مليشيات إيران تأسر "جاسوسة" إسرائيلية في العراق.. ما التداعيات المتوقعة؟
لا تزال حادثة اختطاف أو أسر مواطنة إسرائيلية من أصل روسي في بغداد، تثير تساؤلات كثيرة بخصوص انعكاسات ذلك على واقع العراق الأمني والسياسي، ولاسيما أن البلد يزخر بالمليشيات الموالية لإيران التي تعد العدو الأبرز لإسرائيل، والتي تتهم بالوقوف وراء العملية.
ولعل التساؤل الأبرز في هذه الحادثة هو، إلى أي مدى يمكن أن يشهد العراق صراعا بين إيران وإسرائيل، وتحويل البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات، خصوصا أن الأخيرة اتُهِمت خلال الأعوام الماضية بشن هجمات في الداخل العراقي ضد مليشيات تديرها طهران.
تحقيق عراقي
لم تُكشف حادثة اختطاف المواطنة الإسرائيلية، إلا بعدما أصدر مكتب رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في 5 يوليو/تموز 2023، بيانا أكد فيه أن من وصفها بـ "الباحثة" إليزابيث تسوركوف، اختطفت منذ أشهر عدة، من قبل "كتائب حزب الله" العراقية، وأنها الآن رهينة لديهم.
وكشف المكتب، أن إليزابيث تسوركوف مواطنة إسرائيلية-روسية، وأنها لا تزال على قيد الحياة، وأن الحكومة الإسرائيلية تحمل العراق مسؤولية سلامتها.
ووفقا للبيان، فإن "تسوركوف توجهت إلى العراق بجواز سفرها الروسي، بنية التقدم للحصول على شهادة الدكتوراه والبحث الأكاديمي نيابة عن جامعة برينستون في الولايات المتحدة"، دون تحديد الفترة التي "اختطفت" فيها.
وفي الوقت الذي خلص فيه مكتب نتنياهو في بيانه إلى أنه "يتمّ التعامل مع الحدث من السلطات الإسرائيلية المختصة، مع القلق على سلامة إليزابيث تسوركوف"، لم يصدر عن روسيا أي تعليق على الموضوع.
من جهتها علقت الحكومة العراقية، على لسان المتحدث باسمها باسم العوادي، خلال مقابلة تلفزيونية في 6 يوليو 2023، بالقول إن "السلطات فتحت تحقيقا في خطف باحثة إسرائيلية روسية في البلاد".
وأضاف العوادي "بما أن هذه القضية على هذا المستوى ومتداخلة بالتالي لا يوجد أي تصريح رسمي بهذا الخصوص إلى أن تكمل الحكومة العراقية تحقيقاتها الرسمية وتصل إلى نتائج".
وتابع في المقابلة مع قناة "العهد" المقربة من الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل مسلحة مدعومة من إيران وبات أخيرا جزءا من القوات الرسمية العراقية، أنه "بعد ذلك إن شاء الله سيكون هناك بيانات أو مواقف رسمية من قبل الحكومة العراقية".
و"كتائب حزب الله" هي واحدة من أبرز فصائل الحشد الشعبي، التي تدعم التحالف السياسي الذي تتكشل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني منه.
وعلقت "كتائب حزب الله" خلال تغريدة لمسؤولها الأمني، أبو علي العسكري، في 5 يوليو 2023، بالقول إن "اعتراف رئيس وزراء الكيان الصهيوني بوجود عنصر أمني إسرائيلي أسير في العراق هو مؤشر خطير للغاية يجب الوقوف عنده والتعامل معه بدقة وحزم وعلى الأجهزة الأمنية المختصة كشف الشبكات المرتبطة بهذا الكيان وتقديمها للعدالة".
وتابع: "بدورنا في كتائب حزب الله المنصورة سنبذل جهدا مضاعفا للوقوف على مصير (الأسير أو الأسرى) الصهاينة في العراق خدمة للصالح العام ولمعرفة المزيد عن نوايا تلك العصابة الإجرامية ومن يقوم بتسهيل تحركاتهم في بلد يحظر ويجرم التعامل معهم".
الحرب سجال
وبخصوص تداعيات اختطاف الإسرائيلية، إليزابيث تسوركوف، على الساحة العراقية، قال الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، إن "اللافت في الموضوع هو عدم تدخل روسيا حتى اليوم، والمطالبة بالكشف عن مصيرها أو تأكيد رواية إسرائيل، وهذا قد يؤكد أنها ربما بالفعل جاسوسة".
