بعد تأميم الإعلام في مصر.. كيف فضح "المواطن الصحفي" قصة فساد طائرة زامبيا؟
في ظل التعتيم المتعمد من جانب النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي على طائرة الفضائح التي تم ضبطها في زامبيا في 15 أغسطس/آب 2023، وهي تحمل دولارات وذهبا مهربا، والتي يُعتقد أن وراءها قصة فساد، لعب "المواطن الصحفي" الدور الرئيس في كشف التفاصيل.
وكان بطل معلومات طائرة زامبيا، ظاهرة "المواطن الصحفي" أو "المصادر المفتوحة" عبر مواقع التواصل من خلال شباب يعملون في حسابات تحقيق صحفي مثل حساب "متصدقش" و"صحيح مصر" وغيرهما، التي فضحت هذا النشاط المريب التابع للمخابرات على ما يبدو من الأدلة التي تم نشرها.
وأغلب الأخبار التي نُشرت حول أسرار هذه الطائرة وما تحمله، لم يكن مصدرها المعتاد هو الصحف والوكالات أو الفضائيات ولكن "المواطن الصحفي" الذي يمتلك جهاز كمبيوتر أو الهاتف والإنترنت ويقوم بالبحث والتقصي حتى يجمع المعلومات.
شباب من هؤلاء نجحوا في استخدام أدوات "المصادر المفتوحة" ومواقع تتبع الطائرات، وحللوا الصور والفيديوهات المنتشرة للحادث، وكشف المجهول عن هذه الطائرة الذي تعمد نظام مصر الصمت عنها.
هوس أمني
حالة الهوس الأمني والإعلامي من جانب نظام السيسي، ضد صفحات "متصدقش" و"صحيح مصر"، و"الموقف المصري" وغيرها، أثبتت صحة المعلومات التي كشفتها هذه المصادر المفتوحة لشباب مجتهد عن الطائرة ومن فيها.
اعتقال أجهزة الأمن الصحفي كريم أسعد، أحد أعضاء فريق تحرير منصة "متصدقش" بالقاهرة، والاعتداء عليه وزوجته بالضرب والسب، وتهديدهما بابنهما، رغم ادعاء لجان النظام سابقا أن الصفحة تدار من الإخوان في تركيا، مؤشر آخر على صحة ما نشره هؤلاء الشباب.
قيام الضباط الذين اعتقلوا أسعد بالدخول على المنصة من هاتفه، وحذف خبرين حول اتهام ضابطي شرطة وجيش بأن لهما صلة بالطائرة، وفق "متصدقش"، وموقع "مدى مصر" في 19 أغسطس 2023، يبين نجاح هذا الدور لـ"المواطن الصحفي".
و"متصدقش" هي منصة صحفية مستقلة أسسها الصحفي الاستقصائي الراحل محمد أبو الغيط، عام 2018، أثناء إقامته في لندن، بحسب تعريفها.
وتُعرف نفسها أيضا بأنها، "مجموعة من شباب الصحفيين المصريين، غير المنتمين لأي أحزاب أو جماعات سياسية، والمتابع لعملنا على مدار الخمس سنوات الماضية، يعلم جيدا أننا لا نؤدي سوى عملنا الصحفي باحترافية".
نشطاء رأوا أن حالة الهوس التي أصابت السلطة عقب كشف تفاصيل حول مسار الطائرة من القاهرة، وركوب المتهمين المصريين بتهريب الذهب والدولارات من صالة كبار الزوار.
وأن بينهم ضابطا ومساعد ملحق عسكري وتجار ذهب، مؤشر على صحة ما كشفه المواطن الصحفي ممثلا في هذه المنصات، خاصة "متصدقش".
وسخروا من امتلاك مخابرات السيسي الصحف والفضائيات وإنفاق الملايين لإنشاء قنوات إعلامية وإنتاج مسلسلات وتوجيه ممثلين بهدف غسيل المخ وصناعة رأي عام وتوجيهه بمضامين محددة، وتحت رقابة أمنية شديدة، ثم يأتي المواطن الصحفي ليفضحهم ويهدم كل ذلك.
وقال النشطاء إن "مجهود عدد من الصفحات المتخصصة في تدقيق الحقائق والبحث عن المعلومات في المصادر المفتوحة بميزانيات محدودة، جعلها تتفوق على الأجهزة الأمنية والسلطة".
حساب "الموقف المصري" على فيسبوك، تساءل: "لماذا المخابرات المصرية أهدرت مليارات الجنيهات من فلوسنا على الاستيلاء على وسائل الإعلام وفتح قنوات وإنتاج أفلام ومسلسلات إذا كان كل دور الإعلام أن يحذف الأخبار؟".
