بعد مقتل قائدها.. هل يعيد بوتين هيكلة فاغنر أم يضمها إلى الجيش الروسي؟

12

طباعة

مشاركة

رجح معهد إيطالي بأن مقتل رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية يفغيني بريغوجين وذراعه الأيمن دميتري أوتكين، إلى جانب أعضاء بارزين آخرين في المجموعة، كان محاولة من قبل الكرملين لإعادة الشركات العسكرية الخاصة التي نمت بشكل كبير في الآونة الأخيرة إلى مكانها الطبيعي.

وقتل بريغوجين البالغ من العمر 61 عاما، في 22 أغسطس/آب 2023 هو وجميع الأشخاص العشرة الذين كانوا على متنها بعد تحطم طائرة شمال موسكو.

وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن أثر يفغيني بريغوجين قد اختفى منذ محاولة تمرده في 24 يونيو/حزيران 2023 قبل أن يوقف تقدم قواته نحو العاصمة موسكو.

وذكر أن خبر نقله إلى بيلاروسيا، بعد اتفاق جرى التوصل إليه مع الكرملين بوساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، قد تأكد من خلال الصور ومقاطع الفيديو المتداولة عبر الإنترنت والتي أظهرت تواجد طائرته الخاصة في مطار مينسك.

تلاشى تماما

وأضاف بأن قائد فاغنر الذي كان دائم الظهور أمام عدسات الكاميرات موجها أصابع الاتهام إلى القيادة العليا في الجيش الروسي، "تلاشى تمامًا في الظل"، باستثناء ظهور متقطع عبر الإنترنت قبل أيام قليلة من حادث سقوط الطائرة.

 وكان قد أكد خلال تسجيل مصور على موقف مجموعة فاغنر ودورها، مشددا على عزمه "جعل روسيا أعظم في جميع القارات وإفريقيا أكثر حرية"، مضيفا: "لنجعل الحياة كابوسا على تنظيمي الدولة والقاعدة والآخرين".

وفي 27 أغسطس/آب، أفادت لجنة التحقيق الروسية المكلفة بالنظر في حادث تحطم الطائرة التي كان على متنها زعيم فاغنر بأن "الفحوص الجينية الجزيئية" أثبتت أن هويات القتلى العشرة الذين جرى انتشال جثثهم من موقع الحطام "تتطابق مع قائمة" الركاب وأفراد الطاقم، والتي كانت تضم اسم بريغوجين.

كما أوضحت اللجنة أن "الفحوص الجينية الجزيئية" التي أجريت على الجثث التي انتشلت من موقع تحطم الطائرة شمال موسكو "أنجزت".

وبحسب المعهد الإيطالي، من المحتمل أن يؤدي مقتل بريغوجين وقادة فاغنر إلى إعادة العلاقات بين روسيا والشركات العسكرية الخاصة، التي اضطلعت بدور متزايد الأهمية بالنسبة لموسكو في الحرب في أوكرانيا. 

ورغم عدم وجود تأكيد رسمي لتورط الكرملين في إسقاط الطائرة، فإن كل المؤشرات تشير فيما يبدو إلى تنفيذ الرئيس فلاديمير بوتين نوعا من "التطهير الداخلي"، يرجح المعهد.

وتطرق إلى وضع نائب قائد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، الجنرال الروسي، سيرغي سوروفيكين، قيد الإقامة الجبرية بالتزامن مع مقتل قائد فاغنر بعد عزله من دوره كنائب لقائد العمليات العسكرية في أوكرانيا.

وأشار إلى أن الأخير معروف بقربه من أفكار مجموعة فاغنر ويشتبه في أن لديه معرفة مسبقة بمحاولة تمرد المجموعة ضد السلطة المركزية في موسكو.

ذراع طويلة

وقبل بدء العملية العسكرية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، كان المحللون الغربيون يعدون الشركات العسكرية الخاصة الروسية، خاصة فاغنر، بمثابة "الذراع الطويلة غير المرئية للكرملين في الصراعات الخارجية أو السيناريوهات التي كان إنكار التورط فيها ضروريًا"، على حد تعبير المعهد. 

وبعد فبراير 2022، اكتسبت هذه المجموعات "وضعا جديدا"، وتدخلت لدعم قوات موسكو المسلحة المنخرطة في الميدان بشكل نشط، وفي بعض الحالات تقريبًا حلت محلها في غزو أهداف إستراتيجية مهمة مثل باخموت.

وهو وضع متناقض لاسيما وأن هذه الشركات غير مدرجة ولا مكان لها في الوقت الحاضر في النظام القانوني الروسي، إذ يجري فقط ذكرها في العقيدة العسكرية في سياق التهديدات الخارجية ضد البلاد، يلاحظ المعهد الإيطالي.

