"فتنة شيعية".. هل يستخدم رئيس وزراء العراق قوة السلاح لردع التيار الصدري؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع تجدد التوتر بين التيار الصدري وحزب "الدعوة" الشيعي في العراق، والذي وصل إلى حرق مقرات الأخير، دعت أطراف من الإطار التنسيقي، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى استخدام القوة في ردع زعيم التيار، مقتدى الصدر.

وفي 16 يوليو/ تموز 2023، أغلق أنصار التيار الصدري نحو 20 مقرا حزبيا تابعا لحزب الدعوة في 10 محافظات، وأظهرت بعض مقاطع الفيديو المتداولة اقتحام جمهور الصدر أحد المكاتب وتمزيق صور رئيس الحزب وزعيم "دولة القانون"، نوري المالكي.

وطالت الحملة مقار "عصائب أهل الحق" و"بدر" في بغداد، إضافة إلى مليشيا "حركة أنصار الله الأوفياء" بالنجف، التي زارها مقتدى الصدر في اليوم التالي، وحذر من جر البلاد إلى "فتنة شيعية – شيعية"، ودعا البرلمان إلى سن قانون يجرّم سب العلماء بغير وجه حق.

حركة ثورية

تحرك التيار الصدري ضد مقار حزب "الدعوة" وغيره من مكونات الإطار التنسيقي، جاء إثر تدوينة لرئيس الكتلة الصدرية السابق في البرلمان، حسن العذاري، اتهم فيها حزب الدعوة بتوجيه إساءات إلى محمد الصدر (والد مقتدى).

وعبر صفحته بفيسبوك في 15 يوليو 2023، قال العذاري: "انتشرت في الآونة الأخيرة وبصورة ملفتة للنظر مقاطع ومنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي تسيء إلى سمعة وسيرة سيدنا الشهيد محمد الصدر، وتتهمه بالعلاقة مع نظام البعث".

وأضاف "يبدو أن ذلك يتمّ من خلال حملة إعلامية منظمة تقودها بعض الجهات الإطارية (الإطار التنسيقي) كحزب الدعوة".

بدوره، رأى ما يعرف بـ"وزير الصدر"، صالح محمد العراقي، أن "الإخوة الأحبة في التيار الصدري لازالوا مخلصين لمرجعهم، وهم لم ولن يفعلوا شيئا إلا بعد مراجعة الحوزة.. وما حدث في الأمس إنما هي حركة عاطفية صدرية عفوية بل هي ثورية لإيقاف التعدّي على العلماء".

وتابع خلال تغريدة على تويتر في 16 يوليو 2023: "آملا منهم أن يعطوا الفرصة لمن بقي من المخلصين في حزب الدعوة ومن معهم في تحالفهم ممن يدعون حبّ الدين والمذهب وشهداء آل الصدر لسنّ هذا القانون تحت قبة البرلمان دفاعا عن الدين والمذهب، وإن لم يفعلوا فإن ذلك سيئة وساء مقتا".

من جهته، قال نوري المالكي: "إنه لأمر غريب أن نسمع ادعاء من بعض الإخوة من التيار الصدري لا سيما بعض قياداتهم باتهام حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون بالإساءة إلى مقام الشهيد محمد صادق الصدر، رغم تأكيدات الحزب وأمينه العام باستنكار ورفض كل الممارسات التي تسيء للشهيدين الصدرين وجميع المراجع العظام".

وتابع: "توجيه الاتهام لحزب الدعوة والدعاة بالإساءة للشهيد محمد الصدر وما تبعه من اعتداءات على مقرات حزب الدعوة هي ممارسات مؤسفة أثلجت قلوب أعداء العراق وأعداء المدرسة الصدرية، وأن هذه الأعمال لن تصب في مصلحة أبناء العراق وأبناء المذهب الواحد".

وخلال مقابلة تلفزيونية في 17 يوليو/ تموز 2023، قال المالكي إن "الاعتداءات على مقار حزب الدعوة وغيرها من الحركات، يندرج ضمن الأعمال الإرهابية على الحكومة التعامل معهم على هذا الأساس، وحسنا فعلت عند إرسالها حمايات إلى هذه الأماكن، لأننا نستطيع الرد، لكن نحن حزب دولة".

