خبير أمني إسرائيلي يدعو لإنهاء سلطة عباس رغم خدماتها المتواصلة.. ما السبب؟
سلطت صحيفة مينا واتش الألمانية الضوء على سياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية ومستقبل العلاقات بين الطرفين.
وقال يوسي كوبرفاسر -مدير مشروع التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط بمركز القدس للشؤون العامة (عبري) إنه "منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، شنت السلطة الفلسطينية العديد من الحملات ضد إسرائيل، ولاءً لسردية النضال الفلسطيني، والتي تهدف لإقامة دولة فلسطينية في جميع أنحاء المنطقة الواقعة غربي الأردن".
وتابع كوبرفاسر الذي كان في السابق مديرا عاما في وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية ورئيسا لقسم الأبحاث في المخابرات العسكرية أن "موقف إسرائيل المتكيف مع الواقع يعتمد منذ فترة طويلة على مزيج من غض الطرف المتعمد"، وفق زعمه.
ويقول في مقال نشرته الصحيفة الألمانية: "اعتقدت إسرائيل أن ضبط النفس الذي تمارسه من شأنه أن يخفف من حدة الانتقادات الدولية"، مشيرا إلى أن "كل هذه الآمال تحطمت في الآونة الأخيرة".
وبناء على ذلك، يرى يوسي كوبرفاسر أن "موقف إسرائيل تغير تدريجيا في السنوات الأخيرة، رغم أنه ما زال من السابق لأوانه القول ما إذا كان هذا التغيير سيكون جوهريا".
انتهاك دائم لأوسلو
ويزعم الخبير الأمني الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية تنتهك "اتفاقيات أوسلو باستمرار منذ توقيعها". لكن تل أبيب نفسها لم تعد تلتزم بأي بند من هذه المعاهدة.
وزعم أن السلطة "لا تفعل سوى القليل جدا لمكافحة الإرهاب الفلسطيني"، وفق تعبيره، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية والتحركات الفردية الساعية لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته.
وقد تحدث صراحة عن أن السلطة لا تفعل ما زعم أنه "يتعين عليها القيام به بموجب الاتفاق"، حيث إنها "لا تعتقل الإرهابيين (المقاومين الفلسطينيين)، ولا تمنع الهجمات بشكل منهجي، كما أنها لا تقدمهم للعدالة".
ويزيد من ادعاءاته فيقول: "وحتى في حال إحباط الهجمات، فإن النيابة العامة لا تكمل جهود وقف الإرهاب بالتحقيقات أو الاستجوابات أو مصادرة الأسلحة".
وأردف: "تدعم السلطة الفلسطينية الإرهاب بطرق عديدة، أبرزها من خلال الرواتب المرتفعة التي تدفعها للمسجونين في إسرائيل والمزايا الشهرية لعائلات الذين قتلوا بسبب أنشطتهم (أهالي الشهداء الفلسطينيين)".
ورأى أن مثل هذه المساهمات المالية المضمونة مسبقا تشكل حافزا للمقاوِمين" وتجعل من السلطة الفلسطينية شريكا نشطا في الهجمات.
بل وزعم أن بعض المقاومين هم في الأساس أعضاء في قوات الأمن الفلسطينية الرسمية أو حركة التحرير الوطني "فتح" التي يتزعمها الرئيس محمود عباس.
كما أشار إلى أن الرواية الفلسطينية الرافضة لحق إسرائيل في الوجود والداعية إلى مقاومتها، موجودة ومعتمدة في مناهج السلطة ووسائل إعلامها، وتصريحات كبار مسؤوليها، وفي الثقافة العامة التي لا يرفضها عباس.
ولفت إلى أن السلطة تنتهج نهجا "معاديا للسامية بشكل صارخ"، وألمح إلى عملها مع حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) المعادية للصهيونية، التي تريد إنهاء وجود إسرائيل كدولة يهودية، وفق تعبيره.
"كما تستمر السلطة في تركيزها على تشويه سمعة إسرائيل بصفتها دولة فصل عنصري، وتقويض الرواية الصهيونية التاريخية"، حسب مزاعم يوسي كوبرفاسر.
ويرى الجنرال الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية تواصل أنشطتها الأحادية فيما يتعلق بتحركاتها الدولية.
وأوضح: "وكان من أبرز نتائج أنشطتها قرار السلطة الفلسطينية إعلان نفسها دولة، ونجاحها في الترويج لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يعترف بها كدولة مراقبة".
وعلى أساس هذا القرار، انضمت السلطة الفلسطينية إلى العديد من المنظمات الدولية، منها اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) على سبيل المثال، وتمكنت من فرض القرارات المناهضة لإسرائيل في جميع هذه المنظمات".
وأضاف: "وفي المنطقة (ج)، حيث الإدارة المدنية والأمنية في أيدي إسرائيلية وفقا لاتفاقيات أوسلو، يسمح بالبناء دون موافقة إسرائيلية، على الرغم من أن المعاهدات تنص بوضوح على أن (تل أبيب) وحدها هي التي يمكنها السماح بالبناء في هذه المنطقة"، وفق مزاعمه.
وأتبع: "كما أن السلطة الفلسطينية تُشرك حركة (المقاومة الإسلامية) حماس في انتخابات مؤسساتها، رغم أنها لا تتوفر فيها الشروط اللازمة لذلك، لا سيما الاعتراف باتفاقات أوسلو".
