وسيلة للإلهاء وتزوير للواقع.. هكذا دفع الفن المصري ثمن انصياعه لانقلاب السيسي

12

طباعة

مشاركة

أطلقت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 حركة إبداعية وحرية لافتة التعبير الفني، سواء في صورة أفلام لم يكن من الممكن إنتاجها سابقا، مثل "فبراير الأسود" الذي أُنتج في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وفضح سيطرة "منظومة الجهات السيادية" على البلاد.

أو في صورة مجموعة متنوعة من الأشكال الفنية مثل المسرحيات الشبابية الساخرة من الأوضاع، والكتابة على الجدران، وعروض الشوارع، ومقاطع الفيديو الساخرة على الإنترنت، بصفتها أشكالا من الفن الثوري تحتج على الظلم والقمع الاجتماعي.

استخدم الفنانون والموسيقيون الفن للتعبير عن حريتهم التي حصلوا عليها لشرح مظالمهم ومشاكل المجتمع، والحث على اتخاذ إجراءات لتصحيحها، وهو ما شجعه الرئيس الراحل محمد مرسي.

ومع هذا هاجمه فنانون، وحاصر مثقفون يساريون وزارة الثقافة في عهده، واعتصموا بها عام 2013، لرفضهم تعيين الرئيس مرسي، للوزير علاء عبد العزيز، رغم أنه ليس من الإخوان، ولكنهم صمتوا حين قيد السيسي حريتهم وهدم آثار القاهرة ومقابرها التاريخية.

بالمقابل، كان يجرى تصدير صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع مع بعض الفنانين قبل الانقلاب مباشرة، ثم عقب الانقلاب وترشحه للرئاسة مايو 2014 كأنه حامي حمي حرية التعبير الفني "التي أجهضها الإخوان" كما كان يزعم خصوم "مرسي".

والآن بعد مرور 10 سنوات على الانقلاب، وحفاوة الفنانين والمثقفين بالسيسي، غابت حرية التعبير الفنية أو قُمعت، وجرى تأميم الفن لصالح شركة المخابرات (المتحدة) وغاب أثر الصحوة الفنية والثقافية التي ترمز إلى حرية التعبير الذي انتعش بعد ثورة يناير وحتى نهاية حكم الرئيس محمد مرسي.

جرى مسح جميع الفنون الكتابية على الجدران، والتي انتشرت في ميدان الثورة (التحرير)، وإعادة تخطيط الميدان نفسه بهوية فرعونية ذات طابع عسكري.

وتم دفع عدد من الفنانين الذين برزوا خلال الثورة، للهجرة، وقمع الآخرين، وصمت من هتفوا للسيسي، وأصبح التمثيل في شركات المخابرات "حكرا" على مؤيدي نظام السيسي، أما من يعارضه أو يرفض التطبيل له فيجلس في منزله.

قمع السيسي الفن والفنانين والموسيقيين منذ عام 2014 وحتى الآن، وكان أبرز مثال قمعه المطرب إيمان البحر درويش، ولم يتسامح مع الأصوات التي شككت في سلطته ممن يعملون في الفنون المختلفة.

حظر السينما والمسرح والفن الذي يتعارض مع السلطة، وأمم العمل الفني واحتكره، عبر شركات المخابرات، لتمجيد النظام وتزوير التاريخ.

السيسي لا الإخوان

العلاقة بين الفنون والسياسة في مصر قديمة قدم جمهورية الضباط التي نشأت عام 1952، فعلى مدى عقود، انجذب الفنانون المصريون، عن طيب خاطر أو على مضض، نحو دوائر القوة (السلطة)، وتم تشكيلهم والتلاعب بهم.

وكان نصيب الفنانين المعارضين أو من يرفضون تطويعهم لخدمة أغراض السلطة هو تشويههم من قبل الأنظمة المتعاقبة في البلاد.

لم يتأخر الفن عن الدعاية لكل القادة المستبدين الذين حكموا مصر، والذين استغلوا الأفلام والموسيقى والتلفزيون بلا هوادة للتأثير على الجمهور، باستثناء سنوات ثورة يناير وفترة حكم الرئيس المدني الوحيد المنتخب محمد مرسي.

