النادي العسكري في بيروت.. كيف تحول من نقطة استرخاء لمقر لقاءات سرية؟
يواصل الضباط العسكريون والأمنيون في لبنان التردد بقوة على النادي العسكري المركزي في بيروت الخاص بهم، ومن يدعونهم رسميا إليه، ليس بقصد التسلية والترفيه فقط بل لعقد محادثات سرية.
وتحول النادي العسكري المركزي الواقع في حي المنارة الثري على الواجهة البحرية لبيروت والذي يمتلكه ويديره الجيش إلى مصيف دائم سواء كان لضباط القوات المسلحة والمخابرات اللبنانية، أم للمسؤولين الأجانب والدبلوماسيين والضباط العسكريين.
ورغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان منذ عام 2019، والتي أضعفت رواتب جميع القطاعات والمؤسسات الحكومية بما في ذلك الجيش، فإن أعضاء النادي لم يهجروه.
لكن هذا النادي العسكري والأمني المغلق أمام المدنيين، تقتصر العضوية فيه على كبار الضباط اللبنانيين ويسمح فقط لهم ولضيوفهم والمسؤولين الأجانب الذين يجرى فحصهم والموافقة عليهم لاستئجار مرافق في المبنى بعقد أنشطة متنوعة.
يبحث رواد هذا النادي في الظاهر على منتجع صحي للتخفيف من ضغوط العمل السيئة راهنا في لبنان، غير أن المكان واحة ماتعة للاجتماعات السرية بعيدا عن أي رقابة أو أي اشتباه، لكون امتيازات عضويته خاصة بالضباط.
لا سيما أن النادي العسكري يواصل تقديم خدماته في بلد يكاد يكون فيه الوضع الأمني من بين أكثر الدول العربية تعقيدا، نظرا لكون الرئاسات الثلاث مقسمة طائفيا، سنيا (الحكومة) ومسيحيا (الرئاسة)، وشيعيا (البرلمان).
واحة عسكرية
أنشأ الجيش الفرنسي خلال الانتداب النادي العسكري المركزي الأصلي في بيروت عام 1942، قبل أربع سنوات من انتهاء سيطرته على لبنان. كان يُعرف في ذلك الوقت باسم "الحمام العسكري".
وبموجب مذكرة خدمة صدرت بتاريخ 21 مايو/أيار 1975، ارتبط النادي العسكري المركزي بقيادة الجيش وإداريا بمقر عام منطقة بيروت.
وعدل الأمر بحيث أصبح ارتباط النادي بقيادة الجيش وأركانه وجهاز إدارة النوادي التابع للعسكر أيضا.
ويتألف هذا النادي من: شاليهات، ومطعم، ومقصف، ومسبح أولمبي، وناد صحي، وفندق عسكري، فضلا عن جناح خاص لقائد الجيش.
كما توجد به مجموعة أخرى من وسائل الراحة، ومن السهل معرفة سبب شهرة النادي، حيث يقدم مأكولات لبنانية وأجنبية.
وبعد أن مُنح الجيش اللبناني ملكية النادي العسكري المركزي، بدأ ببطء في الاستحواذ على الأراضي المحيطة.
مع كل خطوة من خطوات التوسع، جرى طرد السكان المحليين والصيادين والسباحين، واليوم، يتمتع أعضاء النادي بإمكانية الوصول الحصري إلى أحد أكبر شواطئ بيروت والمقاهي المطلة على البحر وملاعب كرة السلة والتنس.
ويعد النادي العسكري المركزي أحد نوادي الضباط الأربعة في البلاد، يقع اثنان من النوادي الأخرى على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من بيروت: في جونيه، وهي بلدة ساحلية تشتهر بالحياة الليلية الصاخبة.
وفي يرزة موطن مقر وزارة الدفاع اللبنانية. والرابع يقع في منطقة الأرز، وهي منطقة سياحية شهيرة في الجبال على بعد 130 كيلومترًا شمال بيروت.
ويمكن للضباط الاستمتاع بإقامة مريحة في أجواء طبيعية رائعة وتعلم التزلج، وهو ما تشجعه قيادة الجيش بشدة، وفق ما يوضحه الموقع.
