صحيفة إسبانية: اليمين المتطرف يجتاح أوروبا والديمقراطية الاشتراكية في تراجع

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على المخاوف التي تراود القادة التقدميين الأوروبيين، بعد هزيمة بيدرو سانشيز، زعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، الذي كان أحد الاشتراكيين اليساريين الخمسة الباقين على كراسي العرش في أوروبا.

وحاز الحزب الشعبي (يمين) بزعامة ألبرتو نونييس فيخو على أكبر كتلة في الانتخابات النيابية المبكرة التي شهدتها إسبانيا، في 23 يوليو/تموز، متقدّما على المحافظين بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، لكنه لم ينل غالبية تتيح له تشكيل حكومة، وفق نتائج رسمية شبه نهائية.

وبينت نتائج فرز أكثر من 99,3 بالمئة من الأصوات نيل الحزب الشعبي 136 مقعدا، أي أكثر بـ47 مقعدا مقارنة بالنتيجة التي حقّقها قبل سنوات، فيما حصد الاشتراكيون 122 مقعدا.

إلا أن الأرقام وعلى الرغم من إيجابيتها بالنسبة لنونييس فيخو لا ترتقي إلى عتبة 150 مقعدا التي كان يطمح لحصدها.

وبدأ الحزب الشعبي المحافظ في إسبانيا محادثات مع أحزاب أخرى للحصول على دعمها من أجل تشكيل حكومة جديدة، بينما قال حزب العمال الاشتراكي الحاكم إنه يريد تجنب إعادة التصويت بعد أن أسفرت الانتخابات عن عدم تحقيق أي جانب أغلبية برلمانية حاسمة.

تحول للتطرف

وفي الحقيقة، تخشى هذه المجموعة أن يمثل هذا الحدث تحولا لصالح اليمين المتحالف مع اليمين المتطرف في الحكومات وفي البرلمان الأوروبي، وفق ما تقول صحيفة الإندبندينتي الإسبانية.

وبينت أن الديمقراطيين الاشتراكيين الأوروبيين يثقون في تدارك بيدرو سانشيز في اللحظة الأخيرة والعودة إلى السلطة في إسبانيا.

في الحقيقة، هم يخشون أن تكون هزيمته نقطة تحول بالنسبة لليمين المتطرف، وخاصة في حال حظي حزب فوكس التابع للاتجاه المذكور، بمناصب وزارية في الحكومة المقبلة بعد دعمه الحزب الشعبي في الانتخابات الأخيرة. 

في هذا المعنى، قال رئيس الوزراء البريطاني السابق المنتمي إلى حزب العمال، جوردون براون في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية: "إذا أصبح فوكس قوة حكومية فسيكون زلزالا سياسيا ستشعر به القارة في ظل الرئاسة الإسبانية لمجلس الاتحاد الأوروبي".

كما أنه يدافع عن "الأجندة الإيجابية والتقدمية والاجتماعية، التي دافع عنها سانشيز"، وفق الغارديان.

وبينت أن فوز الاشتراكي، بيدرو سانشيز، في انتخابات سنة 2019 مثل محفزا لنظرائه الديمقراطيين الاشتراكيين في الاتحاد الأوروبي، الذين شاركوا في حكم ألمانيا في ظل المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المحافظة.

لكنهم خسروا في إيطاليا سنة 2018 وسقطوا في فرنسا في العام السابق. لكن قبل وصول سانشيز، كان البرتغالي أنطونيو كوستا، في السلطة منذ سنة 2015.

وتجدر الإشارة إلى أنه عند تشكيل أول تحالف يساري في تاريخ إسبانيا، في نهاية سنة 2019، كانت السويد وفنلندا والدنمارك وسلوفاكيا ومالطا تحت حكم الاشتراكيين الديمقراطيين، وكانت في اليونان ورومانيا حكومات يسارية.

بعد ذلك، انضمت ألمانيا، في خريف سنة 2021، إلى تحالف ثلاثي برئاسة الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، جنبا إلى جنب مع الخضر والليبراليين، وفق الصحيفة الإسبانية. 

الحكومات والأزمات

ولفتت إلى أن حكومات اليسار واليمين التي كان عليها مواجهة أزمة وباء كورونا وعواقب الحرب في أوكرانيا لاقت صعوبات في إعادة انتخابها، على الرغم من وجود استثناءات ملحوظة على كلا الجانبين.

وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن تجربة كوستا في البرتغال ورئيس وزراء مالطا وبير أبيلا خلال سنة 2022.  

وفي الدنمارك، حققت رئيسة الوزراء، مته فريدريكسن، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 نجاحا، وأضاف الاشتراكيون الديمقراطيون مقعدين آخرين في البرلمان.

لكن، أوفت السياسية الدنماركية بوعدها بكسر الكتل وتشكيل رئاسة حكومة تضم كلا المحافظين والليبراليين.

وكانت نتيجة الاشتراكيين الديمقراطيين الأفضل خلال عقدين من الزمن، لكن اختارت فريدريكسن تحالفا وسطيا لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، بحسب الصحيفة.

من ناحية أخرى، فقدت النائبة الاشتراكية الديمقراطية السويدية، ماغدالينا أندرسون، مقعدها على رأس السلطة بعد انتخابات خريف سنة 2022، وهو الحال أيضا بالنسبة للفنلندية، سانا مارين، في أبريل/نيسان 2023.

