جيرالد دارمانان.. وزير داخلية فرنسا الذي يحرض ضد المهاجرين رغم أصله العربي
على خلفية مقتل فتى من أبناء المهاجرين في فرنسا، وجهت الأنظار بقوة نحو وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بصفته المسؤول المباشر عن عناصر الشرطة، وذلك بعد صدامات شرسة بين المتظاهرين وأجهزة الأمن.
وقتل الفتى الفرنسي من أصول جزائرية "نائل المرزوقي"، الذي يبلغ من العمر 17 عاما فقط، بمدينة نانتير بالضاحية الغربية لباريس، يوم 27 يونيو/حزيران 2023، برصاص شرطي فرنسي، على خلفية عدم امتثال الضحية لتعليمات دورية مرورية بالتوقف.
أشعلت الحادثة غضب المسلمين والمهاجرين، وخرج المتظاهرون إلى شوارع المدن والضواحي، على رأسها العاصمة باريس وليل وتولوز ومرسيليا، كما تعرضت المئات من أقسام الشرطة والمباني الحكومية للاعتداء والحرق.
وأثارت الواقعة تساؤلات عن حالة الشرطة الفرنسية، تحت قيادة وزير الداخلية جيرالد دارمانان، والاتهامات الموجهة إليها بالعنصرية والتصنيف العرقي، وبشكوك حول عدم نزاهة القضايا المتعلقة بالتجنيد والتدريب وعقيدة الشرطة المناهضة للمهاجرين، لا سيما المسلمين منهم.
فمن هو دارمانان؟ وما هي خلفياته الفكرية والسياسية؟ ولماذا زادت شراسة الشرطة في عهده ضد مجتمعات المسلمين والمهاجرين؟
أصوله يهودية عربية
اسمه جيرالد موسى دارمانان، ولد في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1982، في مدينة فالنسيان الفرنسية بالقرب من الحدود البلجيكية.
نشأ دارمانان وسط عائلة من أصول غير فرنسية (جزائرية ومالطية)، تنتمي إلى الطبقة العاملة.
فوالدته اسمها "آني" كانت عاملة نظافة، ووالده "موسى واكيد" كان جنديا متطوعا في الجيش الفرنسي.
وقد ولد جده لأمه عام 1907 في دوار أولاد غالية (وارسينيس) بالجزائر، وخدم حتى أصبح برتبة ضابط أول في الجيش الفرنسي.
وذكر أنه من "الحركيين" الذين خدموا الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري، وارتكبوا المجازر والجرائم في حق أبناء بلادهم.
ومصطلح "الحركي" عند الجزائريين معناه "الخائن"، ويطلق على الجزائريين الذين حاربوا في صفوف جيش فرنسا المحتل ضد ثورة التحرير في بلادهم (1954 إلى 1962).
وخدم 150 ألف حركي في صفوف القوات الفرنسية، وبعد توقيع وقف الحرب مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، استقبلت فرنسا نحو 60 ألف عنصر منهم، ومن ضمنهم جد دارمانان.
ويبدو أن وزير الداخلية الفرنسي قد تأثر بجده هذا كثيرا، حتى إنه صاغ مقالا عام 2016 عنه، ودعاه بـ "بطل الجمهورية"، لأنه قاتل إلى جانب الفرنسيين.
أما والد دارمانان فقد عمل كمدير لمقهى بسيط في فالنسيان (شمال فرنسا)، وهو من أصول يهودية مالطية.
ولطالما تصالح دارمانان مع أصوله تلك، وقال في أول تغريدة له بعد إعلان تعيينه وزيرا للداخلية: "إنه شرف كبير، لحفيد مهاجرين مثلي، أن يعين كوزير للداخلية في بلد جميل كفرنسا".
وهنا يقر أن مشواره الشخصي ونسبه العائلي لم يكن ليسمح له بسهولة بتبوأ مناصب رفيعة في الجمهورية الفرنسية، ومع ذلك فقد ناصب المهاجرين من أصول وأعراق وديانات مختلفة العداء.
