قتل للحياة السياسية.. هذه أبرز مخاطر قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن
"حصانة للفاسدين"، كانت هذه أكثر الجمل التي رفعها أردنيون تعبيرا عن غضبهم من إقرار مجلس النواب الأردني في 27 يوليو/تموز 2023 تعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية.
وحظي القانون المثير للجدل على موافقة نيابية بعد تعديلات من قبل اللجنة القانونية على مشروعه، والتي رأت فيها خط حماية للمجتمع لا لتجريمه.
القانون الذي وصفه الشارع بأنه عودة لزمن "الأحكام العرفية" ومحاولة لسيطرة الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي، أقر بعد فشل مقترح نيابي برد مشروع القانون وإعادته إلى الحكومة.
"الجرائم الإلكترونية"
ويعاقب القانون الجديد في المادة 15 منه "كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية (...) تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر".
وحدد لذلك، "غرامة لا تقل عن عشرين ألف دينار (نحو 28 ألف دولار) ولا تزيد على 40 ألف دينار (نحو 56 ألف دولار)".
كما حددت "الأخبار الكاذبة" التي تستوجب العقوبة بتلك "التي تؤثر على السلم المجتمعي والأمن الوطني"، وخفضت الغرامة لتصبح "لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تزيد على 20 ألف دينار".
ولا تحتاج الملاحقة في هذه الجرائم الى تقديم شكوى، إذا كانت موجهة إلى سلطات الدولة أو هيئات رسمية أو موظف عام أثناء أدائه وظيفته.
وتجرم المادة 16 من القانون "اغتيال الشخصية" معنويا بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات وبدفع غرامة من 25 ألف دينار (35 ألف دولار) ويمكن أن تصل إلى 50 ألف دينار (70 ألف دولار).
وقد ناقش مجلس النواب التعديلات في جلسة علنية، وخفض العقوبة في بعض الحالات إلى نصف ما كانت عليه في مشروع القانون قبل أن يقره بالأغلبية.
وأُلغيت فقرة جدلية تنص على معاقبة "من نشر أو سجل صورة أو مشهد أو فيديو دون إذن، وإن كان مصرحا له بتسجيله أو التقاطه"، بالسجن ما لا يقل عن 3 أشهر ودفع غرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار) ولا تزيد عن 20 الفا (نحو 28 ألف دولار).
وهذا التشريع الذي ينص على معاقبة بعض المنشورات على الإنترنت بالسجن لمدة شهور وفرض غرامات مالية يستهدف أيضا أولئك الذين ينشرون أسماء أو صورا لضباط الشرطة عبر الإنترنت وتحظر طرقا معينة للحفاظ على إخفاء الهوية عبر الشبكة العنكبوتية.
ويقول النقاد إن القانون سيحد من حرية الوصول إلى المعلومات، ويعاقب الخطاب المناهض للحكومة، وبالتالي يمكن استخدامه ضد المعارضين السياسيين.
لكن بالمقابل يقول مشرعو قانون الجرائم الالكترونية، إنه متفق مع المعايير الدولية وأحكام ونصوص الدستور الأردني، الذي يؤكد عدم انتهاك الحياة الخاصة، أو التي تؤثر على السلم الأهلي، وأنه جرى فيه مراعاة معايير حرية التعبير.
وبحسب الدستور، يحتاج مشروع القانون بعد أن أقره مجلس النواب، إلى إقراره من مجلس الأعيان، ثم المصادقة عليه من الملك قبل نشره بالجريدة الرسمية فإنفاذه.
وعن الأسباب الموجبة لمشروع القانون، فإن التطور السريع في مجال تقنية المعلومات استوجب تجريم بعض الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية ومعاقبة مرتكبيها بما يضمن مكافحة الجرائم الإلكترونية، وفق وكالة أنباء "بترا" الرسمية.
وكذلك "لتوفير الحماية للحقوق والحريات العامة والخاصة من الاعتداء عليها كالابتزاز والاحتيال الإلكتروني والحض على العنف والكراهية وازدراء الأديان وانتهاك حرمة الحياة الخاصة والاعتداء على وسائل الدفع الإلكتروني والخدمات المصرفية وحماية البنى التحتية الحرجة".
وأيضا "لإعادة تنظيم بعض إجراءات الضابطة العدلية والإجراءات القضائية للوصول إلى عدالة ناجزة وناجعة، وتنظيم العلاقة مع منصات التواصل الاجتماعي خارج المملكة".
