التحذيرات من تفشي الفوضى بلبنان بعد حادث "عين الحلوة".. عقابية أم احترازية؟

12

طباعة

مشاركة

أثارت اشتباكات داخل مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، المخاوف والتحذيرات من تمدد التوتر لمناطق جديدة في هذا البلد الغارق في أزمة سياسية واقتصادية خانقة مرتبطة بمعارك نفوذ لدول إقليمية.

وجاء ذلك، إثر رفع كل من السعودية والكويت من مستوى التحذير لمواطنيها من الوضع الأمني في لبنان على خلفية الاقتتال الذي اندلع فجأة منذ 29 يوليو/ تموز 2023 بين مجموعات إسلامية وقوات الأمن التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" داخل مخيم عين الحلوة.

واندلعت المعارك إثر إقدام أحد الأشخاص، على محاولة اغتيال القيادي الإسلامي محمد أبو قتادة، في حي الصفصاف، ما أدى إلى وفاة الشاب عبد فرهود أثناء مروره من الحي، وإصابة آخرين بينهم أطفال.

وتصاعدت المعارك، عقب اغتيال مسلحين، قائد الأمن الوطني في مدينة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي القيادي في حركة فتح وأربعة من مرافقيه، في 30 يوليو 2023.

وعلى الفور وجهت اتهامات لفصيل يدعى "الشباب المسلم" بتنفيذ الاغتيال ضد العرموشي، بينما تقول "فتح" إن لجنة التحقيق هي من ستكشف المتورطين.

وقد أسفر القتال بين "فتح" وجماعتي "جند الشام" و"الشباب المسلم"، عن مقتل ما لا يقل عن 13 شخصا وإصابة العشرات وتشريد الآلاف من المخيم الذي يقطنه أكثر من 50 ألف شخص رغم مساحته الصغيرة التي تقدر بـ2 كيلومتر مربع.

مخاوف وتحذيرات

ورغم اتخاذ الحكومة اللبنانية عدة قرارات لحفظ الأمن، واستمرار المباحثات الفلسطينية لإعادة الهدوء إلى مخيم الحلوة ومنع تمدده لمخيمات أخرى، حذرت سفارة الرياض في بيروت، في 4 أغسطس/آب 2023، مواطنيها من الاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، مطالبة إياهم بسرعة مغادرة لبنان، وأهمية التقيد بقرار منع السفر إليها.

كما نبهت السفارة الكويتية لدى لبنان رعاياها بالتزام الحيطة والحذر والابتعاد عن مواقع الاضطرابات الأمنية، كما دعتهم إلى التقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة.

إلا أن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، رد على التحذيرات في بيان حكومي في 5 أغسطس، شدد فيه على أن الوضع الأمني في بلاده "لا يستدعي القلق والهلع".

ولفت ميقاتي إلى أن "الأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الأمن او استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب".

كما طلب ميقاتي من وزير الداخلية دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد تواجهها البلاد في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن في كل المناطق اللبنانية.

وقبل ذلك بيومين رأى ميقاتي أنه "من غير المسموح ولا المقبول أن تعد التنظيمات الفلسطينية الأرض اللبنانية سائبة فتلجأ إلى هذا الاقتتال الدموي وتروع اللبنانيين، ولا سيما منهم أبناء الجنوب الذين يحتضنون الفلسطينيين منذ أعوام طويلة".

ومن وقت إلى آخر تتكرر اشتباكات مماثلة في عين الحلوة، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان من حيث عدد السكان والذي تأسس عام 1948، إذ يضم نحو 50 ألف لاجئ مسجل بحسب الأمم المتحدة، بينما تقدر إحصاءات غير رسمية سكان المخيم بما يزيد على 70 ألف نسمة على مساحة محدودة.

ويبلغ إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان نحو 200 ألف يتوزعون على 12 مخيما تخضع معظمها لنفوذ الفصائل الفلسطينية.

خشية التمدد

ومن هنا بدأت تتعالى الأصوات من أجل ضبط الأوضاع داخل مخيم عين الحلوة خشية انتقالها إلى مخيمات أخرى، ما يعني توسعة رقعة الاشتباكات وتعرض الأحياء اللبنانية الملاصقة لنيران الاشتباكات وحدوث موجات نزوح جماعية بما يجعل لبنان ساحة معارك جديدة.

