مواجهات بين قوات تدعمهما السعودية والإمارات.. هل بدأت تصفية الحساب باليمن؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد مناطق باب المندب اليمنية، صراع نفوذ محتدما بين عدد من التشكيلات العسكرية المدعومة من الإمارات والسعودية، وتحديدا بين القوات المشتركة بقيادة طارق صالح، وقوات العمالقة بقيادة عبد الرحمن المحرمي "أبو زرعة"، الذي استنفر العشائر هناك.

تكمن أهمية مضيق باب المندب في كونه أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانا للسفن، إذ يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7 بالمئة من الملاحة العالمية، وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز.

وتُعد مدينة "المخا" البوابة الرئيسة لمحافظة تعز من الجهة الغربية، كما أنها المنفذ الوحيد من جهة الشمال لمديرية "ذو باب" ومضيق باب المندب، وفيها ميناء إستراتيجي مهم يطل على البحر الأحمر، وبالتالي فإن السيطرة عليها يسعر الخلافات دائما بين التشكيلات العسكرية المختلفة.

إفشال المخطط

تصاعدت الخلافات بين "العمالقة" و"المشتركة" بعد تحركات عسكرية لقوات طارق صالح عفاش (ابن شقيق رئيس النظام اليمني الأسبق علي عبد الله صالح) في مناطق نفوذ قوات المحرمي والمسنودة بقبائل الصبيحة، كبرى قبائل محافظة لحج، على الشريط الساحلي ذاته.

وتفرض قوات صالح سيطرتها على الشريط الساحلي الممتد من مدينة الخوخة بمحافظة الحديدة، غرب البلاد، مرورا بالمخا بموقعها الإستراتيجي، أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وصولا إلى ذو باب التابعة لمحافظة تعز، والتي تشترك في السيطرة عليها مع قوات من العمالقة.

وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة جرى تشكيل القوتين "المشتركة" و"العمالقة" عام 2015، إلا أن السعودية تمكنت من اختراق الثانية، ودعمها في محافظة لحج بقيادة المحرمي "أبو زرعة"، حسبما أفادت به مصادر إعلامية عدة.

وقال موقع "الجديد برس" اليمني في 20 يونيو 2023 إن السعودية، قررت مكافأة عضو المجلس الرئاسي ونائب رئيس الانتقالي، أبو زرعة المحرمي، وذلك في أعقاب تمرده على عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس المدعوم إماراتيا والمنادي بانفصال جنوب اليمن.

وأفاد الموقع نقلا عن مصادر إعلامية (لم يكشف هويتها) بأن السعودية وجهت بصرف مرتبات ألوية العمالقة في الساحل الغربي والتي يقودها عبدالرحمن المحرمي في وقت تعاني فيه بقية الفصائل التابعة للزبيدي من تداعيات وقف مرتباتها منذ أشهر.

وأشار إلى محاولة السعودية ترجيح كفة المحرمي على حساب بقية القيادات في المجلس الانتقالي الانفصالي في الجنوب.

وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2020، اندلعت اشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعومة إماراتيا، بقيادة عيدروس الزبيدي وأخرى تدعمها السعودية، جنوبي اليمن، حسبما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية.

ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري حكومي (لم تسمه)، أن "مواجهات عنيفة اندلعت بين قوات الانتقالي وقوات اللواء الثاني عمالقة، المدعوم سعوديا، في محافظة لحج".

وأكد أن "القوات التابعة للمجلس الانتقالي استحدثت مواقع عسكرية بمنطقة متنازع عليها، ما أدى لاندلاع الاشتباكات".

وأضاف المصدر في حينها أن "المواجهات وقعت في محيط قاعدة العند العسكرية في لحج، وأسفرت عن قتلى وجرحى من الجانبين". وأكد المصدر أن القوات التابعة للانتقالي أسرت 7 جنود من القوات المدعومة سعوديا".

وتعليقا على التوتر المتصاعد، قال الإعلامي، صالح اليافعي، رئيس تحرير موقع "المشهد الجنوبي" اليمني خلال تغريدة على "تويتر" في 29 يوليو/ تموز 2023 إن قبائل الصبيحة سيطرت على معسكر باب المندب الذي توجد فيه قوات طارق عفاش، واصفا الأخير وجنوده بأنهم "مرتزقة الامارات".

وأضاف: "يظن طارق عفاش أن قبائل الصبيحة مثل أصحاب تهامة (محاذية للبحر الأحمر) مسالمين بعد حالهم وأنه يستخدم القوة لقمع كل من يتكلم أو يقف في طريقه كما يفعل في الساحل الغربي، ما يدري أن الصبيحة نار حمراء، يجتثونك اجتثاثا أنت ومن معك".

وأشار إلى أن "طارق عفاش يقول هدفنا تحرير صنعاء، وذهب للسيطرة على باب المندب، نفس الإمارات لما قالوا أتينا لقطع يد إيران في اليمن وإنهاء الانقلاب وذهبوا للسيطرة على جزيرة سقطرى (جزيرة يمنية) البعيدة كل البعد عن الصراع وعن الحوثيين".

