سبقها إليها حفتر.. لماذا خاطرت وزيرة خارجية ليبيا بلقاء نظيرها الإسرائيلي؟

12

طباعة

مشاركة

كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية في 27 أغسطس/ آب 2023 عن عقد الوزير إيلي كوهين لقاء سريا في إيطاليا مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، هو "الأول من نوعه" بين مسؤولين من البلدين اللذين لا تربطهما أي علاقات دبلوماسية.

وطرح هذا الكشف تساؤلات ليبية وإقليمية حول أسباب اللقاء؟ وهل ليبيا في طريقها لمستنقع التطبيع؟ ولماذا الآن مع تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى والفلسطينيين؟

وكانت ردة فعل الجماهير الليبية بمظاهرات غاضبة، وإحراق أعلام إسرائيل واقتحام أحد مقرات رئيس الحكومة، وانتقاد الأغلبية الساحقة من النخبة الليبية للقاء لها بالغ الأثر في طي هذه الصفحة السوداء التي حاولت وزيرة الخارجية فتحها، لكن ظل السؤال: من حاول توريط ليبيا في التطبيع؟

اللقاء الذي أجرته مع إسرائيل هذه المرة وزيرة خارجية حكومة طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، طرح تساؤلات حول إذا ما كانت طرابلس تسعى لخطب ود إسرائيل مثلما فعل الانقلابي خليفه حفتر حين أرسل نجله صدام لزيارة اسرائيل عام 2021 لطلب دعمها له؟

وتساءل ناشطون: لماذا التقت المنقوش مع كوهين رغم حظر القانون الليبي رقم "62" الخاص بمقاطعة إسرائيل سياسيا واقتصاديا؟ وماذا يعني هذا الخرق من جانب الحكومة لقانون ليبي رسمي؟

ويحظر القانون رقم 62 لسنة 1957 م بشأن مقاطعة إسرائيل، والمُصاغ في عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، التطبيع مع إسرائيل أو عقد أي اتفاقات معها "بالذات أو بالواسطة"، أو مع أي "منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها".

كما يحظر دخول أو تبادل أو الاتجار في البضائع والسلع والمنتجات بأنواعها الإسرائيلية في ليبيا، أو عرض البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية.

ويعاقب في المادة رقم 7 "كل من خالف" ما سبق "بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر"، و"غرامة لا تتجاوز خمسة آلاف جنيه".

ماذا جرى؟

كانت مفاجأة كبيرة أن تعلن وزارة الخارجية الإسرائيلية عن اللقاء مع وزيرة خارجية ليبيا، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وتؤكد أن "اللقاء السري" جرى بوساطة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني.

صحف إسرائيلية أكدت أن هدف الإعلان عن اللقاء وحديث كوهين عن أن "المفاوضات جارية للتطبيع مع "سلسلة من دول الشرق الأوسط"، يمثل خدمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتخفيف الضغوط عليه بعد التعديلات القضائية.

وكشفت في 28 أغسطس/ آب 2023، عن نشوب أزمة في وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد واقعة تسريب تفاصيل عقد اللقاء، وتنصل الخارجية الإسرائيلية من مسؤوليتها عن إعلانه، عقب إثارة الإعلان ردود فعل واسعة حول العالم.

القناة الإخبارية الإسرائيلية "12" قالت إن هناك "معركة تدور داخل وزارة الخارجية نفسها حول من المسؤول عن الأزمة الدبلوماسية، التي نشأت بعد إعلان الوزير كوهين عن لقائه بنظيرته الليبية" وحملوه مسؤولية تسريب معلومة انعقاد اللقاء الإسرائيلي الليبي ما جاء بنتائج عكسية.

معلق الشؤون الاستخبارية الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة "هآرتس" قال إنه تم الاتفاق بين المنقوش وكوهين ووزير خارجية إيطاليا تاياني الذي نسق اللقاء بينهما أن "يظل اللقاء سريا وألا يتم الكشف عنه".

أوضح أن "كوهين" سارع للإعلان عن الزيارة حتى يسجل رئيسه نتنياهو إنجازا سياسيا في ظل تهاوي مكانة إسرائيل في عهده لدرجة أنه يستعطف الرئيس الأميركي جو بايدن لعقد لقاء فيرفض.

