قفزة بمؤشر الجوع العالمي.. كيف استفاد العراق من حرب أوكرانيا وجائحة كورونا؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

قفزة كبيرة حققها العراق في مؤشر الجوع العالمي، وأوصلته إلى فئة "الاعتدال" باحتلاله المرتبة 66 من أصل 212 دولة بعدما كان ترتيبه قبل عامين 88 في الجدول، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن الأسباب التي أدت إلى حدوث التحسن الملحوظ.

جاء ذلك خلال تقرير أعدته منظمتا "ويلثونجيرهيلف" و"كونسيرن وورلد وايد" الألمانيتان، ونشرته في 26 يونيو/ حزيران 2023، مؤكدا أن العراق انخفض فيه مؤشر الجوع بعدما وصل في عام 2000 إلى 23.8 نقطة ليتراجع في عام  2022 إلى 13.7 نقطة.

تأثيرات الجوار

وبخصوص الأسباب التي أدت إلى تحسن العراق في مؤشر الجوع، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صالح الهماشي، إن "ذلك يعود إلى تدهور العملات المحلية والوضع الاقتصادي لدول الجوار، مثل: إيران وتركيا وسوريا، وحتى لبنان انعكس بشكل إيجابي على البلاد".

وأوضح الهماشي لـ"الاستقلال" أن "تدهور العملات المحلية لهذه الدول المجاورة أدى إلى رفع قوة الدينار العراقي تجاهها، وأصبح هناك مجال للعمل أيضا أكثر من هذه البلدان، وبالتالي تحولت التجارة والأعمال التي كانت تمارسها جاليات عراقية خارج البلد إلى الداخل".

ولفت إلى أن "هذا النشاط الذي حدث وتأثير الدول الإقليمية على العراق بتراجع اقتصادياتها، جعل السلع والخدمات أفضل في العراق من حيث التكاليف وليس الجودة، وهذا سبب في تحقيق البلد قفزة بمستوى الجوع".

ومن ضمن العوامل العالمية الأخرى، رأى الهماشي أن "الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت بأزمة اقتصادية يعاني منها العالم كله، وحتى أوروبا تعاني من تضخم كبير، نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز والسلع".

وبيّن الهامشي أن "الحرب الروسية الأوكرانية انعكست إيجابا على العراق من حيث أسعار النفط التي شهدت ارتفاعا واضحا، لذلك على حكومة بغداد أن تستغل ذلك، لأن الأزمة لن تستمر إلى الأبد".

وأشار إلى أن "هناك مرحلة ثانية ستبدأ بعد الحرب، وهي الاعتماد على الطاقة البديلة والنظيفة والطاقة الكهربائية التي ستقلل الطلب على النفط، إضافة إلى تباطؤ النمو العالمي، لذلك على العراق أن يعي أن ارتفاع أسعار النفط سينتهي بانتهاء الأزمة الروسية الأوكرانية".

وفي 24 فبراير/ شباط 2022، شنت موسكو غزوا عسكريا على أوكرانيا، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الهدف منها هو تجريد الأخيرة من السلاح و"اجتثاث النازية منها"، وسط رفض أوروبي وأميركي للحرب ضد حليفتهم في أوروبا الشرقية.

أسباب أخرى

وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني، إن "ما أدى إلى دخول العراق في المنطقة المعتدلة لمؤشر الجوع، هو الانتظام الذي شهده البلد أخيرا في توزيع المدفوعات من رواتب وأجور، إضافة إلى رواتب ومنح الحماية الاجتماعية".

وأوضح المشهداني خلال تصريح لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 27 يونيو 2023، أن "سنة 2022 كانت منتظمة بخلاف الأعوام السابقة التي شهدت انقطاعات وتأخيرا وصلت إلى شهرين واستمرت حتى إلى ستة أشهر في إطلاق المستحقات المالية".

وأضاف أن "مفردات البطاقة التموينية كانت توزع بانتظام بالمقارنة مع الأعوام السابقة، ففي تلك الأعوام كانت توزع 6 مرات في السنة، بينما انتظمت خلال العامين الأخيرين".

ومنذ الحصار الاقتصادي الذي شهده العراق عقب غزوه الكويت عام 1990، اعتمد البلد على نظام البطاقة التموينية للأسر، وذلك بمنح مواد غذائية أساسية تشمل (الدقيق والرز وزيت الطعام والسكر والعدس وصلصة الطماطم)، بشكل شهري.

ولفت المشهداني إلى أن "الأعوام 2020 وما قبله شهدت ضغط جائحة كورونا إذ تعرضت شريحة كبيرة إلى الجوع، لكن بعد 2021 شرع قانون الأمن الغذائي وانتظم توزيع مفردات البطاقة التموينية لـ11 شهرا بشكل متواصل، مع توزيع حصة إضافية للمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية".

