عبر قانون الجرائم الإلكترونية.. صحيفة عبرية: الأردن يكتب نهاية الاحتجاجات الشعبية
عاد قانون الجرائم الإلكترونية ليثير الجدل والاضطرابات مجددا في الأردن، وسط رفض واسع على خلفية "تقييده حرية الرأي والتعبير" ومطالبات بسحبه وإسقاطه.
ووقع مئات السياسيين والصحفيين في الأردن على عريضة ضد قانون "الجرائم الإلكترونية" الجديد، مطالبين بلقاء الملك عبد الله الثاني حتى يسحب القانون الذي أقره بالفعل مجلس النواب.
كما شارك مئات الأردنيين، في 28 يوليو/تموز 2023، بمسيرة احتجاجية وسط العاصمة عمان، بدعوة من عدة أحزاب ونقابات شعبية، للمطالبة بسحب مشروع قانون "الجرائم الإلكترونية" الذي يرونه بمثابة "تضييق على الحريات" و"تكميم للأفواه".
ورفع المحتجون لافتات مناهضة لمشروع القانون بينها "قانون الجرائم الإلكترونية.. قتل للحياة السياسية"، كما رددوا عدة هتافات رافضة له مثل "حرية حرية.. لا للقبضة الأمنية".
وطالب المتحدثون بالمسيرة، وهم من أمناء أحزاب وقادة تنسيقيات شعبية، العاهل الأردني الملك عبد الله بـ"التدخل" وعدم تمرير هذا القانون الذين وصفوه بـ"الرجعي". كما أكد المتحدثون على استمرار الفعاليات الرافضة للقانون، حتى إسقاطه.
مواد القانون
وقبل المسيرة بيوم، أقر مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى بالبرلمان)، مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، بعد إجراء تعديلات على عدد من بنوده، رغم مطالبات سابقة بسحبه.
وليصبح قانونا ساري المفعول، يحتاج المشروع للمرور بمراحل دستورية، حيث تجرى مناقشته من قبل البرلمان بشقيه، وبعد التوافق عليه يرفع لعاهل البلاد، لإصدار مرسوم ملكي به، ثم إعلانه بالجريدة الرسمية.
وكانت الحكومة الأردنية أشارت، في وقت سابق، إلى أن مشروع القانون بما يتضمنه من 41 مادة "لا يهدف إلى الحد من الحريات"، وإنما إلى معالجة "المعلومات المضللة" و"خطاب الكراهية" و "التشهير عبر الإنترنت".
وتفرض المادة 15 من مشروع قانون "الجرائم الإلكترونية "عقوبات بالحبس والغرامة على أفعال عدة، منها إرسال أو إعادة إرسال أو نشر الأخبار الكاذبة قصدا، أو قدح أو ذم أو تحقير أي شخص عبر الشبكة المعلوماتية أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
وتنص عقوبة المادة 15 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 5 آلاف (نحو 7 آلاف دولار أمريكي) إلى 20 ألف دينار (نحو 28 ألف دولار) عقب تخفيضها من 40 ألف دينار (نحو 56 ألف دولار).
وعام 2018، قررت الحكومة الأردنية السابقة برئاسة عمر الرزاز، الموافقة على مشروع قانون معدل لقانون الجرائم الإلكترونيّة، وإرساله إلى مجلس النواب، للسير بإجراءات إقراره وفق القنوات الدستورية.
لكن اضطرت آنذاك، حكومة الرزاز إلى سحبه، بناء على طلب المجلس، بعدما أثار انتقادا واسعا في البلاد لما يحتويه من عقوبات مغلّظة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها تقييدًا للحريات.
وتوضح صحيفة "زمان إسرائيل" العبرية أن القانون يحد من حرية التعبير في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ويفرض عقوبات بالسجن وغرامات مالية على من ينتهكه.
في المقابل، تشير إلى خيبة الأمل التي يشعر بها الشارع الأردني من الوعود التي قدمها الملك بإصلاحات حكومية.
"عدو للديمقراطية"
وبحسب الصحيفة، فإن هذا القانون تسبب في اضطرابات كبيرة بين جيل الشباب وبين أحزاب المعارضة.
وتنوه إلى أن "الحكومة الأردنية هي التي بادرت بالقانون الجديد، وذلك بناء على توجيهات البيت الملكي الأردني".
كما أنها تلفت إلى أن "القانون يشير إلى اتجاه واضح للحكومة الأردنية لإسكات المسؤولين الفاسدين والنظام الحكومي ومنحهم الحصانة".
ومن الجدير بالذكر أن "الأردن يحتل الآن المرتبة 146 في العالم من بين 180 دولة من حيث حرية التعبير، ومن المتوقع أن يتراجع إلى مرتبة أدنى بعد إقرار القانون في البرلمان"، وفق قول الصحيفة.