وطالب المالكي التيار الصدري بأن "يخبروهم بالأشخاص الذين أساؤوا إلى المرجع محمد صادق الصدر، حتى يتم محاسبتهم بالشكل المطلوب، لأننا لم نعلم حتى اللحظة من أساء لهم، فهذا الأمر ليس من نهجنا".

تحريض للمواجهة

في المقابل، حرضت شخصيات محسوبة على الإطار التنسيقي الشيعي، الحكومة على مواجهة التيار الصدري كما فعل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي معهم عام 2008 في حملة "صولة الفرسان"، مشيرين إلى أن حرق المقار الحزبية "ينم عن هزيمتهم الداخلية".

وقال الكاتب والمحلل السياسي المنتمي للإطار التنسيقي، أحمد عبد السادة، إن "مقتدى الصدر يجس نبض أي رئيس وزراء جديد، فإذا وجد فيه الضعف والتراخي استفحل واستهتر وتمادى، وإذا وجد فيه القوة والحزم تراجع وانكفأ وهرب واعتزل".

وأضاف عبر تغريدة على تويتر في 20 يوليو 2023، أن "اعتداء مقتدى على بعض مقرات الأحزاب الشيعية هو جس نبض للسوداني، وعلى الأخير أن يقرر: إما أن يواجه الصدر ويلجمه ويؤدبه كما فعل المالكي، أو أن يستسلم له كما فعل حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي (رؤساء الحكومات السابقة)".

من جهته، قال المحلل السياسي حيدر البرزنجي، إن "إحداث الفتنة والفوضى وأعمال الحرق والتخريب الذي طال مقرات حزب الدعوة أمر خطير ومدان ويجب التصدي له قانونيا، فهي ليست المرة الأولى وليست الأخيرة، وتكرارها وارد مع جميع ال،حزاب والكيانات السياسية والتاريخ يشهد وتكمن الخطورة في التوظيف السياسي مع قرب الانتخابات".

ورأى البرزنجي عبر تويتر في 16 يوليو 2023 أن "محاولة زج مقام المرجعية في الخلافات السياسية هو الأخطر، فلا يوجد مسلم شيعي يتطاول على مقام المرجعية، لا سيما السيد الشهيد (محمد صادق الصدر)، فما حصل هو محاولة معروفة لتعويض الانكسار والانحسار السياسي واللعب على الوتر العاطفي".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال المحلل السياسي المنتمي للإطار التنسيقي، مازن الزيدي، إنه "يوم بعد آخر، يثبت التيار الصدري أنه وبعد عام من هزيمته السياسية؛ لا ولم يتعلّم الدروس ولا يراجع أخطاءه".

وأردف الزيدي عبر تويتر في 16 يوليو 2023 أن "استهداف مقرات حزب الدعوة ومهاجمة المالكي تمثل هدية انتخابية مجانية، إن لم نقل غبية، للأخير كما حدث في الانتخابات (البرلمانية) الماضية (2021). استهداف الأخير يزيد التفاف الناس حوله أكثر وأكثر".

صِدام مستبعد

وبخصوص مدى مواجهة الحكومة للتيار الصدري، قال الباحث العراقي، حامد العبيدي، إن "رئيس الوزراء والقوى السياسية والمليشيات داخل الإطار التنسيقي الشيعي، أغلبهم يريدون عودة الصدر إلى العملية السياسية، لكنه لا يزال معاندا".

واستبعد العبيدي في حديث لـ"الاستقلال" أن "القوى الشيعية تتعامل بحذر مع الصدريين، لأنهم قد يربكون الأوضاع في العراق قبل انتخابات مجلس المحافظات المقررة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، لذلك فإن الصراع سيبقى حتى هذا التاريخ".

ورأى الباحث أن "ما طرحه المقربون من الإطار التنسيقي لا ينطقون من رأسهم، وإنما هو رأي بعض أطراف الإطار، ولاسيما ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، التي تريد الصدام مع التيار الصدري".