وأضاف المساري لـ"الاستقلال" أن "خطف الإسرائيلية بالتأكيد تقف إيران وراءه، لأن المليشيات في العراق مهما بلغت لن تستطيع تعقب كل الزائرين الأجانب والكشف عن وضعهم، لذلك فإن البصمة الإيرانية واضحة في عملية الاختطاف".
وتابع: "بالتالي المليشيات في العراق هي مجرد أداة تحركها طهران، وأن الأخيرة هي من ستساوم الجانب الإسرائيلي على موضوع الإفراج عنها، خصوصا أن الصراع قائم بين الطرفين في سوريا- أو بالأحرى من طرف واحد- لأن إيران ومليشياتها هي من تتلقى الضربات فقط وتتوعد بالرد".
ولفت الباحث إلى أن "إسرائيل وجهت ضربات موجعة لإيران في السنوات الأخيرة سواء في خارج أراضيها أو بالداخل، ولاسيما التي استهدف منشآت نووية إيرانية، واغتيال العالم النووي فخري زادة عام 2020".
وأردف: "لذلك، فإن إيران تحاول أن ترد على هذه الهجمات بعمليات الخطف، فقد أحبطت أكثر من عملية، كان آخرها في اليونان وقبلها في تركيا، كانت تستهدف مواطنين إسرائيليين، وبالتالي فالحرب سجال بين الطرفين في ساحات مختلفة".
وفي 28 مارس 2023، أعلنت اليونان تفكيك شبكة إرهابية كانت تخطط لشن هجمات على عدد من الأهداف في البلاد، بتوجيه من جهة خارجية، دون الكشف عن تفاصيل وانتماء عناصر من اعتقلتهم.
وفي 30 يونيو، قال جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، إنه نفذ عملية في إيران، قبض خلالها على مشتبه به بقيادة فرقة اغتيال خططت لقتل إسرائيليين في قبرص، مدعيا أنه أعطى "اعترافا" مفصلا، بالأوامر التي تلقاها من الحرس الثوري الإيراني.
ووصف الموساد في بيان تنفيذ "مهمة جريئة فريدة داخل الأراضي الإيرانية". ونقل البيان عن مسؤول كبير في الجهاز قوله: "سنصل إلى كل مسؤول يروج للإرهاب ضد اليهود والإسرائيليين في أي مكان في العالم، بما في ذلك إيران".
ويزعم مقطع فيديو، نشرته السلطات الإسرائيلية، أنه يُظهر رجلاً يُدعى يوسف شهابزي عباساليو، المشتبه به الرئيس في القضية، يتحدث بالفارسية إلى عميل للموساد خارج إيران.
ويصف الرجل في الفيديو، دخوله شمال قبرص الخاضع للسيطرة التركية والعبور بشكل غير قانوني إلى جنوب الجزيرة لقتل رجل أعمال إسرائيلي لم يذكر اسمه. ويقول إنه تلقى صورة الرجل وعنوانه من قبل مشغله في الحرس الثوري الإيراني.
ويقول الرجل: "كانت خطتي... بعد أن علمت أنه كان هناك وإلى أين يتجه، أنه إذا كان الطريق هادئاً وخالياً، كنت سأقتله بالسلاح".
وفي 9 يوليو 2023، نقل موقع "جادة إيران"، عن القناة 14 العبرية، أن "اتصالات تجري بين طهران وتل أبيب بوساطة روسية تمهيدا لصفقة تبادل أسرى للإفراج عن إليزابيث زوركوف مقابل إطلاق يوسف شهابزي الذي خطفته إسرائيل من داخل إيران".
�� القناة 14 الإسرائيلية: اتصالات بين #إيران وإسرائيل بوساطة روسية تمهيدًا لصفقة تبادل أسرى للإفراج عن إليزابيث زوركوف المختطفة في #العراق مقابل إطلاق يوسف شهابزي الذي خطفته إسرائيل من داخل إيران
— جاده إيران Jadeh Iran (@jadehiran) July 9, 2023
دلالات خطيرة
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، إن حادثة الاختطاف توضّح "التطور الهائل الذي تمتلكه الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، التي قررت الانتقال إلى مرحلة المواجهة المباشرة مع إسرائيل"، غير إنه حذّر في الوقت عينه من ردّة فعل إسرائيلية مرتقبة.
