إحباط وخيبة أمل.. استطلاع يكشف حالة الشباب العربي بعد عقد من الثورات

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "قنطرة"، الممول من الحكومة الألمانية، الضوء على نتائج استطلاعات رأي أجراها موقع الباروميتر العربي حول توجهات الشباب العربي بعد عقد من ثورات العام 2011.

ويجري الباروميتر العربي باستمرار استطلاعات تستكشف الرأي العام للشباب في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدى العقد الماضي.

وأصيب الشباب بالإحباط بعد إجهاض الثورات التي انطلقت في عدة دول عربية من قبل الأنظمة الحاكمة والقادة العسكريين.

خمول سياسي

ولكن وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، لا يزال الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نشطين في مجتمعاتهم بعد مرور عقد من الزمن على الانتفاضات العربية، لكن نشاطهم أصبح غير سياسي.

ويحلل موقع "قنطرة" التابعة لمؤسسة "دويتشه فيله" الألمانية، في تقريره، نتائج هذه الدراسة ومآلاتها على المشهد السياسي العربي. 

بحسب استطلاعات الرأي التي أجراها موقع الباروميتر العربي، وهو شبكة بحثية غير حزبية، يبدو أن الشباب في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "لا يزالون في حالة نشاط" بعد عقد من ثورات الربيع العربي.

وفي الدراسة الاستقصائية، يشير الموقع الألماني إلى أن "الشباب أعربوا في المنطقة عن مخاوفهم بشأن الوضع الاقتصادي في بلدانهم والوضع في سوق العمل ومستوى التعليم والحقوق السياسية والمدنية".

وعلى الرغم من الرغبة في التغيير وحركات الإصلاح التي ظهرت بعد الانتفاضات العربية عام 2011، يوضح "قنطرة" أن الشباب في العالم العربي "غير قادرين على إحداث تغيير سياسي حقيقي".

ولفت كذلك إلى أن الشباب الذين انضموا إلى الاحتجاجات الثورية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الموجة الثانية من الاحتجاجات في عامي 2018 و2019، "لم يعودوا نشطين سياسيا اليوم".

وبناء على ذلك، لا يستغرب الموقع من كون الهجرة رغبة قوية ومنتشرة بين شباب المنطقة العربية.

"نشاط غير سياسي" 

وبعد الانتفاضات العربية عام 2011، استخدم الباحثون مصطلح "النشاط غير السياسي" ليعبروا عن الفعاليات التي يلتزمون بها الشباب العربي منذ ذلك الحين.

إذ إنهم، وفقا للموقع، "ملتزمون بالتنمية والعمل العام في مجتمعاتهم خارج الساحة السياسية الكلاسيكية". 

فعلى سبيل المثال، أشار موقع "قنطرة" الألماني، إلى نشاطات الشباب السوريين في تنظيم وتنسيق جهود المساعدات الإنسانية لمجتمعاتهم المنكوبة.

هذا إضافة إلى أعمالهم التطوعية لتجميل المدن في لبنان، وتدشينهم حملة من أجل التخلص من النفايات في الأحياء الفقيرة، واستصلاح الأراضي في بيروت. 

أما في الجزائر، فقد ضرب الموقع المثل ببعض الحملات الشبابية، الهادفة إلى تنشيط السياحة، فضلا عن إدارتهم بعض البرامج لتحسين مستوى معيشة السكان في بعض الأحياء الفقيرة بالعاصمة الجزائرية.

ويفيد الموقع بأن هذا النوع من الأنشطة "يهدف في المقام الأول إلى إفادة الأشخاص الذين لا يتلقون دعما حكوميا". 

وأشار إلى أن "الهدف من هذه الإجراءات هو تحقيق تغييرات ذات معنى وجدوى للمواطنين العاديين، دون المطالبة بإصلاحات سياسية هيكلية من قبل المسؤولين الحكوميين". 

وفي ذات الوقت، يبرز "قنطرة" حقيقة أن "الشباب الذين يشاركون في مثل هذه الأعمال يدركون أن هذا النشاط الاجتماعي والثقافي غير سياسي".

