السيسي وجمال حمدان.. هذا ما لم يقرأه الجنرال الانقلابي للمفكر المصري

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في 5 سبتمبر/ أيلول 2023، شهد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية، والذي عقد في العاصمة الإدارية الجديدة قرب القاهرة. 

خلال المؤتمر الذي حشد له السيسي واستدعى له شخصيات دولية وإقليمية، نقل عبارة للمفكر والمؤرخ المصري الراحل جمال حمدان قال فيها: "ما من مشكلة في مصر إلا والمشكلة السكانية طرف أساسي فيها، ومن هنا فلا حل لأي مشكلة في مصر ما لم يبدأ من مشكلة السكان".

وكثيرا ما يشير السيسي في أحاديثه للجغرافي والمفكر المصري المعروف جمال حمدان، في معرض إجابته عن سؤال لمن يقرأ؟

حتى إن السيسي كتب تدوينة عبر "فيسبوك" في 24 أغسطس/ آب 2016، قال فيها: "أفضل القراءة لأنيس منصور وموسى صبري وجمال حمدان". 

وفي 22 يناير/ كانون الثاني 2020، تم اختيار جمال حمدان، شخصية العام لمعرض القاهرة للكتاب في دورته رقم (51) وقيل حينها إن الاختيار تم مجاملة للسيسي. 

خاصة أن السيسي ذكر أكثر من مرة أنه قرأ كتاب "شخصية مصر" للكاتب الراحل.

 

وجمال حمدان (1928-1993) من أعلام الفكر المصريين، تخصّص في الجغرافيا، في جامعة القاهرة ثم في بريطانيا حيث نال الدكتوراه عن رسالته "سكان وسط الدلتا قديما وحديثا"، ولدى عودته إلى مصر عُيِّن أستاذا محاضرا في كلية الآداب – قسم الجغرافيا في جامعة القاهرة.

وأنجز أعمالا فكرية كثيرة، لا في الجغرافيا فحسب بل أيضا في علوم أخرى متنوعة، بين السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والفلسفة، حتى زادت مؤلّفاته على السبعة عشر كتابا بالعربية والثمانية بالإنجليزية، فضلا عن العديد من المقالات في صحف ومجلّات عربية.

ولعل أبرز أعماله وأضخمها في أربعة مجلّدات ونحو أربعة آلاف صفحة كتابه الموسوعيّ "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان" الذي استلزم عشر سنوات من عمره وجهده، مدعّما إياه بقائمة مراجع هائلة بلغت 245 مرجعا عربيا و691 مرجعا أجنبيا.

هل قرأ؟

إظهار السيسي إعجابه المتكرر بأفكار وأطروحات الموسوعي المصري الراحل جمال حمدان، توحي أن الجنرال لم يحط بأفكاره حقيقة، لأن حمدان من دعاة الحرية ومن أشد الرافضين للحكم العسكري والانقلابات.

وكثير من نبؤات حمدان وتحذيراته سقط فيها السيسي بحذافيرها، ما أعطى تساؤلات حول، هل قرأ السيسي حقا له؟ وهل استوعب نظريات حمدان المتعلقة بجغرافيا مصر وواقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟ 

أجاب عن هذا الدكتور خليل العناني، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، في مقال كتبه لصحيفة "العربي الجديد" في 9 سبتمبر 2016 بعنوان "مأساة جمال حمدان مع السيسي".

وأورد فيه: "لا يخلو استدعاء السيسي للمفكر حمدان من ابتذالٍ اعتدنا عليه من حزمة الجنرالات الذين حكموا مصر نصف القرن الماضي. بيد أن الابتذال، هذه المرة، جاء مصحوبا بجهلٍ فاضح كشفه حوار الجنرال الذي لم يشر فيه إلى واحد من كتب حمدان، وهي كثيرة".

وأضاف: "ولم يشر إلى أي منها الذي ربما يكون قد أثر فيه، وذلك إذا ما سلمنا بصحة زعمه، وأغلب الظن أنه سمع بالمفكر الراحل من أحد مستشاريه، فقرر أن يبهر محاوريه".

وأتبع: "لو أن السيسي قرأ كتابات حمدان، خصوصا موسوعته الشهيرة شخصية مصر، وتحديدا الفصل الأخير من الجزء الرابع، عن الشخصية المصرية، لما استدعاه مطلقا ولفر منه ومن كتاباته".

فمثلا من أهم أفكار حمدان، مناهضته الاستبداد والحكم المطلق، حيث كتب في "شخصية مصر": "لا السكان ولا الفقر ولا حتى الاستعمار في الماضي أو إسرائيل أو البترول العربي في الحاضر هي المشكلة الأم في كيان مصر.. وإنما مشكلة المشاكل وقضية القضايا هي قضية الديمقراطية الدكتاتورية أو نظام الحكم المطلق وهي أصل مشكلة مصر كلها". 

وكذلك مقولته الحاسمة: "لقد تغيرت مصر الحديثة في جميع جوانب حياتها، إلا نظام الحكم الاستبدادي المطلق".

كما كتب جمال حمدان في نفس الكتاب: "إن الديمقراطية تتناسب طرديا مع درجة التخلف الحضاري، فالديمقراطية هي الحضارة والحضارة هي الديمقراطية، كما أن الديكتاتورية هي التخلف والتخلف هو الديكتاتورية، فالفرد والمجتمع تحتها عبد للحاكم في صورة مقنعة".

