حظر وخسائر بالمليارات.. ما أبعاد الصدامات المتصاعدة بين بكين وشركة أبل؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

شهد العالم في 12 سبتمبر/ أيلول 2023 المؤتمر السنوي العالمي لشركة "أبل" الأميركية، الذي عرضت فيه أبرز منتجاتها جهاز "آيفون 15" إضافة إلى أجهزة ماك برو الجديدة وغيرها من الإكسسوارات الأخرى مثل آيباد وساعة أبل.

لكن هذا الحدث الضخم جاء هذا العام في ظروف صعبة للشركة الأميركية العملاقة، بعدما تلقت ضربة قوية من قبل الحكومة الصينية. 

ففي 7 سبتمبر 2023 انخفضت أسهم أبل بنسبة 2.9 بالمئة، بعد تداول أخبار تفيد بأن الصين تخطط لتوسيع الحظر على استخدام أجهزة أيفون، ليشمل الوكالات والشركات المدعومة من الحكومة.

وهو الأمر الذي أدى لقلق المستثمرين إزاء قدرة الشركة الأكبر في العالم، على تنفيذ أعمال تجارية في الصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

وبسبب ذلك خسرت الشركة حوالي 200 مليار دولار، بحسب ما أوردت شبكة تلفزيون "سي إن إن" الأميركية، في 8 سبتمبر 2023، وذكرت أن سهمها هو الأسوأ أداء في مؤشر "داو جونز" الصناعي. 

فلماذا أقدمت الصين على هذه الخطوة ضد أبل؟ وكيف وصلت العلاقة إلى هذا الحد من الصدام؟ وما هي إجراءات الشركة الأميركية لتفادي ضربات التنين الصيني؟ 

وحتى نقف على طبيعة كيفية حدوث معركة بين شركة أيا كان وزنها ودولة بحجم الصين، يجب معرفة مدى قوة هذه الشركة.  ومن هنا فإن اقتصاد أبل المهول يوازي حجم اقتصادات دول كاملة.

فوفقا لتقرير نشرته مجلة "فوربس" الأميركية في 30 يونيو/حزيران 2023، فإن القيمة السوقية لـ "أبل" تخطت 3 تريليونات دولار، وهي أعلى قيمة سوقية لشركة من الشركات على وجه الأرض بلا منازع.

ويعادل الرقم المذكور حجم الاقتصاد البريطاني، الذي يعد سادس أكبر اقتصاد في العالم. 

ومع ذلك كتب على هذه الشركة العملاقة خوض معركة مع المارد الآسيوي الصيني، صاحب ثاني أضخم اقتصاد في العالم. 

إذ تستغل الصين ضخامة عدد سكانها (نحو ملياري إنسان) واتساع سوقها سلاحا في صراعها وسباقها التكنولوجي مع واشنطن.

ومن ذلك حظرها استخدام 700 مليون موظف صيني هاتف آيفون التابع لشركة أبل، وأهم منتج لديها.

خطورة الصين

وفي 8 سبتمبر 2023 نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريرا عن طبيعة صراع أبل والصين، وحظر الحكومة الشيوعية استخدام آيفون.

وقالت: "رغم إرجاع مسؤولين صينيين السبب إلى مخاوف تتعلق بالأمن السيبراني، فإن الخطوة مكايدة اقتصادية، ومناورة صينية لردع العقوبات الأميركية، على هواوي والتكنولوجيا الصينية".

وكان البيت الأبيض قد فرض عام 2020، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، عقوبات على شركة هواتف "هواوي" الصينية لتقييد وصولها إلى الرقائق الإلكترونية اللازمة لصناعة منتجاتها التي تنافس بها منتجات الولايات المتحدة مثل آبل.

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن ثقل القرار يكمن في أن بكين هي أكبر مستخدم لهواتف آيفون في العالم، وتشارك بنسبة 19 بالمئة من إجمالي دخل الشركة السنوي.

ليس هذا فحسب، فالصين تشارك في 20 بالمئة من مبيعات "أبل" حول العالم، وما حدث تذكير بمدى الضرر الذي قد تحدثه إذا فرضت عقوبات أكبر على الشركة الأميركية.

وتعود العلاقة بين الشركة وبكين، إلى عام 1998 عندما قاد "تيم كوك" الرئيس التنفيذي لأبل تحول إنتاج الشركة إلى الصين.

وتحت قيادة كوك سمحت سنوات من الاستثمار والتسويق والدبلوماسية المؤسسية الدقيقة لشركة "أبل" بتنظيم قوة تصنيعية مع تحقيق أرباح في الصين أكثر من أي شركة أخرى غربية أو صينية.

حتى إن أبل تمتلك في الصين متاجر يصل عددها إلى 50، فيما يصل عدد متاجرها في الولايات المتحدة إلى 270 متجرا.