وفي السياق ذاته، قال الباحث العراقي، عماد الزوبعي، إن "ما ذكره (الكاتب والمحلل السياسي) أحمد عبد السادة ربما يكون فيه شيء من الصحة، قد يكون الصدر بالفعل يريد جس نبض حكومة محمد شياع السوداني، لكن الأخير لن يقدم على أي خطوة للمواجهة المسلحة مع الصدريين".

ولفت الزوبعي في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "هجوم الصدريين على السفارة السويدية ردا على حرق نسخة من القرآن في 20 يوليو 2023، وقبلها مهاجمة مقار حزب الدعوة، كلها تولد الضغط الخارجي والداخلي على السوداني، لكنه يريد كسب الصدريين ولا يستعديهم".

ورأى الباحث أن "ما طرحه عبد السادة يمثل رأيه الخاص، لأن الإطار التنسيقي لا يجاهر علنا بخصومته واحتقاره للصدريين، لأن طيفا واسعا من القوى المنضوية فيه لا يزالون يرون أنهم من الصدريين، وذلك باتباعهم مدرسة والد مقتدى الصدر".

وتابع: "كما أنه من غير العقلاني أن يواجه الإطار التنسيقي أعدادا مهولة من المتعصبين للصدر فهم أيضا مليشيات مسلحة، لكن الإطار قد يسمح لأحد المتطرفين التابعين له أن ينفس عن الغيظ، ثم يجري التبرؤ منه إذا سخنت الأمور".

ولفت الزوبعي إلى أن "المالكي هو الوحيد من شخصيات الإطار التنسيقي الذي يعلن أنه على خلاف مع الصدر، لأنه ليس لديه شيء يخسره بعدما خسر أي فرصة لتولي رئاسة الوزراء، ولم يبق له غير إثارة النعرات يستجلب بيها دعم الطائفيين ويهيج غليان أعداء زعيم التيار الصدري".

استفحال الخلاف

في المقابل، قال مدير "مركز الإعلام العراقي" في واشنطن، نزار حيدر، إن "سبب تفجر الأزمة هو تعرض أحد رموز حزب المالكي بالسوء للصدر الثاني (والد مقتدى الصدر)".

وأضاف حيدر خلال تصريح نقله موقع قناة "الحرة" الأميركية في 18 يوليو 2023 أن "هذا أمر حساس وخطير كما نعرف، وما كان ينبغي أن يتورط به أحد أيا كان فضلا عن أحد رموز الحزب المذكور".

ولفت إلى أن "المنشور كما يبدو على علاقة بنقاشات نشرت على تطبيق (كلوب هاوس) كشفت وجود أشخاص وجهوا الشتائم للصدر الأب".

وأكد حيدر أن "الخلاف استفحل منذ الانتخابات الأخيرة عندما شعر التيار بأن المالكي لعب دورا سيئا في تغيير معادلة الفائز والخاسر والتي انتهت بإقصاء التيار والحيلولة دون تشكيله الحكومة الجديدة".

وحذر حيدر من خلاف "يشبه إلى حد كبير النار التي تحت الرماد وقد ينفجر في الشارع في أية لحظة ولأي سبب من الأسباب".

وفاز التيار الصدري بأكثر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق عام 2021، لكنه لم يتمكن من تشكيل أغلبية وترشيح رئيس للوزراء بعد تآلف قوى "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" مع قوى كردية وسنية لتشكيل الحكومة الحالية.

ونتيجة لذلك، أوعز الصدر لكتلته بالبرلمان المكونة من نحو 72 نائبا في يونيو 2022، بالاستقالة وعدم المشاركة في حكومة يشكلها الإطار التنسيقي، ويعتقد مراقبون أن زعيم التيار قد لا يشارك أيضا في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.

ومنذ 27 أكتوبر 2023، يقود محمد شياع السوداني، حكومة شكلها الإطار التنسيقي القريب من إيران، في ظل استمرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي منذ 11 شهرا.