأنجعها وأقلها تكلفة، باعتبار هذه الإمكانات هي مال عام أولا، ثم هو مال عام استثنائي متأتي من مجهود جماعي وتضحيات كبيرة وطنية، وفق قوله.
وأردف أن هذه الأموال جاءت "قصد النهوض بأوضاع الأقاليم المتضررة، ومعالجة مضاعفات الخسائر التي ترتبت عن الزلزال، وكذا استدراك بعض أوجه الخصاص في البنية التحتية ومختلف الخدمات في الأقاليم الضعيفة أصلا".
وفي كل الأحوال، يقول البرلماني السابق، إن الأمر يتعلق بحساب خصوصي من حسابات الخزينة، ويجب متابعته برلمانيا، احتياطيا بالطبع، على مستوى مختلف القطاعات والأقاليم والجماعات الترابية والدواوير.
وشدد على ضرورة "الاستماتة في متابعة هذا الحساب الخصوصي، بغرض تثمينه الى أقصى الحدود، بكل نفقاته صغيرة وكبيرة".
وخلص إلى أنه "لا ينبغي أن ننسى ولو للحظة واحدة بأن هذه الإمكانات هي تضامنية مقدسة، أسهمت فيها جهود جميع الفئات الاجتماعية والمؤسسات والهيئات الوطنية".
وعود الحكومة
وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، 18 سبتمبر 2023، أن تأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز سيأخذ في الاعتبار تقوية البنيات التحتية، والرفع من جودة الخدمات العمومية.
ووفق موقع "المغرب" المحلي، قال أخنوش خلال ترؤسه الاجتماع الثالث للجنة بين الوزارية المكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة جراء الزلزال، أن "داخل هذه اللجنة، هناك اشتغال وتفكير متواصل حول الآليات" لتسهيل عملية الإعمار.
وأضاف أنه العملية "ستنسجم تطبيقا للإرادة الملكية السامية، مع تراث وخصوصيات كل منطقة"، مؤكدا أن "تأهيل المناطق المتضررة بشكل عام، سيأخذ بعين الاعتبار تقوية البنيات التحتية، والرفع من جودة الخدمات العمومية".
وشدد رئيس الحكومة على أن اللجان التقنية تشتغل حاليا في الميدان، لإحصاء المنازل التي انهارت كليا أو جزئيا، وهي أمور ستشكل أرضية مهمة، لتحديد صنف الدعم الذي ستحصل عليه الأسر المعنية.
تفاعلُ نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب مع التحركات الحكومية لم يتأخر، حيث دعت إلى "مراجعة البرامج التنموية الموجهة للمنطقة المنكوبة جراء الزلزال القوي الذي ضرب إقليم الحوز ومناطق أخرى".
وبحسب موقع "بلادنا 24" المحلي، 20 سبتمبر 2023، أكدت النقابة في بلاغ على "ضرورة ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة والمقاربة التشاركية في تنزيل (تطبيق) الإجراءات المعتمدة قصد إعادة إعمار المجالات المعنية".
كما شدد البلاغ على "ضرورة تبني برامج تنموية مجالية مستدامة، تعيد الاعتبار للمعطى البشري، وفق مقاربة استشرافية قادرة على توفير بنية تحتية صلبة، تعجل بتجاوز الصدمة ومخلفاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية".
في الوقت الذي يرى بعض الباحثين والفاعلين أن الزلزال فرصة لإحداث تغيير إيجابي وتنموي بالمناطق المنكوبة، حذر آخرون من تحوله إلى فرصة لآخرين للاغتناء من الأزمة والمتاجرة بها.
وفي هذا الصدد، قال الأستاذ الجامعي في الاقتصاد والأعمال عبدالنبي أبوالعرب، إن المنطقة المتضررة ستعاني على المدى القريب "من الآثار السلبية للزلزال، سواء تعلق الأمر بالماشية أو بالزراعة أو بالفلاحة أو حتى بالبنية السياحية".
وقال أبوالعرب لموقع "برلمان كوم" المحلي، 20 سبتمبر 2023، إن "المنطقة ستعرف بطبيعة الحال تراجعا في نشاطها الاقتصادي"، مضيفا أن "الدولة واعية لهذا الأمر، ولذلك تدخلت لإسعاف المنطقة".
وأوضح الأستاذ الجامعي، "إذ أمر الملك محمد السادس برزنامة مهمة من الإجراءات، والتي ستحد من هذه الآثار القاسية للزلزال والجفاف على ساكنة المنطقة من خلال مساعدات متعددة الأبعاد".
