مؤجل منذ 2020.. هل يعيد المؤتمر العام إحياء حركة النهضة بعد ضربات قيس سعيد؟

12

طباعة

مشاركة

تشهد الحياة السياسية في تونس بعد مضي سنتين على انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة انغلاق وتراجع عن المكتسبات التي تحققت بعد ثورة 2011 وسقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

حيث طال التضييق والاعتقال عددا كبيرا من قادة الأحزاب السياسية المعارضة في تونس، وحظيت حركة النهضة بالنصيب الأكبر من الاعتقالات في صفوف قياداتها.

وفي مقدمتهم زعيمها راشد الغنوشي ونائباه علي العريض ونور الدين البحيري، بالإضافة إلى قرار الداخلية التونسية إغلاق مقرات الحركة في كامل البلاد ومنع اجتماعاتها.

وأمام هذا الوضع الصعب الذي تعيشها أكبر وأقدم الأحزاب السياسية في تونس، وفي ظل حالة الفراغ القيادي المستمر منذ أبريل/ نيسان 2023، قرر مجلس شورى الحركة عقد مؤتمرها العام في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

تحت الحصار 

في اجتماع مكتبها التنفيذي الأخير المنعقد يوم 3 أغسطس/ آب 2023 أعلنت حركة النهضة عزمها عقد مؤتمرها الحادي عشر في أكتوبر /تشرين الثاني 2023.

ورأت الحركة في بيان لها أن قرار عقد المؤتمر يأتي " تمسكا بحياة سياسيّة مسؤولة، وسعيا إلى تقييم جدّي لمشاركتها في إدارة عشرية الانتقال الديمقراطي، وتعبيرا عن الإرادة في تجديد عرضها السياسي وبرنامجها الوطني المستقبلي.

ودعت النهضة في نفس البيان مناضليها ومنخرطيها إلى المشاركة الواسعة في هذه المحطة السياسية المهمة، وفي هذا الإطار تجدّد الدعوة إلى احترام القانون وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المظلومين وعلى رأسهم راشد الغنوشي وتمكينها من مقراتها.

قرار النهضة الذهاب إلى مؤتمرها  يأتي في وضع استثنائي تعيشه الحركة، فمنذ يوم 18 أبريل 2023، أغلقت السلطات بقرار من وزير الداخلية مقرات حركة النهضة وجبهة الخلاص، كما حظرت الاجتماعات فيها بعد ساعات قليلة من توقيف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.

وتم توقيف الغنوشي بمنزله وتفتيشه بقرار من النيابة العمومية، بسبب تصريحات أدلى بها في ندوة رمضانية نظمتها جبهة الخلاص مساء 15 أبريل، قال فيها الغنوشي إن "تونس بلا نهضة أو إسلام سياسي ولا يسار ولا أي مكون آخر مشروع حرب أهلية".

وانضم الغنوشي إلى العديد من المعارضين البارزين لسياسات الرئيس سعيّد، الذين شملتهم حملة الاعتقالات منذ نهاية 2022، من أبرزهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي والقياديين بجبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك ورضا بالحاج.

ويقبع في السجون أيضا، كل من نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق، علي العريض، والنائب الثاني لرئيس الحزب ووزير العدل الأسبق، نور الدين البحيري.

إضافة إلى قيادات أخرى وازنة في شورى النهضة ومكتبها التنفيذي، على غرار البرلماني السابق سيد الفرجاني، ورئيس الكتلة السابق الصحبي عتيق، والرئيس السابق للنهضة الحبيب اللوز، والبرلماني أحمد العماري.

محطة نضالية

وفي حديث لـ"الاستقلال" رأى عضو المكتب التنفيذي في حركة النهضة عماد الخميري أن " قرار المؤتمر اتخذته أعلى مؤسسة في الحركة وهي مجلس الشورى الوطني للحركة، والقانون والنظام الأساسي للحركة يفرض على الحزب الذهاب إلى مؤتمر تتجدد فيه الشرعية وتتجدد فيه قيادة الحزب ويجتمع فيه صف الحركة على مضامين وسياسات تكون تلبية للقاعدة العريضة للنهضة".

وأضاف: "ولكن هناك أيضا عوامل أخرى، تضاف للجوانب القانونية وهي أن النهضة تشهد ظروفا استثنائية بوجود قيادتها التاريخية في السجن هذا يجعل الوضع القيادي للحزب يحتاج إلى أقدار من الإجماع وأقدار من الشرعية التي تستوجبها الظروف الاستثنائية التي تمر بها."

وأكّد أن "الحركة تتفاعل أيضا مع الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها تونس و الحركة المدعوة في مؤتمرها القادم إلى تقديم عرض سياسي جديد وعرض مضموني جديد فيه نقد للمرحلة التاريخية القديمة وخاصة مرحلة ما بعد الثورة وقبل انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، وفيه أيضا استشراف للمستقبل."

ورأى الخميري أن "النهضة ليست خارج السياقات السياسية التي تعيشها تونس، هذا المؤتمر نعده خطوة نضالية مهمة، لأنه يجمع أحد أطراف المعارضة الرئيسة في البلاد  في وقفة من شأنها أن تضع النهضة ورصيدها النضالي والشعبي على ذمة التوجه الوطني المطالب باستئناف الحياة الديمقراطية والمطالب أيضا باستئناف الحياة الدستورية في البلاد".