وحسب القناة "12" الإسرائيلية فقد سارعت أطراف ليبية رسمية للطلب من الخارجية الإسرائيلية بالتراجع عن الإعلان، لكن الأمر كان متأخرا.

بيان وزير الخارجية الإسرائيلي قال إن "اللقاء جاء بمبادرة إسرائيلية لإقامة اتصالات مع ليبيا".

وأكد كوهين أن "حجم ليبيا وموقعها الإستراتيجي يوفران قيمة كبيرة وإمكانات هائلة لدولة إسرائيل".

كوهين حاول في بيانه  أيضا تخفيف وقع اللقاء على الليبيين، بالحديث عن أنه بحث مع وزيرة الخارجية الليبية "الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، وتجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد"، بعدما هاجر معظم أفراد الطائفة اليهودية في ليبيا إلى إسرائيل.

لكنه حرص مع ذلك على تذكير من يتوقع أن يغضبوا في ليبيا من اللقاء بالقول لهم: "في العقد الماضي، أجرت إسرائيل وليبيا اتصالات سرية من خلال وزارة الخارجية والموساد"!

زاد البلبلة إشاعة صفحات ليبية أن محمد خليل عيسى وكيل وزارة الخارجية في حكومة الدبيبة، قال إن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش "التقت كوهين لنقل رسالة من الدبيبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي"!! لا يعرف حول ماذا تدور؟

وهو ما طرح تساؤلات حول هل سعت حكومة الدبيبة بالفعل للتواصل مع الإسرائيليين كما فعل خليفة حفتر عبر نجله (صدام) لضمان دعمهم له، في مواجهة مطالبات في الداخل الليبي ومن مبعوث الأمم المتحدة بتشكيل حكومة بديلة له تدير الانتخابات؟

المحلل الفلسطيني الدكتور صالح النعامي ألمح لهذا بقوله: هل جماعة طرابلس في تنافس مع حفتر على قلب أميركا؟"، ساخرا من أنهم لن يحصلوا على أكثر مما حصل عليه عسكر السودان، أي لا شيء.

واستنكر قول الخارجية الإسرائيلية إن الطرفين ناقشا تقديم إسرائيل "مساعدات إنسانية لليبيا"، قائلا: هل ليبيا، ذات الموارد الاقتصادية الهائلة محتاجة إلى مساعدات إنسانية من إسرائيل؟"

ونفى "المجلس الرئاسي الليبي" علم المجلس باجتماع وزيرة الخارجية المنقوش بوزير خارجية إسرائيل، وطالب حكومة الدبيبة بتوضيح حقيقة اللقاء.

وشهدت مدن ليبية، مثل تاجوراء والزاوية، تظاهرات شعبية ضد ما تم تداوله من أنباء، قام المتظاهرون خلالها بإحراق العلم الإسرائيلي.

وأعلن "حزب العدالة والبناء" (إسلامي) في ليبيا استنكاره اللقاء مع الوزير الإسرائيلي وطالب "رئيس الحكومة بإقالة وزيرة الخارجية فورا من منصبها"، قائلا إن "هذه الخطوة الخطيرة تمثل خطا أحمر يجب عدم المساس به".

الاستجابة للغضب

في ضوء هذه التطورات، اضطر الدبيبة لإعلان وقف وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش عن العمل احتياطيا وإحالتها للتحقيق.

وقال مصدر حكومي ليبي لوكالة رويترز، إن الدبيبة قرر إقالة الوزيرة المنقوش، لكن لم يعلن عن ذلك رسميا.

لكن عقب الإعلان الإسرائيلي، هربت الوزيرة نجلاء بسرعة، من العاصمة الليبية على متن رحلة جوية خاصة متوجهة إلى إسطنبول، بحسب وكالة أسوشيتد، وهو ما لم تؤكده تركيا.

وأشارت تقارير صحفية إلى "هروب المنقوش على متن طائرة حكومية إلى تركيا بمساعدة جهاز الأمن الداخلي الليبي".

إلا أن الجهاز نفى أنباء "السماح أو تسهيل سفر المنقوش"، مشيرا إلى أنها لم تمر عبر القنوات الرسمية بمنفذ مطار معيتيقة سواء الصالة العادية أم الخاصة أم الرئاسية وفق السياق المتعارف عليه.