ثم عاد الحاكم العسكري المستبد، في صورة عبد الفتاح السيسي، ليعيد نفس قواعد اللعبة التي وضعها جمال عبد الناصر في البداية واستمر عليها خلفاؤه بصيغ مختلفة، ولكن في صورة أكثر قمعا وشراسة.

عكس حرية التعبير الفني التي حظي بها الفنانون عقب ثورة يناير وخلال حكم الرئيس محمد مرسي (الإخوان)، أصبح على صانعي الأفلام والفنانين أن يخطوا بحذر منذ انقلاب 2013، لتجنب الوقوع في الجانب الخطأ ضد الحكومة.

صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية أشارت لهذا في تقرير نشرته في 28 يوليو 2023 مؤكدة أنه في عهد السيسي، لا الإخوان كما كان يجرى الزعم، يواجه الفنانون "حملة رقابة شديدة أكثر من أي وقت مضى في التاريخ المصري الحديث".

أوضحت أن السيسي سمح للفنانين بالعمل تحت رعاية النظام، وسمح لهم بجمع ثروات كبيرة بشرط الالتزام بقاعدة واحدة، لم يُسمح لأحد بخرقها منذ انقلابه عام 2013، وهي "لا تتحدث في عملك الفني عن السياسة"، وفرض رقابة شاملة.

كانت النتيجة أن فن عصر السيسي "فارغ بشكل فريد، فهو مفلس فنيا، وغير ذي صلة اجتماعيا، بشكل مثير للاشمئزاز"، والفنون في عهد السيسي تُزور الواقع، والفيلم أصبح وسيلة للإلهاء، والفن أصبح منعزلا، كما يقول الموقع البريطاني.

واعتاد نظام السيسي استدعاء الممثلين والموسيقيين لإلقاء الخطب أمامه على شاشة التلفزيون، كما طُلب من العديد منهم كتابة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن دعمهم للنظام، مقابل السماح لهم بالعمل.

أما من رفضوا التطويع فأصبحوا من المنبوذين، الذين لجأ بعضهم لشركات إنتاج خليجية ولبنانية، حيث أصبحت السعودية ملجأ لفنانين مصريين بعروضها المربحة، بالتزامن مع تحول الرقابة في السعودية لوضع أكثر ليبرالية من نظيراتها المصرية.

وبينما كان السادات- ومن بعده حسني مبارك- ذكيا بما يكفي لإعطاء مساحة للفنانين وخلق انطباع بالحرية أمام العالم الغربي، ولجذب المستثمرين الأجانب، أغلق السيسي هذا الباب تماما بعد الانقلاب، بحسب "ميدل إيست آي".

ووصلت ذروة الدعاية التلفزيونية لنظام السيسي في عام 2022 مع الجزء الثالث من مسلسل "الاختيار" ذي الميزانية الضخمة، والذي سعى لترويج بطولات بوليسية وعسكرية زائفة ضد جماعة الإخوان المسلمين عقب الانقلاب العسكري.

جمع المسلسل بين التمثيل الدرامي المثير للشفقة ولقطات وثائقية معدلة بطريقة متلاعبة، بغرض إطهار السيسي كبطل وتشويه صورة الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وجاء بنتائج عكسية أظهرت أكاذيب السيسي والعسكر.

قمع الفنانين

بدأت الحملة على حرية التعبير الفني فور تولي السيسي السلطة رسميا في عام 2014 مع المذيع الساخر باسم يوسف، الذي اضطر بعد تصاعد الضغوط من النظام الجديد إلى إنهاء برنامجه الشهير، رغم أنه سخر من الرئيس مرسي ولم يمنعه، وفي نوفمبر 2014، غادر "يوسف" مصر ولم يعد منذ ذلك الحين.

وفي عام 2014، استُهدف النجم السينمائي خالد أبو النجا لانتقاده السيسي والجيش في مقابلة خلال مهرجان القاهرة السينمائي، لأنه رأى أن الوعود التي قام بها السيسي للقضاء على اﻹرهاب لم تُنفذ بعد.

عد النظام انتقاده للسيسي هجوما على قيادة الجيش، وأعقب ذلك حملة من إعلام السلطة ضده وصلت حد الحديث عن "نشاطه الجنسي"، فغادر الممثل إلى الولايات المتحدة، وتحول لمعارض من الخارج للنظام.