وتذهب إلى أن الحكومة الأردنية، التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة، ستصبح -وفق القانون الجديد- "عدوا للديمقراطية"، وهو الأمر الذي يثير قلق جيل الشباب بشكل خاص.
وحتى الآن، تستنكر الصحيفة العبرية "عدم صدور أي رد فعل من الإدارة الأميركية حول الموضوع"، مشيرة إلى أنها "نفس الإدارة التي من المفترض أن تحمي حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم".
وترى أن "رد الفعل هذا قد يعود إلى العلاقة الوثيقة بين الرئيس جو بايدن والملك عبد الله".
ولكن، انتقد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في 26 يوليو، القانون الذي "يمكن بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن".
وأضاف أنه "يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحافيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن".
"البقاء السياسي"
ولفتت مصادر في المعارضة الأردنية، كما ورد عن الصحيفة العبرية، إلى أن القانون الجديد هو الأسوأ في تاريخ المملكة الهاشمية".
ومن ناحية أخرى، تذكر الصحيفة أن "القانون يسري على الصحافة الأردنية والناشرين والصحفيين أنفسهم، مما يجعلهم الآن غير قادرين على توجيه أي انتقاد لنظام الحكومة ومسؤوليها دون معاقبتهم على ذلك".
ولذلك، تقول إنه "من الطبيعي أن يؤيد معظم أعضاء مجلس النواب سن هذا القانون متوافقين مع إرادة البيت الملكي الأردني، فيبدو أن الديمقراطية لا تهمهم، وأن ما يسعون إليه هو البقاء السياسي".
وفي رأي الصحيفة، "يبدو أن المسؤولين الأردنيين يربطون القانون الجديد بالوضع الاقتصادي الصعب في الأردن، حيث تخشى السلطات من أن يؤدي النقد الحر في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية إلى إثارة موجة احتجاج كبيرة".
كذلك أشارت إلى عدد من الصحفيين الأردنيين المقيمين بالخارج شرعوا في انتقاد القانون الجديد.
وذكرت الصحيفة المقال الذي نشرته الصحفية سهير جرادات، في 22 يوليو 2023، في صحيفة "الرأي اليوم" تحت عنوان "يريدون مملكة صامتة".
وقالت جرادات إن "القانون الجديد سيحول الأردنيين إلى شعب خائف وخاضع ويحقق ضياع ضمير الوطن".
وأضافت الصحفية أن "هذه العقلية التي تضر بسمعتنا في الدوائر الدولية ستعيدنا إلى الخمسينيات من القرن الماضي".
لعبة مزدوجة
من ناحية أخرى، توضح الصحيفة أن النقد الشعبي والسياسي، خاصة من حزب "جبهة العمل الإسلامي"، موجه في الواقع إلى رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة.
وتنوه الصحيفة العبرية إلى أنه "تعرض للهجوم بينما كان ينفذ ببساطة تعليمات العائلة المالكة الأردنية"، كما لفتت إلى أنهم في الأردن حريصون جدا على عدم مهاجمة وانتقاد الملك عبد الله، المسؤول فعليا عن القانون الجديد.
وقال رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، خلال جلسة مناقشة القانون "الحكومة لا تقدّم أي شيء فيه مساس أو انتقاص من الدستور" الذي يكفل حرية التعبير.
في الختام، تسلط "زمان إسرائيل" الضوء على وضع الشارع الأردني الذي "يشعر بخيبة أمل كبيرة من الملك عبد الله، الذي وعده بإصلاحات حكومية وشفافية وانفتاح".
إذ يشعر كل مواطن الآن بخطر الملاحقة أو دفع غرامة مالية، بسبب انتقادات مشروعة يكتبها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا للصحيفة.
وتذهب إلى أن "الاضطرابات في الشارع الأردني كبيرة"، وأن أحد العوامل المساهمة في ذلك هو تحريض المئات من السياسيين الحاليين والمتقاعدين، بالإضافة إلى مئات الصحفيين والناشطين الاجتماعيين الذين يحتجون على البرلمان.
ويرى هؤلاء في هذا القانون أداة لإسكات آرائهم وجريمة حقيقية لانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير.
ولكن، تعتقد الصحيفة أن الملك عبد الله "يلعب لعبة مزدوجة وخطيرة"، وأنه "حتى لو التقى بممثلي الأحزاب، فمن المشكوك فيه بشدة أن يلغى القانون الجديد".
وهنا تنوه إلى حقيقة أن الملك "يهتم بمقعده وحكمه ويبحث باستمرار عن طرق جديدة لإبقاء الاحتجاج على الوضع الاقتصادي الصعب على وتيرة منخفضة للغاية".