رغم الموارد الكبيرة.. لماذا يعيش نصف مواطني إفريقيا جنوب الصحراء بلا كهرباء؟

12

طباعة

مشاركة

في 6 سبتمبر/ أيلول 2023، اختتمت أول قمة إفريقية للمناخ بتبني "إعلان نيروبي" المشترك الذي "يشكل أساسا لموقع إفريقيا في عملية مكافحة تغير المناخ العالمية"، وفق النسخة النهائية للوثيقة. 

وفي القمة التي بدأت في 5 سبتمبر في نيروبي، دافع الرئيس الكيني وليام روتو عن خطاب ركز على تسريع التحول إلى الطاقة النظيفة في أفريقيا، حيث يعد السكان من الأكثر تأثرا بتغير المناخ.

وتعليقا على القمة قالت صحيفة الباييس الإسبانية إن القارة السمراء تضم عددا كبيرا من البلدان التي تتمتع بموارد للطاقة النظيفة أكثر من أي منطقة أخرى، لكن لا يزال عدد كبير من سكانها محرومين من الكهرباء. 

وضع صعب

وأوضحت الصحيفة أن الموقع الإلكتروني لقمة المناخ الإفريقية، يظهر للوهلة الأولى لزواره صورة العشرات من توربينات الرياح التي تدور في انسجام تام.

في الحقيقة، هو مشهد من كينيا، البلد الواقع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلى وجه التحديد، يبدو هذا المشهد من أول انطباع وكأنه حلم الناشطين في مجال تغير المناخ. 

في الواقع، لا يوجد في أي منطقة أخرى من العالم هذا العدد الكبير من البلدان التي يكون فيها لمصادر الطاقة المتجددة تأثير كبير في مشهد الطاقة الكهربائية. 

وقد بلغت نسبة مصادر الطاقة المتجددة، في سنة 2021، أكثر من 99 بالمئة بالنسبة لجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ أو أكثر من 90 بالمئة في كينيا وناميبيا وأوغندا، وفقا لبيانات معهد الطاقة المحترف ومركز إمبر للأبحاث.

لكن، عند النظرة الثانية، تتجلى أولى المشاكل وذلك عند التمييز بين الطاقة والكهرباء. وفقا لتقرير صادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز الاستشارية، جاء فقط تسعة بالمئة من الطاقة المولدة في إفريقيا ــ أي الإمدادات التي تضيء المنازل، وتسمح للصناعة أو وسائل النقل بالعمل ــ  في سنة 2020، من مصادر الطاقة المتجددة. 

من جانب آخر، تمثل الكهرباء خمس إجمالي استهلاك الطاقة في العالم فقط، وفقا لبيانات مؤسسة مو إبراهيم. وبحسب القطاع، تمثل الكهرباء 28.5 بالمئة من الطاقة المستخدمة في الصناعة، و25 بالمئة من الطاقة في الاستخدامات "السكنية"، و1.2 بالمئة فقط من الطاقة المستهلكة في النقل. 

وأشارت الصحيفة إلى أن المشكلة تتفاقم أكثر عند الأخذ في الحسبان مفهوم فقر الطاقة. وفي هذه الفئة تحديدا، تتربع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على رأس القائمة.

ووفقا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أونكتاد، لا يزال 50 بالمئة من مواطني المنطقة محرومين من الحصول على الكهرباء في سنة 2021، مع وجود حالات خطيرة بشكل خاص مثل بوروندي أو تشاد أو جنوب السودان؛ حيث ارتفعت نسبة السكان دون كهرباء إلى 90 بالمئة

بحسب ويكوس كروجر، مدير مركز باور فيوتشرلاب في جامعة كيب تاون، "باستثناء حالة جنوب إفريقيا التي يمكن مقارنة توليد الكهرباء فيها، الذي يعتمد على الفحم، بمعدلات البلدان الصناعية الأخرى؛ في معظم بلدان جنوب الصحراء الكبرى، تكون أنظمة توليد الكهرباء صغيرة جدا، مع قدرة توليد فيما بينها لا تصل إلى تلك الموجودة في دول مثل فرنسا أو إسبانيا". 

الطاقة الكهرومائية

في الأثناء، كشف كروجر، أن زخم الطاقة الكهرومائية في المنطقة يعود إلى العصور الاستعمارية، عندما قامت الدول الأوروبية "ببناء السدود التي احتاجتها في إفريقيا لتزويد مناجمها بالطاقة".

واستمرت في التوسع منذ ذلك الحين، مع تطور كبير في إثيوبيا، بفضل سد النهضة، ومشاريع جديدة في ملاوي وبوروندي وموزمبيق، التي تبني سدا بقدرة 1500 ميجاوات على نهر زامبيزي.