ورأى الإعلامي اليمني أنه "لا حل إلا بخروج التحالف السعودي الإماراتي من اليمن، يتركونا وشأننا، يخلونا بيننا وبين الحوثيين... أما في ظل السياسة التي يمارسها التحالف، حتى بعد ألف عام لا يمكن أن تنتهي الأزمة والحرب اليمنية".

وفي السياق ذاته، أكد الناشط اليمني، محمد مثنى الشاعري، عبر "تويتر" في 29 يوليو 2023 أن "قبائل الصبيحة قول وفعل، خلال 24 ساعة أفشلت استحداث معسكر جديد لقوات طارق عفاش بقيادة المرتزق العميد ماجد عمر سيف المحولي، والذي يطل على باب المندب وأجبرته على الانسحاب وإعادتها إلى المخا".

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة في 29 يوليو 2023 للحشود القبلية التي جرى الدفع بها إلى المنطقة المطلة على مضيق باب المندب، لمحاصرة القوات التابعة للعميد طارق محمد عبدالله صالح.

ورغم التوتر الأمني بين القوتين "المشتركة" و"العمالقة" في مناطق باب المندب، لم يصدر أي موقف رسمي من مجلس القيادة الرئاسي حتى 31 يوليو 2023، خصوصا أن طارق صالح والمحرمي أبو زرعة عضوين في هذا المجلس الذي شكله الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي بقرار جمهوري في 7 أبريل/ نيسان 2022.

الهدف من تشكيل مجلس القيادة هو أن يكون جزءا من الحل السياسي الشامل للحرب اليمنية، حيث تنازل منصور هادي بموجب القرار عن كامل صلاحياته الرئاسية وصلاحيات نائب الرئيس لصالح المجلس، الذي شكل برئاسة رشاد محمد العليمي وعضوية 7 أعضاء بدرجة نائب رئيس.

دفع سعودي

وفي نظرة من زاوية أخرى للنزاع الدائر بالمناطق المطلة على باب المندب جنوبي تعز وشمالي محافظة لحج، كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية التابعة لحزب الله، أن "احتدام الصراع ينحصر بين الفصائل الموالية للسعودية وتلك التابعة للإمارات".

وأوضحت الصحيفة خلال تقرير لها في 31 يوليو 2023، أن الصراع تصاعد بين الجانبين، بعدما دفعت الرياض بفصائل موالية لها للسيطرة على مناطق واسعة في مديريتَي المضاربة ورأس العارة الإستراتيجيتين، تطل على المضيق الدولي. وحدا ذلك بالإمارات إلى تحريك قوات موالية لها، يقودها عضو المجلس الرئاسي، طارق صالح، في المخا".

تحرك صالح كان يهدف إلى نشر المئات من العناصر في السواحل الواقعة في نطاق طور الباحة، في مسعى منها لفرض سيطرة بحرية على سواحل رأس العارة والمضاربة، وصولا إلى سواحل رأس عمران القريبة من مدينة عدن.

إلا أن تلك الخطوة، قوبلت بتصدي قبائل الصبيحة التي تنحدر منها الفصائل الموالية للرياض في محافظة لحج، حسب "الأخبار".

ولفتت الصحيفة إلى أن "هذه التطورات في المثلث الإستراتيجي المتاخم لمضيق باب المندب، تنذر باندلاع مواجهات عسكرية مباشرة بين الفصائل الموالية لكل من الإمارات والسعودية".

وهو ما قد يؤدي في حال تحقّق إلى تقليص النفوذ الإماراتي في المضيق، للمرة الأولى منذ سيطرة أبوظبي على المخا وباب المندب عام 2016، بحسب تقديرها.

وأشارت إلى أن "هذا الاحتمال أربك الفصائل الموالية للإمارات التي كانت قد دفعت بثقلها العسكري نحو حضرموت شرقي اليمن بهدف مواجهة السعودية هناك".

وأردفت: "السعودية تعمل على نقل الصراع من حضرموت إلى المناطق المطلة على باب المندب، واستدراج الإمارات إلى حرب استنزاف ستتولى تنفيذها قبائل الصبيحة، التي سبق لها أن استدرجت فصائل (المجلس الانتقالي الجنوبي) من محافظة شبوة النفطية إلى أبين، لتوقعها في حرب استنزاف مفتوحة منذ عام".

بدعم من الإمارات العربية المتحدة جرى تشكيل ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في مايو/ أيار 2017، برئاسة عيدروس الزبيدي، بهدف الانفصال بالجنوب وإعلانه دولة مستقلة عن اليمن.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت خلال تقرير سابق نشرته في 3 مارس 2023، أن الخلاف الأكثر حدة بين البلدين هو ما يتعلق في أزمة اليمن، مؤكدة أن الرياض شعرت بتخلي أبو ظبي عنها عندما سحبت قواتها من الأراضي اليمنية عام 2019.

ونقلت عن مسؤولين خليجيين (لم تكشف هويتهم) القول إن الإمارات سحبت معظم قواتها البرية من اليمن عام 2019، لكنها ما زالت تخشى تهميشها من المناقشات حول مستقبل هذا البلد في الوقت الذي تواصل السعودية محادثات مباشرة مع المتمردين الحوثيين بشأن إنهاء الحرب.