لقي المصير ذاته الممثل عمرو واكد، بعدما وجه انتقادات لاذعة للوضع السياسي في البلاد، على خلفية نسب الإقبال المتدنية على الانتخابات الرئاسية عام 2014، وقوله إنها كشفت أن شعبية السيسي "وهم" بحسب "CNN" 27 مايو / أيار 2014.

عده أنصار السيسي "خائنا" وهاجموه بعنف، واضطر لمغادرة مصر عام 2016 نهائيا إلى فرنسا، وفي عام 2019 حكم عليه غيابيا بالسجن ثماني سنوات بتهمة "إهانة الدولة"، بسبب استمرار انتقاداته للسيسي من الخارج.

وغادر فنانون آخرون، ممن دعموا ثورة يناير وانتقدوا السيسي، مصر، قبل تعرضهم للاعتقال والتضييق والبطش الأمني، بينهم هشام عبد الله وهشام عبد الحميد ومحمد شومان إلى تركيا، وجيهان فاضل إلى كندا.

وبجانب إلغاء عضويتهم في نقابة الممثلين، وعدم تجديد جوازات سفرهم وأسرهم، جرى تهديد العديد منهم باعتقال ذويهم، وبالفعل تم اعتقال بعض أقاربهم للضغط عليهم لوقف انتقاداتهم لنظام السيسي.

وفي أبريل/ نيسان 2020، دفعت التهديدات الأمنية لأسرة الفنان محمد شومان، إلى خروج ابنته ببيان مصور، تؤكد فيه أنها وأشقاءها ووالدتها لا علاقة لهم بوالدها، وذلك بعد أيام من اعتقال أحد أبناء شومان، كي لا تستهدفهم الجهات الأمنية.
وفي 14 آذار/ مارس 2021، ظهرت الممثلة المعارضة وإحدى ناشطات ثورة يناير 2011، جيهان فاضل، وهي تعمل في سوبر ماركت بمدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا في كندا، لتعيل أبناءها الثلاثة.

وعلى إثر سلسلة تدوينات عبر "فيسبوك"، منتصف 2021، انتقد فيها رأس النظام بسبب تفريطه في مياه مصر والتغاضي عن سد النهضة الإثيوبي والفساد والظلم والاعتقالات وزوار الفجر، اختفى الفنان إيمان البحر درويش بشكل مثير وقيل إنه تم اعتقاله.

ظهر أخيرا وهو في حالة سيئة للغاية، على فراش الموت، بعد اضطهاد السيسي له، حين نشرت ابنته صورة له 11 يوليو 2023، تُظهر تغيّرت ملامح الفنان الذي بدت عليه علامات الاحتضار بشكل واضح بعدما استهدفه النظام لانتقاده تخليه عن مياه النيل لصالح إثيوبيا.



وسع نظام السيسي بعد ذلك القمع ضد الفنانين، وأظهر عدم تسامح مع الأصوات التي تشكك في سلطته، فطارد الممثل الشاب أحمد مالك الذي واجه تهما بعد مقلب قام فيه عام 2016 بتسليم الواقي الذكري إلى ضباط الشرطة (كأنه بلالين) احتفالا بذكرى ثورة 25 يناير.

وبالمثل واجهت المطربة شيرين السجن في عام 2019 بسبب مزاحها عن "عدم وجود حرية التعبير" في مصر خلال حفل موسيقي في البحرين.

في كلتا الحالتين، أُجبر الفنانون على الاعتذار وإعادة تأكيد ولائهم، قبل السماح لهم بالعودة إلى العمل، خاصة بعدما احتكرت المخابرات العسكرية العمل الفني عبر شركاتها وضمت التلفزيون المصري في عام 2017.

وهو ما رصده تقريران لوكالة "رويترز" 12 ديسمبر 2019 بعنوان "إسكريبت السيسي"، وصحيفة "نيويورك تايمز" 3 أبريل 2019.

فبحلول عام 2018، قفزت الحكومة المصرية على القطاع الخاص واستولت على شركات الإنتاج الفني وجعلتها تحت سيطرة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة للمخابرات، وسيطرت على النشاط الفني والقنوات وتحكمت في الإعلانات.