وتابع: "وهو ما أدى إلى استقرار أسعار المواد الغذائية، فسعر لتر زيت الطعام مثلا وصل إلى 4 آلاف دينار (2.75 دولار) ثم تراجع إلى ألفي دينار (1.35 دولار) بسبب التوزيع، وكذلك انخفاض أسعار المواد الخضرية".

ونوه إلى أن "المجتمع العراقي يمتاز بالتكافل الاجتماعي، وهو ما يجعل الهبوط إلى مستوى متدن من الجوع صعبا، فهناك المرجعيات والمؤسسات الخيرية والتجار قدموا مبادرات كثيرة وسلاّت غذائية للمحتاجين في أوقات انتشار جائحة كورونا والأزمات الأخرى".

وفي 24 يونيو 2023، أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إطلاق أكبر حملة للبحث الاجتماعي استهدفت مليوني أسرة فقيرة، وتم إنجاز 1.4 مليون أسرة من البحث، فضلا عن تسليم مستحقات 492 ألف أسرة مشمولة برواتب الرعاية الاجتماعية.

وكانت وزارة التخطيط قد أكدت في يناير/ كانون الثاني 2023 أن معدل الفقر بالعراق سينخفض إلى ما دون مستوى 20 بالمئة، وأنها ستطلق قريبا وفي يوليو/ تموز من العام نفسه المسح الاقتصادي والاجتماعي للأسر في جميع أنحاد البلاد.

وأوضحت الوزارة أن المسح سيعطي مؤشرات جديدة عن خط الفقر في العراق ومراكز تجمع الفقراء وأكثر المحافظات فقرا، وأن آخر مسح للفقر كان في العام 2015 والذي سجل نسبة 21 بالمئة، لافتة إلى أن التوقعات الأولية تشير إلى انخفاض مؤشر الفقر، وأن يسجل دون مستوى 20 بالمئة.

انخفاض مستمر

تقرير المنظمتين الألمانيتين "ويلثونجيرهيلف" و"كونسيرن وورلد وايد" جاء تأكيدا لما نشرته منظمة الأغذية والزراعة "فاو" في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2022، والتي أوضحت فيه أن مؤشرات الجوع في العراق قد انخفضت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وقالت المنظمة إن "اتجاهات الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية انخفض في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي تبدأ من العام 2019 ولغاية 2021 والتي بلغت 15.9 بالمئة بعد أن كانت 17.4 بالمئة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقتها (2018-2020) ومنخفضة عن الأعوام الثلاثة التي سبقتها أيضا (2017-2019) والتي بلغت 18.1 بالمئة".

وأضافت المنظمة أنه "رغم انخفاض مؤشرات الجوع في العراق، إلا أنها مازالت عالية مقارنة بدول الجوار باستثناء الأردن، التي ارتفع فيها مؤشر الجوع الى 16.9 بالمئة، فيما كان مؤشر الجوع في إيران 4.1 بالمئة، وفي تركيا 2.5 بالمئة، وفي السعودية 3.7 بالمئة، وفي الكويت 2.7 بالمئة".

كما أشارت المنظمة إلى أن "أعلى مؤشر للجوع من بين الدول العربية كان من نصيب اليمن، حيث سجل فيها 41.4 بالمئة، في حين كان أقل مؤشر للجوع من بين الدول العربية من نصيب الجزائر التي سجلت 2.5 بالمئة".

ووفقا لتقرير المنظمة، فإن "المسافة للوصول إلى العديد من أهداف التنمية المستدامة، تتسع كل عام رغم وجود جهود لإحراز تقدم نحو الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة، لكنها تثبت أنها غير كافية في مواجهة سياق أكثر تحديا وغموضا".

وعزا التقرير ذلك إلى "انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، الذي سيستمر باستمرار التحديات (مثل النزاعات والظواهر المناخية المتطرفة والصدمات الاقتصادية)، إلى جانب ارتفاع تكلفة الأطعمة المغذية وتزايد عدم المساواة في تحدي الأمن الغذائي والتغذية".

وكان المؤشر العالمي قد قسّم الجوع إلى خمس فئات تبين مدى معاناة الدول، وجاءت الفئة الأولى باللون الأخضر من صفر إلى 9.9 نقاط وهي الدول التي لا تعاني من الجوع وسميت بـ"الواطئة" وجاءت الفئة الثانية بين 10 إلى 19.9 نقطة وهي فئة "المعتدلة".

وجاءت الفئة الثالثة ما بين 20 نقطة إلى 34.9 نقطة وهي الفئة التي سميت بـ"الجادة"، فيما حلّت الفئة الرابعة ما بين 35 نقطة إلى 49.9 نقطة وهي الفئة التي تنذر بـ"الخطر"، والفئة الخامسة ما بين 50 فأعلى والتي سميت بـ"المقلقة للغاية".