وتابعت صحيفة الإندبندينتي أنه "في كل من السويد وفنلندا، كان صعود اليمين المتطرف أمرا حاسما".

إذ كان اليمين المتطرف كان جزءا من الحكومة في فنلندا ويقدم الدعم الخارجي في السويد، وفق قولها.

أما على الجانب المحافظ، فقد كان الانتصار الأبرز والأخير من نصيب زعيم حزب "الديمقراطية الجديدة" في اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي حقق فوزا باهرا خلال انتخابات يونيو/حزيران 2023.

لكن، دخلت ثلاثة أحزاب يمينية متطرفة البرلمان اليوناني، بما في ذلك حزب نازي جديد، هو حزب سبارتانز. 

الفائزون الجدد 

ونقلت الصحيفة عن خورخي تامامس، الباحث في معهد إلكانو الملكي الإسباني، أن "في عام 2019، عندما فاز حزب العمال الاشتراكي في الانتخابات، كان لليسار انتصارات جيدة في الانتخابات الإسبانية والأوروبية".

وواصل الباحث: "يبدو أن دورة الانتصارات هذه قد انتهت بعد توالي الأزمات، مما تسبب في ظهور حكومات يمينية. ومع ذلك، فإن الموقف الأكثر ضعفا هو موقف يمين الوسط. وفي الوقت الراهن، لم يعد الاشتراكيون الديمقراطيون القوة المهيمنة التي كانوا عليها من قبل".

وأشارت الصحيفة إلى أن الفائزين في الانتخابات في معظم البلدان الأوروبية هم أحزاب اليمين المتطرف، التي تحتكر تصويت غير الراضين عن الأحزاب التقليدية.

حتى في إسبانيا والبرتغال، حيث استغرق اليمين المتطرف وقتا لاكتساب القوة، فإن (حزب) شيغا في لشبونة هي القوة الثالثة في استطلاعات الرأي ويشارك فوكس في مدريد بالفعل في ثلاث حكومات إقليمية ويطمح إلى تحالف مع حزب الشعب في الحكومة الإسبانية التي ستتشكل قريبا. 

ونقلت الإندبندينتي أن أبرز مثال على القوة الساحقة لهذه الأحزاب اليمينية هو انتصار إخوة إيطاليا بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي قادت الائتلاف المحافظ على رأس ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، منذ انتخابات خريف سنة 2022. وفي الأثناء، بقي يسار الحزب الديمقراطي بعيدا عن السلطة.  

في الحقيقة، كان إخوة إيطاليا الحزب الوحيد الذي بقي خارج حكومة الوحدة التي واجه معها ماريو مونتي أزمة وباء كورونا، تقول الصحيفة الإسبانية.

بالإضافة إلى ذلك، عرفت ميلوني كيف تستفيد من دورها في المعارضة لتنأى بنفسها عن فورزا إيطاليا، بقيادة سيلفيو برلسكوني، والرابطة الشمالية بقيادة ماتيو سالفيني.

وبشكل عام، تعد ميلوني مرآة لأكثر التيارات اليمينية في أوروبا، وفق صحيفة الإندبندينتي الإسبانية. 

القومية الأبرز

ونقلت عن فيكتور لابوينتي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جوتنبرج، أن "أوروبا تعيش على وقع تغيير في الدورات. وعامة، تتسارع الدورات بالتزامن مع الأزمات".

وأردف: "في الديمقراطيات، عادة ما تكون هناك تغييرات في الحكومة بعد الأزمات، حتى لو كانت الإدارة جيدة".

ويضاف إلى هذه العوامل حقيقة أن اليمين المتطرف قد شهد رواجا هائلا. وبالتزامن مع ذلك، كان هناك تغيير في فرنسا وإيطاليا أيضا.

وبينما تكيّف المحافظون الذين نجوا بعد هذا السيناريو الجديد؛ يهزم هذا التحالف الجديد الاشتراكيين الديمقراطيين، وفق تقديره. 

كما نقلت الصحيفة عن الأمين العام للجمعية النمساوية للسياسة الأوروبية بول شميدت، أن "أوروبا تشهد تراجع الأحزاب الليبرالية والخضر".

وأردف أنه "سيصبح الأمر أكثر وضوحا في حال لم يكن هناك تغيير في الاتجاه في الانتخابات الأوروبية (البرلمان) في يونيو 2024".

من ناحية أخرى، فإن المنافسة بين أحزاب اليمين المتطرف واليسار شديدة. وقد ولدت الأزمات الشعور بانعدام الأمن وفقدان الثقة في النظام السياسي، نتيجة للوباء. ويضاف إلى ذلك الهجرة. إنها المكونات المثالية لقومية جديدة، بحسب تقديره. 

أما الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية "هيكتور سانشيز مارغاليف"، فيعتقد أن "أحد الإخفاقات الجسيمة للاشتراكية الديمقراطية تمثلت في عدم تقديم إجابة لمشكلة الهجرة". 

ويقول سانشيز مارغاليف: "إنها كعب أخيل اليسار، الذي لم يستطع التعبير عن فكرة وطن، التي تعني حقوقا والتزاما مدنيا. لقد قدمت أحزاب اليسار ردود فعل مماثلة لليمين".