مدعوما بإيران.. كيف يسعى الأسد للاستفادة من انتفاضة العرب ضد مليشيا "قسد"؟
بصورة لافتة، يحاول نظام بشار الأسد استغلال انتفاضة العشائر العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن في محافظة ديرالزور شرقي البلاد.
وركز النظام السوري على الترويج إعلاميا إلى لعب عدة عشائر ممولة ومسلحة من إيران دورا في هذا الحراك العربي الجديد ضد مليشيا "قسد".
ويدين بعض أبناء العشائر العربية بالولاء للنظام السوري وإيران في شمال شرقي سوريا، وهو أمر خلق مشيخات متعددة بذات القبيلة الواحدة.
إذ يوجد في زعامة القبيلة الواحدة من هو يناهض النظام السوري وسياساته، وآخرون يوالونه أو يوالون مليشيا "قسد" في شمال شرقي سوريا.
تحريك الأذرع
وفي هذا الإطار دفع النظام السوري شيوخ بعض العشائر الموالين له لركوب موجة الحراك لأبناء عمومتهم ضد "قسد"، في محاولة جديدة منه للتشبيك معهم.
وذلك عبر كسب ودهم من قبل أبناء العشائر الموجودين بمناطق سيطرته سواء على الضفة اليمنى من نهر الفرات في دير الزور، أو على الضفة الأخرى اليسرى من النهر التي تسيطر عليها "قسد".
ومنذ 27 أغسطس/آب 2023 ينتفض أبناء عدد من عشائر القسم الأيسر من نهر الفرات بمحافظة ديرالزور ضد "قسد"، وحملوا ضدها السلاح وطردوها من عدد من القرى والبلدات هناك.
وذلك بهدف وضع حد لسياساتها الدخيلة وانتهاكاتها بحقهم، وسرقتها لخيرات المنطقة من النفط والغاز الذي يتركز 90 بالمئة من مجمل ثروات سوريا من هاتين الثروتين.
وطالبت العشائر العربية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإنشاء "إدارة مدنية مستقلة تتخذ سياساتها بشكل مستقل لإدارة المنطقة دون تأثير من قسد وغيرها، وتمثل المنطقة بفعاليات بعيدا عن تحكم قيادات حزب العمل الكردستاني (بي كا كا) في الملف الأمني بالمنطقة وضمان عدم فرض أيديولوجيتهم على السكان".
وكذلك "إقامة مجلس عسكري مستقل تحت إشراف التحالف الدولي، لتمثيل المنطقة بدلا من تسييرها من قبل قسد"، وفق بيان للعشائر نشر عقب اندلاع الحراك بديرالزور.
لكن سرعان ما وجد النظام السوري ضالته في محاولة وضع قدمه من جديد على مناطق بديرالزور على الضفة الغنية بالنفط والغاز والخارجة عن سيطرته منذ نهاية عام 2011.
وحاول النظام السوري عندما رأى تصاعد الحراك العشائري خلط الأوراق هناك لصالحه، عبر إخراج الزعيم القبلي من قبيلة البكارة نواف راغب البشير الموالي له والذي يقود مليشيا محلية تحت اسم "أسود العشائر" تتبع مباشرة للحرس الثوري الإيراني، حيث دعا العشائر والقبائل لمناصرة قبيلة العكيدات في قتال قوات "قسد"، وذلك في تسجيل مصور له بتاريخ 31 أغسطس 2023.
والبشير كان من أشد معارضي رئيس النظام بشار الأسد قبل أن ينشق عن المعارضة ويعود إلى حضن الأول من بوابة إيران عام 2017.
وقد شكل البشير من أبناء قبيلة البكارة إحدى كبرى العشائر العربية بسوريا تلك المليشيا التي يقارب تعدادها نحو ألف مقاتل تلقوا التدريب على يد المليشيات الإيرانية ويقودها راهنا بمحافظة دير الزور.
كما ذكرت شبكات محلية، أن عناصر تتبع لمليشيا البشير حاولت التسلل إلى منطقتي "جديدة البكارة" و"جديدة عكيدات" من الطرف الغربي لنهر الفرات الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، مستغلة الاشتباكات بين أبناء العشائر ومليشيا "قسد" لإحراز تقدم هناك.