وتم فرض محرمات جديدة تمنع التصوير السلبي للشرطة أو الجيش أو الحقائق الاقتصادية للبلاد وأصبحت الدعاية العسكرية والشرطة عنصرا أساسيا خاصة في موسم مسلسلات رمضان السنوي، حتى ولو لم يكن يشاهدها أحد.

قمع الساخرين

حرص نظام السيسي على شن سلسلة اعتقالات واحتجاز عدد من الساخرين في السنوات العشر الأخيرة كرسالة لهم بعدم التسامح مطلقا مع الفكاهة من باب السخرية من حكمه القمعي، وربط ذلك بأنه إهانة للجيش، بحسب موقع "مونيتور" الأميركي 3 يناير/كانون ثان 2020.

وضح ذلك منذ بداية حكم "السيسي" عندما تم إغلاق برنامج "البرنامج"، وهو برنامج تلفزيوني ساخر، بعد حلقة سخر فيها مقدم البرنامج، "باسم يوسف"، من "الهوس بالسيسي" الذي اجتاح البلاد.

تم اتهام "يوسف" بزعزعة السلام والأمن في البلاد فيما لا يقل عن 12 شكوى قانونية مقدمة ضده من قبل مواطنين موالين للحكومة، ومنذ ذلك الحين انتقل إلى الولايات المتحدة ولم يتمكن من العودة.

لم يكن الأمر بسيطا أيضا بالنسبة للفرق الموسيقية التي اشتهرت أغانيها المشحونة سياسيا في أعقاب الثورة، مثل فرقة "روك كايروكي"، التي أصبحت أغنيتها "صوت الحرية" نشيد الثورة.

حيث أوقفت السلطات العديد من حفلاتها الموسيقية في عام 2018 بعد بيع التذاكر، وقد دفع الإلغاء المتكرر المجموعة إلى تحويل انتباهها إلى الحفلات الموسيقية الدولية في الخارج بدلا من تنظيم العروض المحلية، قبل أن يتم السماح لها بعرض فني في أغسطس/ آب 2023 لا يتضمن أي معاني سياسية.

وضمن قمع المهرجانات الفنية، تشكلت لجنة في يوليو/تموز 2018 لتنظيم المهرجانات وإصدار تصاريح للمناسبات الثقافية بما في ذلك الحفلات الموسيقية.

وجعلت اللوائح الجديدة إلزاما على منظمي الفعاليات وجود رأس مال لا يقل عن 500 ألف جنيه مصري وتقديم جميع التفاصيل حول هذا الحدث قبل بدئه لأسباب أمنية، ما جعل عملية الحصول على تصاريح لحفلات فنية أمرا صعبا.

انتهاكات ضد المبدعين 

وفي 18 أغسطس 2018 قالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" إن السيسي اتجه بعد سحق المعارضة إلى القضاء على حرية الفن والتعبير، مشيرة إلى القبض على أكثر من 12 شخصا في حملة ضد الفنانين.

أشارت لإصدار نظام السيسي "مراسيم تحد من حرية التعبير، وإنشاء مستويات من الرقابة لإسكات النقد الموجه للحكومة"، لوضع عوائق أمام الفنانين المستقلين لتنظيم أحداث فنية عامة، وتوسيع سلطة الرقابة الحكومية الرئيسة.

قالت إنه منذ فبراير/شباط 2018، اعتقلت السلطات وحاكمت العديد من المبدعين، من بينهم شعراء وكتاب وممثلون ومنتجو أفلام بسبب أعمالهم، ويواجه بعضهم تهما متصلة بالإرهاب.

تحدثت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس حينئذ "سارة ليا ويتسن" عن "هوس السلطة في ملاحقة الفنانين لمجرد تعبيرهم عن أمور تخالف زيف ادعاء السيسي أن أولويات إدارته هي محاربة الإرهاب".

أوضحت أن "الهدف الأساسي لحكومة السيسي اليوم يبدو أنه ترهيب المجتمع المصري بأسره وإخضاعه وإسكاته، بما في ذلك طبقة الفنانين المبدعة في البلاد".

