تشين غانغ.. وزير الخارجية الصيني السابق الذي اختفى بعدما تجسس على الرئيس

a year ago

12

طباعة

مشاركة

ما يزال لغز اختفاء وزير الخارجية الصيني السابق، "تشين غانغ" عن الأنظار منذ يونيو/حزيران 2023 يثير الشكوك حول مصيره، إذ لم توجه له بكين تهمة بعينها واكتفت بالقول إنه "مريض".

إلا أن الرواية الصينية، لم تقنع المخابرات العالمية التي باتت تنظر إلى "تشين" على أنه في قلب عملية تجسس لصالح الولايات المتحدة ضد بلاده.

اختفاء غامض

فبعد سبعة أشهر فقط من تولي "تشين غانغ" منصب وزير الخارجية الصيني وهي أقصر مدة على الإطلاق لهذا المنصب، اختفى الدبلوماسي بشكل غامض عن الرأي العام.

وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أنه جرى استبدال تشين بسلفه "وانغ يي" في 25 يوليو/تموز 2023 دون تقديم تفسير للتغيير المفاجئ في المنصب.

ولم تعلن الصين بشكل مباشر ما إذا كان تشين سيحتفظ بلقبه كعضو في مجلس الدولة، وهو منصب أعلى من الذي فقده بشكل سريع مفاجئ.

وقد تولى "تشين" الوزارة في ديسمبر/ كانون الأول 2022، بعد أن قضى فترة قصيرة كمبعوث لدى الولايات المتحدة.

ولم يظهر تشين (59 عاما) في العلن منذ 25 يونيو 2023 حينما التقى مع دبلوماسيين زائرين في بكين.

إلا أن الحادثة التي أكدت عزل الرجل عن المشهد من قبل سلطات بكين، هو تغيبه عن قمة دبلوماسية دولية في إندونيسيا.

وقتها قالت الوزارة إنه في إجازة بسبب مشكلة صحية لم تكشف عنها، لكن عدم وجود معلومات تفصيلية أثار موجة من التكهنات حول سبب اختفائه.

ومنذ ذلك الحين، تنشغل أجهزة الاستخبارات العالمية من أوروبا إلى الولايات المتحدة وروسيا في جمع أي معلومات يمكنها الحصول عليها حول الإطاحة الغريبة بوزير خارجية الصين التي يحكم بها الحزب الشيوعي بقبضة حديدية منذ عشرات السنين.

ويعد الحزب الشيوعي الصيني أكبر الأحزاب السياسية في العالم، إذ يضم في صفوفه أكثر من 90 مليون عضو. ونظريا يُدار من القاعدة نحو القمة بطريقة هرمية.

أما القيادة العليا للحزب فتنحصر بيد مجموعة مصغرة تسمى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي ويبلغ عدد أعضائها 7 فقط.

وأهم هؤلاء قائد الحزب الأمين العام وحاليا هو شي جينغ بينغ الذي يتولى رئاسة البلاد وقيادة القوات المسلحة.

النشأة والتكوين

ولد تشين في مدينة تيانجين الشمالية عام 1966، ودرس السياسة الدولية في جامعة العلاقات الدولية المرموقة في بكين، وهي كلية مرتبطة بجهاز الأمن الصيني.

انضم إلى وزارة الخارجية عام 1992، وقد عمل قبل ذلك مساعدا في مكتب بكين لوكالة "يونايتد برس إنترناشيونال"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز".

بعد التحاقه بالسلك الدبلوماسي، عمل تشين في عدة وظائف في وزارة الخارجية وكذلك في السفارة الصينية في بريطانيا، وذلك قبل أن يعين سفيرا لبكين في واشنطن عام 2021.

كما شغل غانغ منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية مرتين، بين عامي 2006 و2014، ورئيس البروتوكول بين عامي 2014 و2018.

وكان غانغ الذي يتحدث الإنحليزية بطلاقة يتعامل مع الرئيس الصيني بشكل متكرر بحكم منصبه السابق كرئيس إدارة المراسم في وزارة الخارجية، ويعد أحد كاتمي أسرار شي جين بينغ.

يعد تشين غانغ واحدا من "الذئاب المقاتلة"، وهي التسمية التي اصطلح على اعتمادها لوصف جيل من الدبلوماسيين الصينيين الذين غالبا ما يلجأون الى تصريحات حادة للرد على الانتقادات الغربية لبكين.

وقال عام 2020 إن صورة الصين في الغرب تراجعت لأن الأوروبيين والأميركيين، لاسيما في وسائل إعلامهم، لم يقبلوا مطلقا النظام السياسي لبكين أو صعودها الاقتصادي عالميا.