ونقلت صحيفة "القدس العربي" في 9 يوليو 2023، عن البيدر قوله إن الحادث "يحمل العديد من المؤشرات والدلالات الخطيرة والمهمة على مستوى درجة التصعيد لدى الجماعات المسلحة في العراق والتي تعرّف نفسها بمحور المقاومة، من جهة، وبين الجانب الإسرائيلي؛ من جهة ثانية".
وفيما رأى أن المواجهة أصبحت مباشرة بين الطرفين، أشار إلى إن "التصعيد بدأ يأخذ زخماً أعلى، وأن الفصائل المسلحة في العراق تمتلك إمكانات وقدرات هائلة جعلتها تصل إلى مستوى القدرة على تحديد هويات وتفاصيل الأشخاص وعناوينهم، الأمر الذي يرجّح حدوث عمليات أخرى أكثر نوعية".
وبحسب البيدر فإن "العراق كدولة سيتحمل تبعات هذه الخطوة وعلى الحكومة التعامل بحذر في هذا الموضوع، كوننا غير قادرين على تحمّل ردود الفعل التي ستجري، إذ لا أستبعد أن تكون هناك ضربات إسرائيلية منتخبة لأهداف داخل العمّق العراقي، وفي هذه الحالة فإن البلد سيعرض نفسه للكثير من الضرر على المستويين المادي والمعنوي أيضا".
تساءل البيدر "عما تفعله إسرائيلية في العراق؟ وهل تقوم بفعل مدني كالسياحة أو العمل مع منظمات دولية؟"، مشيرا إلى أن تواجدها "أمر مثير للريبة والقلق من وجود نشاط في هذا الجانب".
وبيّن أنه: "في جميع تلك التفاصيل، نرى غيابا واضحا للدولة، وهو مؤشر على أن تلك الجماعات (التابعة لإسرائيل) تمتلك مساحة كبيرة من الحركة والحرية ونوعية المعلومات والإمكانات التي تمتلكها لمواجهة أطراف ترى بأنها عدوّة لها".
في مقابل ذلك، رأى البيدر أن الجماعات المسلحة في العراق "تريد أن تكون حاضرة في القضية الفلسطينية وتثبت أنها جديرة بمواجهة الإسرائيليين، وإن وجودها لا يقتصر على الدور المعنوي عبر رسائل الاستنكار وشعارات التهديد".
ولم يستبعد المحلل السياسي العراقي أن تقود عملية الاختطاف إلى "تصعيد منظّم سواء داخل الأراضي العراقية أو المنطقة"، مرجّحا في الوقت عينه أن "يكون التصعيد المرتقب على حساب السيادة العراقية التي يجب أن تكون خطّاً أحمر بالنسبة للدولة ومؤسساتها".
وكان لإسرائيل، غارات جوية عدة على العراق في 2019، والتي نفتها تل أبيب في البداية، ثم لمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسؤوليتهم عن الهجمات التي شنت في 20 أغسطس/آب 2019، قائلا إن "إيران ليست محصنة في أي مكان".
وفي 22 أغسطس 2019 أعلنت إسرائيل على لسان نتنياهو عن مسؤوليتها عن الغارات التي يصل عددها إلى 4 هجمات، والتي استهدفت مخازن للأسلحة وقواعد عسكرية تابعة لقوات الحشد الشعبي العراقي، في جنوب العاصمة بغداد، وأخرى في محافظتي صلاح الدين وديالى شمال وشرق العراق.
وجاء في تصريح بنيامين نتنياهو للقناة التاسعة العبرية بأن "إيران تحاول إقامة قواعد ضد إسرائيل في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ونحن ننفذ إجراءات ضد أي بلد يهدف إلى تدميرنا".
المصادر
- اول تعليق لكتائب حزب الله على اختطاف إسرائيلية
- الحكومة العراقية أمام تصعيد إسرائيلي مُحتمل ردا على اختطاف تسوركوف
- الغارات الجوية الإسرائيلية على العراق 2019
- نتنياهو يعلن اختطاف إسرائيلية في العراق من قبل "كتائب حزب الله" ويحمل بغداد المسؤولية (صورة)
- السلطات العراقية تفتح تحقيقا رسميا في خطف باحثة روسية إسرائيلية
- الموساد الإسرائيلي يقول إنه خطف "قاتلا محترفا" من داخل إيران