قصة صعوده
وكانت بدايات جيرالد داخل مدرسة عامة في فالنسيان، ثم قرر والداه دفع تكاليف مادية مرتفعة لتلقيه تعليما ثانويا أرقى في باريس.
وعندما نفد مال الأسرة من أجل التعليم، سمحت المدرسة له بإكمال دراسته مجانا، حينها اضطر للعمل في بعض الوظائف الدنيا كالغناء في المطاعم والمترو.
ويفتخر دارمانان أنه لم يكن خريجا من جامعات النخبة في فرنسا، رغم دراسته في معهد الدراسات السياسية بباريس، المعروف اختصارا بـ"Sciences Po"، والمتخصص في العلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية.
ومع ذلك لا يمكن إغفال أن المعهد من الأكاديميات التسع المنتشرة في أرجاء الإقليم الفرنسي، لدراسة العلوم السياسية.
وتكمن أهميته أنه تخرج فيه عدد من كبار الساسة الفرنسيين على رأسهم الرؤساء السابقون فرانسوا أولاند، وجاك شيراك، وفرانسوا ميتران.
لكن المثير أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، درس فيه لكن فشل في التخرج منه.
ويعد ساركوزي من الملهمين لدارمانان ولطالما رأى الأخير أنه ينتمي لمدرسة الأول السياسية.
وكان دارمانان في البداية على خط يميني محافظ، لكنه تأثر بأفكار ساركوزي وأصبح يميل إلى التيار اليميني الليبرالي.
وقد دخل دارمانان إلى الساحة السياسية في سن 16 سنة عندما التحق بحزب "التجمع من أجل الجمهورية" الذي أسسه الراحل جاك شيراك بعد خلافه مع الرئيس الأسبق جيسكار ديستان.
وفي عام 2014 وهو ابن الثلاثين أصبح جيرالد دارمانان نائبا عن اليمين المحافظ، وفاز بالانتخابات البلدية وبات عمدة لمدينة توركوان.
ووقتها اشتهر بصرامته وطريقته المباشرة حتى في انتقاد زملائه من حزب اليمين المحافظ.
وزير متحرش
وفي عام 2017 خلال حملة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون الانتخابية، وجه له دارمانان انتقادات لاذعة، قائلا إنه لا بد أن يخجل من وصفه استعمار فرنسا للجزائر بأنها جريمة ضد الإنسانية، ثم نعته بأنه "سم" للوطن.
رغم تلك الملابسات فإن دارمانان عين كوزير للعمل والحسابات العامة (الميزانية) في حكومة إدوار فيليب، وهي الأولى التي شكلت في عهد ماكرون.
وبعد بضعة أشهر جرى استبعاده من حزب الجمهوريون الفرنسي لينضم إلى حزب الجمهورية إلى الأمام، الذي أسسه ماكرون.
وفي يوليو/ تموز 2020، جرى تعيين جيرالد دارمانان، البالغ من العمر 38 سنة، وزيرا لداخلية الجمهورية الفرنسية.
وعد ذلك التعيين جزءا من حملة الإجراءات المشددة التي تثير مشاعر عدائية تجاه المجتمع الإسلامي ككل في فرنسا، لما عرف عن الوزير الجديد من تشدد وتحفظ ضد المسلمين والمهاجرين.
لكن قطاعا آخر من المجتمع الفرنسي تخوف من الوزير الجديد، لأنه يواجه اتهامات بالاغتصاب، في القضية التي تفجرت عام 2009.
وكانت محكمة باريس طلبت في بداية يونيو/حزيران 2020, العودة إلى التحقيقات التي تستهدف دارمانان بشأن اتهامات بالاعتداء الجنسي والتحرش.
ورأت الوزيرة الفرنسية السابقة المكلفة بحقوق السيدات، "لورانس روسينول" أن تعيين دارمانان بمثابة صفعة للنساء الفرنسيات اللواتي يتعرضن للعنف والتحرش الجنسي.
مهندس "سارومان"
وخلال الأيام الأولى لدارمانان في المنصب، اتضحت معالم فترته، إذ اجتمع بعناصر الشرطة، متجاهلا الجماعات المحلية الحقوقية التي تقلقها العنصرية داخل الجهاز الأمني.