وسخر الحقوقي، حسام بهجت، من قيام مخابرات السيسي بتأميم الاعلام، مع هذا فضحتهم مواقع التواصل كافة والمصادر المفتوحة.
وقال بهجت مغردا في 16 أغسطس: "المسؤولون نسفوا الإعلام الرسمي واشتروا الاعلام الخاص وعملوا قناة القاهرة الكرتونية فخلوا الشعب المصري كله من أول الصحفيين المصريين لحد جروبات الماميز يشاركوا أخبار من مواقع زامبيا حتى يفهموا موضوع الطيارة".
معرفش ايه حقيقة الطيارة بس حابب اوجه تحية كبيرة للمسئولين اللي نسفوا الاعلام الرسمي واشتروا الاعلام الخاص وعملوا قناة القاهرة الكرتونية فخلوا الشعب المصري كله من اول الصحفيين المصريين لحد جروبات الماميز بيشيروا اخبار من مواقع زامبيا عشان يفهموا موضوع الطيارة
— hossam bahgat حسام بهجت (@hossambahgat) August 16, 2023
عملية نضيفة مية المية pic.twitter.com/OcX6w9jKcx
واستغرب الصحفي، جمال سلطان، عبر تغريدة في 19 أغسطس، من "إجبار الأجهزة الأمنية الإعلاميين الذين تشرف عليهم في الفضائيات والصحفيين على الصمت تجاه واقعة طائرة الدولارات والذهب المهرب، بينما أطلقت الأجهزة نفسها لجانها الإلكترونية للتعليق والتشويش عليها والتقليل من شأنها!".
المدهش أن الأجهزة الأمنية في مصر ألزمت الإعلاميين الذين تشرف عليهم في الفضائيات والصحفيين الذين غرستهم في قيادة الصحف الحكومية وحتى الخاصة ، بالتزام الصمت تجاه واقعة طائرة الدولارات والذهب المهرب التي ضبطتها زامبيا قادمة من القاهرة ، بينما أطلقت الأجهزة نفسها لجانها الالكترونية…
— جمال سلطان (@GamalSultan1) August 19, 2023
وقال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في 18 أغسطس 2023، إن تحقيقات "المصادر المفتوحة" هي التي كشفت عن وجود رائد في الجيش المصري ومستشار عسكري على متن الطائرة الخاصة، التي كانت تحمل ملايين الدولارات وأسلحة وذهبا، قبل أن تصادرها السلطات الزامبية.
تعتيم إعلامي
وفي 15 أغسطس 2023، أعلنت السلطات في زامبيا ضبط ملايين الدولارات وأسلحة وذخيرة وكميات كبيرة من الذهب كانت على متن طائرة خاصة، متجهة من مصر إلى زامبيا.
وقالت لجنة مكافحة المخدرات (DEC) في بيان نشر عبر حسابها على فيسبوك إنها "تلقت معلومات" تفيد بأن طائرة مستأجرة تحمل "بضائع خطرة" وبعد تفتيشها ضبطت 602 قطعة ذهب وزنها 127.2 كيلوغرام، وأجهزة لوزن الذهب و5.7 ملايين دولار، وخمسة بنادق، وسبعة مخازن سلاح، و126 طلقة.
فور كشف زامبيا الواقعة، نشرت مواقع إخبارية مصرية، مثل "المصري اليوم" و"القاهرة 24"، خبر احتجاز الطائرة، ثم حذفوه.
وقال موقع "عربي 21" إن "وسائل الإعلام في مصر تلقت أوامر من جهات سيادية بعدم نشر أي أخبار عن الطائرة".
نشر صحف مصرية الخبر ثم حذفه، زاد الغموض وأثار تساؤلات حول أسباب أوامر جهاز "السامسونج"، في إشارة إلى مسؤول جهاز المخابرات الذي يوجه الصحف بحذف الخبر.
وبدأ نشطاء وحقوقيون يخمنون أن حذف الخبر معناه أن المتورطين من "الحيتان الكبيرة" لهم علاقة بمسؤولي النظام، كما قال الحقوقي هيثم أبو خليل في تغريدة 15 أغسطس 2023.
