40 عاما في السلطة.. خلافة ديكتاتور الكاميرون تثير المخاوف وتكشف ازدواجية الغرب
حذرت مجلة إيطالية من أن الصراع حول خلافة الرئيس الكاميروني بول بيا (90 عاما)، 40 منها في السلطة، قد يتسبب في توسع للحرب غرب البلاد، ودخول جهات خارجية قادرة على الاستفادة من الفوضى على غرار جماعة "بوكو حرام" النيجيرية.
وقالت مجلة "نيغريسيا" إن "ما يثير القلق أيضا انقسام قوات الأمن، وكذلك توفر الأسلحة وتدفقها ووجود مرتزقة إسرائيليين".
وتساءلت: "ماذا لو تحولت الكاميرون إلى سودان جديد؟ ماذا لو انتشر الصراع المستمر لما يقرب من ست سنوات وما زال يقتصر على الأطراف، بدرجة أقل أو أكثر حدة، إلى بقية البلاد؟ وماذا لو خرج الوضع تماما عن السيطرة وتسبب في تدخل أطراف أخرى؟".
خارج السيطرة
وقالت المجلة إن "قراءة الوضع الحالي تقود إلى الاعتقاد بوجود هذا الخطر خصوصا وأنه لا يوجد في الوقت الحالي أي مؤشر على اتفاق سياسي لوقف الحرب الأهلية في الجزء الناطق باللغة الإنجليزية من البلاد".
وذكرت أن "جذور هذا الصراع تعود إلى قرارات المستعمرين السابقين، يضاف إلى ذلك عنصر آخر قد يؤجج الوضع"، في إشارة إلى الصراع على السلطة بعد نهاية ولاية الرئيس الحالي.
وتعد الحرب الأهلية الكاميرونية المعروفة أيضا باسم "الأزمة الإنجليزية" أو حرب أمبازونيا، بأنها صراع سياسي على الحكم في المنطقة الجنوبية للكاميرون، يشكل جزءا من مشكلة الناطقين بالإنجليزية.
وفي سبتمبر/ أيلول 2017، أعلن الانفصاليون عن المناطق الناطقة بالإنجليزية في الشمال الغربي والجنوب الغربي (المعروفه مجتمعيا باسم جنوب الكاميرون) استقلال أمزونيا وبدأوا القتال ضد حكومة الكاميرون.
وأشارت المجلة إلى أن بول بيا، يتولى منصب الرئيس منذ عام 1982، ولا يزال حزبه، التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني، يحقق انتصارات انتخابية كان آخرها في مارس/ آذار 2023".
لكن مسألة خلافة بيا الذي أدار البلاد كل هذه السنوات بقبضة من حديد والتي يمكن أن تحدث على أي حال في وقت قريب بسبب تقدمه في السن، باتت حديث الجميع، وفق قولها.
وأردفت بأنه إلى "حد اللحظة لم يتقدم أحد علنا لخلافته، رغم الشائعات العديدة التي تركز على أعضاء موثوق بهم ومسنين من حاشيته أو ابنه فرانك".
وشككت المجلة الإيطالية في إمكانية أن يتمكن بيا من استكمال ولايته الحالية التي تنتهي في غضون سنوات بسبب حالته الصحية.
وذكرت أن الصراع في بعض مناطق البلاد، الشمال الغربي والجنوب الغربي، تسبب في مقتل ستة آلاف شخص على الأقل (في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية) وتشريد ما لا يقل عن 715 ألفا، مشيرة إلى إحتمال أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
وكان المجلس النرويجي للاجئين قد أدرج الدولة في قائمة "الأزمات العشر الأكثر تجاهلا" للعام الرابع على التوالي.
وبعد أن نشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرا في مارس 2023، بعض المقترحات الملموسة للخروج من المأزق، تم تقديم أكثر من اقتراح من قبل الغرب، إلا أن الإشارات والردود الفعلية التي أرسلها الرئيس بيا "كانت مثبطة"، وفق وصف المجلة.
وكان الرد على محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرفض، وكذلك كان رد الفعل تجاه قرار الكونغرس الأميركي، وكذلك الحكومة الكندية التي أعلنت في يناير/كانون الثاني 2023 أنها "ترحب باتفاق الأطراف على بدء عملية تهدف إلى التوصل إلى حل عالمي وسلمي وسياسي للصراع ".
كما نفت الحكومة الكاميرونية تكليفها أي دولة أجنبية أو جهة خارجية بأي دور وسيط أو ميسّر لحل الأزمة في منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي.
تدهور الأوضاع
وبينما يظل تركيز العالم والصحافة منصبا على النزاعات في أوكرانيا وأيضا في السودان، يسير الوضع من سيئ إلى أسوأ، تحذر المجلة.
ولفتت إلى أن "الوضع لا يهدد بالتوسع إلى باقي أنحاء البلاد فحسب، بل قد يجذب جهات خارجية قادرة على الاستفادة من حالة الفوضى في المناطق المتأثرة بالصراع".
