يتوجس من جنرالاته.. لهذا يستعين السيسي بإسرائيل لتتبع الإنترنت المظلم

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

منذ صعوده إلى السلطة عام 2013 عبر انقلاب عسكري, يسعى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحصول على أحدث تقنيات التجسس، ويعطي الأولوية لتطوير قطاعات الاستخبارات لتأمين نفسه ومنظومة حكمه، لذلك بدأت أجهزته الاهتمام بعالم الإنترنت المظلم أخيرا.

خاصة أن السيسي القادم من خلفية استخباراتية عميقة، له أعداء كثر من داخل وخارج النظام، حتى إنه أوكل قيادة جهاز المخابرات العامة لأخلص رجاله اللواء عباس كامل، ولم يتركه منفردا بل أدخل ابنه الأكبر محمود إلى القيادة العليا للجهاز.

والإنترنت المظلم أو عالم الـ "دارك ويب" هو جبل الجليد الضخم المخفي من الشبكة العنكبوتية التي نعرفها، ولطالما أثار قلق الأنظمة والحكومات، ومن بينها النظام المصري.

صفقة جديدة

وفي 30 يونيو/ حزيران 2023، نجحت شركة "بلير" الإسرائيلية في بيع منصتها للاستخبارات مفتوحة المصدر، ومنها تعقب شبكة الإنترنت المظلم، إلى إدارة البحوث الفنية (TRD)، التابعة للمخابرات العامة المصرية.

وذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، "أن شركة بلير الإسرائيلية، صدرت نظامها لمراقبة الشبكات الاجتماعية للمخابرات المصرية".

وأوردت أن المنتج الذي جرى توفيره للمخابرات المصرية هو منصة Web Int Center. 

قالت: "إن هذه المنصة تتمتع بقدرات كبيرة تتجاوز مجرد مراقبة الشبكات الاجتماعية، لأنها تسمح بتحديد الموقع الجغرافي للهدف باستخدام البيانات من الشبكات الاجتماعية، فضلا عن نظام إدارة الصور الرمزية".

لكن المجلة الفرنسية نقلت عن مصادرها الخاصة، أنه جرى تزويد إدارة البحوث الفنية بالمخابرات العامة بمنتج آخر مهم لمراقبة الإنترنت المظلم Dark Web.

أما وحدة البحوث الفنية بالمخابرات العامة، التي حصلت على البرنامج الإسرائيلي وستتعقب أنشطة الإنترنت المظلم، فهي وحدة سرية بالجهاز تعرف بـ "Technical Research Department"، ومن أبرز وظائفها شراء واستخدام معدات التنصت والتجسس عالية الدقة.

وفي 25 فبراير/ شباط 2016، نشرت منظمة الخصوصية الدولية "privacy international" تحقيقا عن الوحدة، قالت فيه: "إنها تأسست خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، بصفتها وحدة خاصة داخل المخابرات العامة تخضع لمساءلته المباشرة". 

وذكرت أن "وحدة البحوث الفنية تتمتع بالاستقلال الكامل داخل المخابرات العامة، كوحدة يستطيع الرئيس الاستعانة بها، في أنشطة خاصة، دون إخطار قطاعات أخرى بالمخابرات".

وجرى الكشف أن تلك الوحدة تحديدا من الإدارات الأمنية التي لم تتأثر بأحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وسقوط حسني مبارك.

 ففي نفس العام (2011) اشترت مركزا للمراقبة ونظاما لإدارة اعتراض الاتصالات في الشبكات.

وأورد تحقيق منظمة الخصوصية الدولية أن مقر الوحدة في منطقة كوبري القبة بالقاهرة، وهي نفس منطقة مقر المخابرات العامة.

وأشارت إلى أن الوحدة تعد وكالة استخبارات شخصية لرئيس الجمهورية، ومن أهم أغراضها التجسس على باقي موظفي الحكومة وعلى الخصوم المحتملين.

ربما يفسر هذا بوضوح لماذا تعاقدت الشركة الإسرائيلية مع هذه الإدارة تحديدا، وجرى ذكرها في الصفقة بخصوصية، إذ كان يمكن القول إن المخابرات بعمومها هي من اشترت تقنيات التجسس.

وهو ما يؤطر أن للوحدة طبيعة عمل خاصة ومهمة داخل بنية نظام السيسي الأمنية والاستخباراتية، ولذلك استعان بها في جزئية مثل متابعة أنشطة الإنترنت المظلم.

 

العالم الخفي 

ولمعرفة أسباب اهتمام النظام المصري بتتبع أنشطة الإنترنت المظلم، لا بد من إلقاء نظرة على ماهية ذلك العالم من الأساس.

فالإنترنت مقسم إلى 3 أقسام، القسم الأول يمثل الشبكة السطحية التقليدية التي نستخدمها جميعا عن طريق محركات البحث التقليدية، وهي لا تمثل سوى 0,03 في المئة من المعلومات الموجودة في الإنترنت.

القسم الثاني ما يعرف بالشبكة العميقة، وهي التي تضم المعلومات الحكومية وقواعد بيانات الأكاديميات والشركات والبنوك التجارية، وخدمات البث التلفزيوني والإذاعي، وكثيرا من محتوى رسائل البريد الإلكتروني السرية، ولا يعد هذا الجزء مخالفا للقانون.

أما القسم الثالث والأخطر، هي الشبكة المظلمة، والتي يتكون منها معظم المحتوى المعلوماتي للإنترنت برمته، ولا يمكن الوصول إليها بالطرق العادية، وهي توفر خصوصية لمستخدميها بعيدا عن أي نوع من الرقابة. 

