تزييف للواقع وشيطنة للاجئين.. هكذا يروج معارضون أتراك للحياة بجوار الأسد

12

طباعة

مشاركة

تزايدت محاولات شخصيات حزبية تركية معارضة وأخرى مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي الترويج بأن الأوضاع آمنة والحياة طبيعية داخل المناطق الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد بسوريا.

إذ زار بعض هؤلاء خلال الفترة الأخيرة المدن السورية، وتفننوا بنشر تسجيلات مصورة ومقابلات تدعي أن "كل شيء جميل هناك وصالح للعيش".

وتعكس هذه المحاولات التي ما كانت لتحصل لولا تقاطعها مع رغبة نظام الأسد في إعادة اللاجئين السوريين، قبل تحقيق انتقال سياسي وبيئة آمنة ومستقرة كما تنص القرارات الأممية.

وتزامن ذلك مع تنامي الخطاب المناهض للاجئين السوريين بتركيا من قبل أحزاب المعارضة الداعية لترحيلهم.

بينما تؤكد الحكومة التركية أنها تعمل على "إرسال السوريين لبلدهم بشكل آمن وفي إطار القوانين الدولية والتركية"، وفق ما قال وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاووش أوغلو بتاريخ 27 مايو/أيار 2023.

وتركيا هي أكبر دولة مضيفة للاجئين السوريين، وتوفر الحماية الدولية لنحو 4 ملايين شخص فروا من بطش النظام السوري في البلد المجاور منذ عام 2011.

زاوية واحدة

كانت زاوية التصوير التي سجلتها الشخصيات التركية خلال تجوالهم في المدن التي يسيطر عليها النظام السوري تصب في اتجاه واحد وتحديدا في الأماكن السياحية التي حرص النظام على إبقائها لامعة رغم الانهيار الاقتصادي والوضع المعيشي المزري للمواطنين في مناطقه.

إذ لا تسمح أجهزة المخابرات لهؤلاء بالوقوف على حقيقة الوضع الأمني في سوريا ولا نقص الخدمات وحجم المدن المدمرة بفعل طائرات ومدافع نظام الأسد.

ولا سيما أن مخابرات الأسد ما تزال تفرض منذ عام 2011 قيودا مشددة على عمليات التصوير والبث المباشر من داخل مناطقه.

بل ركز هؤلاء على زيارة الأماكن والمدن السورية الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري وعملوا على تصوير الحياة بأنها طبيعية بالتركيز على مراكز التسوق والمطاعم والأسواق الشعبية ونوادي الترفيه.

وبذلك أسهم هؤلاء "اليوتوبرز" وتلك الشخصيات التركية المعارضة في الترويج لرواية النظام السوري، بأن مناطق الأخير "آمنة ومستقرة"، وكأن المقاطع التعريفية سواء السياحية أو الشعبية بالعاصمة تعكس حقيقة القبضة الأمنية المستمرة.

إذ اكتفى هؤلاء بنقل صورة واحدة تصور الحياة في المدن السورية بأنها عادت إلى طبيعتها.

لكن الحقيقة الدامغة هي أن أماكن الترفيه داخل العاصمة أو في شواطئ المدن الساحلية في كل من اللاذقية وطرطوس هي بالأصل لم تصلها آلة الأسد العسكرية وبقيت معزولة منذ عام 2011 عقب اندلاع الثورة.

وتكرر منظمات حقوقية دولية، في مقدمتها "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، دعوتها الأمم المتحدة لوقف البرامج التي من الممكن أن "تحفز على العودة المبكرة وغير الآمنة للاجئين السوريين" إلى بلدهم.

وأكدت أن سوريا "غير آمنة للعودة"، وذلك في رسالة وجهتها إلى الأمم المتحدة في 14 سبتمبر/أيلول 2022.

حتى إن القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي الخاص إلى سوريا، دان ستوينيسكو، ذكر في 13 سبتمبر 2022 في تغريدة على تويتر أن ظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين لم تتوافر بعد.

ترويج المعارضة التركية

وكانت أكثر الشخصيات التركية، إثارة للزيارة إلى سوريا، هي إيلاي أكسوي، رئيس الهجرة والسياسات الاجتماعية في الحزب الديمقراطي التركي المعارض المعروفة بمواقفها المعادية للاجئين.

إذ زارت أكسوي العاصمة السورية من 5 - 8 يوليو/تموز 2023، حيث ذهبت إلى بيروت، عاصمة لبنان بالطائرة ثم توجهت إلى دمشق بالسيارة.

وكان الغرض من زيارتها بحسب ما قالت صحيفة "سوزجو" التركية هو "رؤية سوريا وإجراء تحليلات سليمة حول الهجرة، والتأكد من أن السوريين في بلادنا يمكنهم العودة بأمان إلى وطنهم".

