"شبيبة عتيدنا".. حركة تستهدف تذويب هوية الفلسطينيين وبناء "جيل عربي صهيوني"

12

طباعة

مشاركة

في 5 يوليو/ تموز 202، نشرت صحيفة "هآرتس" اليسارية الإسرائيلية تحقيقا موسعا، باللغة العربية، عن حركة شبابية مشبوهة تُسمي "شبيبة عتيدنا".

التحقيق جاء تحت عنوان: "اليمين الصهيوني يؤسس حركة شبيبة عربية لبناء جيل عربي صهيوني".

وقالت الصحيفة إنه يقف خلف "عتيدنا"، إسرائيليون يمينيون متطرفون هدفهم إحداث تغيير عميق في هوية المجتمع العربي في فلسطين المحتلة عام 1948، من أجل منع "وحدة ساحات المقاومة"، في إشارة إلى حركات المقاومة في غزة والضفة الغربية والداخل الفلسطيني.

وأوضحت أن الحكومة الإسرائيلية تدعم هذه الحركة تحت شعار "جيل واع للسياق الذي يعيش فيه"، وذلك عبر "برامج قيادة ومنح طلابية لدمج الشباب العرب في المجتمع اليهودي".

والمؤسسات الداعمة لـ"شبيبة عتيدنا" تكشف حقيقة أهدافها الخبيثة تجاه فلسطينيي الداخل المحتل، حيث يشارك في دعمها: الجيش الإسرائيلي وبلدية القدس ومعهد الدراسات اليهودية الأورآسيوية، والصندوق القومي لإسرائيل، فضلا عن جهات حكومية أخرى.

لذا يؤكد ناشطون فلسطينيون عبر منصات التواصل الاجتماعي، أنها "جمعية صهيونية تسعى إلى إنتاج جيل من العرب الصهاينة".

ويقولون إنها تعمل في 15 بلدة عربية، كحركة شبابية، تشجع الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وتهدف لتذويب وإضعاف الهوية الفلسطينية للشباب.

ظهور مشبوه

مع تصاعد المواجهات بين المستوطنين والاحتلال من جهة، وأهالي القدس من جهة ثانية، لتهويد الحرم القدسي عام 2018، بدأت تنشط هذه الحركة المشبوهة في مشاريع تذويب جهود شباب عرب 48.

وبعد ستة أشهر من تعاظم الانتهاكات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى خلال 2018 نشأت هذه الجمعية يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وجاء في سجل نشأتها أنها "حركة اجتماعية لمواطنين عرب ويهود يعملون لتعزيز اندماج العرب في دولة إسرائيل كمواطنين متساوي الحقوق يعترفون بدولة إسرائيل بأنها دولة يهودية وديمقراطية، بروح وثيقة الاستقلال الإسرائيلية".

والحركة المسجلة كجمعية تهدف إلى "تعزيز الهوية العربية والاندماج في المجتمع الإسرائيلي"، وانطلقت بقوة منذ عام 2020 للعمل بنشاط في عدة مدن فلسطينية لتجنيد أبناء العرب وضمهم لصفوفها.

وتهدف لـ"إقامة حركات شبيبة عربية صهيونية"، وتعزيز "الاندماج والأسرلة" لفلسطينيي الأرض المحتلة، حسبما يؤكد موقع "عرب 48" في 11 يوليو/ تموز 2020.

ووسائل عمل "عتيدنا"، بحسب موقعها الرسمي الناطق بالعربية، توفير منح طلابية ورحلات وورش تعليمية تثقيفية وترفيهية تحت عنوان "بناء قيادات عربية شابة".

ووفق موقعها، فإن الحركة هي عبارة عن "ائتلاف لتربويين وقادة عرب مواطنين في إسرائيل، مع شركاء يهود".

ولكن يتم ذلك برعاية وزير "المهجر ومكافحة العداء للسامية"، في حكومة الاحتلال عميحاي شيكلي، وهو من "حزب الصهيونية الدينية" الذي يرأسه وزير المالية المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" المعادي للعرب، وبتمويل جهات أميركية.

