الخطابات العنصرية.. كيف تؤثر على الاقتصاد والاستثمارات الخليجية في تركيا؟
سلطت جمعية تركية الضوء على "خطابات العنصرية ومشاعر الكراهية في تركيا ضد العرب، وتأثير هذا الأمر على موقف اللاجئين والمستثمرين" في هذا البلد.
وقالت جمعية باحثي الشرق الأوسط وإفريقيا (أورداف) في مقال لإبراهيم كاراتاش: "تتمتع تركيا بماضٍ تاريخي مشترك لا يقل عن 1250 عاما مع العالم العربي، وقد بُنيت هذه الوحدة لاتباع كلا الشعبين نفس الدين وعيشهم تحت سقف دولة واحدة لفترة طويلة".
ومع ذلك، فإن انهيار الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين، وبعض المشاكل القومية التي حدثت أثناء الانهيار وإنشاء دول على أسس قومية في المنطقة، قد أدت إلى تفرقة الأمتين التركية والعربية.
وبات كلا الشعبين بعيدا عن الآخر من حيث العلاقات الدبلوماسية والاجتماعية مع أنهما لا يزالان قريبين جغرافيا، وفق الجمعية.
وقد جرت تسمية هذا الانفصال الهائل بين الشعبين في المجال الأكاديمي بمصطلح "الطلاق"، ويظن الكاتب أن هذا هو المصطلح الأنسب للتعبير عن الوضع.
الحاضر المؤلم
وعلى الرغم من عدم تقاطع الشارعين العربي والتركي، فإن "الكراهية المصطنعة التي زُرعت في المجتمعات من خلال التعليم تسببت في بقاء البرود والتعالي بينهما حيا".
ورغم أن هذا البرود قد تراجع في تركيا منذ عام 2002، فقد بدأ في الصعود على جدول الأعمال في تركيا أخيرا، بحسب تقييم الكاتب.
ويرى أنه "بالإضافة إلى المشاعر المعادية للعرب الموجودة بالفعل في بعض الفئات، فإن السبب الرئيس لهذه العداوة المتصاعدة من جديد هو نظرة الرأي العام التركي إلى المهاجرين على أنهم المسؤولون عن دخول الاقتصاد التركي في أزمة".
إذ جرى ربط الأزمة الاقتصادية بالتوازي مع عملية فرار 3.5 ملايين مهاجر سوري من الحرب الأهلية عام 2016 إلى تركيا، وفق الكاتب.
واستطرد: لكن ووفقا للبيانات الدولية، فليس للمهاجرين في الواقع أي علاقة بالأزمة الاقتصادية والبطالة. بل لوحظ أن معدل البطالة قد انخفض بمقدار نقطة واحدة خلال السنوات العشر الماضية، أي عندما بلغت الهجرة ذروتها.
ومع ذلك، فلا تزال الجماعات اليمينية المتطرفة توجه أصابع الاتهام إلى اللاجئين، خاصة السوريين، على أنهم المسؤولون الرئيسون عن البطالة.
وأشار الكاتب إلى أن الخطابات العنصرية كانت موجودة أيضا قبل وصول اللاجئين السوريين، حيث انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العداء تجاه العرب في خطاب كان قد ألقاه عام 2010.
ومع ذلك، فقد تزايد التمييز والكراهية ضد الأجانب في السنوات الأخيرة، وتجاوز الأمر السوريين مستهدفا السياح والمستثمرين العرب أيضا.
وعلى الرغم من أنهم لا يُعبرون عن ذلك بشكل مباشر، فإن بعض الجماعات العنصرية لا تعادي المهاجرين فحسب، بل تستهدف أيضا السياح، حيث تعاملهم بازدراء في الشوارع، بل وتلجأ للعنف تجاههم أحيانا.
وإلى جانب كل هذا، يتم إضفاء الشرعية على هذه السلوكيات من خلال نشرها في وسائل الإعلام.
وتصل هذه المواقف العنصرية إلى العالم العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل وتتسبب في بعض الأحيان إلى إلغاء الحجوزات السياحية.
وهذا يلحق أضرارا جسيمة بمجال السياحة الذي يعد أحد مصادر الدخل الرئيسة في الاقتصاد التركي، وفق تقدير الكاتب.
أضرار اقتصادية
تابع الكاتب أن توقف الاستثمارات القائمة والقادمة من الخليج وتحويلها إلى دول أخرى عدا تركيا سيكون له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد التركي.
فبحسب الأخبار، بدأ رجال الأعمال السوريون في تحويل استثماراتهم إلى دول مثل مصر بالفعل، في حين جرى إلغاء بعض الخطط الاستثمارية العربية في تركيا أخيرا.
وأشار الكاتب إلى أن الرئيس أردوغان سبق وأبرم اتفاقيات استثمارية ضخمة خلال زيارته لدول الخليج الثلاث في يوليو/تموز 2023.