أما رئيس الوزراء بشر الخصاونة فقد قال خلال جلسة مناقشة القانون إن "الحكومة لا تقدم أي شيء فيه مساس أو انتقاص من الدستور" الذي يكفل حرية التعبير.
"قانون قمعي"
ورغم ذلك، فإنه سرعان ما أثارت هذه التعديلات جدلا واسعا وأشعلت غليانا في الأوساط الشعبية والحقوقية والصحفية في الأردن ورأى ناشطون وصحفيون ومنظمات حقوقية أن القانون يحد من حرية التعبير.
كما انتقدت 14 منظمة وجهة حقوقية على رأسها "آكسس ناو" و"هيومن رايتس ووتش"، القانون الذي "يهدد" الحقوق الرقمية وحرية التعبير وحق الوصول للمعلومات، وفق قولها.
ورأت أنه "سيفشل في النهاية في تحقيق أهداف الحكومة الأردنية المعلنة لمعالجة التضليل وخطاب الكراهية والتشهير عبر الإنترنت" واصفة إياه بأنه ذو "طبيعة قمعية وغامضة ومعقدة".
ودعت المشرعين الى التشاور مع منظمات المجتمع المدني "لاستكشاف طرق بديلة تحترم الحقوق وتعالج المخاوف المشروعة حول خطاب الكراهية والمعلومات المضللة".
ووقع مئات السياسيين والصحفيين كذلك بيانا يطالب بسحب مشروع القانون "الأشد تهديداً للحريات العامة والحريات الصحفية"، كما نفذوا وقفات احتجاجية في العاصمة عمان.
أما الشارع الأردني فقد قال كلمته في القانون، حيث شارك مئات الأردنيين بتاريخ 29 يوليو 2023 بمسيرة احتجاجية انطلقت من أمام المسجد الحسيني وسط العاصمة عمان للمطالبة بسحب المشروع الذي يرون أنه "تضييق للحريات" و"تكميم للأفواه".
وطالب المتحدثون بالمسيرة وهم من أمناء أحزاب وقادة تنسيقيات شعبية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بـ"التدخل" وعدم تمرير هذا القانون الذي وصفوه بـ"الرجعي".
ورفع المحتجون في المسيرة التي نظمت بدعوة من عدة أحزاب ونقابات شعبية لافتات مناهضة لمشروع القانون بينها "قانون الجرائم الإلكترونية.. قتل للحياة السياسية"، قانون الجرائم الإلكترونية.. نعي للحريات".
ورددوا عدة هتافات رافضة له مثل "حرية حرية.. لا للقبضة الأمنية"، كما أكد المتحدثون على استمرار الفعاليات الرافضة للقانون حتى إسقاطه.
مسيرة احتجاجية في وسط البلد رفضا لـ"قانون الجرائم الإلكترونية"#رؤيا_الإخباري #الأردن #قانون_الجرائم_الالكترونية #عاجل https://t.co/5PoYWDG077 pic.twitter.com/PqD1vqJk3k
— Roya News (@RoyaNews) July 28, 2023
والقانون المؤلف من 40 مادة والذي يتحدث عن حماية الفضاء الإلكتروني والمنشآت الإلكترونية من أي عبث في محتواها، ينظر له منتقدوه على أنه يخالف منظومة التحديث السياسي، كما يرون أن مصطلحاته الفضفاضة قد تتسبب في مشكلات عديدة للأردنيين.
وفي هذا السياق، رأى السياسي الأردني البارز ووزير العمل الأردني السابق، معن القطامين، أن قانون الجرائم الإلكترونية "يدعو الناس للعمل السري مثلما كان عليه الحال في خمسينيات القرن العشرين".
ومضى يقول في جلسة مفتوحة أمام عدد من المواطنين: "هذا القانون يهدف لإجهاض العملية السياسية، والأدهى في مادته رقم (25) وهي أن الشخص مسؤولا حتى عن التعليقات التي ترد على منشوراته".
وتابع في تسجيل مصور نشر بتاريخ 23 يوليو 2023: "نحن أمام مفترق طرق حقيقي ويمس كل مواطن أردني كونه لا فرد في الأسرة لا يوجد عنه تطبيق على وسائل التواصل الاجتماعي ولذلك يجب تفادي هذا القانون لمنع عمليات السجن وفرض الغرامة المالية بسبب منشور أو تعليق".