وبحسب الوثائق الرسمية فإن مؤسسي الجمعية من الصهاينة والعرب هم: إيرز إيشل، جلال صفدي، دالية فضيلي، نائل زعبي، عميحاي شيكلي، عميت ديري، عيران ألفونيطا، رئيم فلاح، إسماعيل حاج يحيى، فيكي فيكتوريا بدريان، كيرن زلبرمان شفيط. 

وتضم لجنة الجمعية في عضويتها كلا من: أشرف جبور، يفعات سيلع، سامي القريناوي، فيكي فيكتوريا بدريان.

وسبق أن أوضح تحقيق لصحيفة "الاتحاد" الصادرة في حيفا، وتمثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي، يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أن "عميت ديري" أحد المؤسسين والمدير المشارك الى جانب العربية داليا فضيلي، هو مدير عام منظمة "جنود احتياط على الجبهة".

وهي منظمة إسرائيلية تضع كهدف أساسي لها، "مناهضة حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل وضد جرائم الاحتلال من خلال الدفاع عن جرائم جيش الاحتلال حول العالم وتبييض صورة الاحتلال في الجامعات الغربية والمحافل الدولية".

كما أن لديها نشاطا خاصا أيضا في صفوف المواطنين العرب في إسرائيل يتمركز على "إعداد مجموعات عربية للاندماج ضمن فرق للدفاع عن دولة إسرائيل أمام حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وتشجيع الخدمة العسكرية بين الشباب العرب عبر نشر ومشاركة قصصهم".

وأوضحت "الاتحاد" أن كلا من "ديري" و"شيكلي" وهما من مؤسسي "عتيدنا"، يعملان في مجال محاربة منظمة "نكسر الصمت" المكونة من جنود إسرائيليين في جيش الاحتلال يكشفون انتهاكات وجرائم الجيش للمجتمع الإسرائيلي.

كما أن "شيكلي" المؤسس هو عضو مجلس منظمة "إم ترتسو" اليمينية الفاشية.

أما المؤسس الثالث ايريز ايشيل والذي يرد اسمه في موقع الجمعية على أنه عضو إدارة، فقد ارتبط اسمه بجمعية "هشومير هحداش" التي تعنى بـ"المحافظة على أرض إسرائيل" و"حب الوطن والهوية الصهيونية".

وزعمت المديرة العامة داليا فضيلي، في مقابلة سابقة عام 2016 مع مجلة «ذا ماركر» أنها تسعى إلى بناء جيل عربي "بوست نكبة".

أي جيل ما بعد النكبة، بمعنى نسيان النكبة ومن ثم هدم الجدران السيكولوجية الفاصلة بين العرب في إسرائيل وبين "الاندماج" في الدولة الصهيونية.

"فلسطينيون صهيونيون"

وتقول "هآرتس": تعتمد عتيدنا على التبرعات، وقد تضاعفت موازنتها ثلاث مرات خلال عامين، فقد كانت موازنة الجمعية في عام 2020 تعادل 2.7 مليون شيكل وارتفعت عام 2022 إلى 7.8 ملايين شيكل.

قالت: "تأتي حصة الأسد من صندوق أميركي يُدعى Israel Endowment Funds (PEF) أي "صناديق الهبات الإسرائيلية"، وهو صندوق غير ربحي يجمع تبرعات لإسرائيل ويوزعها على جمعيات دون الكشف عن هوية المتبرع". 

لكن الصحيفة الإسرائيلية كشفت أن "صندوق شوسترمن" اليهودي الدولي المعروف بدعمه لمشاريع ليبرالية، قد منح عتيدنا منحة لمرة واحدة بقيمة 700 ألف شيكل عام 2021.

ومن أهم ما كشفه تحقيق "هآرتس" عن "عتدينا" أن هدفها "طمس هوية الأجيال الصاعدة لدى فلسطينيي الداخل بطرق ماكرة مدعومة حكوميا". 

قالت إن "الحديث لا يدور فقط عن مبادرة إسرائيلية فاسدة وهدفها الإفساد بل مشروع حكومي يميني إستراتيجي غير مسبوق مأربه خبيثة".

وهي إنتاج "مواطن عربي جديد" في إسرائيل، أي هويته هجينة بدون عمود فقري ليس له مطالب، ينسجم مع رؤية بعيدة المدى يرعاها اليمين الصهيوني.