ويقصد النادي ضباط القوات المسلحة والمخابرات اللبنانية، لتناول الطعام الفاخر أو التمتع عن شاطئ خاص جميل لاستقبال أشعة الشمس داخله كون ذلك هو الخيار الأمثل لهم نظرا لحساسية مواقعهم ومناصبهم فضلا عن الضرورات الأمنية.
والمدير الحالي للنادي هو العميد جهاد شمس ويعمل تحت إشراف قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، الذي يعد حليفا للولايات المتحدة وفرنسا، كما أنه ضيف منتظم في المكان.
وتعد عضوية النادي من بين الامتيازات العديدة الجذابة المقدمة لضباط الجيش اللبناني، وفق ما تقول مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في تقرير لها بتاريخ 7 يوليو 2023.
امتيازات خاصة
وتنظر الولايات المتحدة إلى الجيش اللبناني كقوة يجب أن تبقى مكافئة أو أقوى من حزب الله المدعوم من إيران بالمال والسلاح.
ويبلغ عدد مقاتلي حزب الله مئة ألف في لبنان، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش. ولهذا تخشى دول عديدة من تراجع هيبة الأخير.
لا سيما أن القوات المسلحة اللبنانية أقل حضورا في الخطوط الأمامية من حزب الله الذي سمح تدخله عسكريا عام 2012 في سوريا بأن يجري معارك حقيقية ويجرب تكتيكات قتالية جديدة بمساندة إيران ونظام بشار الأسد ضد مناطق المعارضة.
لكن رغم ذلك شن كبار الضباط حربا ضد الأعداء المحليين الذين يُنظر إلى مطالبهم بالإصلاح العسكري على أنها تهديد لمستوى معيشتهم.
ولهذا تواصل الولايات المتحدة بصورة لافتة تقديم الدعم للجيش اللبناني ومن ورائه بقية المؤسسات الأمنية بالبلاد.
كما تقدم الدعم والتدريب لضباط الجيش اللبناني في الولايات المتحدة، وتمده بالعديد من الأسلحة والمعدات.
وهذا التمويل الأميركي للجيش اللبناني هو جزء من ترتيب يتضمن اتفاقا بأن تشارك استخبارات الجيش اللبناني معلوماتها عن حزب الله، وفق ما تقول مجلة "إنتلجنس أونلاين" في تقرير لها بتاريخ 29 مايو 2023.
والأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019، وصنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وأودت بـ 90 بالمئة من المواطنين في براثن الفقر، ألقت بصعوبات كبرى على الجيش اللبناني تتعلق بتأمين حاجاته الأساسية من غذاء وأدوية وصيانة عتاد.
ويؤثر الانهيار الاقتصادي بشكل مباشر على القدرات العملياتية للجيش؛ ما يؤدي إلى تجفيف رواتب الجنود وتدمير روحهم المعنوية.
لا سيما أن كثيرا من عناصر وضباط الجيش اضطروا عقب الأزمة الاقتصادية لترك الخدمة بسبب عدم كفاية رواتبهم لتوفير احتياجاتهم المنزلية عقب انهيار الليرة وخسارتها أضعاف قيمتها.
إذ باتت قيمة رواتب الضباط لا تتجاوز اليوم المئة دولار، أما الجندي فلا يتجاوز راتبه 50 دولارا مقابل 800 دولار قبل عام 2019.
بينما كان ضباط الجيش يتقاضون رواتب شهرية سخية، حيث بلغ متوسطها للجنرالات حوالي 5600 دولار.
وعلى وقع ذلك، سجلت القوى الأمنية والجيش فرار المئات من عناصرها، فيما التحق آخرون بوظائف أخرى إلى جانب خدمتهم.
ومع ذلك فإن رواتب ضباط الجيش التي تمولها الآن الولايات المتحدة جزئيا، قد تآكلت بشدة منذ ذلك الحين، لكن الامتيازات شكلت دائما حصة كبيرة من إجمالي التعويضات.
إذ يتلقى كبار الضباط بدل سكن، وسيارة يقودها سائق، ورعاية صحية مجانية لعائلاتهم، وتعليم لأطفالهم.