ووفقا له، فإن الشباب "يريدون بشكل واضح التمييز بين أفعالهم وسياسة الحكومة وإجراءات الدولة".

"وبهذه الطريقة يأمل الناشطون الشباب تجاوز الشبكات الاجتماعية والاقتصادية الضرورية للتنقل في بيروقراطيات الدولة، لصالح مشاريع مجتمعية تعاونية خالية من القيود السياسية الرسمية"، وفق الموقع الألماني الحكومي.

خيبة أمل

من زاوية أخرى، يشير الموقع إلى أن الموجة الثانية من الربيع العربي، عام 2019، "أنتجت عودة مؤقتة للأشكال الكلاسيكية من النشاط السياسي". 

ومع ذلك، ولا سيما في أعقاب جائحة كوفيد-19 وتأثيرها الاقتصادي المستمر، تشير استطلاعات الرأي إلى حدوث "نزوح شبابي جماعي واسع عن السياسة في المنطقة برمتها".

إذ تشير دراسة الباروميتر العربي 2020 للشباب إلى أن هذه الفئة "في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبعتد عن ممارسة السياسة الكلاسيكية، بأنماطها الرسمية وغير الرسمية".

وبحسب الموقع الألماني، "تتوافق هذه النتائج مع المشهد السياسي الإقليمي، الذي يغشاه إحباط وخيبة أمل إزاء السياسة ونتائج الربيع العربي".

وهنا أبرز الموقع قلقه بشأن هذه النتائج، فنظرا للتركيبة السكانية في المنطقة، يشكل الشباب 55 بالمئة من إجمالي السكان. 

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق، وفق ما ورد عن الموقع، هو أن "الاستطلاعات الأحدث للباروميتر العربي تعكس رغبة عارمة بين الشباب في المنطقة في الهجرة بحثا عن فرص حياة أفضل".

وفي جميع البلدان التي شاركت في أحدث الدراسات الاستقصائية، أظهر الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما رغبة في الهجرة بما لا يقل عن ست نقاط مئوية أعلى من المشاركين الأكبر سنا. 

ووفقا للاستطلاعات، فإن أكثر من نصف الشباب الحاصلين على تعليم جامعي يرغبون في مغادرة الشرق الأوسط تماما.

مستقبل الشباب

وبطبيعة الحال، يزيد هذا من احتمالية "هجرة الأدمغة" الإقليمية مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية طويلة المدى، وهو ما يحذر الموقع الألماني من خطورة مآلاته.

على الرغم من النتائج الأخيرة التي توصل إليها الباروميتر العربي بشأن الهجرة والعزوف بين الشباب، يوضح الموقع أن مفهوم "النشاط غير السياسي" يظل مصطلحا مفيدا حاليا لوصف مشاركة الشباب في المنطقة. 

إذ يشير الباحثون إلى "عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية المنهجية واختطاف النخب لأجندات الإصلاح وسيطرة القوى المناهضة للثورة على الحركات السياسية والاجتماعية"، بصفتها عوامل دفعت الشباب نحو أشكال أخرى من النشاط.

بمعنى آخر، يؤكد "قنطرة" أن الأسباب التي أدت إلى ظهور "النشاط غير السياسي" لا تزال قائمة حتى بعد عودة الاحتجاج السياسي خلال الموجة الثانية من الانتفاضات العربية.

وبسبب عدم القدرة على التعامل مع المؤسسات السياسية والإصلاحات في هذا المجال، يشير الموقع إلى وجود تساؤلات كثيرة دون إجابة حول المستقبل وأزمات الشباب في المنطقة.

وفي الوقت الذي يقر فيه بأن البرامج والحملات الشبابية قد تؤدي إلى تحسينات جزئية في حياة المتضررين المحليين، يؤكد أنه "لا يمكن تحقيق حلول طويلة الأجل ما لم يجر إصلاح المؤسسات القائمة سياسيا". 


المصادر