خبر نزل على كل المواقع المصرية وفجاة جاء الأمر من السامسونج بحذف الخبر ..وظل في موقع سكاي نيوز فقط
— Haytham Abokhalil هيثم أبوخليل (@haythamabokhal1) August 15, 2023
واضح أن المتورطين من الحيتان الكبيرة
❌ زامبيا تحتجز 6 مصريين وطائرة خاصة تحمل مخدرات وأسلحة وذهبا و5 مليون دولار قادمة من القاهرة#مطار_القاهرة#زامبيا pic.twitter.com/q1XHDYO68D
وجاءت مشاركة النائب والصحفي المقرب من السلطة، مصطفي بكري، في حملة السلطة المدافعة عن رجل الأعمال إبراهيم العرجاني لتثير الاشتباه أكثر، وتدفع مواقع التواصل للبحث عن علاقة العرجاني بالطائرة.
أقول للكذابين ومروجي الشائعات ستسمعون خلال فتره وجيزه أخبارا تبدد أكاذيبكم وتكشف عن أن الحمله التي تستهدف مصر ، هي حمله ممنهجه تتزايد وتيرتها مع قرب إنتخابات الرئاسه ، لكن الرهان علي وعي الناس التي تعرف حقيقة أهدافكم التي لاتخفي علي أحد . لقد فقدتم مصداقيتكم منذ فترة طويله ،…
— مصطفى بكري (@BakryMP) August 17, 2023
أغضب الصمت الرسمي المصري، رغم بيان الاتهام الصادر عن سلطات زامبيا، حتى مؤيدي نظام السيسي، فطالب المحاميان طارق العوضي وخالد أبو بكر من المسؤولين الرد على الفضيحة.
وكتب العوضي: "ممكن الخارجية المصرية تطلع بيانا يفهمونا أي حاجة بحكم أننا مواطنون؟؟؟ عيب الذي بيحصل، الناس عماله تتابع الاخبار من مواقع وصحف خارج مصر، قولوا اي حاجة لا أسكت الله لكم حسا".
البيان الصادر عن سلطات زامبيا …
— طارق العوضى المحامى (@tarekelawady2) August 16, 2023
ممكن الخارجية المصرية كمان تطلع بيان يفهمونا اي حاجة باعتبار اننا مواطنين وكده يعني ؟؟؟
عيب اللي بيحصل ده الناس عماله تتابع الاخبار من مواقع وصحف خارج مصر ،، قولوا اي حاجة لا اسكت الله لكم حسا pic.twitter.com/TOO6u8elrI
وعلق المحامي أبو بكر قائلا: "هل وصل بنا الحال أن نعرف ما يجري في مصر من وسائل الإعلام الإفريقية؟".
— المحامي خالد ابوبكر- KHALED ABOU BAKR (@ABOUBAKRLAWFIRM) August 16, 2023
بعد كشف علاقة الطائرة بشخصيات لها علاقة بالنظام والمخابرات، نفى "مصدر" مجهول الواقعة لوكالة "أنباء الشرق الأوسط" المصرية الرسمية.
وحاول "المصدر" الخلط بين طائرتين، مؤكدا أنه تم تفتيش واحدة في مصر، والثانية ليست مصرية.
لكن مصدر سابق بوزارة الطيران المدني، استبعد لموقع "مدى مصر" أن تكون الطائرة التي ضُبطت في زامبيا، قد خضعت للتفتيش في مطار القاهرة لأنها "ترانزيت"، أو تم تفتيش الحقائب الموجودة داخلها.
وتخبطت صحف ولجان نظام السيسي في تناولها للفضيحة، ومحاولتها الادعاء تارة أنها طائرة لبنانية، وتارة أخرى "طائرة الإخوان"، عبر فبركة صورة لرجل الأعمال، يوسف ندا، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، بجوار الطائرة، زاد الغموض والتساؤلات ودفع المنصات المستقلة للغوص وراء المعلومات.
وبدأ المواطن الصحفي يتحرى الحقيقة، ونجحت "متصدقش" في معرفة مسار الطائرات عبر البيانات الملاحية المتاحة على موقع "adsbexchange"، وأنها انطلقت من مطار عمان بالأردن في 12 أغسطس 2023، ووصلت إلى مطار القاهرة ليلا، ثم أقلعت مجددا صباح 13 أغسطس إلى العاصمة الزامبية حيث تم ضبطها.
وقبل ثلاث أسابيع من فضيحة الطائرة، نشر الفنان والناشط عمرو واكد تغريدة في 26 يوليو 2023 يؤكد فيها أن "مسؤولي نظام السيسي بدأوا بتهريب أموالهم للخارج".
وصلتني انباء عن بدء تهريب اموال الاسياد خارج البلاد منذ فترة ولكن العدد في زيادة هذه الايام.
— Amr Waked (@amrwaked) July 26, 2023
الحق نفسك قبل قيام الثورة وتراجع او اقفز في البحر او انسحب بشياكة فما زال الوقت يسمح.
ما هو قادم لن يرحم احد.