ومع هذه الحزمة من الامتيازات، يتمكن أي مسؤول عسكري رفيع المستوى من العيش بشكل مريح وفق مستوى نجوم هوليوود.
للضباط الكبار
وفي النادي، من الطبيعي أن تصادف ضباطا من مديرية المخابرات العسكرية برئاسة طوني قهوجي، بل إن عمه، رئيس أركان الجيش اللبناني السابق جان، هو أيضا ضيف منتظم هناك.
وعام 2020 عين العميد الركن "طوني قهوجي" مديرا للمخابرات في الجيش اللبناني، وقد شغل رئاسة "الفرع الفني" منذ العام 2004، والمعني بالتنصت والتعقب والرصد، وقد نال أقدمية ضمن ضباط دورته سمحت له بالتقدم عليهم.
أما جان قهوجي فقد عرف كيف يدير التناقضات في لبنان فهو يحافظ على علاقة متينة بحزب الله، وجيدة مع السعودية.
كما كلف شخصيا عام 2016، بالإشراف على انتشار الجيش على الحدود الشرقية للبنان، والذي ترافق مع إنشاء أفواج حدودية جديدة بدعم غربي كبير خصوصا بريطاني، إلى جانب الدعم الأميركي.
ويلعب هؤلاء الضباط وهم من مختلف الطوائف الإثنية في لبنان دورا في حل المشكلات والنزاعات في المناطق ذات التداخل الطائفي.
وينظم الجيش اللبناني "حفلات لعائلات العسكريين الشهداء وذلك داخل النادي العسكري المركزي"، حيث يكلف قائد الجيش ضباطا برتب عالية بإدارة الحفل وإنجازه.
وفي عام 2022 استضاف المكان مسابقة ثلاثية روج لها العماد عون، وكان من بين كبار الضباط الحاضرين مدير النادي جهاد شمس والعميد إلياس حنا ممثلا عن قائد الجيش.
شواهد للنادي
وفي حادثة شهيرة، جرت عام 1958، نزل مشاة البحرية الأميركية على النادي بعد أن أمر الرئيس الأميركي آنذاك دوايت أيزنهاور بتدخل عسكري لدعم الزعيم اللبناني الموالي للغرب كميل شمعون، مما سمح له بإكمال الأشهر الثلاثة الأخيرة من ولايته.
كان هذا هو الاستدعاء الأول لـ "عقيدة أيزنهاور"، التي تنص على أن الولايات المتحدة ستحمي الحكومات الصديقة المهددة بالشيوعية.
وهذا المنطق كان مخادعا تماما، حيث جاء التهديد الرئيس لحكم شمعون من خصومه المحليين غير الشيوعيين، الذين كانوا ينظرون إليه على أنه موال للولايات المتحدة.
كما أنه في عام 2019، استضاف سفير الصين في لبنان وانغ كيجيان والملحق العسكري الكولونيل أويانغ هيشنغ حفل استقبال بمناسبة الذكرى 92 لتأسيس جيش التحرير الشعبي.
وحضر آنذاك المؤتمر مسؤولون عسكريون وسياسيون ودبلوماسيون من دول مختلفة، بمن فيهم القائم بالأعمال في سفارة دولة الإمارات فهد الكعبي.
كما أقام مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية بالجيش اللبناني عام 2018 حفل استقبال ترحيبي خاص بمؤتمره حول "تعزيز الاستقرار" في الشرق الأوسط داخل مركز القيادة العسكرية.
ووقتها تحدث العماد جوزيف عون، والجنرال المتقاعد ورئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون في الحفل
وقد أقام المشاركون في المؤتمر والضيوف في فندق مونرو الذي شيد عام 1938 حيث أقيمت معظم الفعاليات، ويدير الجيش اللبناني الفندق مثلما هو الحال في نوادي الضباط الأربعة.
وافتتح فندق مونرو بحضور رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك إميل إده والمفوض السامي الفرنسي في لبنان وسوريا الكونت دي مارتيل.
وتألف حينها من بناء مرتفع وجميل مقابل البحر يضم بارا وقاعتي طعام وقاعتي ألعاب ومكتبة كبيرة وقاعة للحفلات، إضافة الى غرف منامة للضباط العابرين ومبنى آخر ملحق كمساكن لهم.