وأضاف المسؤولون أن الإمارات ترغب بالحفاظ على موطئ قدم إستراتيجي لها على الساحل الجنوبي لليمن وضمان وجود قوة في البحر الأحمر لتأمين الطرق البحرية من موانئها إلى بقية العالم.

في ديسمبر/ كانون الأول 2023، وقعت أبوظبي اتفاقية أمنية مع الحكومة اليمنية المدعومة من الرياض تسمح للقوات الإماراتية بالتدخل في حالة وجود تهديد وشيك وكذلك تدريب القوات اليمنية في الإمارات وتعميق التعاون الاستخباراتي بين الجانبين، وفقا للصحيفة.

وتسعى الإمارات أيضا، وفقا للصحيفة، إلى بناء قاعدة عسكرية ومدرج على جزيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، بحسب مسؤولين خليجيين.

وأضافوا أن مسؤولين سعوديين اعترضوا سرا على الاتفاقية الأمنية وخطط بناء القاعدة، ورأى أن الإماراتيين يعملون ضد أهداف الرياض الرئيسة المتمثلة في تأمين حدود المملكة مع اليمن ووقف هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي يشنها الحوثيون.

وردا على ذلك، نشر السعوديون قوات سودانية من التحالف العسكري التابع لهم في مناطق قريبة من العمليات الإماراتية.

وهو ما عده المسؤولون الإماراتيون تكتيكا للترهيب، حسبما قال مسؤولون خليجيون للصحيفة الأميركية.

استنفار قبلي

على ضوء التطورات الحاصلة، عقد مشايخ ووجهاء "قبائل مديريات ذو باب المندب، وموزع، والوازعية، والمخا" اجتماعا مسلحا في منطقة ذو باب، في 30 يوليو 2023، أعلنوا فيه رفضهم القاطع "لأي تجمعات مسلحة في أراضينا"، حسب البيان الصادر عنهم.

ورأت هذه العشائر "عقد اجتماع مسلح باسم قبائل الصبيحة في أراضي قبيلة الحكم وباب المندب اعتداء على مناطقنا ومحاولة جر قبائلنا وقبائل الصبيحة إلى صراع اجتماعي لا يخدمنا ولا يخدم الصبيحة وكل المنطقة".

ودعا البيان "قبائل الصبيحة إلى اتخاذ الموقف نفسه، برفض أي تحركات تعادي القوات المشتركة (يرأسها طارق صالح) ولا تمثل القبائل وتعتدي على أراضي الآخرين بدعوى كاذبة مثل تمثيل الصبيحة".

وشددت عشائر منطقة ذو باب على أن "أي تحركات مسلحة ضد القوات المشتركة في أرضنا يُعد استفزازا لنا، ونؤكد رفضنا له ولمخرجاته، ووقوفنا صفا واحدا لمواجهة أي تحركات مشبوهة داخل أراضينا وتحت أي مسميات كانت".

وأردفت: "إن ما ورد في ذلك البيان (بيان قبائل الصبيحة) من تصريحات وما نتج عنه من تحركات استفزازية تتجاوز كل القواعد والأعراف في التعامل بين الجيران والقبائل، هادف إلى زرع الفتنة والشقاق في منطقتنا، ولا يخدم إلا أذيال إيران العصابة الحوثية".

وحذر البيان من أن قبائل المديريات المذكورة "لن تتفرج ولن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي استفزازات في أراضينا من أي تجمعات مسلحة خارج القوات المشتركة وتحت أي مسمى كان".

وحمّل المجتمعون من وصفوهم بـ"المندفعين في هذه المغامرة الصبيانية الخطيرة كامل المسؤولية عما سيترتب عليه هذا التجمع وما سيؤول إليه التحشيد والتلويح بالتهديد والوعيد لأهلنا وأبناء مناطقنا".

كما حمّل البيان "السلطة المحلية والأجهزة الأمنية كامل المسؤولية لمنع مثل هذه التصرفات العبثية"، وبارك "أي خطوة أو تنقلات للوحدات العسكرية والأمنية تقرها قيادة القوات المشتركة في مسرح عملياتها العسكرية، ونؤكد أنه لا يحق لأيٍّ كان منعها أو عرقلتها".

ويأتي هذا الاجتماع، ردا على بيان سابق لوقفة مسلحة نفذتها قبائل الصبيحة، كبرى قبائل محافظة لحج جنوبي البلاد، في 29 يوليو 2023 رفضا لتحركات قوات العميد طارق صالح (عفاش) في مناطقها.

وأصدرت قبائل الصبيحة في حينها بيانا شديد اللهجة تضمن إمهال قوات طارق صالح مدة 72 ساعة لمغادرة المنطقة، وتوعدت بإخراجها بالقوة إذا لم تستجب لذلك، الأمر أبقى خيارات الصدام المسلح بين الطرفين مفتوحة على مصراعيها في المناطق المطلة على باب المندب.