صد عشائري
إلا أنه على الفور خرجت أصوات عشائرية تحدد بوصلة الحراك بأنه موجه ضد تغول "قسد"، ولا علاقة أو مساندة من النظام والمليشيات الموالية له ولإيران به.
بل وجه شيخ مشايخ قبيلة البكارة، حاجم البشير (مناهض لنظام الأسد) رسالة إلى أبناء الجزيرة السورية، بتاريخ 31 أغسطس أعلن فيها تضامن قبيلة البكارة مع قبيلة العكيدات وباقي عشائر ديرالزور ضد "قسد".
وقال الشيخ البشير "نعلن عن دعمنا للمطالب المحقة لقبيلة العكيدات، والوقوف معهم صفا واحدا، كما كان أجدادنا وأجدادكم عبر التاريخ، بما يحفظ دماءنا وكرامتنا".
وشدد الشيخ البشير على أن "الحل هو التشاور والرأي الجماعي، وعدم إراقة المزيد من الدماء"، داعيا شيوخ ووجهاء ديرالزور إلى "الاجتماع والتشاور، وتشكيل مجلس شورى لأبناء ديرالزور كافة".
ودعا شيخ مشايخ قبيلة البكارة "التحالف الدولي" إلى "تحمل مسؤولياته في حفظ أمن وكرامة المنطقة".
كما جاء الرد الحاسم على ادعاءات مليشيات النظام السوري، بأنها تشارك في المعارك ضد "قسد"، من الشيخ "مصعب الهفل" شيخ شمل قبيلة العكيدات المقيم في قطر بقوله إنه اجتمع بالسفارة الأميركية بالدوحة مع ممثل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ورئيس القسم السياسي بالسفارة مع بداية الاشتباكات في دير الزور شرق سوريا، بهدف إيصال مطالب العشائر في شرق سوريا والعمل على تهدئة الوضع هناك عبر التحالف الدولي المتمركز في المنطقة.
ونفى الهفل في تصريح لـ"الجزيرة نت" بتاريخ 4 سبتمبر/ أيلول 2023 "وجود أي علاقة لحراك العشائر العربية بالنظام السوري أو إيران"، مشيرا إلى أن "تحركهم جاء للمطالبة بحقوقهم وكف يد "قوات سوريا الديمقراطية" عن ممارساتها في المنطقة.
ومعروف أن عين إيران على مناطق بديرالزور تخضع لـ "قسد" هو محل اهتمام منذ سنوات بعدما استطاعت جر ولاءات بعض وجهاء القبائل إلى صفها وأغرتهم بالمال وبالسلاح من أمثال "نواف البشير".
إذ إن الثقل العسكري الإيراني في دير الزور والحسكة والرقة، وهي مناطق شرق سوريا في الأقسام التي تسيطر عليها قوات قسد، قائم على مليشيات محلية كانت تتجنب الصدام مع قسد.
ورقة محروقة
وقد استطاع النظام السوري ومن ورائه إيران، استمالة وجهاء بعض القبائل والعشائر السورية خاصة في محافظة الحسكة التي تسيطر عليها فروع "بي كا كا" باستثناء بعض الأحياء داخلها التي تتواجد فيها مؤسسات حكومية للنظام.
ويلعب النظام السوري على وتر التداخل وصلة القرابة بين أبناء العشيرة الواحدة والتي تتوزع في محافظات عدة، كي يفكك ولاء القبيلة الواحدة من خلال تنصيب شيوخ ووجهاء لها في مناطقه ويدعمهم سياسيا وإعلاميا إضافة لإعطائهم صلاحيات واسعة للتأثير على أبناء القبيلة خارج مناطق نفوذه.
وفي هذا السياق، أكد المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، أن "أبناء العشائر انتبهوا منذ بداية الفزعة لتحرير مناطقهم من مليشيا قسد للعدو المتربص بهم على الطرف المقابل من نهر الفرات النظام ومليشياته، الذين ينتظرون أي فرصة للانقضاض على تلك المناطق، حيث أصدروا بيانات مصورة تؤكد أن قسد وإيران ونظام الأسد هم في خانة واحدة وأن لا علاقة لهم بالحراك".