وقال إنه يريد "منع شرائح معينة في المجتمع من العودة إلى البربرية"، وهي عبارة عادة ما يستخدمها اليمين المتطرف للإشارة إلى الجاليات العربية والإفريقية بشكل عام.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020 نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تصريحات وزير الداخلية التي تعهد فيها بـ "استئصال المتطرفين"، وقوله إنه "يريد الحفاظ على تميز طريقة الحياة الفرنسية".
وذكرت "بلومبيرغ": "هو يخاطر بظهور فكرة أنه لا يستهدف الإسلاميين فحسب، بل جميع المسلمين"، حيث وصفته بـ "المتشدد".
وأثار دارمانان الجدل مرة أخرى خلال افتتاح المناقشات في الجمعية الوطنية الفرنسية، 16 فبراير/شباط 2021، عندما قال: إن "بلدنا يعاني من نزعات انفصالية، أولها التطرف الإسلامي الذي ينخر وحدتنا الوطنية"، وفق زعمه.
ففي 10 فبراير/ شباط 2021، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، المعنية بشؤون الاستخبارات، أن الحكومة الفرنسية، بصدد تفعيل خلية "سارومان" الاستخباراتية المعنية بمراقبة أنشطة الإسلام السياسي، والمسلمين على الأراضي الفرنسية.
وقالت المجلة، إن "البرلمان الفرنسي يعمل على التصويت على مشروع قانون مناهض للانفصالية الدينية". ويعد دارمانان مهندس تفعيل وحدة "سارومان" الاستخباراتية،
ويجري "تشجيع الاستخبارات الفرنسية على إحياء خلية (سارومان)، الوحدة المشتركة بين الوكالات، والمكرسة لمراقبة الأنشطة الإسلامية".
عدو للإسلام
وكانت آخر جدليات وزير الداخلية الفرنسي ضد المسلمين ما كان في 25 مايو/أيار 2023، عندما رأى أن ما أسماه "الإرهاب الإسلامي السني" هو أبرز تهديد لبلاده وأوروبا.
ودعا خلال زيارة للولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن، خصوصا قبل استضافة باريس أولمبياد 2024 الصيفي.
وقال دارمانان لوكالة الأنباء الفرنسية أثناء تواجده بنيويورك "أتينا لنذكرهم بأنه بالنسبة إلى الأوروبيين ولفرنسا، الخطر الأول هو الإرهاب الإسلامي السني، وأن التعاون لمكافحة الإرهاب بين أجهزة الاستخبارات ضروري للغاية".
وفي عام 2021 خلال لقاء مع قناة "BFM TV" الفرنسية، تفاخر دارمانان بأنه أغلق مساجد أكثر من جميع أسلافه.
وقال إن وزارة الداخلية في عهده أغلقت 12 مسجدا ومؤسسة إسلامية "بتهمة التطرف والتشدد الديني"، وفق زعمه.
وأضاف: "لقد تحدثوا كثيرا عن إغلاق الائتلاف الفرنسي ضد الإسلاموفوبيا ولم يفعلها أحد، لكنني أغلقته بسرعة".
كما عبر عن انزعاجه من وجود أقسام خاصة بالمنتجات الغذائية "الحلال" الخاصة بالمسلمين في متاجر فرنسا.
وأضاف "يجب ألا توجد في تلك المتاجر أقسام خاصة بتلك المنتجات لأنها دليل على المذهبية والطائفية".
المصادر
- "عنصرية وتمييز ".. مقتل شاب يطرح علامات استفهام حول الشرطة الفرنسية
- التحقيق مع وزير الداخلية الفرنسي في قضية اغتصاب
- “واشنطن بوست”: العنصرية وكراهية الشرطة تشعل المدن الفرنسية
- France’s Right-Wing Poster Child Leads Crackdown on Islamists
- جيرالد دارمانان: حفيد "الحركيين" الذي يفتخر بإغلاق المساجد
- وزير الداخلية الفرنسي: “الإرهاب الإسلامي السُنّي” أبرز تهديد لبلادنا ولأوربا
- دارمانان: حفيد المهاجرين الذي أصبح أصغر وزير للداخلية في فرنسا