وقد كانت ترقية الرجل لمنصب وزير الخارجية عام 2022 فوق أقرانه الأكثر خبرة في الوزارة جزءا من إصلاحات شاملة للموظفين تهدف إلى تثبيت فريق من الموالين.

وبعد تعيينه وزيرا، حفل جدول أعماله بزيارات الى دول في إفريقيا وأوروبا وآسيا الوسطى، إضافة إلى استقباله الكثير من الزوار الأجانب في بلاده، وقد كان معروفا بردوده اللاذعة على الأسئلة المحرجة من الصحافيين.

عملية تجسس

وفقا لمصادر مجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، فإن العديد من أجهزة المخابرات الغربية مقتنعة الآن بأن المخابرات الروسية أبلغت الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن وزير خارجيته "تشين غانغ" كان في قلب عملية تجسس نيابة عن الولايات المتحدة.

تؤكد المجلة في تقرير لها نشرته بتاريخ 22 أغسطس/آب 2023، أنه بينما زعمت السلطات أنه مريض، انتشرت تكهنات حول اختفائه، ومن المحتمل أنه قد جرى توظيفه من طرف مذيع صيني بارز في قناة Phoenix TV، والذي اختفى أيضا.

وتعكف بكين على إعداد رواية علنية معقولة لتفسير اختفاء تشين غانغ، ومن المتوقع أن تكشف عنها قريبا.

وهناك سبب وجيه وراء إعطاء هذه المسألة مثل هذا الاهتمام، فشين غانغ ليس مجرد عضو في الحكومة.

وقد شارك الرئيس الصيني شخصيا في صعوده عبر المناصب على مدار العقد المنصرم، عندما عينه سفيرا لدى الولايات المتحدة بين عامي 2021 و2022، في ظل توتر العلاقة مع واشنطن ووجود حرب غير ظاهرة بين البلدين على أكثر من صعيد اقتصادي وسياسي وعسكري.

ومنذ اختفائه، عملت أجهزة المخابرات في الصين والغرب وحلفائهم عبر نطاقات عديدة لمعرفة حقيقة وضعه.

وكان أول حديث عن أن الخيانة هي سبب طرد غانغ جاء من تايوان في يوليو/تموز 2023.

ووقتها أكدت مصادر رفيعة المستوى في تايوان أن الحزب الشيوعي الصيني يشتبه في أن الوزير السابق أرسل معلومات إستراتيجية إلى واشنطن.

وفقا لمصادر صينية قريبة من المكتب السياسي، فإن مكتب الحزب الشيوعي الصيني يبحث بالفعل في قضية غانغ وفي المعلومات التي يمكنه نقلها إلى كيانات أجنبية.

وتتهمه بكين بشكل خاص بضعفه تجاه النساء، وهي السمة التي من المفهوم أنها عرضته للخطر مع الأجهزة الأميركية، وفق ما ذكر تقرير "إنتليجنس أونلاين".

وتدرك تايبيه أن الحزب الشيوعي الصيني يضع أنظاره على اثنتين على الأقل من عشيقاته، واحدة في الولايات المتحدة والأخرى في المملكة المتحدة.

وتربط واشنطن ولندن أيضا إدانة تشين غانغ بالتحقيق المستمر في حلقة تجسس مزعومة داخل "القوة الصاروخية"، وهي الوحدة النووية والإستراتيجية العسكرية لحزب التحرير الشعبي، مع التركيز بشكل خاص على القائد Li Yuchao والرجل الثاني في القيادة الحالي والسابق، Zhang Zhenzhong و Liu Guangbin.

ومن المفهوم أن جهة اتصال إحدى عشيقات تشين غانغ مرتبطة أيضا بضابط كبير في "القوة الصاروخية".

وفي 28 يوليو 2023، أكدت صحيفة "صباح جنوب الصين" أن الضباط كانوا هدفا لتحقيق لمكافحة الفساد أجراه فرع من اللجنة العسكرية المركزية التابعة للحزب الشيوعي الصيني.

سياسي سلس

ورفضت وزارة الخارجية الصينية التعليق على وضع غانغ في الأسابيع الأخيرة، بعد أن قالت في البداية إن السفير الصيني السابق لدى الولايات المتحدة يعاني من "حالة بدنية".

إلا أن مسح الإشارات التابعة لغانغ من قراءات وزارة الخارجية الصنية، قطع بعض الشكوك من أنه سقط من النعمة التي كان فيها.