وأضاف لـ"الاستقلال": أن "قسد استغلت رواية النظام السوري بالوقوف مع أبناء العشائر ضدها لتشجيع أميركا على قمعها، إلا أن رد العشائر كان واضحا بالتنصل من أذرع النظام وإيران من أبناء العشائر".
ولفت الشريف إلى أن "هناك إجماعا عاما لدى أبناء العشائر أن قسد بأي لحظة وضمن تفاهمات مع النظام السوري وإيران يمكنها أن تسمح بعبورها إلى مناطق ديرالزور".
وراح يقول: "ولهذا فإن الحراك قطع الطريق على أي محاولة مستقبلية لحدوث أي نوع من التفاهمات، وخاصة أن قسد لها علاقات وولاءات متعددة من الأميركي للنظام وإيران وروسيا".
ومضى الشريف يقول: "ولهذا فإن بعض وجهاء العشائر المحسوبين على إيران والنظام السوري فشلوا خلال السنوات الماضية في إقناع شباب العشائر بالقبول بتسويات أمنية والتي يعلمون أنها مقدمة لعودة النظام السوري إلى قسم ديرالزور الخارج عن سيطرته".
وأشار إلى أن "النظام السوري أخيرا منع استقبال بعض النازحين من مناطق الاشتباكات بين العشائر ومليشيا قسد وهذا ما يؤكد على فشل ترويج رواية النظام ومحاولة اختطاف انتفاضة العشائر ضد قسد".
وختم الشريف بالقول: "إن إعادة النظام استخدام الورقة المحروقة عبر مشيخات موالية لم تمر على أبناء العشائر، لكونه فاقدا لشرعيته السياسية منذ اندلاع الثورة، فضلا عن كون أجهزة مخابراته لديها قوائم بمطلوبين من شباب المنطقة، عدا عن فشله الذريع بإبرام تسويات أمنية مع شباب ديرالزور في الضفة اليسرى رغم الوعود وتعهد وجهاء قبائل موالين له بحمايتهم".
خط أحمر
وفي أغسطس 2020 أعلن عن تأسيس "جيش العكيدات" في مناطق سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية بدير الزور بهدف "إطلاق المقاومة الشعبية ضد القوات الأميركية وأعوانها في منطقة شرق الفرات".
الأمر الذي دفع سفير سوريا السابق بالعراق "نواف الفارس" والذي انشق في يوليو/تموز 2012 عن النظام السوري وهو ينحدر من قبيلة "العكيدات" للتحذير من النوايا الإيرانية.
وقال الفارس موجها كلامه لأقربائه من "العكيدات" القاطنين في منطقة "الجزيرة" شرق نهر الفرات التي تسيطر عليها قسد: "إذا قاتلتم الأميركان ستكونون أمام تهجير كلي إلى غرب نهر الفرات، لذا فالتشبث بالأرض أولوية حتى تغير الظروف".
وتنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" شمال شرقي سوريا، وكذلك بمحيط حقول النفط والغاز هناك.
ويؤكد مراقبون أن النظام السوري كان يعول على استمالة العشائر في قتالهم ضد "قسد"، كونه لا يستطيع التدخل بشكل عسكري لكون المنطقة هي منطقة نفوذ أميركية وفيها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
ولهذا حاول اللعب على الوتر العشائري عبر استخدام ورقة الزعامات القبلية التي تمولها إيران وترعى تدريبها ودفع الرواتب لعناصرها بهدف تحقيق مزيد من التمدد العسكري الإيراني في قرى وبلدات يهيمن المكون العربي السني على تركيبتها السكانية.
لكن الأحداث الأخيرة، أعطت مؤشرات عملية على أن كل المحاولات الإيرانية السابقة لكسب قوة العشائر لصالحها في شرق سوريا "باءت بالفشل"، وأن أي فراغ محتمل لن يكون لطهران ونظام الأسد دور فيه مستقبلا، وفق المراقبين.
إذ سبق أن قامت طهران لهذا الغرض بتعيين ممثل خاص لها للتواصل مع العشائر العربية، بمناطق نفوذ المليشيات الإيرانية والنظام السوري في دير الزور والرقة والحسكة.
وهذا الممثل يدعى "الحاج إسماعيل" إيراني الجنسية، ويشغل منصب القائد العسكري للحرس الثوري الإيراني بمدينة دير الزور.