على سبيل المثال، الجماعات المرتبطة بجماعة بوكو حرام، كما يحدث في نيجيريا أو في تشاد أو في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وذكَّرت المجلة بالأوضاع الإنسانية الصعبة في نيجيريا والتي تؤثر على البلد بأكمله.
وفي هذا الصدد، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) أن مواطنا كاميرونيا واحدا من أصل ستة في حاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، أي ما مجموعه 4.7 ملايين شخص.
في غضون ذلك، تواصل الحكومة الكاميرونية الاستدانة من صندوق النقد الدولي، وفي يناير 2023، تحصلت على شريحة بقيمة 73 مليون دولار، وقسط آخر مماثل في يونيو/حزيران 2023.
مع كل هذا، تنتقد المجلة بأن "أيا من تقارير المؤسسة المالية العالمية بشأن خطة الإنقاذ الطارئة لم يشر منذ عام 2017 إلى الوضع الناجم عن الصراع أو إلى سوء إدارة الحكومة".
وقالت نيغريسيا: "باختصار، يبدو أن كل ما يحدث داخل البلاد، من القمع والقتل خارج نطاق القضاء للصحفيين والمدنيين والمعارضين والهجمات على المدارس وما إلى ذلك، لا يدفع المؤسسات الدولية إلى التوقف عن مساعدة هذا النظام في الواقع".
واستنتجت أن هذه المؤسسات لا تفرض سلاما ولا إصلاحات مقابل إسناد قروض وإنقاذ مالي.
وشبهت ذلك بما حدث في السودان، بعد أن تجاهلت الجهات الخارجية انعدام الأمن والركود الاقتصادي وسوء الإدارة بينما لا يتم تقديم الدعم اللازم للقوى المعارضة لهذا الوضع.
وأضافت أنه "لم يكن من الصعب إدراك مدى زيادة الميل إلى استخدام العنف والقمع بشكل كبير في السنوات الأخيرة".
وذكرت أن تصنيف الجماعات الانفصالية على أنها "إرهابية" وتشكل تهديدا لأمن البلاد هو الطريقة المعتادة للعب دور الضحية والاعتماد على المساعدة من العالم الخارجي أو من الشركاء الاقتصاديين، وأحيانا في شكل أسلحة، فيما تفضل هذه الأطراف غض الطرف عن الانتهاكات لتأمين الوضع الراهن.
الجيوش والأسلحة
وقالت المجلة: "في السودان انتقلت الحرب إلى المدن والعاصمة، وعلاوة على ذلك يتعلق الصراع بمؤسستين عسكريتين منفصلتين، القوات المسلحة النظامية وقوات الدعم السريع، الجنجويد سابقا".
وأضافت "في الكاميرون أيضا، هناك ظهور لانقسام وتفرع داخل الأجهزة الأمنية: الحرس الرئاسي التقليدي وكتائب التدخل السريع وهو فرع منفصل تم إنشاؤه عام 2001 تحت إشراف مستشارين عسكريين إسرائيليين مشاركين بشكل دائم (مرتزقة) في العمليات القتالية ضد بوكو حرام والجماعات المسلحة الناطقة باللغة الإنجليزية.
وتساءلت "عما يمكن أن يحدث إذ استخدمت الفصائل المختلفة من الحزب الحاكم في الصراع على خلافة بيا، انقسام القوات الأمنية لصالحها؟".
كما لا تشكو البلاد أي نقص في الأسلحة، خلال السنوات الأخيرة، تم استيراد أسلحة ثقيلة ومدرعات من كندا وفرنسا والإمارات بصفة خاصة.
وأخيرا، تسلم البلد أربع طائرات هليكوبتر جديدة من طراز ليوناردو AW109E إيطالية الصنع، بحسب"نيغريسيا".
هذا بالإضافة إلى المساعدات العسكرية الكبيرة، وفق الصحافة الأميركية، من الصين وفرنسا وإسرائيل وصربيا وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة بين عامي 2014 و2018 للمساعدة في القتال ضد بوكو حرام.
وقالت المجلة إن "إرسال السلاح إلى بلد وإلى ديكتاتور أصم أذنيه عن احتجاجات وطلبات 20 بالمئة من السكان (الناطقين بالإنجليزية) الذين يشكون منذ سنوات من التهميش والإحباط، لا يعد من المحرمات، كما لا توجد معارضة دولية لما يحدث".
واستطردت: "إذا استمر التمويل الدولي على جميع الجبهات (المساعدة التنموية الافتراضية وتلك المتعلقة بالسلاح)، نتوقع أن تسود ثقافة الإفلات من العقاب وأن لا توجد عواقب بالنسبة للحكومة التي تتفاعل بالعنف مع مطالب جزء من السكان".
وخلصت المجلة إلى التحذير "من الاتجاه نحو صراع مزمن إن لم يكن انفجارا يخاطر بنشر آثاره إلى بقية البلاد" مؤكدة بأنه "من الملح أن يكون هناك اهتمام عالمي أقل نفاقا بالمسألة الكاميرونية".