صحيفة تركية: 4 تحديات تواجه تطبيع العلاقات بين إيران ومصر
تحدثت صحيفة يني شفق التركية عن محاولات تطبيع العلاقات المستمرة بين إيران ومصر والعقبات التي تحد من تسريع هذه العملية.
وقالت الصحيفة في مقال للكاتب "محمد رقيب أوغلو": "غيرت ثورة 1979 في إيران علاقات طهران الدولية وهياكل التحالف وموازين القوى في الشرق الأوسط، وخاصة العلاقات المصرية الإيرانية التي تحولت بشكل جذري".
وأدت استضافة القاهرة للشاه (محمد رضا بهلوي) الذي فر من إيران، وتطبيعها مع إسرائيل، التي تعد عدوا بالنسبة لطهران، إلى تمزق العلاقات المصرية الإيرانية دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا وانخفاض مستواها لسنوات عديدة.
ومع ذلك، فإن التطورات التي حدثت في الأشهر الأخيرة تظهر أن هناك تقاربا بين البلدين. فوفقا للتقارير، في يوليو/تموز 2021، يزعم أن مسؤولي المخابرات الإيرانية بدأوا مفاوضات التطبيع في القاهرة.
وبالمثل يذكر أنه خلال زيارة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لسلطنة عُمان في يونيو/حزيران 2022، التقى مسؤولون إيرانيون ومصريون.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، التقى رئيسا مخابرات البلدين في القاهرة ضمن إطار عملية التطبيع.
وأشار الكاتب إلى أن الأطراف تجنبت اتخاذ موقف عدواني من خلال الخطابات السياسية والإعلامية في الأشهر الأخيرة.
خطوات متسارعة
وبوساطة سلطان عمان، هيثم بن طارق، من المتوقع أن يحدث تحرك دبلوماسي على خط طهران- القاهرة.
وعلق رقيب أوغلو: يمكن القول إن هناك أجواء إيجابية من حيث إصلاح العلاقات بين البلدين، منها الأنشطة الدبلوماسية المستترة في العراق.
وكذلك الخطوات الدبلوماسية لهيثم بن طارق، الذي زار كلا البلدين في مايو/أيار 2023، وحافظ على دور الوسيط التقليدي لعمان.
هذا فضلا عن التصريحات التي أدلى بها العديد من المسؤولين الإيرانيين والمصريين رفيعي المستوى، خاصة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
وفي 29 مايو 2023 صرح خامنئي، بأن بلاده ترحب بأي احتمالية لاستعادة العلاقات بشكل كامل مع مصر.
ووفقا للتلفزيون الإيراني أدلى خامنئي بهذه التصريحات خلال لقاء عقده في العاصمة طهران، مع سلطان عمان هيثم بن طارق أثناء زيارته للبلاد، والذي يرجح بأنه هو من يقود الوساطة للتقارب بين مصر وإيران.
وفي 24 مايو 2023، كشفت صحيفة "ذا ناشونال نيوز" الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية، أن النظامين المصري والإيراني يعتزمان تعيين سفراء لهما في كلا البلدين، خلال الفترة القادمة في إطار عملية تطبيع متقدمة للعلاقات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مصريين (لم تكشف أسماءهم) تصريحات أنه جرى الاتفاق من حيث المبدأ على ترتيب لقاء بين رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، من المرجح أن يعقد قبل نهاية العام 2023.
وأضافت أن هناك مشاورات تجرى خلف الأبواب المغلقة، من قبل دبلوماسيين ورجال استخبارات من إيران ومصر، لتنسيق عملية التطبيع.
وذكرت أن جولة مهمة من هذه المحادثات عقدت في وقت سابق من شهر مايو 2023 في العاصمة العراقية بغداد، التي تتمتع حكومتها بعلاقات وثيقة مع طهران.
وكانت إشارات التواصل بين البلدين قد بدأت انطلاقا من لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع علي سلاجقة نائب الرئيس الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لأطراف اتفاق المناخ (كوب27) الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ.