ونقلت الباييس عن جريس تامبل، من مركز الطاقة من أجل النمو البحثي، أن "الجانب السلبي للسدود يتمثل في أنها ليست محصنة ضد تغير المناخ".

وتوضح: "أن الجفاف والفيضانات والتغيرات في أنماط هطول الأمطار... جميعها عوامل لها تأثير على توليد الطاقة الكهرومائية، على غرار ما حدث، على سبيل المثال، مع انخفاض الإمدادات في زامبيا". 

من جهته، يؤكد كروجر أن عدم القدرة على التنبؤ بمصادر الطاقة المتجددة يعني أنه لا يوجد حتى الآن بديل سهل لمحطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالغاز الطبيعي كآلية لتحقيق الاستقرار في العديد من البلدان. 

وبينت الصحيفة أن نقص الكهرباء له علاقة كبيرة بالفقر. ووفقا لدراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية، فإن سعر الكهرباء اللازم لشراء جهازين منزليين أساسيين في أفقر الأسر في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يمثل عُشر الدخل.

ومن هنا، تشير نعومي واجورا، مديرة البرامج الوطنية في منظمة تحالف الطاقة العالمية من أجل الشعوب والكوكب، وهي منظمة غير حكومية، إلى أنه "عندما نتحدث عن فقر الطاقة، فإننا نتحدث أيضا عن الفقر الواضح".

"في الحقيقة، تفتقر العديد من المجتمعات إلى الموارد المالية، لذا فإن بناء شبكة كهربائية لا تعمل على تحسين الإمكانيات الاقتصادية للمجتمع قد لا يكون قابلا للتطبيق على المدى الطويل".

أسعار الكهرباء 

نتيجة لهذا الفقر، تفرض الحكومات حدودا قصوى في أسعار الكهرباء. وبينما يخفف هذا الإجراء العبء على المواطنين، يعقد القدرة المالية لشركات الكهرباء الحكومية، مع إفلاس العديد منها وعدم قدرتها على جذب الاستثمارات الخارجية.

في تقرير نُشر سنة 2022، قدرت وكالة الطاقة الدولية أن القارة الإفريقية، بأكملها ستحتاج إلى مضاعفة إجمالي قدرتها على التوليد -من 260 جيجاوات الحالية إلى 510 جيجاوات - لتحقيق هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة رقم سبعة: والمتمثل في ضمان الوصول الشامل إلى طاقة بأسعار معقولة وحديثة وموثوقة ومستدامة.

ووفقا لحسابات وكالة الطاقة الدولية، يمكن أن يأتي ما يصل إلى 80 بالمئة من تلك الـ 250 جيجاوات الإضافية من مصادر الطاقة المتجددة إذا تضاعفت الاستثمارات في هذا القطاع ست مرات.

لكن تكمن المشكلة، كما هو الحال دائما، في من يدفع؛ خاصة بعد الجائحة العالمية التي أرهقت حسابات العديد من حكومات المنطقة وارتفاع أسعار الفائدة الذي زاد الأمور سوءا.

وذكرت الصحيفة أن المنظمات متعددة الأطراف هي آلية تمويل محتملة. ووفقا لتقرير صادر عن مجلة الإيكونوميست، وعدت الدول الغنية بالوصول إلى الهدف السنوي المتمثل في جمع 100 مليار دولار لتمويل حلول تغير المناخ في إفريقيا.

وهو الهدف الذي، وفقا للمجلة نفسها، فشلوا بشكل منهجي في تحقيقه بين عامي 2009 و2021. وفي الفترة المذكورة، لم يتجاوز المبلغ الملتزم به 85 مليار دولار.

في المقابل، هناك أيضا أسباب للتفاؤل. وقد ساهمت الطاقة الكهروضوئية الرخيصة في الترويج لإنشاء شبكات صغيرة تصل إلى المجتمعات التي يكون فيها توصيل الشبكة الكهربائية الرئيسة مكلفا للغاية.

وفي بعض الحالات، تقوم شركات الهاتف بتمويل التركيب، بهدف مزدوج يتمثل في توفير الطاقة لشركاتهم الخاصة وبيع الكهرباء للمجتمعات المجاورة.

وفي بلدان مثل إثيوبيا، يوضح واجورا أن الشركات الزراعية هي التي تقدم رأس المال لهذه الشبكات الصغيرة، التي لا تعمل فقط مع الألواح الكهروضوئية.

ويقول: "هناك إمكانات كبيرة لبناء شبكات صغيرة من السدود الصغيرة وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة".

ويختم بالقول: "لا ينبغي أن يقتصر الأمر على الاستخدام المنزلي فحسب، بل يجب أن تصل الشبكة الصغيرة أيضا إلى العملاء التجاريين والصناعات الصغيرة، وهذا يحل جزءا كبيرا من المشكلة".