وكانت أكسوي عضوا في حزب الجيد التركي (İYİ Parti)، المعروف بعدائه للاجئين السوريين، قبل أن تنتقل إلى حزب الديمقراطية التركي (DP) الذي يعارض أيضا وجودهم في تركيا.

وخلال زيارتها، ركزت أكسوي على سعر ربطة الخبز بدمشق وقالت إنها مدعومة أيضا من الدولة.

وقالت: "أتينا إلى العاصمة السورية دمشق لفضح أكاذيب السوريين في تركيا الواحدة تلو الأُخرى ممن يدعون عدم وفرة مادة الخبز في سوريا".

إلا أن الحقيقة هي أن السوريين لم يفروا بسبب ربطة الخبز بل لبطش نظام الأسد بحق السوريين وقتلهم وتعذيبهم وقصفهم بكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا بما في ذلك الكيماوية.

ولم يوفر السوريون الفرصة لتذكير أكسوي بأن ادعاءها بأن الأوضاع آمنة والحياة طبيعية بمناطق الأسد، غير واقعية.

ومن المفارقات هنا، أن النظام السوري رفض منح تأشيرة دخول إلى سوريا لرئيس حزب النصر التركي المتطرف المعارض أوميت أوزداغ والمعروف بعدائه الشديد للاجئين السوريين.

ووقتها نقلت وسائل إعلام عن الصحفي التركي موسى أوزوغورلو قوله على تويتر في 10 يوليو/تموز 2023: "جرى إلغاء تأشيرة أوميت أوزداغ.. ألغت السلطات السورية إذن دخوله".

وسبق أن أعلن زعيم حزب النصر الكاره للاجئين، أنه سيذهب إلى سوريا، مشيرا إلى أنه سيجري سلسلة اتصالات في اللاذقية ودمشق.

وقد جاءت محاولة أوزداغ بالتزامن مع بدء أنقرة ودمشق العمل على تحسين العلاقات بينهما بوساطة روسية وقد أجريا لقاءات على مستوى الوزراء في موسكو.

كما نشر لاعب كرة السلة التركي كمال كنبولات، مقطع فيديو من دمشق في 21 مايو/أيار 2023 من داخل ملهى ليلي.

وعلق عليه قائلا: "ذهبت الليلة الماضية إلى ملهى ليلي في دمشق. الناس الذين يتحدثون عن الحرب يجب أن يهتموا بها جيدا. انتهت الحرب في سوريا. الحياة الليلية تتدفق يا أصدقاء".

وسبق أن نفذ "اليوتيوبرز" التركي "Bilge Kahraman" جولة في دمشق وحلب في مارس/آذار 2022 وتجول في المناطق السياحية.

وحينما زار حلب بدت مشاهد الدمار من حوله، كما توجه إلى بلدة معلولا السياحية بريف دمشق وصور في كنيسة "دير مار تقلا".

تسخيف اللجوء السوري

وفي رد على ذلك، علق الكاتب السوري أيمن الصباغ في مقالة له تحت عنوان "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان يا أكسوي" نشرها على موقع "تلفزيون سوريا" المعارض.

وقال الصباغ: "كان على إيلاي أكسوي أن تعرف حقيقة كبرى مفادها أن الشعب السوري قد ضحى بكل ما يملك بما في ذلك لقمة العيش التي كانت في حوزته وأمام عينيه في سبيل الانعتاق من سطوة الاستبداد".

وأيضا من أجل "المضي في طريق النهضة والتغيير ورفع يد البطش والقمع والملاحقة التي أثقلت كاهله طوال العشرية الماضية، والخلاص من القهر والذل والتجويع، ذلك السلاح الذي استخدمته ضدهم أكبر عصابة مجرمة عرفها التاريخ المعاصر".

ومضى يقول: "كان على أكسوي أن تعرف أيضا أن من أوعز لها بدخول دمشق وهيأ لها أحسن الظروف، لديه لعبة قذرة هدفها التسخيف من قضية اللجوء السوري في تركيا بالمقام الأول، وإفقادها أهميتها كبعد إنساني".

وكذلك، "الإيهام أنها قضية يمكن حلها بأبسط السبل، وإقناع الشارع التركي أن اللاجئين السوريين ليسوا فارين من المَقتَلة السورية فهم يقومون بسياحة لا قيمة لها، ودعم التوجه الذي بات راسخا في أذهان المعارضة التركية المناهضة أصلا للوجود السوري في تركيا أن إعادة اللاجئين بات أمرا حتميا على اعتبار أن سوريا أصبحت بلدا آمنا مع وجود رغيف الخبز".

وتعد أكسوي من الشخصيات الحزبية التركية التي لطالما شيطنت وجود اللاجئين السوريين في تركيا، إذ نشرت فيديو عنصريا على تويتر نهاية أغسطس/آب 2021 وصفت فيه اللاجئين السوريين بالقذرين، واتهمتهم بإفساد أهالي مدينة شانلي أورفا أخلاقيا.