بعدها التقى السيسي، بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش مؤتمر "بغداد 2" الذي أقيم في ديسمبر/كانون الأول 2022 في الأردن.
وأعقب ذلك إعلان الوزير الإيراني أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اقترح إطلاق حوار مصري إيراني بهدف التقارب.
تحول العلاقات
وأضاف رقيب أوغلو: من المعروف أن العلاقات الإيرانية المصرية في العصر الحديث كانت جيدة جدا حتى عام 1979.
لكن اعتراف الشاه بإسرائيل في ستينيات القرن العشرين أدى إلى قطع مصر التي كان يسيطر عليها عبد الناصر، العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
علاوة على ذلك، فقد جرت تسمية شارع في طهران باسم خالد الإسلامبولي الذي شارك باغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الذي وقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل.
لذلك تحدت إيران، وإن كان بشكل غير مباشر، المؤسسة المصرية. وبالمثل فقد وقفت القاهرة إلى جانب بغداد في الحرب العراقية الإيرانية.
وعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني محمد خاتمي ونظيره المصري الأسبق حسني مبارك كانا قد التقيا في جنيف عام 2003، فلم يجر اتخاذ خطوات جادة للتطبيع حتى نهاية عام 2010.
ومن ناحية أخرى، فقد أتاحت الثورات العربية فرصا لإصلاح العلاقات التي ظلت على مستوى منخفض من التمثيل الدبلوماسي.
وبهذا المعنى، عمل الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي وصل إلى السلطة بعد ثورة 2011، على تليين العلاقات من خلال أداء زيارة رسمية إلى إيران لحضور اجتماع حركة عدم الانحياز.
وكانت زيارة مرسي إلى إيران في أغسطس/آب 2012 أول وأعلى زيارة من القاهرة إلى طهران منذ عام 1979.
وأعقبتها زيارة الرئيس الإيراني آنذاك أحمدي نجاد إلى مصر في فبراير/شباط 2013 وتقرر تحسين العلاقات بعدها.
وبهذا المعنى، قرر البلدان إعادة فتح سفارتيهما وإطلاق رحلات جوية مباشرة مشتركة. ومع ذلك، أدى الانقلاب في مصر عام 2013 والعملية الجارية إلى تأجيل التطبيع.
المنطق المتبادل
وأردف رقيب أوغلو: مصر واحدة من الدول العربية القليلة التي ليس لديها سفارة في طهران.
لذلك، وبالنظر إلى التطبيع الأخير للإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية مع إيران، فإن القاهرة تسعى للتخلص من العزلة الإقليمية في سياق العلاقات مع طهران.
وفي 13 مارس/ آذار 2023، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، والذي كان مسؤولا عن مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، أن هناك نية لطرح الدعوة لاستئناف العلاقة بين الجانبين.
وشدد على أن "مصر دولة مهمة، وكلا البلدين يعتقد بأهمية الآخر، والمنطقة بحاجة لدورهما".
وجاءت تصريحات كنعاني بعد أيام من إعلان السعودية وإيران عن التوصل لاتفاق يفضي إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة، وذلك في إطار مبادرة صينية.
وفي نهاية مارس، أعلنت وزارة السياحة المصرية أنه سيجرى إدخال لوائح جديدة للسياح الإيرانيين القادمين إلى شبه جزيرة سيناء للحصول على تأشيرات، مما يشير إلى أن القاهرة تعطي الأولوية للاقتصاد.
وعلق الكاتب التركي: هذه خطوة مهمة لكلا البلدين، فبالنسبة للقاهرة التي تعاني من نقص في العملة الأجنبية، فإن تطبيع العلاقات مع إيران يمكن أن يوفر حلا مؤقتا للتحديات الاقتصادية.
ومن ناحية أخرى، ينظر إلى التطبيع مع طهران، التي تعزز نفوذها الإقليمي من خلال الجهات الفاعلة بالوكالة، على أنه مهم من حيث ضمان أمن قناة السويس.