ونفى الجيش اللبناني في بيان له بتاريخ 5 أغسطس 2023، تداول بعض مواقع التواصل الاجتماعي معلومات نقلا عن مصدر عسكري حول تحضير الجيش لتنفيذ عملية عسكرية في مخيم عين الحلوة.

وفي ظل التوتر الجديد، فإن السلاح المتفلت في المخيمات الفلسطينية يخشى من أن يقود إلى الإسهام في تأجيج الأوضاع في لبنان.

إذ أن هناك من يقرأ وجود خطر جدي أمني في لبنان يتصاعد إثر تفجر الاشتباكات في مخيم عين الحلوة.

ولا سيما أنه بموجب اتفاق ضمني يعود إلى سنوات طويلة، لا يدخل الجيش اللبناني المخيمات الفلسطينية، تاركا مهمة حفظ الأمن فيها للفلسطينيين أنفسهم داخلها.

ويخضع مخيم عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية بمساحة تقارب كيلومترين مربعين، لتقسيمات عسكرية متشعبة وفيه 16 فصليا فلسطينيا؛ فأحياء جبل الحليب وطيطبا والبركسات وبستان القدس تتبع حركة فتح.

وتتبع أحياء السكة والطوارئ وحطين والصفصاف وعرب الزبيد والمنشية للجماعات الإسلامية.

أما منطقة الطيرة فكانت تخضع حتى عام 2018 للجماعات الإسلامية، قبل أن تتمكن حركة فتح من السيطرة عليها، بينما تنقسم منطقة صفورية بين حركة حماس والتيار الإصلاحي المنشق عن فتح.

ويحيط الجيش اللبناني بمخيم عين الحلوة من 7 حواجز هي: حاجزا المدخل السفلي والمدخل العلوي، وحاجز منطقة الحسبة، وحواجز النبعة وطيطبا والبركسات، إضافة إلى حاجز درب السيم.

وفي مقابلة تلفزيونية مع اللواء منير المقدح القيادي في حركة فتح من داخل عين الحلوة، قال إن "اغتيال العرموشي تتطلب تخطيطا ومتابعة واستطلاعا لمدة شهر وقد نفذت العملية بشكل جيد واتضح من خبرة المنفذين".

وأضاف: "المطلوب هو تفجير المخيمات الفلسطينية كما يحصل في الضفة الغربية لإنهاء ملف اللاجئين في فلسطين، وهذا الأسلوب هو بطريقة أخرى في لبنان".

واستدرك المقدح بالقول: "إن هناك مشروعا دوليا كبيرا لتدمير كل المخيمات الفلسطينية في لبنان".

ومضى يقول: "المستهدف هم اللاجئون كما أن هناك مساع دولية لإنهاء خدمات الأونروا في فلسطين ولبنان وهي الشاهد الوحيد على اللجوء في المفاوضات القادمة حول القضية الفلسطينية".

ولفت المقدح، إلى "وجود تنسيق مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لمنع حدوث أي فتنة في لبنان عبر التنسيق لضبط الأمن داخل المخيمات، وخاصة أن الواقع صعب في فلسطين ولبنان".

علامات استفهام

أما قضية تأخر البيان السعودي التحذيري أياما عقب اندلاع الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، فربطه مراقبون بمحاولات الضغط على الداخل اللبناني بمسألة تعيين رئيس جديد للبلاد.

وذلك إثر فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس خلفا لميشيل عون الذي انتهت ولايته في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ورأى بعض المراقبين أن التقييمات الأولية للوضع الأمني في لبنان تشير إلى التهدئة، بينما يمكن أن يكون للبيان السعودي خلفيات متعلقة بحدوث عمليات اختطاف لمواطنين سعوديين في هذا التوقيت.

إذ تعرض مواطن سعودي "م المطيري" للخطف في منطقة البقاع اللبنانية قرب الحدود السورية خلال مايو/ أيار 2023، قبل أن يجري تحريره لاحقا على أيدي الأجهزة الأمنية.

وبحسب الإعلام اللبناني حينها فإن المواطن السعودي موظف بشركة تعمل لمصلحة الخطوط الجوية السعودية، وكان يقود سيارة من نوع "غراند شيروكي" عليها لوحة لبنانية ومسجلة باسمه، بينما كانت المعلومات الأولية تشير إلى أن الخاطفين يطالبون بفدية مالية قدرها 400 ألف دولار.