قالت إن "حكومة السيسي تهدم المجتمع الثقافي والفني الغني في مصر وتريد إخضاعه".

حيث قمعت السلطات بشدة حرية التعبير الفني، ولاحقت الفنانين، وحاكمتهم أو أجبرتهم على وقف أعمالهم، وأوقفت مسرحية للكاتب أحمد الجارحي عام 2018، بدعوى "مخاوف من إهانة الجيش".

كما حكمت محكمة عسكرية في 31 من يوليو 2028 على الشاعر جلال البحيري بالسجن 3 سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة وإهانة المؤسسة العسكرية، وتعرض لتعذيب شديد لأنه انتقد السلطة والجيش في عمله الفني ضمنا.

وجاء هذا بعد أن قال السيسي في خطاب ألقاه مطلع مارس 2018 إن إهانة الجيش أو الشرطة "خيانة عظمى"!، وأمر الجهات الحكومية بعدم السماح بتلك "الإساءة" وقال إنها "ليست حرية تعبير".

أيضا تم اعتقال أحمد طارق، محرر أفلام، 18 فبراير 2018 لأنه تعاطف مع حكومة الرئيس محمد مرسي، وتم تلفيق قضية له.

وفي مايو/أيار 2016، اعتقلت السلطات 6 شبان كانوا أعضاء في “أطفال شوارع” وهي قناة يوتيوب بعد نشرهم مقاطع فيديو ساخرة حول السياسة المصرية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، ألغت السلطات حفلة موسيقية لفرقة (كايروكي) المصرية قبل يوم من موعدها، بدون تفسير رسمي ويُعرف عن أعضاء الفرقة انتقادهم العلني للحكومة وأغانيهم التي تعبر عن المعارضة.

في يونيو/حزيران 2014، منعت وزارة الداخلية، المسلسل التلفزيوني "أهل إسكندرية" لأنه يصور فساد الشرطة في الفترة التي سبقت ثورة يناير 2011 رغم أنه من إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي المملوكة للدولة.

وانتقد الصحفي بلال فضل، كاتب سيناريو المسلسل، الحملة القمعية الدموية لقتل المتظاهرين الذين دعموا الرئيس مرسي، وغادر مصر بعد ذلك بوقت قصير.

وفي أغسطس 2017، أمرت جهة حكومية بإغلاق 37 فرعا لمكتبة (ألف) ومصادرة كل من المباني والمحتويات، كما أدرجت الحكومة مالك المكتبات عمر الشنيطي ضمن عشرات من رجال الأعمال في قوائم الإرهاب، بزعم أن لهم علاقات مع الإخوان المسلمين.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، داهمت قوات الأمن عدة فروع لمكتبات الكرامة العامة، وأغلقتها قسرا.

ويشير تقرير "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" مطلع مايو 2023 عن "التوسع في الانتهاكات الأمنية ضد المبدعين" أن السلطات الأمنية تستهدف المبدعين بمختلف أنواعهم لأسباب تتعلق بنشر أعمال فنية تنتقد سياسات حكومية.

حيث يدور أغلب أعمال المبدعين عن السخرية من الانهيار الاقتصادي الذي قاد السيسي البلاد له، وهو ما حاولت السلطات حصاره عبر منع أي تعبير عن سخط مباشر أو غير مباشر من سياسات الحكومة.

وقد ظهر هذا في استهدافها مبدعين هواة ينشرون فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تطبيق تيك توك، حيث استهدفت الأجهزة الأمنية في 31 مارس 2022 ثلاثة من المعروفين بـ "ظرفاء الغلابة" لنشرهم فيديو ساخرا يعيدون فيه تمثيل وأداء أغنية قدمها الفنان أكرم حسني من قبل في برنامجه الساخر "أسعد الله مساءكم" يتناول فيها قضية غلاء الأسعار بشكل ساخر.

وكالعادة وجهت لهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، ونشر أخبار كاذبة، في 7 مايو 2022 قررت نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيل ظرفاء الغلابة بعد سخرية المصريين من اتهامهم.

ورصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في 10 سبتمبر 2022 القبض على الفنان التشكيلي أمير عبد الغني من منزله بوسط البلد ووضعه قيد الاختفاء القسري ثم سجنه بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه نشر تسعة منشورات عن غلاء الأسعار والبنزين!!