من المُهرب؟
كان أول من نشر عن علاقة الطائرة بنجل السيسي (محمود) وصديقه العرجاني رجل أعمال جنرالات الجيش، هو المعارض السيناوي، مسعد أبو فجر، المقيم بالخارج عبر "تويتر".
وقال أبو فجر إن مصادر يثق بها أبلغته أن العرجاني كان في طيارة زامبيا، ثم عاد ليقول إنه نجله الطيار (عصام) الذي كان عليها، وردت لجان السيسي بصورة، شكك فيها نشطاء، لـ"عصام" وهو على جسر بالقاهرة للتدليل على أنه ليس من المتهمين.
لاحقا بدأت منصة "متصدقش" في البحث عن معلومات عن الطائرة لمعرفة من صاحبها أو من استأجرها، فظهرت صورة لرجل السيسي وقائد مليشيات اتحاد قبائل سيناء العرجاني وابنه عصام يقفان أمام الطائرة منشورة مطلع أبريل/ نيسان 2022.
وتحدث المعارض المقيم في ألمانيا، تقادم الخطيب، عن علاقة المخابرات ومحمود السيسي بطائرة تهريب الذهب والدولارات المتحفظ عليها في زامبيا.
ونقلت منصة "متصدقش" على "تويتر" عن قاعدة بيانات Eurocontrol، أن الطائرة المحتجزة مسجلة في جمهورية سان مارينو، وتديرها شركة تسمى "Flying Group Middle East" مقرها في المنطقة الحرة بمطار دبي في الإمارات.
وكشف باحثون آخرون عبر الإنترنت أن الطائرة المُحتجزة، من طراز "Bombardier Global Express XR"، وغالبية رحلات الطائرة كانت من أو إلى مصر، عبر مطار القاهرة.
وكانت المفاجأة التي انعكست على جنون لجان النظام في مصر واستنفرتهم للدفاع، وأظهرت براعة المواطن الصحفي ممثلا في منصة "متصدقش"، هي كشف أسماء خمسة من المصريين المتهمين المحتجزين في زامبيا، رغم التعتيم الرسمي.
وتبين أنهم، مايكل عادل ميشيل بطرس ووليد رفعت فهمي بطرس وياسر مختار عبد الغفور الششتاوي ومنير شاكر جرجس عوض ومحمد عبد الحق محمد جودة.
�� بعد نشرنا أسماء المصريين المتهمين في الطائرة القادمة من مصر، والتي ضبطتها زامبيا، ننشر الآن هوية وعمل بعضهم.
— متصدقش (@matsda2sh) August 17, 2023
⭕ الأول: محمد عبد الحق محمد جودة
◾ وفق أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، فإن "عبدالحق" عمل في وظيفة مساعد الملحق العسكري بالسفارة المصرية في واشنطن خلال عامي 2011… pic.twitter.com/LmNR7zW5kt
ومع نشر الأسماء، بدأ مواطنون آخرون بعضهم قريب من هؤلاء المتهمين نشر قصص عنهم، حيث كتب الطيار السابق المقيم في أمريكا، شريف أسامة، يؤكد أن العقيد محمد عبد الحق والعقيد ياسر الششتاوي من قوات الصفوة الفرقة 777 صاعقة إرهاب دولي.
وقال إنه تم إلحاقهم للعمل بالمخابرات العامة بوحدة حديثه تم إنشاؤها في عهد السيسي، وأصبح دورهم حماية الشخصيات الهامة، ملمحا بذلك أنهم كانوا يقومون بحماية "المتهم السادس" الذي لم ينشر اسمه إطلاقا، ويتردد أنه شخصية سيادية.
والعقيد "محمد عبد الحق" عمل، وفق أرشيف وزارة الخارجية الأميركية، في وظيفة مساعد الملحق العسكري بالسفارة المصرية في واشنطن خلال عامي 2011 و2012، وكانت رتبته رائد بالجيش آنذاك، وفق "متصدقش".
أما مايكل عادل مايكل بطرس فظهر اسمه في سجل الشركات الإنجليزية كمالك لشركة "أمستون الدولية المحدودة"، وهي متخصصة في تقديم الاستشارات العسكرية للجيوش لتطوير قدراتهم الدفاعية.
وللشركة العديد من المكاتب في الولايات المتحدة والإمارات ومصر وفرنسا واليونان وإنجلترا وبولندا، وسبق أن شاركت الشركة في معرض "إيديكس مصر" للصناعات الدفاعية 2021.
والمتهم منير شاكر جرجس عوض، يعمل تاجر ذهب ويمتلك مصنع مصوغات باسم "Shaker Gold Factory Genius Gold"، ووالده شاكر جرجس عوض، الرئيس السابق لشعبة تجار وصناع المصوغات بالشرقية.