وقد ثبت أن هذا التغيير المفاجئ في وزير الخارجية الصيني سبب حرجا بعض الشيء، إذ جرى تأجيل رحلتي وزير الخارجية البريطاني وكبير مبعوثي الاتحاد الأوروبي بعد اختفاء نظيرهما في الصين.

وقال وين تي سونغ، الزميل غير المقيم في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي، لموقع "The Business Standard": "تريد بكين تجنب الإحراج الناتج عن ظهور وانغ يي بشكل مستمر في الاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية دون الحصول على لقب مناسب".

خلال فترة وجوده في واشنطن، اعتنق تشين غانغ الثقافة الأميركية، حيث كان يرمي الكرات في إحدى مباريات سانت لويس كاردينالز ويركب سيارة تيسلا مع المليادير الأميركي إيلون موسك.

 كما أدلى غانغ بتصريحات معتدلة حول موضوعات ساخنة، قائلا إن بكين كانت ستحاول منع روسيا من غزو أوكرانيا لو كانت على علم بذلك، وقلل من خطر نشوب حرب مع تايوان.

ويُنظر إلى "تشين غانغ" في الأروقة الدبلوماسية الصينية على أنه سياسي سلس، يجري إرساله بانتظام لمعالجة أكثر القضايا الدبلوماسية الشائكة في الصين والالتقاء مع الحلفاء المقربين، بما في ذلك رحلة فبراير/شباط 2023 إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لملمة الفضيحة

والصين دولة مشهورة باختفاء كبار المسؤولين فيها عن الأنظار لعدة شهور، وعادة ما تكشف هيئة الرقابة التأديبية التابعة للحزب الشيوعي الحاكم عن أنهم احتُجزوا للتحقيق، حيث أصبحت حالات الاختفاء المفاجئة هذه سمة شائعة في حملة شي لمكافحة الفساد.

ولهذا فإن الاستبدال السريع لـ "تشين غانغ" لا ينعكس بشكل جيد على الرئيس شي، ولا سيما أن الصينيين سيبحثون عن الخطأ الذي حدث وجعل الاستبدال ضروريا، وأن السبب يجب أن يكون خطيرا حتى يجري محو ذكره نهائيا بعدما كان أحد الصقور البارزة في سعي بكين لتقديم قيادتها بوصفها بديلا جذابا لقيادة الغرب في ظل رفض سياسة هيمنة القطب الواحد.

إذ تكافح بكين من أجل تحقيق الاستقرار في العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة وجذب أوروبا التي أصبحت متشككة بشكل متزايد في علاقات الصين الوثيقة مع روسيا في الوقت الذي تشن فيه غزوا شاملا على جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022.

لكن مراقبو سياسة النخبة الصينية يقولون إن الصمت حول سبب استبداله وحذفه من موقع الوزارة يشير إلى أسباب سياسية، وهو ما قد يتضح في الأشهر المقبلة إذا كان هناك إعلان رسمي عن إجراء تحقيق ضده.

ويقول مراقبون إنه إذا كان تشين غانغ أساء بشكل غير متوقع إلى قيادة الحزب الشيوعي الصيني، فإن الحادثة أصبحت تشير إلى سحابة من الجواسيس المظلمة المعلقة فوق رأس الرئيس الصيني.

وعليه حتى لو جرى التعامل مع غانغ في المستقبل إلى درجة "تسليمه للعدالة"، فإن أسباب التعامل معه ستظل مقتصرة على "العلاقات خارج نطاق الزواج" و"الفساد" وليس "الخطأ السياسي" من أجل حفظ ماء وجه بكين.

ويأتي غياب المعلومات حول غانغ في الوقت الذي يثير فيه المستثمرون مخاوف من أن فجوات البيانات وتقلبات السياسات تجعل ثاني أكبر اقتصاد في العالم مكانا أكثر صعوبة لممارسة الأعمال التجارية.

لكن مع ذلك تقول وسائل إعلام عالمية إنه يمكن أن يكون غيابه ببساطة بسبب المرض، ولا سيما أن الصين تشتهر بحذرها بشأن الوضع الصحي لقادتها، حيث كان الرئيس شي آخر زعيم لمجموعة العشرين يكشف عن حالة التطعيم الخاصة به خلال جائحة كوفيد 19.

ومع ذلك من غير المرجح أن يؤدي تبديل الموظفين إلى تغيير مسار السياسة الخارجية للصين، والتي حددها الرئيس شي.

كما أن وزير الخارجية الصيني الجديد وانغ، مقرب من شي جدا ويرأس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي، وقد حل محل سلفه تشين في المناسبات الدولية خلال الأسابيع الأخيرة.