وأكد الرئيس السابق لكتلة النهضة البرلمانية أن "هذا المؤتمر سيضع على رأس أولوياته إطلاق سراح القادة الوطنيين المعارضين للانقلاب وفي مقدمتهم الغنوشي، وأن كل الاستحقاقات القادمة ستكون محل نظر المؤتمر ومن بينها الانتخابات الرئاسية التي سبق أن طالبت بها النهضة وطالبت بها جبهة الخلاص الوطني حتى في إطار سابق لأوانه كمحطة للعودة للإرادة الشعبية".

وشدد الخميري على أنه "سيقع التركيز على هذه المحطة في المؤتمر بصفتها فرصة لإخراج تونس من هذا الوضع المتردي ولكن بطبيعة الحال بشروط مسبقة تتعلق باستقلالية هذه المحطة وبشفافيتها".

اختبار داخلي

وإن كان لمؤتمر الحركة النهضة المقبل استحقاقات وطنية من بينها تحدّي قرارات نظام الرئيس قيس سعيد والدفاع عن حق التنظيم السياسي في تونس الذي تحقق بعد عقود من النضال، فإنه يعد استحقاقا داخليا تأخر إنجازه لسنوات.

حيث تم تأجيل هذا المؤتمر أكثر من مرة لاعتبارات وحجج متعددة، من بينها جائحة كورونا، وبعض الصراعات الداخلية في الصف النهضوي، وكذلك استهداف الحركة من الانقلاب الذي تعده القيادة الحالية سببا رئيسا في تأخير المؤتمر.

ففي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قرّر مجلس شورى حركة النهضة، تأخير موعد عقد المؤتمر الـ11، مؤكدا أن لجنتي الإعداد المضموني والمادي للمؤتمر، واللجنة الصحية سيقترحون موعدا جديدا "يأخذ بعين الاعتبار ما تقرره الهيئآت الصحية للبلاد".

وعلل المجلس قراره بالحالة الوبائية التي تمرّ بها البلاد والإجراءات المتخذة من طرف الحكومة.

ولكن ومنذ هذا القرار لم يتم تعيين موعد جديد لمؤتمر النهضة رغم عودة الحياة إلى طبيعتها في تونس بعد جائحة كورونا وتغيّر الوضع السياسي في البلاد بعد قرارات 25 يوليو/ تموز 2021.

وتبع الإعداد لهذا المؤتمر صراع داخلي غير مسبوق تعيشه حركة النهضة على وقع خلافات عميقة بين قياداتها حول مسألة السماح لرئيسها راشد الغنوشي، بالترشح لولاية الجديد.

ويرأس الغنوشي الحركة منذ تأسيسها بداية سبعينيات القرن الماضي تحت مسمى الجماعة الإسلامية، ومن ثم مع تغيير اسمها إلى حركة الاتجاه الإسلامي مع تقديمها طلبا رسميا للحصول على تأشيرة حزب سياسي يوم 6 يونيو/ حزيران 1981.

وتمسك معارضو الغنوشي بضرورة "احترام القانون الداخلي للحركة"، الذي يحول دون ترشح الرجل إلى رئاسة الحركة في ولاية ثالثة ،في المقابل، يتشبث الحزام الداعم للغنوشي بمقولة "المؤتمر سيّد نفسه"، ما يعني أن المؤتمر يمكنه تنقيح البند 31 وحذف القيود التي تمنع الغنوشي من الترشح مجددا.

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2020، وجه 100 قيادي من الحركة رسالة تناقلتها وسائل الإعلام إلى رئيس الحزب راشد الغنوشي، تدعوه من خلالها إلى عدم الترشح مجددًا لرئاسة الحزب في المؤتمر الحادي عشر.

وبعد أشهر قليلة من انقلاب 25 يوليو 2021، شهدت حركة النهضة التونسية موجة استقالات، شملت 113 عضوا، وأوضح بيان صادر عنهم أن "الإخفاق في الإصلاح الداخلي للحزب" أهم أسباب قرارهم.

ومن بين المستقيلين قياديون في الحركة، مثل محمد بن سالم وعبد اللطيف المكي وسمير ديلو، وهناك أعضاء سابقون في المجلس التأسيسي، وآخرون من البرلمان المجمّد حاليا، ومسؤولون في الجهات، وقعوا جميعهم على البيان المشترك.

ولا يبدو أن هذه الأزمة قد تم تجاوزها رغم خسارة الحركة موقعها في الحكم، وخسارة البلاد مسارها الديمقراطي الذي قدمت النهضة من أجلها مجموعة من التنازلات منذ عام 2011.

حيث يخيم على النقاشات الدائرة بين قيادات النهضة موقع رئيسها الحالي المعتقل، حيث يرى البعض أن اختيار رئيس جديد للنهضة قد يفهم منه تخليا عنه في وضع يحتاج فيه مع بقية المعتقلين إلى تحرك لرفع المظلمة التي يتعرض لها.

كما لا يخفي عدد من قيادات النهضة  تخوفهم من أن تفجّر مسألة التقييم خلافات جديدة داخل الحزب في وقت هو في أمس الحاجة إلى رص صفوفه من أجل مواجهة التحديات المطروحة أمامه.