وتوقف كثير من منتقدي هذا القانون عند تجريمه لأصحاب الرأي نظرا لورود مصطلحات فضفاضة فيه قد تؤدي إلى اتهام الشخص بنشر أخبار كاذبة وسجنه لمجرد أن رأيه يخالف توجهات الحكومة.
تهديد لحرية الرأي
وأيضا يعتقد بعض النواب الأردنيين أن المشهد الإعلامي بات مهددا في الأردن بعد إقرار قانون الجرائم الإلكترونية.
إذ قال النائب الأردني ينال فريحات في حديث صحفي من أمام مجلس النواب: "سيكون هناك تقييدا للعمل الصحفي وللصحفيين والإعلامين وستمتلئ السجون بالصحفيين والمواطنين الذين يعبرون عن آرائهم، ولهذا ينظر للقانون على أنه محاولة لشد الأردن إلى الوراء على مستوى الحريات الإعلامية".
وضمن هذا الإطار، رأت روان الجيوسي زميلة المركز الدولي للصحفيين ومؤسسة "مدرج" لريادة الإعلام الرقمي ومديرتها التنفيذية، أن "إقرار هذا القانون يتنافى مع رؤية الإصلاح، ويقيض من الديمقراطية في بلد يسعى إلى تطبيقها ويأمل بإصلاح سياسي عادل".
وأضافت الجيوسي خلال تصريحات صحفية في 30 يوليو 2023 أن مؤسستها ترى أن "مشروع القانون بشكله الحالي ينبئ بتأثيرات سلبية على واقع ومستقبل الإعلام الرقمي الريادي في الأردن".
كما "قد يؤدي إلى عزوف كبير عن المشاريع الريادية في الإعلام الرقمي نظرا للإفراط في العقوبات المدرجة، دون الأخذ بعين الاعتبار ما تتضمنه طبيعة العمل الصحفي والإعلامي من إمكانية الوقوع في الخطأ غير المقصود أو تباين وجهات النظر في الأسلوب والطرح".
اللافت أن منظمة مراسلون بلا حدود، حثت البرلمان الأردني، على رفض مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الصارم والمدعوم من الحكومة، والذي قالت إنه من المحتمل أن يؤثر على عمل الصحفيين بشكل سلبي ويحد من حريتهم في نقل الأخبار.
وقال جوناثان داغر، رئيس مكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود، في تقرير للمنظمة نشر بتاريخ 21 يوليو 2023 إن "مشروع القانون هذا دليل على التدهور الخطير في حرية الصحافة في الأردن. وبفضل لغته غير الدقيقة ونهجه العقابي، فإنه يسمح للمدعين العامين بممارسة سيطرة أشد على وسائل الإعلام عبر الإنترنت ويشجع على الرقابة الذاتية".
واستدرك قائلا: "نحث مجلس النواب الأردني على رفض هذا القانون المقترح، والذي يجب استبداله بقانون يحمي حق الجمهور في الحصول على المعلومات ولا يهدد حرية الصحافة".
وبحسب ما قالت الأمين العام لحزب "أردن أقوى" رولا الحروب لوكالة "أنباء رم" فإن "القانون القمعي عودة إلى عصر ما قبل الأحكام العرفية وينتهك التزامات الأردن تجاه القانون الدولي، وينقض قواعد عامة واردة في القوانين الجزائية وفي قانون العقوبات".
ومضت الحروب تقول: "القانون يمثل عودة لما قبل ثورة تكنولوجيا المعلومات والشبكة العنكبوتية، وبذلك هم يعتقدون أنهم يسيطرون به على أفواه الأردنيين ويضعون الشعب في قوقعة، مما يعني أن الناس ستلجأ للعمل السري تحت الأرض خاصة أن الناس غاضبة من السياسات الحكومية التي أوصلتنا إلى مديونية عالية واقتصاد مترهل".
وزادت بالقول: "إن محاولة إغلاق آخر نافذة لتنفيس الشعب عن غضبه، يعني أن هناك من يريد تحريض الناس للنزول للشوارع وأن يحدث انفجار".
وإضافة إلى الصوت المحلي المناهض لتفعيل قانون الجرائم الإلكترونية بتعديلاته الجديدة، فقد انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية هذا القانون بتاريخ 26 يوليو 2023 بقوله: "يمكن بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوّض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن".
وأضاف أن القانون "يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحفيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن"، وفق قوله.