وبالمثل، فإن التطبيع مع إيران له أهمية كبيرة للمرور الآمن للسفن من باب المندب، التي تتأثر بالصراع في اليمن.
وأضاف رقيب أوغلو: أما بالنسبة لإيران، فيمكن قراءة التطبيع مع مصر كجزء من إستراتيجية الخروج من العزلة الإقليمية والدولية.
وبهذا المعنى، ينظر إلى مصر أيضا على أنها مهمة، خاصة بالنسبة لإيران، التي تهتز من وقت لآخر بسبب الاحتجاجات الشعبية وتحاصرها اقتصاديا العقوبات الغربية.
وتابع الكاتب: تنظر إدارة طهران إلى التقارب مع القاهرة على أنه تطور يمكن أن يعزز مكانتها الإقليمية وينعش العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا.
وفي مقابل جهود إسرائيل لتعزيز الجبهة المناهضة لإيران في المنطقة من خلال عمليات التطبيع، يمكن لطهران اتخاذ خطوة متوازنة مع بلد مهم مثل مصر.
أبرز التحديات
واستدرك رقيب أوغلو: على الرغم من وجود توقعات بأن العلاقات ستعود إلى طبيعتها، لكن هنالك أربع عقبات أمام التطبيع بين البلدين.
أول عقبة أمام التطبيع هي دعم إيران للجماعات العسكرية مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي والذي بدوره يبطئ التقارب، بحسب تقدير الكاتب.
بعبارة أخرى، من وجهة نظر القاهرة، فإن دعم طهران الاقتصادي والسياسي والعسكري لكل من جماعة الإخوان المسلمين والحوثيين في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق وسوريا يُثير الشكوك حول إيران.
وأما العقبة الثانية فهي الضغط الإسرائيلي على مصر. فلا يريد نظام تل أبيب أن تطبع القاهرة مع طهران التي لديها القدرة على الحصول على أسلحة نووية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تصدر بيانا ملموسا بشأن هذه العملية، لكن يمكن التنبؤ بأن البيت الأبيض لن يرحب بعملية التطبيع ما لم تتخذ إيران موقفا سلميا بشأن برنامجها النووي.
لذلك، لا يزال من غير الواضح ما هو نوع التطبيع الذي سيجرى تنفيذه مع إيران على الرغم من ضغوط ومعارضة "حلفائها" مثل مصر وإسرائيل والولايات المتحدة.
ثالثا، يمكن التنبؤ بأن الخلافات الطائفية ستعرقل أيضا عملية التطبيع. وأخيرا، يمكن القول إن سياسات إيران التوسعية والإقليمية لتحقيق الاستقرار قد تضر أيضا بعملية التقارب، بحسب تقدير الكاتب.
ومن هذه التحديات يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، في 17 مايو 2023، عندما نفى ما تردد عن وجود مسار مصري إيراني. وقال خلال حوار تلفزيوني "إن هذه الأخبار تكهنات لا أساس لها من الصحة".
وأضاف: "علاقتنا مستمرة مع إيران على ما هي عليه، وعندما يكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد نلجأ دائما لتحقيق المصلحة".
وأشار وزير الخارجية إلى أن عدم الثبات في السياسة شيء طبيعي، لأن الهدف منها تحقيق المصلحة. وتابع أن: "المتغير يتطلب تقييما للعوائد المستفادة منها، وما هو المستقبل من تطوير تلك العلاقات".
ومع ذلك التحفظ من قبل شكري في إبداء معلومات، وعدم استباق الأحداث، فإن القاهرة أقدمت على التقارب في الفترة الأخيرة مع عواصم كانت تمتلك معها خلافات مفصلية، وكان على رأسها تركيا وقطر، مما قد يشير إلى إمكانية اتخاذ مثل هذه الخطوة.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: على الرغم من كل هذه التحديات، يبدو أن عملية التقارب الدبلوماسي بين القاهرة وطهران مستمرة.
وما من شك في أن هذه العملية ستخفف من حدة التوتر الإقليمي وتزيد من مناخ التعاون. لكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى يتحول التقارب إلى تطبيع، وفق قوله.