ظاهرة متصاعدة والأعداد بالآلاف.. لماذا يخاطر الشباب الموريتاني بالهجرة إلى أميركا؟ 

12

طباعة

مشاركة

دق خبراء وساسة موريتانيون ناقوس خطر ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين من جامعيين ومهنيين موريتانيين نحو الولايات المتحدة عبر الحدود الأميركية-المكسيكية.

وكشفت تقارير إعلامية عن ارتفاع إقبال الشباب الموريتاني في الآونة الأخيرة على الهجرة غير النظامية نحو الولايات المتحدة انطلاقا من دول أميركا الجنوبية.

وتروج حسابات على بعض وسائل التواصل الاجتماعي لمسار هجرة جديد من موريتانيا إلى الولايات المتحدة، لإغراء الشباب الموريتاني لتحقيق أحلامهم في أميركا. 

 

وينطلق هذا المسار عبر رحلات جوية من موريتانيا، إلى تركيا وكولومبيا والسلفادور، وصولا في النهاية إلى ماناغوا في نيكاراغوا.

ومن هناك، يجري نقل المهاجرين، إلى جانب طالبي اللجوء من دول أخرى، بالحافلة إلى الأراضي الأميركية، تحت إشراف ودعم مهربين.

أسباب مركبة

ورغم أنه لا تتوفر إحصاءات رسمية بشأن أعداد الشباب الذين غادروا موريتانيا إلى الولايات المتحدة بطرق غير قانونية خلال العامين الأخيرين، فإن مراقبين يقدرون عددهم بعشرات الآلاف. 

ووفقا لبيانات الجمارك وهيئة حماية الحدود الأميركية، وصل إلى أميركا بطريقة غير شرعية، عبر الحدود البرية، في الفترة من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران 2023، أزيد من 8500 موريتاني.

وعد متتبعون هذا الرقم كبيرا من شعب لا يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين نسمة، منبهين إلى ضرورة معالجة أسباب تصاعد حدة هذه الظاهرة حتى لا تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني والتنمية بالبلاد.

وتتعدد أسباب ودوافع مخاطرة الشباب الموريتاني بحياتهم للهجرة غير القانونية إلى الولايات المتحدة.

وتتفاقم الظاهرة رغم امتلاك موريتانيا العديد من الثروات وعلى رأسها الذهب، والحديد والنحاس إضافة إلى الثروة البحرية والحيوانية، ناهيك عن اكتشاف آبار مهمة للغاز في أراضيها وحدودها البحرية.

المدير الناشر لصحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، رأى أن أهم أسباب ودوافع هذه المخاطرة هي البطالة الشديدة المتفشية في صفوف الشباب.

وأضاف ولد محمد فال، في حديث لـ"الاستقلال"، أن الشباب يمثل ثلاثة أرباع المجتمع الموريتاني لكنه يعاني من زاويتين، الأولى هي أن نسبة كبيرة منهم لا تتجاوز مستوى البكالوريا.

 إذ إن نسبة المتمدرسين الذين يتجاوزون البكالوريا لا تتعدى في أحسن الأحوال 16 بالمائة، أما البقية فتذهب إلى الشارع.

أما الزاوية الثانية، يضيف ولد محمد فال، فهي أن الذين يتجاوزون مستوى البكالوريا ويدرسون ويتخرجون في الجامعات يواجهون البطالة حتى الأطباء منهم.

 ونسبة البطالة مرتفعة بشكل كبير بموريتانيا حيث تتجاوز 31 بالمائة أي أن قرابة ثلث الشعب ليس له مصدر دخل.

وأكد ولد محمد فال، أن السبب الرئيس لتفشي البطالة هو السياسات العمياء والارتجالية من قبل جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة، وفق تعبيره.

وتابع أن هذه الأنظمة لا تنظر للواقع بنظرة إستراتيجية موضوعية وإنما تتعامل بطريقة التسكين الموضعي المرحلي حتى ينهي نظام ما عهدته ويترك الأخطاء والمآسي والهموم للنظام الذي يليه. 

عوامل طاردة

وشدد على أن هذه السياسات الارتجالية والفساد المستشري في البلاد وعدم انتهاج الحكومات المتعاقبة لسياسة حقيقية بعيدة عن الشعارات والعبارات الجوفاء ساهمت كلها في ارتفاع نسبة البطالة وبالتالي دفعت الشباب لركوب مخاطر الهجرة غير النظامية. 

ونبه ولد محمد فال، إلى أن الجانب الاجتماعي للشباب يمثل أحد أسباب ارتفاع الهجرة غير النظامية، مبينا أن أغلبهم ينتمي إلى قبائل وأوساط بدوية في الأصل.

وأردف أن هذه الأوساط تحجم عن العمل في كثير من الأعمال اليدوية والفنية من قبيل الميكانيكا، والكهرباء واللحام وأعمال البناء وغيرها، مما فسح المجال أمام أفواج هائلة من اليد العاملة بإفريقيا فملأت هذا الفراغ، مشيرا إلى هذا عامل ساهم أيضا في ارتفاع بطالة الشباب.

وأشار إلى أن هناك أيضا "ظاهرة العدوى" حيث إن العديد من الشباب كانوا يشتغلون في أعمال حرة ومهن، مستدركا: لكن إما نتيجة لضآلة الراتب أو أن الأرباح قليلة، فضلوا أن يهاجروا بغية تحصيل مداخيل أفضل من دخلهم بموريتانيا.