فيما أوضح مصدر ليبي لـ"الاستقلال" أن المنقوش هربت خارج ليبيا لأنها معرضة للحبس 3 سنوات بموجب قانون منع التطبيع في ليبيا الصادر عام 1957.

 

عقب كشف إسرائيل للقاء، حاولت وزارة الخارجية الليبية، شرح كواليسه، زاعمة أن ما حدث في روما "هو لقاء عارض غير رسمي وغير مُعَد مسبقا، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي، ولم يتضمن أي مباحثات أو اتفاقات أو مشاورات".

ثم عادت لتقول: "أكدت فيه الوزيرة ثوابت ليبيا تجاه القضية الفلسطينية بشكلٍ جَلي وغير قابل للتأويل واللبس"، ما يعني أنه لم يكن لقاء عارضا بل جلست وتحدثت عن موقف بلادها من قضية فلسطين.

وحاولت الوزارة إلقاء اللوم على "استغلال الصحافة العبرية والدولية" اللقاء و"محاولتهم إعطاء الحادثة طابع اللقاء أو المحادثات أو حتى الترتيب أو مجرد التفكير في عقد لقاءات هكذا‏‎".

وزعمت أنها ملتزمة: "‏بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس عاصمة أبدية لفلسطين، وهذا موقف راسخ لا تراجع عنه".

‎وأنها سبق أن "رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرف ممثل للكيان الإسرائيلي ومازالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع، ووفقا لنهج حكومة الوحدة الوطنية الليبية، والمواقف الراسخة في وجدان الشعب الليبي".

لكن وكيل وزارة الخارجية محمد خليل عيسى قال إن لقاء المنقوش ووزير الخارجية الإسرائيلي "تم الإعداد له سلفا".

أوضح "إن ما نشرته صفحة وزارة الخارجية عن أن اللقاء لم يكن رسميا وبالمصادفة غير صحيح، وطالب بإحالة المتورطين للقضاء"، بحسب صحيفة "المرصد" الليبية.

أيضا قال مسؤول إسرائيلي قال لوكالة "رويترز" إن اجتماع إيطاليا بين كوهين والمنقوش "تم الاتفاق عليه مسبقا على أعلى المستويات في ليبيا واستمر أكثر من ساعة"، أي أنه لم يكن لقاء عارضا.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم أيضا: إن "لقاء المنقوش وكوهين تم تنسيقه على أعلى المستويات في البلدين، وتم الاتفاق مسبقا على نشره".

أضافت: "بحسب المسؤولين، فإن كوهين طار إلى روما للقاء الوزيرة في دار ضيافة رسمية تابعة لوزارة الخارجية الإيطالية، وهو ليس لقاء بالصدفة، ولم يفعل الوزير شيئا من وراء ظهر رئيس الوزراء (نتنياهو)".

وكشفت "يديعوت احرونوت" أن ما وصفته بـ "أول اجتماع في التاريخ بين وزيري خارجية البلدين" لم يقتصر على وزيري خارجية ليبيا وإسرائيل، بل حضره المدير العام لوزارة الخارجية رونان ليفي.

وأنه تمت مناقشة العلاقات التاريخية بين البلدين، وتراث اليهود الليبيين، وإمكانية التعاون بين البلدين والمساعدات الإسرائيلية لأغراض إنسانية. 

وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية كشفت أيضا أن "الدبيبة سمح بلقاء المنقوش مع الجانب الإسرائيلي مسبقا".

نقلت عن مسؤول ليبي إن "رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة منح الضوء الأخضر للقاء وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش مع الجانب الإسرائيلي، عندما كان في زيارة للعاصمة الإيطالية روما في يوليو/تموز 2023"، وأن مكتب الدبيبة رتب المقابلة بالتنسيق مع المنقوش.

وقال مسؤول آخر للوكالة: إن اللقاء استمر حوالي ساعتين، وإن الوزيرة أطلعت رئيس الوزراء مباشرة بعد عودتها إلى طرابلس، مشيرا إلى أن الاجتماع جاء ضمن وساطة أميركية لدفع ليبيا نحو الانضمام إلى سلسلة البلاد العربية، التي طبعت مع إسرائيل.

أضاف أن "تطبيع العلاقات بين ليبيا وإسرائيل، نوقش للمرة الأولى في اجتماع بين الدبيبة ومدير وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)، وليام بيرنز، الذي زار العاصمة الليبية في يناير/كانون الثاني 2023".