ويجري فيها تبادل بيانات وتقديم معلومات بشكل سري بين أعضائها، ولا يمكن لأي مستخدم عادي رؤية محتواها.

لذلك هي ملجأ للعديد من الأنشطة الخاصة الاستخباراتية والإجرامية، وكل ما يتعلق بعالم الجريمة الإلكترونية. 

وقد بدأ استخدام مصطلح "الإنترنت المظلم" عام 2009، وارتبط اسمه بأعمال بالقرصنة الإلكترونية.

لكن هناك جانب آخر لرواد تلك الشبكة، فجزء منهم يعمل من خلالها على إبقاء قواعد بياناته ومعلوماته مخفية عن محركات البحث عبر وضع تشفير لهذه المواقع واستخدام خوارزميات خاصة تمنع إيجادها بسهولة.

ويعد هذا أمرا أساسيا في عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسير الحملات الانتخابية بالنسبة للزعماء السياسيين، ويضمن سرية العمل بالنسبة لبعض المؤسسات والشركات. 

حتى إن بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وصحف مثل "الغارديان" و"نيويورك تايمز" تملك مواقع في "الشبكة المظلمة"، تستعملها خصوصا لإحباط محاولات القرصنة، والرقابة من السلطات الروسية خلال حرب أوكرانيا.

 

توجس مستمر

وعلق الباحث في العلوم السياسية بجامعة "آيدن" التركية، أحمد راضي، على أسباب سعي السيسي ونظامه لامتلاك برامج تجسس وتتبع فائقة ترصد عالم الدارك ويب "الإنترنت المظلم".

وقال راضي: "نظام أمني عسكري كنظام السيسي أولويته الأولى تأمين نفسه من أي خطر محتمل، وفي سبيل ذلك يتحالف مع الشيطان".

وقد فعل ذلك سابقا بشراء مجموعة من البرامج الإسرائيلية حتى من قبل نظام شركة بلير لتتبع الدارك ويب، حيث اشتري منذ سنوات برنامج بيغاسوس الإسرائيلي للمراقبة والتتبع، وفق راضي.

وأضاف الباحث المصري أن "المنظومة الأمنية للسيسي تضع في ترتيب الأولوية للعداء، المعارضة والإسلاميين، ومع ذلك هم يدركون أن تلك الفئة هي الأقل خطرا على الإطلاق". 

وأتبع: "ما يخشاه السيسي فعليا العدو الكامن داخل بنية نظامه، من ضباط جيش ومخابرات عامة، لأن هؤلاء هم الأقدر على التأثير في حالة الانقلاب أو الغدر".

ثم أوضح: "لعل هذا تحديدا ما دفعه لشراء البرنامج المتعقب للدارك ويب، لأن وحدة مثل البحوث الفنية تعلم تماما أن رواد ذلك العالم ليسوا طبيعيين، ولهم أهداف تتجاوز المؤامرات التقليدية".

فهو يريد تأمين نفسه من جميع الجهات، ولا يترك أي ثغرة للإحاطة به، وهذا طبيعي لدى عقلية استخباراتية لا تثق بأحد مثل عبد الفتاح السيسي، وفق تقدير الباحث.

وتأتي إستراتيجية السيسي الرامية لامتلاك برامج التعقب والتجسس، والدخول إلى عالم "الإنترنت المظلم" بالتوازي مع تقارير كشفت عن توجسه.

ففي 15 يونيو 2023، نشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرا عن المرحلة الحالية من حكم السيسي، وأوردت: "أنه لا يثق أبدا في جنرالاته، ويعمل على تقييم وظائفهم بانتظام، حتى إنه كبح طموح المقربين منه مثل محمود حجازي، رئيس المخابرات السابق، وهو والد زوجة ابنه".

وأضافت: "يعتقد أن السيسي ينام في مكان مختلف كل ليلة، فبعد كل شيء، لديه ما يكفي من المنازل الفاخرة للاختيار بينها".

وهو ما تحدث عنه الأكاديمي الأميركي روبرت سبرنغبورغ، أستاذ شؤون الأمن القومي في مدرسة البحرية الأميركية للدراسات العليا (سابقا)، في المقال الذي كتبه لموقع "ميدل إيست إي" البريطاني، في 28 يونيو 2023.

ووصف سبرنغبورغ حكم السيسي بأنه نموذج حكم أحادي عسكري متسلط يطلق عليه النموذج "السلطاني". 

وقال: "مصر تحكمها الآن السلطانية العسكرية، وهي مزيج من جيش موحد يلعب دوره في السياسة والاقتصاد".

لكنه ذكر أن خلفية السيسي الاستخباراتية أعدته جيدا لدور "السلطاني العسكري"، خاصة أنه يختلف عن رؤساء مصر السابقين (جمال عبد الناصر وأنور السادات) من ناحية تأمين وحماية نفسه. 

وأورد سبرنغبورغ أنه من الصعب أن يتعرض لما تعرضوا له من محاولات انقلابية لأنه يدقق في تتبع وحدات وعناصر الجيش ويحكم رقابته وقبضته عليهم، ولا يسمح لهم بهامش ولو بسيط من الاختلاف أو التمرد، وفق تقديره.

واختتم أن "السيسي يخشى على حياته، لذلك يقدم تعزيز سلطته الشخصية بشكل مطلق، ويتضح هذا من التحولات المستمرة في الرتب العليا داخل الجيش".

لذلك فإن الاهتمام بعالم الإنترنت المظلم يأتي متسقا مع منهجية رئيس النظام المصري في الحكم، ومعززا لقبضته الأمنية الشرسة والممتدة.