ففي حين أبرم أردوغان عددا لا يحصى من اتفاقيات البيع والاستثمار مع السعودية، والتي يرجح أن معظمها في مجال الصناعة الدفاعية، فقد عقد اتفاقيات اقتصادية مع الإمارات تزيد قيمتها عن 50 مليار دولار.
وأضاف: بما أن التعاون الاقتصادي المعني يجرى من خلال اتفاقيات بين الدول، فمن المرجح أن تنفيذها أكيد.
ومع ذلك، فليس من الممكن تأكيد نفس الصورة المشرقة بالنسبة للقطاع الاستثماري الخاص، فقد جرى البدء في تحويل بعض الاستثمارات الحالية إلى بلدان أخرى.
وأشار الكاتب أن هناك معلومات تفيد بإغلاق بعض رجال الأعمال السوريين مصانعهم في محافظات مثل غازي عنتاب وإسطنبول.
وبينما اختار بعض رجال الأعمال بيع أعمالهم والهجرة إلى أوروبا، بدأ آخرون في الذهاب إلى البلدان التي تشجع الاستثمار الأجنبي مثل مصر، بل وذهب بعضهم إلى السعودية.
ويتوقع الكاتب أن يغادر أولئك الذين بقوا إذا سنحت لهم الفرصة مفترضا أنهم لن يستثمروا أموالهم هنا من الآن فصاعدا.
وبحسب تقرير صحفي (لم يذكر الكاتب مصدره)، غادر ما يساوي المليار دولار من رؤوس الأموال الخليجية تركيا، وتوجهت إلى دول أخرى.
وجاء في التقرير نفسه أن 15 قطاعا مثل الصحة والبناء والأحذية والسياحة والأغذية تأثرت سلبا بسبب فقدان الاستثمارات.
ويفترض الكاتب أن أساس توقف الاستثمار على هذا النحو هو انعكاس للمشاعر المعادية للعرب، ذلك أن الجماعات العنصرية لا تلقي بالا لترهيب المستثمرين الأجانب، متجاهلة مساهماتهم في اقتصاد البلاد.
تركيا والعنصرية
تحمل نظرة الخطابات العنصرية تجاه الأجانب معاني تدلّ على أنهم مشكلة أمن قومي وتحاول بعض الفئات تحقيق مكاسب سياسية من خلال الدعاية بهذه الطريقة.
وأشار الكاتب إلى حقيقة إضرار الخطابات العنصرية بالدول التي صدرت فيها أكثر من غيرها.
وأوضح أن صورة البلاد تتشوه مع العنف الممارس ضد اللاجئين والأجانب، وأن الاستثمارات التي لا تصل تلحق الضرر بالبلاد من نواحٍ عديدة.
وشدد على ضرورة إيجاد حلول قانونية لمنع العنصرية من الإضرار باقتصاد البلاد، موضحا أنها في حد ذاتها مشكلة أمن قومي.
وتأسف الكاتب على عدم وجود أي قوانين لردع العنصرية في تركيا حتى الآن.
ويعتقد أيضا أنه يجب على البرلمان أن يسنّ القوانين لإيجاد حل دائم لهذه المشكلة، وبالتالي منع الجماعات والأحزاب ووسائل الإعلام اليمينية المتطرفة من الإضرار بالبلاد في إطار القانون.
وأشار إلى مخاطر عدم منع خطابات العنصرية، حيث إن استمرارها يؤدي إلى معاناة الاقتصاد التركي من عجز في الحساب الجاري.
كما لفت إلى أن النقد الأجنبي في البلاد آخذ في التناقص في خضم الحاجة إلى الاستثمار الأجنبي، منوها إلى أن الضرر سيتضاعف أكثر.
وبين أن شعور دول الخليج بالإهانة بسبب تعرض مواطنيها للأذية من قبل الجماعات العنصرية، يؤذي تركيا وليس الطرف الآخر.
تابع الكاتب: من المحتمل جدا أن أولئك الذين ينخرطون في كراهية الأجانب لا يهتمون بالضرر الحاصل، بل إنهم غير مدركين للضرر حتى.
ويحتمل أن يكون بعضهم يعمل بالفعل في شركة ذات رأس مال خليجي، وقد يفقدون وظائفهم في حال انقطع رأس المال.
وأوضح أن العنصرية تُعبّر عن مشكلة نفسية وليس حقيقة بيولوجية، مشيرا إلى أن ممارسيها لا يشعرون بحساسية تجاه هذه القضية.
وشدد على أنه لا ينبغي ترك مصير الاقتصاد التركي لأناس ممتلئين بكراهية الأجانب.
ورأى أن منع مثل هذا التطرف لن يشكل مكسبا كبيرا للاقتصاد فحسب، بل إن هذا الأمر بات يشكل ضرورة أمنية لتركيا.