وعن هذه الجزئية، قال رئيس التيار العربي شاكر البرجاوي لمنصة "بالمباشر" اللبنانية في 5 أغسطس: "هناك تعثر بين العلاقات الإيرانية السعودية في أكثر من مكان". 

وأضاف: "فعلى سبيل المثال فإن الاندفاع السعودي في العلاقة مع سوريا بدأ يأخد منحى بطيئا بعملية تطبيع العلاقة وتطورها، ما يعني أن الدول الكبيرة قادرة على تصفير المشاكل بينها بينما إطفاء الحرائق في الإقليم مسألة لا تتوفر".

وتابع البرجاوي: "أحداث عين الحلوة عليها 300 علامة استفهام نتيجة أن العدو الصهيوني يرى أن ما يحدث داخل الضفة الغربية قيادته في لبنان، بالإضافة إلى وجود قنابل موقوتة داخل المخيمات الفلسطينية".

وألمح إلى أن البيان السعودي التحذيري هو "بيان سياسي بامتياز يعبر عن امتعاض السعودية من المواقف حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، والذي شهد أخيرا خلطا للأوراق الداخلية".

وراح يقول: "المطلوب من الفصائل الفلسطينية هو تنظيف المخيمات من السلاح ومن المطلوبين للدولة اللبنانية، لأن هذا كله يخدم الحالة الاستخباراتية لما وصلت إليه الحالة الفلسطينية".

وحول مدى أن تتطور الأمور لدرجة تمدد التوتر من عين الحلوة إلى مناطق لبنانية ثانية، رأى البرجاوي، أن "المجموعات المسلحة لا تتواجد سوى في مخيم عين الحلوة، وبالتالي لا توجد هناك إمكانية لتوسع المعارك لخارج هذا المخيم".

واستدرك قائلا إن "الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لديهم القدرة لضبط الوضع الأمني ومنع تمدده وخاصة أنهم الأقوى أمنيا، ولا سيما أنه لا يوجد قرار دولي بالتفجير الكبير في لبنان والذي من علاماته المال السياسي ودخول السلاح".

تحجيم فتح بالمخيم

وأمام عودة اشتباكات عين الحلوة التي كانت هي الأعنف منذ عام 2017، فإن هناك من يرى أنها حلقة في سلسلة معارك ستنحصر داخل مخيم عين الحلوة بالذات.

وضمن هذه الجزئية، قال المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان في مقابلة تلفزيونية على قناة الجديد بتاريخ 5 أغسطس، إن "هناك تراجعا لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها فتح في عين الحلوة مقابل مناطق نفوذ تتوسع لبعض القوى الإسلامية مثل جند الشام وفتح الإسلام والتي تضم عناصر غير فلسطينية أي من جنسيات عربية".

وخاصة في "ظل تراجع للقوة الضاربة لفتح في المخيم وذلك بسبب تقدير السلطة الفلسطينية أن شؤون المخيم عائد للأونروا وكذلك هناك ملاحظة تنصل من السلطة الفلسطينية بأن تتولى أمر المخيمات فضلا عن تراجع الدعم المالي للفصائل الفلسطينية مقابل تلك القوى الإسلامية"، وفق شومان.

ورأى شومان أن "البيانات المحذرة من توسع الاضطراب الأمني في لبنان تأتي انطلاقا من تحول جند الشام إلى رقم صعب داخل مخيم عين الحلوة بعد سيطرتها على مناطق جديدة داخل المخيم وعدم تمكن قوات الأمن الفلسطينية من دخولها، هذا فضلا عن عدم تسليم المطلوبين".

وذهب شومان للقول: "إذ لم تحتو المخيمات الفلسطينية الأخرى على تنظيمات قائمة بذاتها تعمد على تفجير الأوضاع فيها عبر نقل المعركة إلى خارج عين الحلوة كشكل من أشكال الضغط الأمني والاجتماعي في حال تعرضت تلك التنظيمات لخسارة في عين الحلوة، فإنه لن يكون هناك انتقال لهذه الشرارة إلى المخيمات الفلسطينية الأخرى لغياب وجود حركات إسلامية واضحة فيها".