في تقريرها 3 سبتمبر/أيلول 2023 بعنوان "حوار في ظلال القمع"، الذي أصدرته مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، والذي ركز على أن الحوار الوطني الذي دعت له السلطة "لم يوقف عجلة القمع"، أشار التقرير إلى أن القمع طال أيضا "حرية الإبداع والتعبير الفني".

أشارت، في غالبية تقاريرها الربع سنوية، لاستمرار قمع فنانين ومطربين ومبدعين، ولعب نقابة المهن الموسيقية والفنية، دور الرقيب على أعضائها وإصدارها قرارات تقيد أعضاءها، بسبب مخالفات ترصدها "لجان تفتيش النقابات"!

مرسي والفن

عكس ما فعله السيسي تماما مع الفنانين والمبدعين والساخرين، ترك الرئيس مرسي بعضهم، مثل باسم يوسف وغيره، يسخرون منه بحرية في إطار حرية التعبير.

كان الرئيس مرسي يريد أن تقدم الثورة نموذجا جديدا في ممارسة الحريات العامة يليق بشعب مصر وثورته وحضارته، لذلك حرص على حرية الصحافة والتعبير الفني.

حرص الرئيس محمد مرسي على طمأنة قطاعات من الرموز الفنية والثقافية أن منهجه لا يتعارض مع عملهم وإبداعهم وأن الإخوان ليسوا كما يشيع الإعلام ضد الفن عموما وإنما هم مع الفن الهادف، لذلك التقى بالفنانين في سبتمبر 2012.

اجتمع يوم 6 سبتمبر 2012 بقصر الاتحادية مع عدد من الفنانين، وعدد من المبدعين والمثقفين وطالب بحماية الفن والإبداع من الهجمات الشرسة التي يقوم بها البعض عليهم منذ ثورة 25 يناير.

وخلال اللقاء أكد الرئيس مرسي أنه مؤمن بدور الفن والإبداع في المجتمع وسيسعى لأن يكون الفن أكثر تقدما في الفترة القادمة، معبرا عن استيائه لمهاجمة البعض للفنانين.

وتحدث فنانون بحرية لا يمكنهم الحديث بها مع السيسي حاليا، حيث سأل الفنان عادل إمام الرئيس عن جدية الإخوان في تسليم السلطة وتداولها بعد انتهاء مدة مرسى الرئاسية، وهو ما رد عليه مرسى بأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.

ووصف عادل إمام اللقاء بأنه كان مثمرا ومطمئنا للفنانين جميعا، حيث تم طرح التخوفات التي تسيطر على الفنانين الفترة الأخيرة وتم طمأنة الجميع، بحسب صحيفة "الشروق" 9 سبتمبر 2012.

وقال "إمام" إن حديث الرئيس مع الوفد الفني والأدبي كان قيما جدا، حيث كان منصبا على حرية التعبير والرأي والإبداع الفني والأدبي، معربا عن اعتقاده بإصدار قرارات خلال الفترة المقبلة، تؤكد على حماية الإبداع لكل مبدع بمصر.

وقال الفنان أشرف عبد الباقي لعدد من وسائل الإعلام حينها إن اللقاء حمل العديد من الرسائل الإيجابية للفنانين، حيث بث الرئيس الطمأنينة في قلبهم حول مستقبل حرية الإبداع، بحسب صحيفة "المصري اليوم" 9 يناير 2016.

وقال الفنان حسين فهمي: "لم أعط صوتي للرئيس محمد مرسي في الانتخابات ولكنني إذا أجريت الانتخابات في اللحظة الحالية فسأعطيه دون تردد، معبرا عن ارتياحه الشديد لمجرى اللقاء الذي عده تشجيعا للفن والإبداع".

لكن حشد المخابرات الحربية لبعض هؤلاء الفنانين ضد الرئيس مرسي والإخوان ضمن استعدادات تمثيلية 30 يونيو 2013 للتمهيد لانقلاب 3 يوليو 2013، دفع بعضهم لإعلان المشاركة في مظاهرات 30 يونيو، للمطالبة بسحب الثقة من الرئيس مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.