فهل السيسي الذي قام بانقلاب عسكري غاشم عام 2013، وقوض الحريات والديمقراطية، واعتقل أكثر من 60 ألف إنسان بحسب المنظمات الحقوقية، وقتل وأعدم كثيرا من معارضيه، قرأ ذلك الحديث لحمدان؟ 

السيسي وحمدان والنيل

النقطة الثانية نبوءة حمدان المتعلقة بالنيل، وقوله: "كانت مصر سيدة النيل، بل مالكة النيل الوحيدة، الآن فقط انتهى هذا إلى الأبد، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص، والمستقبل أسود".

وأضاف: "سيأتي اليوم الذي تطرد فيه الزراعة تماما من أرض مصر، لتصبح كلها مكان سكن، دون مكان عمل، أي دون عمل، أي دون زراعة، أي دون حياة أي موت، لتتحول في النهاية من مكان سكن على مستوى الوطن إلى مقبرة بحجم دولة".

فهل السيسي الذي شرعن لإثيوبيا بناء سد النهضة بتوقيعه اتفاقية المبادئ في 23 مارس/ آذار 2015، وبها أصبحت حقوق مصر المائية في مهب الريح، وتحت إرادة الحكومة الإثيوبية، قرأ لحمدان؟

وكتاب "شخصية مصر" الذي يقول السيسي إنه قرأه من أهم كتب جمال حمدان. 

وقد صدر الكتاب عام 1967 بعنوان "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان"، حول جغرافية مصر في 4 مجلدات.

وتفرغ حمدان لإنجاز صياغته النهائية لمدة 10 سنوات، ويمزج في دراسته بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة وعلوم طبيعية وإنسانية وتطبيقية أخرى.

ويقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء، الأول بعنوان "شخصية مصر الطبيعية"، والثاني "شخصية مصر البشرية"، والثالث "شخصية مصر التكاملية"، والرابع "شخصية مصر الحضارية".

 

لماذا حمدان؟ 

يظل جمال حمدان أحد أهم أعلام الجغرافيا المصريين، وكتابه الموسوعي "شخصية مصر" يظل مرجعا لكثير من العلماء والباحثين والدارسين للدولة المصرية. 

وأكملت وفاته المأساوية دائرة أهمية الرجل، حيث عثر على جثته والنصف الأسفل منها محروقا، في 17 أبريل/ نيسان 1993، وأثبت الدكتور يوسف الجندي مفتش الصحة بالجيزة في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقا بالغاز، كما أن الحروق ليست سببا في وفاته، لأنها لم تصل لدرجة إحداث الوفاة.

واكتشف المقربون منه اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها، وعلى رأسها كتابه عن اليهودية والصهيونية ويقع في ألف صفحة وكان من المفروض أن يأخذه للمطبعة للنشر. 

لذلك يعده كثير من القوميين المصريين رمزا لهم ويبشرون بأفكاره، لكن السؤال رغم كم التناقضات بين أفكار جمال حمدان وسياسة وأفعال السيسي، لماذا يهتم به الجنرال ويتبنى نظرياته بهذه الطريقة وكان في غنى عن ذلك؟  

أجاب عن هذا السؤال في حديثه "للاستقلال" الدكتور أحمد عيد أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، بالقول، إن "هناك أكثر من سبب دعا السيسي للاحتفاء وتصدير الراحل الدكتور جمال حمدان، ضمن حزمة علماء ومفكرين بأعينهم، والمقصد بالقطع لا أنه يقرأ لهم بل يروج لهم كرمزية لحكمه" 

وأتبع: "أولا الدكتور جمال حمدان معبر عن القومية المصرية بعينها، والمنعزلة عن محيطها الإقليمي والديني، وهذا يتطابق مع أفكار السيسي والدائرة المحيطة به".

وأضاف: فمثلا من أهم كلماته (مصر اليوم إما القوة أو الانقراض، إذا لم تتحرك لتكون قوة عظمى تسود المنطقة بأثرها فسوف يتداعى عليها الجميع يوما ما، أعداء وأشقاء وأصدقاء أقربين وأبعدين) فهو يرى أن المحيط العربي والإسلامي خطر". 

واستطرد عيد: "هناك سبب آخر محوري أن جمال حمدان يرى أن الإسلام هو العلمانية والعلمانية هي ترشيد التدين، كما أن الإسلام دين دنيوي كباقي الأديان، وهذه النقطة في حد ذاتها تجعل السيسي المناهض لأي مظهر إسلامي أن يحتفي بالرجل ويتبنى طرحه على هذه الشاكلة". 

وأكمل: "ومن الأمور المهمة أيضا في أفكار حمدان هو موقفه من تركيا في معظم كتاباته، إذ يرى أن الأتراك هم العدو الأول للدولة المصرية، ومعروف مدى الخلاف المحوري بين السيسي وتركيا، حتى وإن حدث تقارب في الآونه الأخيرة، لكنه سيظل يراها نموذجا مهددا لحكمه وتجربتهم في تجاوز الانقلابات مهددة لتجربته في ترسيخ الحكم العسكري".