تعزيز السلطة
وفي ضوء هذا المشهد، يتساءل الكاتب "لماذا تستمر إسرائيل في تعزيز السلطة الفلسطينية وزعيمها محمود عباس؟".
ويرى أن الجواب يكمن في تمسك إسرائيل، وخاصة أجهزتها الدفاعية، بضرورة الحفاظ على الوضع الراهن، وفق قوله.
ويقول كوبرسافر: "تعتقد إسرائيل أنه حتى لو لم يُرض هذا الواقع أحدا ولم يخطط له أحد، فهو ناتج عن تصرفات الطرفين والأطراف الدولية. ولا يوجد أي حافز يدفعها إلى تحمل تكاليف محاولة تغيير هذا الوضع الراهن".
لكنه يعود فيستدرك قائلا إن هذا ليس هو الوضع الراهن بالفعل، مشيرا إلى أن الواقع يشهد تغيرا مستمرا، ومن المرجح أن تؤدي بعض التطورات إلى تسريع وتيرة التغيير في المستقبل القريب.
وذكر الكاتب أربعا من هذه التطورات: تشكيل حكومة إسرائيلية لم تعد تشعر بأنها ملزمة بالوضع الراهن، الصراع من أجل السيطرة على السلطة الفلسطينية مع خروج عباس من المسرح.
والتطور الثالث يتمثل بالضغط المتزايد على حماس لإظهار التزامها العلني بهويتها الجهادية، ثم الاضطرابات الفلسطينية المتزايدة والتي أدت إلى تصاعد "الهجمات المسلحة".
وخوفا من التصعيد، لفت الكاتب إلى أن الحكومات الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، اتبعت نهجا يمزج بين مكافحة المقاومة وردع حماس من جهة، ودعم السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.
كما أن الإسرائيليين كانوا على استعداد لقبول الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها السلطة الفلسطينية على إسرائيل، بينما كانوا يسعون في ذات الوقت إلى تعزيز وتوسيع اتفاقات التطبيع.
ويرى الكاتب الإسرائيلي أن "المنطق الكامن وراء هذا النهج قد فشل". فوفقا لوجهة نظره، يُنظر إلى التنسيق الإسرائيلي مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على أنه مساهمة في أمن إسرائيل.
لكن الكاتب ينتقد هذه النظرة، ويرى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية "عادة ما تبالغ في قيمة هذا التنسيق"، معللا ذلك بأن السلطة الفلسطينية "لا تتخذ إجراءات إلا ضد الحركات التي تتحداها".
أوراق رابحة
كما أشار إلى افتراض بعض الإسرائيليين بأن تحسين السلطة الفلسطينية للوضع الاقتصادي وتطويرها مستوى معيشة الفلسطينيين قد يحد من ميلهم إلى تشجيع حركات المقاومة وشن حملات ضد إسرائيل. ورأى أن هذا الافتراض أيضا "ليس له أي أساس"، وفق زعمه.
ويوضح: "حتى لو كان الفلسطينيون يريدون بالفعل مستوى معيشيا أفضل، فإن المقاومة لا تنشأ من الشعور بالصعوبات الاقتصادية، بل من الالتزام بسردية الحركة الوطنية الفلسطينية".
ويعود مرة أخرى فيقول: "رغم كل ذلك، يتوقع المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة ومصر والأردن، بالإضافة إلى الدول الموقعة على اتفاقات أبراهام، أن تعمل إسرائيل على تعزيز السلطة الفلسطينية".
وأردف: "ويعتقدون أن هذه السياسة تتيح إمكانية دفع القضية الفلسطينية إلى هامش الأجندة الدولية والعربية، في ذات الوقت الذي تُبقي فيه حماس تحت السيطرة".
ويذهب الكاتب إلى أنه "في حين تساعد السلطة الفلسطينية على التعايش مع الصراع المستمر وإدارته وتمهيد الطريق لتسوية سلمية، فإن سياساتها تثير إشكالية كبيرة".
ويعتقد أنه "بدلا من الحفاظ على الوضع الراهن، ينبغي تشجيع الفلسطينيين على تغيير السلطة الفلسطينية، بحيث تقبل في نهاية المطاف وجود إسرائيل كدولة قومية ديمقراطية للشعب اليهودي"، وفق تعبيره.
ويؤكد الكاتب أنه "كلما زاد اقتناع الفلسطينيين بأن فرصهم في تحقيق تطلعاتهم القصوى تتضاءل، كلما أصبح التحسن تدريجيا ممكنا".
في الوقت نفسه، يشير الجنرال الإسرائيلي إلى أن "انتخاب الحكومة الإسرائيلية الحالية من شأنه أن يساعد في إيصال هذه الرسالة إلى الفلسطينيين".
ويتوقع أن يكون تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية من جانب المجتمع الدولي، المنشغل بمشاكل أخرى، عاملا مساهما أيضا، وفق قوله.
وأوضح أن الورقة الرابحة في هذا السياق هي محاولة ضم السعودية إلى الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل.
من ناحية أخرى، يحث الكاتب على دعم قطاعات من السكان الفلسطينيين، لا تتبنى خطابا مقاوما ولا تشارك في حركات المقاومة، بحسب تقديره.
ويرى أنه "يجب على إسرائيل تثقيف أصدقائها من الدول حول مشاكل استمرار الوضع الراهن"، لافتا إلى أن ذلك يصبح أكثر أهمية مع اقتراب انتهاء عهد محمود عباس.