أيضا أحد المتهمين الذين ألقت لجنة مكافحة المخدرات في زامبيا القبض عليه ضمن 13 مشتبها به، بينهم 9 أجانب (6 مصريين وهولندي وإسباني ولاتيفي) و4 زامبيين، هو "شيدريك كاساندا".
وهو معروف في زامبيا بأنه "رجل الذهب" واعتاد نشر صور وفيديوهات له بجوار كميات كبيرة مما يبدو أنه ذهب، ما يؤكد أن الطائرة كانت تهرب ذهبا، بحسب موقع "News Diggers" الزامبي 17 أغسطس 2023.
المواطن الصحفي
بدأت تجربة "المواطن الصحفي" أو "الصحفي المواطن" أو "الصحافة الشعبية" و"صحافة الشارع"، تظهر في مصر خلال تغطية انتخابات 2010 البرلمانية، حيث لعب مواطنون عاديون دورا عبر كاميرات هواتفهم الذكية في توثيق عمليات التزوير والحشد، في ظل التعتيم الإعلامي وعدم نشر الصحف للحقائق.
حينئذ، تدفقت عبر صفحات الإنترنت شهادات لمواطنين عما رأوه ورصدوه بهواتفهم المحمولة وكاميرا الهاتف لما يجري أمام وداخل لجان التصويت، وتلقفت وسائل إعلام هذه المعلومات من المواطن الصحفي ونشرتها.
ومع الوقت، انتعشت التجربة حتى باتت تنافس الصحف التي باتت تنقل عن حسابات مواقع التواصل، الأخبار، بل وتوظف "مواطنين" لمدها بالأخبار.
وجاء الربيع العربي عام 2011 ليطلق العنان لهذه "الصحافة الشعبية" أو "صحافة المواطن" لتغطية خروج المظاهرات الحاشدة الداعية للتغيير والاشتباكات الدامية في وقت كانت وسائل الإعلام الرسمية تتعمد التعتيم على الأحداث.
لعبت التكنولوجيا دورا في هذه الظاهرة التي مثلت انقلابا في عالم الإعلام، سبب تسهيل مواقع وتطبيقات صُممت خصيصا لبث الفيديو المباشر، عملية البث المباشر أو نشر الأخبار والصور ومقاطع الفيديو.
ودفعت الغيرة التي انتابت الصحف ووسائل الإعلام من هذه "الخبطات الصحفية الشعبية" بعض الصحف والفضائيات لاستثمار هذا الإعلام الجديد الشعبي.
وخصصت صحف مصرية زوايا خاصة تطالب عبرها القراء بإرسال ما لديهم من قصص أو صور أو فيديو ملتقطة عبر كاميرا الهاتف تصور مفارقات، بل وتعاقدت فضائيات مع مواطنين لمدها بالتغطية من القاهرة حول عملية التصويت في انتخابات البرلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010.
ويقول خبراء إعلام إن الرباعي الخطير (الهاتف والكاميرا ومواقع التواصل واليوتيوب) لعبوا أدوارا غير مسبوقة في إحداث ثورة إعلامية اخترقت ثوب العولمة ذاتها، بحيث لم تعد هناك أي قيود أو حدود من أي نوع على الكلمة أو الصورة أو الفيديو.
ولأن "المواطن الصحفي" ليس تابعا لجهة معنية، وليست لديه حسابات معقدة، أصبح كل شيء مباحا للنشر وبحرية، بعيدا عن أي قيود اجتماعية أو حكومية أو سياسة أو أخلاقية.
وبات كل مواطن يكشف أي خبايا أو أسرار تسعى وسائل الإعلام الحكومية أو الحكومات لإخفائها، ليشكل انقلابا في معايير الإعلام المتعارف عليها، رغم بعض أخطاء هذه التجربة في عدم توثيق الوقائع أو نشر أخبار كاذبة.
لكن النجاح تمثل في أنه مع الوقت أضحى من الصعب إخفاء الحقائق والانتهاكات أو السلبيات، وأصبح من السهل كشف الأسرار والفضائح التي لا تجرؤ وسائل الإعلام الرسمية أو الفضائيات الخاضعة لضغوط الحكومات المختلفة، على نشرها.
وتم كشف الانتهاكات ضد حقوق الإنسان أو التعذيب داخل السجون، وبث الاحتجاجات ضد الحكومات على الهواء مباشرة عبر الإنترنت، أو الأحداث الساخنة، وصولا لنشر وثائق وفضائح مثل فضيحة "طائرة زامبيا".