سياسيون وجواسيس.. لماذا يتصاعد الخلاف بين الموساد والخارجية الإسرائيلية؟
في الآونة الأخيرة، بدأت تتحدث تقارير استخباراتية إسرائيلية عن خلافات تدب بين رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "موساد" ومؤسسات حكومية، لا سيما وزارة الخارجية.
ويرجع ذلك الأمر إلى تباينات في مجموعة من الملفات الخارجية التي ينخرط فيها الجانبان، أهمها التطبيع مع دول عربية مثل السعودية وليبيا.
فضلا عن الغضب والتململ من حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة في سياسات متعددة داخلية، على رأسها تشريعات التعديلات القضائية التي تعدها دوائر إسرائيلية عديدة "انقلابا على الديمقراطية".
وهذه الأجواء تفرض تساؤلات بشأن شكل التعاون بين تلك المؤسسات، وما تأثير الموساد على السياسيين في إسرائيل؟
تسريب كوهين والمنقوش
في 4 سبتمبر/ أيلول 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرا رصدت فيه خلافا بين الموساد ووزارة الخارجية الإسرائيلية.
وذكرت المجلة أن الموساد دخل في خلاف حاد مع وزارة الخارجية الإسرائيلية مع تسريب الاجتماع السري بين وزير الخارجية إيلي كوهين ونظيرته الليبية نجلاء المنقوش إلى الإعلام.
وفي 27 أغسطس/ آب 2023 سرب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين معلومات إلى وسائل إعلام عبرية عن عقده اجتماعا قبل أسبوع في روما مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش.
وتسبب ذلك في موجة غضب سياسية داخل إسرائيل ضد ما حدث، إثر تسببه في إقالة الوزيرة الليبية، وزاد من مشاعر غياب الثقة بمسؤولي تل أبيب.
وهذا ما أجج المعركة بين الجهات الدبلوماسية الإسرائيلية والموساد.
ويشعر مسؤولو الموساد بالغضب لأن رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية المتمثل في وزير الخارجية قرر الإعلان عن هذه الزيارة دون تنسيق مع المخابرات.
خاصة أنه بسبب تلك التسريبات المحرجة تم إيقاف الوزيرة الليبية عن مواصلة مهامها، وتم إجبارها على مغادرة بلادها.
وذكرت المجلة الفرنسية أنه كان مقررا الإعلان عن الاجتماع بين الوزيرين، ولكن في وقت يتم الاتفاق مسبقا بشأنه.
فبالإضافة إلى الضجة الشعبية في ليبيا وإسرائيل، فإن نشر هذه المعلومات، بعد أيام قليلة مما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، يضر بعلاقات الموساد مع شركائه الليبيين.
وهو ما كشفته قناة "كان" العبرية الرسمية، عندما قالت: "الآن هناك توتر شديد واتهامات متبادلة بين الموساد والخارجية الإسرائيلية حول هذه المسألة، وفي كل ما يتعلق بالعلاقة الحساسة لإسرائيل مع الدول التي لا ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية".
وكانت هذه سقطة من سقطات متعددة في هذا الملف، ففي عام 2018 تم الكشف عن اتصالات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والجنرال الليبي الانقلابي خليفة حفتر بواسطة مصر ورجال أعمال من الجالية اليهودية الصغيرة السابقة في ليبيا.
وأسهم هذا في إضعاف موقف حفتر شعبيا على الأقل، ولو كان الأمر بيد جهاز المخابرات وحده، لبقيت تل أبيب صامتة لحماية علاقاتها الاستخباراتية، وفق المجلة الفرنسية.
المفاوضات في خطر
ليست ليبيا وحدها السبب الرئيس في تفجر الخلافات، حيث إن وزارة الخارجية الإسرائيلية التي يرأسها وزير الاستخبارات السابق إيلي كوهين، لديها أجندتها الخاصة.
وتتضمن المضي قدما في محاولات التطبيع الدبلوماسي مع دول المنطقة خاصة السعودية.
وفي 25 أبريل/ نيسان 2023، ذكر موقع "والا" العبري، أن العديد من ضباط الموساد السابقين أعلنوا منذ تسريب طبيعة المباحثات المستمرة بين النظامين في الرياض وتل أبيب، عن المخاطر التي يشكلها الإفصاح عن تلك المعلومات التفصيلية.
وأضاف أنه ظهرت أخبار تتعلق بلقاءات مستمرة بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، وعن شروط من كلا الجانبين، وأسس التعاون القادم، وشكل خريطة التطبيع إذا ما تمت.
وهو الأمر الذي أغضب ضباطا كبارا في الموساد، كما أن المسؤولين الإسرائيليين الحاليين غاضبون بنفس القدر، لأن المفاوضات أصبحت في خطر.
التعديلات القضائية
على الصعيد الداخلي في إسرائيل هناك خلافات جوهرية بين الموساد وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المشكلة من الائتلاف القومي الديني اليمني المتطرف.
وفي 1 أغسطس/ آب 2023، كشفت وكالة "رويترز" البريطانية، عن تسرب السخط حيال قانون التعديلات القضائية في إسرائيل إلى داخل أروقة "الموساد".
وفي 24 يوليو/ تموز 2023، أقرت حكومة نتنياهو المرحلة الأولى من التشريع، والتي تحد من صلاحيات المحكمة العليا لإبطال قرارات الحكومة التي تعد "غير معقولة".