وادعت حينها أن اللاجئين السوريين تسببوا بعدة مشاكل في مدينة أورفا منها نشرهم الاضطراب الأخلاقي بشكل خطير وتغيير العادات الأسرية بين الأزواج ونقص المرح الجماعي، إلى جانب انتشار السوريين الكبير في الحدائق والأسواق، الأمر الذي حال دون استخدام المواطنين الأتراك لتلك المرافق الخدمية، على حد زعمها.

ونقل موقع "أورفا ستار" في 29 أغسطس 2021 عن أكسوي قولها إن النساء التركيات لم يعدن يستطعن السير في الشوارع بعد الساعة الثامنة بسبب اللاجئين السوريين، كما أنهن غير قادرات على استخدام الحدائق العامة، وفق تعبيرها.

اللافت أن "اليوتيوبرز" التركي "فاتح كوباران" كان أيضا يتجول في المناطق السورية برفقة مترجم ويصور المناطق السياحية والمطاعم ويجري مقابلات مع الأطفال والشباب ويوجه لهم أسئلة بعيدة عن الوضع السياسي والأمني.

وما كان ملاحظا أن "كوباران" نفذ جولة رفقة إيلاي أكسوي في الغوطة الشرقية بريف دمشق وتحدث عن أن المنطقة كانت تحت سيطرة "الجماعات الإرهابية المتطرفة".

لكن الحقيقة هي أنها كانت تحت سيطرة المعارضة السورية منذ عام 2012 حتى عام 2018 قبل أن يجرى تهجير معظم سكانها إلى الشمال السوري قرب الحدود التركية عقب عملية عسكرية واسعة استخدم فيها النظام السلاح الكيماوي في 7 أبريل/نيسان 2018.

اختفاء السياح

وتثار التساؤلات حول سبب قدوم هؤلاء بهذا التوقيت، وعلى رأسها تأجيج هؤلاء بتسجيلاتهم "المنقوصة" الشارع التركي ضد الوجود السوري داخل تركيا وزيادة الخطاب التحريضي ضدهم أكثر فأكثر، وفق مراقبين.

وخاصة أن جميع التسجيلات المصورة تكاد "تكون ممنهجة" كونها تلتقط فقط الزوايا التي تظهر أن الحياة تنبض هناك.

بينما تواجه الليرة السورية انهيارا تاريخيا بوصولها لـ 12 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، ما يعني حرمان العوائل من القدرة الشرائية واضطرار الأسر لتخفيض حصصها الغذائية للربع للبقاء على قيد الحياة في مناطق النظام السوري.

فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الأسعار وعدم تساوي الدخل الشهري مع الاحتياجات المعيشية، واضطرار الكثير من سكان دمشق لإرسال أطفالهم للعمل بدلا من الدراسة من أجل تأمين حياة أفضل.

كما تعتمد حكومة الأسد منذ سنوات نظام التقنين الكهربائي في مختلف مناطق سيطرتها، بما في ذلك قلب العاصمة دمشق التي باتت تعيش بدون طاقة لأكثر من 20 ساعة في اليوم، وهذه لم يسلط الأتراك المشاهير الضوء عليها في تسجيلاتهم.

بالمقابل، وأمام فتح النظام السوري ذراعيه لتصوير مناطقه "بصورة مزيفة" من قبل المشاهير الأتراك وبعض شخصيات الأحزاب المعارضة، للترويج لما يسمونه بـ"الأمن والأمان" في سوريا، وتحديدا بمناطق سيطرة نظام الأسد، فإن هناك حوادث اختفاء لمواطنين عرب بعد دخولهم لسوريا بغرض السياحة.

وقد تزامنت حملات الترويج تلك مع اختطاف الشاب الأردني "علي إبراهيم الفتياني" والفلسطيني "وراكان رشاد محمود"، عقب ساعات على دخولهم الأراضي السورية خلال أيام عيد الأضحى 2023.

كما أفادت مواقع سورية معارضة في 29 يوليو 2023 بانقطاع الاتصال بالشابة "ألين علي" المنحدرة من مدينة حمص السورية بعد قدومها إلى سوريا للمرة الأولى في حياتها قادمة من لندن، وذلك أثناء توجهها إلى وادي قنديل في اللاذقية بغرض السياحة.

وأيضا ذكر "تلفزيون سوريا" المعارض، في 4 أغسطس 2023، أن المعتقل "محمد عبد الرحمن مجو" قتل تحت التعذيب في سجون النظام السوري بعد أشهر من عودته إلى مدينة حلب للقاء عائلته، موضحا أن أهله تسلموا "جثمانه أشلاء".

ولا تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا لا تزال بلدا غير آمن لعودة اللاجئين، كما أن محكمة العدل الدولية ستعقد في 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جلسات استماع بطلب من هولندا وكندا، في انتهاك النظام السوري لمعاهدة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب.

وفي هذه القضية تحاول المحكمة تحميل حكومة الأسد المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب المرتكبة عقب عام 2011 بحق السوريين.