عند هذه النقطة، لفت إلى أن السؤال المطروح يبقى: ماذا سيحدث لفاغنر، المتمركزة رسميًا في بيلاروسيا والمنتشرة بإفريقيا لسنوات في خدمة مصالح الكرملين داخل دول مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى ودول أخرى من بينها ليبيا.

وأضاف أن بوتين أراد إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع مختلف الأطراف من خلال التخلص من كبار قادة فاغنر ومصادرة الأسلحة والمركبات الثقيلة التي تمتلكها في أعقاب محاولة التمرد في يونيو.

ويفسر بأن ذلك يشمل العلاقات ليس بين موسكو وأي خصم سياسي أو عسكري فحسب، وإنما أيضًا مع الشركات العسكرية الخاصة التي ينتمي إليها قادة كبار والتي دعمت الحرب على أوكرانيا.

وانتظر الرئيس الروسي يومين بعد إعلان مقتل بريغوجين الملقب بـ"طباخ بوتين"، لتقديم التعزية في ضحايا الطائرة الخاصة، واصفا مساعده السابق بأنه "رجل أعمال موهوب" وأنه ارتكب "أخطاء" لكنه "حقق نتائج".

والآن بعد قطع الرأس الكبير لمنظمة المرتزقة، باتت الأخيرة أمام سيناريوهات على رأسها إعادة هيكلتها من جديد من قبل الكرملين، وتعيين قائد بديل لها مقرب من بوتين، مع حفاظ موسكو على فاغنر كقوة شبه عسكرية وأداة لا تقدر بثمن لتنفيذ سياستها الخارجية في كثير من قارات العالم.

وصعد على الفور اسم العقيد في الجيش الروسي، أندريه تروشيف، لأن يكون الخلف المحتمل لبريغوجين والزعيم الجديد للمجموعة المسلحة.

رسائل واضحة

ولذلك تبدو رسالة الرئيس الروسي واضحة وهي أن السلطة لا تزال في أيدي الكرملين وأي محاولة للإطاحة به سيتم قمعها، يستنتج معهد التحليل الإيطالي.

ومع ذلك، يستبعد تخلي روسيا عن الشركات العسكرية الخاصة، ناهيك عن استيعاب المرتزقة بالكامل داخل القوات المسلحة الوطنية.

كما يستبعد التوصل إلى اتفاق جديد بين الكرملين وهذه الشركات بهدف توسيع عملياتها في إفريقيا، خاصة بعد الانقلاب في النيجر (وبعده في الغابون) حيث بات تورط فاغنر واضحا.

ومن غير المرجح أيضًا، نشوب صراع مفتوح بين فاغنر والسلطة المركزية في موسكو، يتابع المعهد.

ويرى أن هذه المجموعة "بالتأكيد لا تستطيع أن تنافس القوات المسلحة الروسية على الرغم من نموها الكبير خلال الفترة الأخيرة من حيث الوسائل وعدد المقاتلين وبفضل التمويل الذي حصلت عليه من موسكو".

الكرملين، من جانبه، لا يمتلك أي مصلحة في القضاء على طرف فاعل لا يزال بإمكانه أن "يثبت أنه مفيد للغاية على غرار شركة فاغنر التي تتمتع بتأييد معين في الداخل بعد السيطرة على باخموت".

وهو ما يتضح من المشاهد التي جرى تصويرها أثناء الاستيلاء على مدينة روستوف على نهر الدون وأظهرت ترحيب السكان المدنيين بمجموعة المرتزقة.

وفي 26 أغسطس، أصدر بوتين، قراراً جديداً يلزم فيه مقاتلي مجموعة فاغنر، بالقسم على الولاء للدولة الروسية، بعد أيام من مقتل قائد المجموعة يفجني بريغوجين.

ويلزم المرسوم الذي نُشر على موقع الكرملين على الإنترنت أي شخص يؤدي مهمة لصالح الجيش أو يدعم ما تسميها موسكو "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا أداء قسم الولاء الرسمي لروسيا.

ووصف المرسوم قسم الولاء بأنه خطوة لصياغة الأسس الروحية والأخلاقية للدفاع عن روسيا، وتتضمن ديباجة القسم تعهداً باتباع أوامر القادة وكبار الزعماء بدقة.

وببساطة أكثر، يختم المعهد، بأن الشركات العسكرية الخاصة الروسية مقدر لها لعب الدور الذي كانت تلعبه قبل تورطها المباشر بالحرب في أوكرانيا أي تعزيز مصالح موسكو في الخارج، بصفة غير رسمية، دون التورط كثيرًا في الشؤون الداخلية.