وذلك رغم احتجاجات مئات الآلاف من الإسرائيليين المستمرة منذ شهور، ووصل الأمر إلى مشاركة عملاء وضباط من الموساد في تلك المظاهرات، وهو أمر مسموح لهم بفعله.
وذكرت "رويترز" أن بعض ضباط الموساد، رفقة ضباط احتياط في وحدات القوات الخاصة رفيعة المستوى، وطيارين مقاتلين، جميعهم هددوا بعدم الاستجابة للاستدعاءات إلى الخدمة.
وأوردت أن الخلاف امتد ليصل إلى أعضاء كبار سابقين في "الموساد" وقادة أجهزة وشعب داخل الجهاز الحساس.
التقاعد مبكرا
وكان "تامير باردو" رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الأسبق قد وجه انتقادات لاذعة إلى الحكومة في حديث مع "هيئة البث" الإسرائيلية الرسمية.
وقال: "إن نتنياهو فكك الجيش الإسرائيلي والموساد، وباتت إسرائيل أمة ممزقة إلى قسمين".
وكشف تامير أن المخاوف بدأت تسيطر على المعنويات داخل "الموساد"، حتى إن بعض كبار الضباط يدرسون التقاعد مبكرا رغم عملهما لفترة طويلة داخل الجهاز شديد السرية.
ثم تحدث عن خطورة التشكيلة الحالية للحكومة قائلا: "المتطرفون هنا يريدون حرب يأجوج ومأجوج".
وأتبع: "كل يوم يمر يقربنا من نهاية الحلم الصهيوني" مشيرا إلى أن السياسات والتحركات الحالية لحكومة نتنياهو ستؤدي إلى إعلان الولايات المتحدة أن ذلك الحليف فقد قيمته الإستراتيجية.
وأضاف: "الديمقراطية الإسرائيلية التي وحدت البلدين بفضل القيم المشتركة، لم تعد موجودة".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد نشرت تقييما في 9 أبريل/ نيسان 2023، قالت إنه إفادة من المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) بتاريخ الأول من مارس/ آذار.
وتضمنت الإفادة أن قيادات الموساد شجعت أفراد الجهاز والمواطنين الإسرائيليين على الانضمام إلى الاحتجاجات الحاشدة ضد حكومة نتنياهو.
وفي 29 يوليو 2023 كتب يوسي كوهين، رئيس الموساد الإسرائيلي السابق (أيضا)، مقالة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية اليومية، منتقدا سياسة الحكومة ورئيس الوزراء.
وقال: "في الوقت الذي يحوم فيه التهديد الإيراني فوقنا من جبهات متعددة، يجب أن نحافظ على عدم المساس بأمن إسرائيل".
الموساد
ويعد هذا التحرك من قبل الموساد مقلقا للحكومة لقوة المؤسسة وتاريخها الطويل، حتى إن نتنياهو أشار في أبريل 2023 إلى عدم صحة تشجيع الموساد للتظاهرات، وذلك قبل أن تظهر الخلافات للعلن.
أما تاريخ الموساد فيرجع إلى أنه عندما أعلن كيان الاحتلال الإسرائيلي عن نفسه عام 1947 وسط بحر متلاطم من العواصف والصراعات، احتاج لقوة تساعده على البقاء وخوض الحروب.
فكان تأسيس جهاز الاستخبارات والمهمات الخاصة (عام 1949) المعروف اختصارا بـ "الموساد" على يد "إيسر هاريل"، الذي أسس أيضا جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت".
ويشكل الموساد، الذي يتخذ من مفترق جليلوت شمال تل أبيب مقرا له، أحد أجهزة الاستخبارات الثلاثة الأساسية في إسرائيل، إضافة إلى: جهاز الأمن العام الداخلي (الشاباك) وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمام).
أما شعار الموساد هو الشمعدان، مكتوب عليه "بدون حيل يسقط الشعب، والخلاص بالمشورة" وهو ما يعني أن جميع الوسائل مشروعة للحفاظ على أمن إسرائيل.
وعلى مدار عقود طويلة حرصت السياسة الإسرائيلية على عدم الإعلان عن اسم رئيس الموساد، واستمرت تلك السياسة حتى عام 1996.
فللمرة الأولى يعلن فيها عن اسم رئيس الموساد بشكل رسمي من قبل حكومة إسرائيلية خلال توليه منصبه، وكان وقتها هو "داني يتوم".
أما رئيس الموساد الحالي الذي يعمل في ظل حكومة نتنياهو، فهو "دافيد برنياع".
ومضت إسرائيل على جناحي الدبلوماسية العلنية والمفاوضات التي تقودها المؤسسات الحكومية سواء رئاسة الوزراء أم الخارجية.
وجناح آخر هو العلاقات السرية المبطنة والتجهيزات في سراديب السياسة المعقدة، ويحركها ويهندسها جهاز الموساد ووكلائه.
المصادر
- Inside Mossad and Israeli Foreign Ministry's clash over Rome meeting with Libya
- "حرب يأجوج ومأجوج ونهاية الحلم الصهيوني".. رئيس الموساد الأسبق يكتب عن الأزمة السياسية بإسرائيل
- إسرائيل.. الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية تتسرب إلى الموساد
- خلاف شديد بين الخارجية الإسرائيلية والموساد.. كوهين يؤكد تنصله من تسريب لقائه مع المنقوش
- EXCLUSIVE: As Trump exits, the full Mossad story on normalization into focus
- قناة إسرائيلية: خلاف بين الموساد والخارجية بعد كشف لقاء المنقوش