ومع ذلك قالت "هآرتس إن هذا المشروع "سينفجر في وجه رعاته حالما يكتشف الشباب العرب أن اليهود لا ينوون سوى استخدامهم كأغيار السبت أي مجرد وسيلة لتهويد البلاد تماما".

وشبهت الصحيفة اليسارية الحركة بمشروع "حلف الدم" مع الدروز الفلسطينيين حيث لا يتمتعون بمساواة حقيقية في دولة إسرائيل اليهودية.

وتنقل "هآرتس" عن ناشط غادر الحركة قوله: "حين صغنا رؤيا عتيدنا، تحدثنا عن الشراكة اليهودية العربيّة، لكن مع مرور الوقت اتضح لي أن هذا استعمار، لا شراكة".

وقالت: في عام تأسيس الحركة كان العرب نحو نصف المُؤسسين لكن عام 2022 لم يبق في اللجنة الإدارية سوى عربي واحد. 

مخطط مفضوح

وكانت صحيفة "الاتحاد" قد نشرت تحقيقا يوم 9 أكتوبر 2020 سلطت فيه الضوء على خطورة شبكة عتيدنا مؤكدة أنها ليست جمعية "أسرلة" أخرى باسم التعايش بل حركة صهيونية يمينية. 

أكدت أن أموالا ضخمة تُصرف عليها وهذا واضح من كمية الإعلانات الممولة على فيسبوك والشبكة وعلى لافتات الشوارع والتوسع السريع نسبيا لفترة الانطلاق بشكل مريب على الأرض للحركة.

قالت الصحيفة: "هي في جوهرها وماهيتها ورؤيتها وتصور مؤسسييها وفي صلب مشروعها وأهدافها وفي سياقها الذي تنمو من خلاله ونشأت في صلبه، مشروع وحركة صهيونية يمينية".

وأوضحت أن خطورتها وأيدولوجيتها تشير إلى محاولة معسكر اليمين الحاكم صياغة مشروع توجه جديد نحو المواطنين العرب وكيف يتمثل ذلك في برنامج ومشروع جمعية عتيدنا الصهيونية اليمينة بالتحديد".

وكانت "عميت ديري" إحدى مؤسسي الجمعية قالت مطلع عام 2018 في مقابلة مع "القناة السابعة" الإسرائيلية عن هدف الجمعية: "سأربي شبيبة للهوية اليهودية والصهيونية".

وحسب تحقيق "الاتحاد" فإن الشركاء اليهود في المشروع، وهم المؤسسون والقادة وواضعو الأجندات الحقيقيون للحركة، ينتمون إلى المعسكر القومي الصهيوني كما كتب في موقع الجمعية بالحرف.

أي "معسكر اليمين الفاشي والاستيطاني من الليكود والبيت اليهودي والصهيونية الدينية ومجرمي الاستيطان".

ويشير تحقيق "الاتحاد" الى أنه في تعريفها الرسمي لنفسها تقول جمعية "عتيدنا" إن هدفها الأساسي "هو دمج العرب في المجتمع الإسرائيلي"، لكن ذلك لم يحدث حتى اليوم.

ولا تخفي حركة عتيدنا أن تتحول على الأمد البعيد إلى "حركة سياسية وأن تكون جزءا من الائتلاف ومشاركة في الحكومة"، حسبما توضح دالية فضيلي، المديرة العامة للحركة، في مقابلة مع صحيفة "جيروزاليم بوست" في 9 سبتمبر 2020.

وكان لافتا عقب النشر المكثف عن صهيونية هذه الجمعية وأهدافها المشبوهة خاصة من جانب صحيفة "هآرتس" أن ردت عليه صحيفة "يديعوت احرونوت" في مقال بالعربية أيضا في 7 يوليو 2023 بعنوان: "عتيدنا تزعجهم".

وانتقدت ما أسمته "تجنيد صحيفة "هآرتس" لمهمة دنيئة ووقحة" هي اتهام القائمين على المشروع بأنهم "صهاينة" لأنهم يريدون "إنتاج عرب صالحين"!!، وقالت إن "أعداء الصهيونية وكارهي إسرائيل غاضبون".

ودافعت الصحيفة عن حركة "عتيدنا" زاعمة أنها "تمنح الأمل في اندماج حقيقي لعرب إسرائيل، وحركة تقدم التآخي بدلا من الكراهية"!