وقال هذا المسؤول الليبي، غير المعلن عنه لـ"أسوشيتد برس": "أعطى رئيس الوزراء الليبي الموافقة المبدئية على الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية ذات الوساطة الأميركية، لكنه كان قلقا من ردة الفعل الشعبية في بلد يدعم القضية الفلسطينية".

ضوء أخضر

"الدبيبة سعى لإرضاء الحكومات الأجنبية، في الوقت الذي يتعرض خلاله لضغوط متزايدة من الأمم المتحدة والبلاد الأخرى، حول المأزق السياسي المشهود في بلاده.

هكذا فسر جليل حرشاوي، الباحث المتخصص في الشؤون الليبية لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن (RUSI) في لندن مقرا له، سبب إعطاء "الدبيبة" الضوء الأخضر" للمنقوش.

قال إن قرار رئيس الوزراء الليبي بتعليق عمل وإقالة وزيرة خارجيته عن العمل "كان الهدف منه بلا أدنى شك امتصاص الغضب الشعبي".

وفي أعقاب إعلان إسرائيل عن الاجتماع، وجهت وسائل إعلام ليبية متعددة أصابع الاتهام إلى رجل واحد: رافائيل لوزون، رئيس اتحاد يهود ليبيا.

"لوزون"، الذي لا تربطه علاقة باللقاء الدبلوماسي الأخير، تحدث في مقابلة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 28 أغسطس 2023، عن الاتصالات الأولى التي يسّرها بين مسؤولين إسرائيليين وليبيين رفيعي المستوى قبل حوالي ست سنوات، والتي يعتقد أنها مهدت الطريق للقاء الأسبوع الماضي.

وفي يونيو/ حزيران عام 2017، رتب لوزون اجتماعا في جزيرة رودس اليونانية ضم وفدا من كلا البلدين، وكانت تمثل إسرائيل وزيرة المساواة الاجتماعية آنذاك جيلا جمليئيل، التي تعود أصول والدتها إلى ليبيا، ووزير الاتصالات آنذاك أيوب قرا، ونائب رئيس الكنيست يهيل بار واللواء المتقاعد يوم توف سامية، وهو أيضا من أصل ليبي.

وترأس الوفد الليبي في رودس وزير الإعلام والثقافة والآثار آنذاك عمر الجويري. وكانت البلاد في ذلك الوقت تحت إدارة حكومتين منفصلتين، وهو وضع لا يزال قائما حتى اليوم، وإن كان في شكل مختلف.

وكان الجويري آنذاك وزيرا في حكومة شرق ليبيا برئاسة عبد الرحيم الكيب، في حين قيل إن خليفة الغويل، زعيم الحكومة المنافسة المتمركزة في الغرب، أعرب عن دعمه للقاء رودس عبر الفاكس.

وركز الاجتماع، الذي انعقد في فندق رودس بالاس واستمر ثلاثة أيام، على الذكرى الخمسين لطرد اليهود من ليبيا بعد حرب يونيو/حزيران عام 1967 بين إسرائيل والدول العربية. 

وتحدث الوفد الليبي في المؤتمر عن حق اليهود الليبيين في العودة إلى البلاد والحصول على تعويضات عن الخسائر التي لحقت بهم.

وقد زعم "لوزون" إن اجتماع رودس أعقبته في السنوات اللاحقة سلسلة من الاجتماعات الأخرى التي نظمها بين مسؤولين إسرائيليين وليبيين في روما وتونس واليونان.

أضاف: "كان لقاء الأسبوع الماضي بين وزيري الخارجية تتويجا لست سنوات من العمل. كان يفترض أن يحدث في وقت أبكر بكثير، لكن انعدام الاستقرار الحالي في ليبيا حال دون ذلك".

وعام 2021، قيل إن نجل حفتر زار إسرائيل لعقد اجتماع سري مع مسؤولين إسرائيليين، عرض فيه إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين مقابل الدعم الإسرائيلي.

وكانت آخر مرة زار فيها لوزون ليبيا عام 2012، عقب سقوط القذافي، وخلال تلك الزيارة، اختطفته قوى إسلامية واحتجزته ثمانية أيام قبل إطلاق سراحه.