 

لاعب رئيس

وكذلك فإن أبل كانت حريصة على أن يكون لها علاقة مختلفة بالحكومة الصينية، وسعت إلى الالتزام الكامل بالتعليمات والطلبات الدورية المقدمة إليها من بكين. 

فمثلا في عام 2018 سحبت الشركة نحو 25 ألف تطبيق من "آب ستور" في الصين، التزاما بالمعايير الحكومية والمجتمعية الصينية. 

وهو الأمر الذي أدى إلى أن تحتفظ بمكانة مرموقة في الصين، وتجنبت مصير عمالقة التكنولوجيا الأميركيين الآخرين، بما في ذلك "غوغل" و"ميتا" و"إكس" و"ميكرون"، التي شهدت جميعها تقييدا لمنتجاتها أو حظرها تماما.

وفي 17 سبتمبر 2023 تحدث "بول تريولو" الشريك المساعد في المجموعة الاستشارية "أولبرايت ستونبريدج"، الأميركية، عن أسباب تفرد أبل بمكانة خاصة في الصين حتى جاء وقت الصدام الكبير الواقع حاليا.

وقال لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية: "إن آبل استثمرت كثيرا في علاقاتها مع كل من المركز والحكومات البلدية الصينية، وخلقت مئات الآلاف من فرص العمل". 

وأضاف أن "الشركة الأميركية كانت حريصة للغاية على الالتزام باللوائح المحلية، وإزالة التطبيقات الحساسة سياسيا ما أدى إلى استمرارها كلاعب رئيس في السوق الصينية حتى وقتنا هذا". 

سبب الصدام 

وقدر لأبل أن تكون في دائرة الحرب الاقتصادية المتصاعدة بين واشنطن وبكين، التي لها ضحايا كثر من كلا الجانبين. 

وفي 18 أغسطس/آب 2023 نشر "مركز سيتا" التركي للأبحاث والدراسات ورقة بحثية للباحث "قادر أوستون" عن حدود الصراع بين القوتين العالميتين. 

وقال: "على مدى السنوات الـ 20 الماضية، كانت الشركات الأميركية العملاقة مثل آبل وستاربكس ونايكي وبوينغ وديزني وجنرال موتورز وماكدونالدز ووول مارت في سباق لزيادة حصتها في السوق الصينية". 

واستدرك: "لكن أدى سلوك إدارة ترامب الصريح والقاسي للغاية عام 2020 بفرض عقوبات على الصين والشركات الصينية، لتطور الصراع الاقتصادي". 

وأورد أن "سعي واشنطن لمعاقبة الشركات الصينية مثل هواوي في مواجهة خطر فقدان القيادة في تكنولوجيا 5G لصالح الصين، دفع بالأخيرة إلى الرد وتحجيم الشركات الأميركية على أراضيها". 

وأشار إلى أنه: "كان يجب على واشنطن، التي تخوض صراعا مع الصين، لحماية القيادة الأميركية في مجالات مثل الفضاء والذكاء الاصطناعي، أن تتجنب اتخاذ خطوات من شأنها الإضرار بميزانيات الشركات الأميركية الكبرى". 

ثم عقب: "ومع ذلك، لا ينبغي تفسير هذه الديناميكيات على أنها لصالح الصين، لأن خروج الشركات الأميركية من بكين سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الصيني". 

 

البديل الأمثل 

وبالفعل بدأت "أبل" في خطط بديلة لاستبدال أو تقليل الاعتماد على الصين كمصدر رئيس لها في آسيا، وقد وقعت اتفاقيات إنتاج في دول أخرى على رأسها الهند، ثم فيتنام وتايوان وكوريا  الجنوبية. 

وفي 28 فبراير/ شباط 2023، قالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية إن الموردين الصينيين لشركة أبل ينقلون طاقاتهم الإنتاجية إلى خارج البلاد بشكل أسرع بكثير مما يتوقع. 

وأرجعت ذلك إلى تفادي تداعيات التوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن، وأن الشركة الأميركية تسرع الخطى لاستكشاف مواقع إستراتيجية أخرى بعيدا عن الصين. 

وذكرت أنه بالفعل، فإن 9 من أصل 10 من أهم موردي "أبل" يستعدون لتحركات واسعة النطاق إلى بلدان مثل الهند، وهو ما أعطى حوافز لدفع مبادرة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي (صنع في الهند)".

ومع ذلك قدرت الوكالة الأميركية أن الأمر قد يستغرق 8 سنوات لنقل 10 بالمئة من قدرة شركة "أبل" خارج الصين.

وعقبت أن الهند ستكون البديل الأمثل لأبل، وبشكل عام، فإن التدفق سيكون باستمرار في اتجاه واحد إلى خارج الصين، ولن يعود أبدا كما كان.