وخلص ولد محمد فال، إلى أن ظاهرة الهجرة غير النظامية إلى الولايات المتحدة تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبالتالي فهي تحتاج إلى تحليل عميق وشرح واف يتناول جميع هذه الأبعاد.  

ورغم تعدد أسباب ودوافع ركوب المخاطر نحو "الحلم الأميركي" فإن تنامي أعداد الشباب المهاجرين بشكل غير نظامي ينذر بعدة مخاطر محتملة سواء بالنسبة للشباب المهاجر أو بالنسبة للبلاد.

الوزير السابق والأستاذ المحاضر بجامعة نواكشوط، ختار ولد الشيباني، رأى أن ارتفاع وتيرة هجرة الشباب أصبحت من الظواهر الاجتماعية العويصة والمستفحلة رغم الجهود التي تبذلها الدولة في سبيل إيقافها.

وفي 18 يوليو/تموز 2023، أكد ولد الشيباني، في مقال رأي نشره موقع "أقلام حرة" المحلي، أن استفحال ظاهرة تسلق جدار المكسيك باتجاه الولايات المتحدة هروبا من الوطن الذي يفترض به أن يكون هو الملجأ والمأمن تشكل "نزيفا حقيقيا لاقتصاد البلاد ولمستقبل التنمية فيها".

وأضاف ولد الشيباني، أن مغادرة العديد من الشباب للبلاد بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل بالخارج يؤدي إلى فقدان الموارد البشرية الضرورية لتنمية البلاد.

وبين أن الهجرة غير الشرعية تؤدي إلى ظهور عدد كبير من المهاجرين غير المسجلين، مما يؤدي إلى مشاكل أمنية واجتماعية إضافة إلى كبت النمو الاقتصادي وتدهور الظروف المعيشية.

من جهته، قال الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي حماه الله ولد السالم، "نحن شعب مهاجر، والهجرة ليست عيبا"، متسائلا: لكن ما دافع هؤلاء للهجرة؟! 

وأضاف ولد السالم، في ندوة سياسية شارك فيها نواب وأساتذة جامعيون وإعلاميون وحقوقيون بخصوص "ظاهرة الهجرة إلى أميركا" أن "الجواب: هو الحلم الأميركي".

ما الحل؟

وفي 9 سبتمبر/أيلول 2023، رأى ولد السالم، أن "العوامل الطاردة غير موجودة والحمد لله، كالحرب الأهلية مثلا، أو الدكتاتورية السافرة"، مستدركا: لكن البطالة عامل طارد وموضوعي تراكمي، حسب موقع "القدس العربي".

ورأى ولد سالم، أن "عنصر التآمر موجود، فهناك طرف ما من مصلحته إفراغ البلاد من خيرة منتجيها، وأخشى أن تكون هذه الهجرة غير نبيلة أو غير مشرِّفة كثيرا".

ولفت إلى أننا "لم نعد في مرحلة الانزعاج من الهجرة فهي أصبحت كابوسا وشيئا مزعجا يهدد السلم الاجتماعي والدولة والصالحَ العام".

وخلص إلى أن "هجرة الشباب من سن البلوغ إلى 30 سنة شيء خطير، ويمكن أن تؤدي إلى انهيار الدولة بصراحة".

وأردف أنه إذا استمرت الظاهرة بهذه الوتيرة المتسارعة خلال سنة أو سنتين فإن "الدولة الموريتانية ستنهار أو تكون على شفا الانهيار على الأقل".

وبما أن الهجرة غير النظامية أصبحت واقعا يفرض نفسه في موريتانيا، فإن السؤال الذي يطرح هو ما المطلوب للحد من تنامي الهجرة غير النظامية نحو الولايات المتحدة؟

المدير الناشر لصحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، أكد أن المطلوب هو أن تصبح السياسات الحكومية ذات طابع علمي جاد ترمي معالجة المشكلة وليس سياسات تُبنى في الهواء بعيدة عن الواقع ولا تهتم أساسا بأصحاب المشكلة وهم الشباب.

وحمّل مسؤولية تصاعد الهجرة غير النظامية لجميع الأنظمة المتعاقبة، مقدرا أنهم "تركوا الحبل على الغارب مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة رغم الشعارات التي يرفعها كل نظام، لكن النتيجة كانت النتيجة كانت دائما صفرا". 

ويرى ولد محمد فال، أن المطلوب أيضا تغيير العقليات حيث إن الشباب ينبغي أن يعمل على حسب مستوياته التعليمية.

وأضاف أن الشباب الذي لا يتوفر على مستوى تعليمي ينبغي أن يتجه إلى الأعمال المهنية خاصة أن مدارس التكوين المهني كثيرة جدا، وأن يشتغل في هذه المجالات التي يجني العاملون فيها أموالا جيدة.

وتابع أنه عندما تشجع الدولة الشباب عبر حملات مثل هذه "فقد تتغير العقليات ويتجه الكثير من الشباب إلى هذه المهن اليدوية والفنية التي يأنف منها (يحجم عنها) ويشغلها الأجانب". 

وأمام تصاعد حدة الهجرة غير النظامية للشباب الموريتاني، يرى مراقبون أن جهود الدولة للحد من هذه الظاهرة لن تؤتي أكلها ما لم تندرج في إطار إستراتيجية متكاملة لمعالجة مشكلات الشباب.

وأهمها معالجة البطالة عبر محاربة الفساد وتشجيع الشفافية في التعيينات ومنح الصفقات العمومية، وتوسيع مجالات التعليم الفني والمهني المرتبط باحتياجات سوق العمل.