وعلى المستوى البعيد، كشف أبوالعرب أن "هذه المساعدات ستمكن المنطقة على العودة تدريجيا إلى حالتها الطبيعية كما كانت قبل الزلزال، إن لم تكن إلى حالة أفضل".
وزاد، "خاصة أنه بين الإجراءات التي أمر بها الملك محمد السادس، دعوة الفاعلين الاقتصاديين للاستمرار في الحضور في المنطقة وأداء مهامهم وتقديم مختلف الخدمات والمنتجات في المنطقة".
فرصة مزدوجة
وأكد المتحدث ذاته أن "إعادة بناء وإعمار المنطقة، وبفضل الأموال الضخمة المخصصة لها، سيكون له تأثير إيجابي على المستوى الاقتصادي للمنطقة المنكوبة".
وذكر أن "هذا الأمر سيكون إيجابيا على المستوى المتوسط والبعيد، وأن النتيجة ستكون معمارا جديدا بمعايير دولية، لكن بجمالية وطابع ورونق يحترم خصوصيات المنطقة".
وهو ما سيعطيها جمالا إضافيا وعودة أفضل مما كانت عليه على المستوى السياحي وعلى مستوى العمران وجودة الحياة والعيش، وفق توقعاته.
غير أن بعض المنابر الصحفية المحلية حذرت من أن يطال الفساد يد الأموال المخصصة لإعادة إعمار وتنمية المناطق المنكوبة، بأن تذهب لغير المحل الذي جُمعت وخُصصت له.
وفي هذا الإطار، ذكر موقع "لكم" المحلي، 17 سبتمبر 2023، بما وقع من اختلالات شابت عملية جمع الأموال وصرفها خلال زلزال مدينة الحسيمة شمالي البلاد عام 2004، داعيا إلى عدم تكرار نفس الأمر.
وعليه، نقل المصدر ذاته تحذير رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، من حصول تلاعبات وفساد في إحصاء المنكوبين ومنازلهم المتضررة.
وتابع الغلوسي أن التجارب توضح أن هناك لوبي يشتغل ليل نهار، ويوظف مواقع القرار والسلطة، من أجل صنع خرائط لمواقع الزلزال، وتزييف وتزوير لوائح المتضررين، والنفخ في حجم الضرر وعدد المنازل موضوع التعويض.
ونبه من ظهور أسماء لأشخاص لا علاقة لهم بالمناطق التي ضربها الزلزال، ولم يحصل لهم أي ضرر، ورغم ذلك يحصلون على التعويض، في حين يجرى إقصاء المستحقين لهذا التعويض.
وأضاف أن هناك من يتربص بالصفقات التي ستكون موضوع هذا البرنامج (إعادة الإعمار والإيواء، إنجاز طرق وبنيات ومرافق)، وسيجد حينها اللصوص وتجار الأزمات أكثر من حيلة وطريقة لتحريف مسار المشروعات عن أهدافها، والانقضاض على أموالها الضخمة.
وقال الغلوسي إن المطلوب قبل فوات الأوان هو تعزيز الشفافية، مع يقظة كل الآليات المؤسساتية المعنية من أجل التصدي لأي انحراف أو فساد محتمل في هذا المسار الإنساني الوطني.
وكذلك "مواجهة العابثين والمفسدين بكل حزم وصرامة، وتقديم كل المتورطين المحتملين إلى القضاء بلا هوادة".
وشدد على ضرورة ألا تترك الأمور في يد لصوص المال العام، والتباكي بعد حصول النهب والسرقة، وتوعد المخالفين بالعقاب دون أن يحصل فعلا أي عقاب أو مساءلة.
وأكد المتحدث أن الجمعية المغربية لحماية المال العام ستتابع أطوار ومسار هذا البرنامج، وستفضح أي فساد أو تلاعب محتمل يتعلق به.
وأشار إلى ضرورة تقديم الشكايات إلى الجهات المسؤولة إذا اقتضى الأمر، وفي مقدمتها القضاء لمواجهة كل مظاهر الفساد والاغتناء غير المشروع على حساب جراح بسطاء الشعب.
المصادر
- تأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز سيأخذ في الاعتبار تقوية البنيات التحتية ورفع جودة الخدمات العمومية
- أبو العرب: المناطق المتضررة من الزلزال ستسترجع حيويتها وستصبح في وضع أحسن من السابق
- نقابة “البيجيدي” تدعو أخنوش إلى تجاوز منطق اللحظة في التعاطي مع تداعيات الزلزال
- تخوفات من حصول فساد وتلاعبات في الأموال المخصصة لمنكوبي الزلزال ودعوات لتعزيز الشفافية