إسرائيل تتحكم بخدمات الإنترنت السري.. هل تسرب معلومات المعارضين العرب؟

12

طباعة

مشاركة

يلجأ دعاة الحرية والهاربين من بطش الأنظمة القمعية، على الإنترنت السري وتقنية شبكات (VPN)، التي تعمل على تشفير بياناتهم الشخصية وإخفاء هويتهم الإلكترونية، وتمنحهم الأمان والحرية والخصوصية، وتفتح المواقع التي تحجبها الحكومات.

لكن هذه الحرية مهددة بعد تزايد سيطرة شركات إسرائيلية على مزود VPN، خشية أن يلجأ الصهاينة لتسريب بيانات الناشطين العرب لحكوماتهم القمعية.

ويزيد من هذه المخاوف أن هناك سابقة تعاون بين شركات الاحتلال وهذه الانظمة القمعية التي باعت لها إسرائيل أجهزة تجسس على المعارضين.

إذ وجهت اتهامات للاحتلال الإسرائيلي بلعب أدوار خبيثة في الأمن السيبراني، وبيع تقنيات تجسس لأنظمة عربية وغربية بشكل مستمر للتجسس على معارضين.

ويرى خبراء أن سيطرة إسرائيل على مزود VPN، في ظل تمتعها بتاريخ عريض من التجسس على هذه الشركات يعرض خصوصية المستخدمين لأخطار جسيمة، حسبما يقول المتخصص في الشأن التقني "طه الراوي" في مقال بموقع قناة تي آر تي التركية 14 يونيو/حزيران 2023.

وتزداد شعبية تطبيقات VPN (الشبكة الافتراضية الخاصة) مع تزايد قيود الأنظمة المختلفة، حيث يمكن من خلالها تعديل عنوان IP الخاص بك وإنشاء تجربة تصفح خاصة على هاتفك وسطح المكتب. 

كما تتيح لك تطبيقات VPN أيضًا الوصول إلى المحتوى غير المتاح في منطقتك، عبر فك وكسر الحجب.

لكن خبراء تقنية يحذرون من أن تطبيقات VPN باتت تعد مع هذا إحدى أهم أدوات التجسس وسرقة البيانات من المستخدمين، لأن البيانات غالبا ما تمر عبر سيرفرات مجهولة لا تعلم من يملكها، وهذه خطورة امتلاك الإسرائيليين لها.

وقال المختص في الأمن السيبراني، مجدي القبالين، إن بعض تطبيقات "vpn" تسرق بيانات المستخدمين وتبيعها إلى شركات التسويق، بسبب عدم وجود رقابة عليها، وعلى سلامة البيانات، بحسب موقع "جراء نيوز" الأردني 19 يناير/كانون الثاني 2023.

قلق من إسرائيل

هناك أكثر من 1800 خادم في أكثر من 100 دولة منتشرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك خوادم داخل إسرائيل، تسمح بالوصول إلى المواقع والتطبيقات المفضلة لأي شخص دون مخاوف جغرافية أو حجب أو عوائق وقيود.

لكن لا يقتصر القلق من سيطرة الشركات الإسرائيلية على مخاوف أن يسرب الاحتلال، في سياق تعاونه مع الأنظمة القمعية العربية، بيانات معارضين لأنظمة قمعية، ولكن أيضا من استخدامها في التجسس.

 إذ باتت هناك شركات إسرائيلية توفر لمن يرغب عناوين " IP" بحيث يظهر شخص كأنه في إسرائيل، أو يخفي هويته ويظهر كأنه في دول أخرى، بما يسهل عمليات التجسس.

وتروج مواقع انترنت لـ "VPN إسرائيل" لإخفاء عناوين IP للأشخاص والحصول على وصول خاص إلى الإنترنت.

وكذا تغيير عنوان IP إلى بلدان أخرى لإلغاء القيود زاعمين أنه "واحد من أفضل خيارات الـ VPN مجاني".

وبدأت قصة تسلل الاحتلال لخدمة الإنترنت السري، في 13 سبتمبر/أيلول 2021 حين كشفت وكالة "رويترز" البريطانية ووسائل إعلام عبرية عن "صفقة" استحوذت بموجبها شركة إسرائيلية على بعض مواقع "VPN" الشهيرة.

"رويترز" ومواقع إسرائيلية ذكرت أن شركة Kape Technologies PLC الإسرائيلية البريطانية المزودة لبرامج الأمن الرقمي، استحوذت على موقع شركة ExpressVPN للشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، وهو أبرز المواقع التي يتخفى عبرها الناشطون المعارضون، مقابل نحو مليار دولار.

الشركة الإسرائيلية زعمت أنها عقدت الصفقة واشترت الشركة بهدف إنشاء ما وصفته بـ "خصوصية المستهلك المتميزة وأمنها".

وفي محاولة لطمأنة مستخدمي موقع إخفاء الهوية وفك الحجب الشهير "ExpressVPN "، قالت شركة Kape إن عملية الاستحواذ هدفها توسيع قاعدة عملائها إلى أكثر من 6 ملايين، علما أنهم حاليا لا يتجاوزون حاجز 3 ملايين.

وبرغم زعمها أن موقع ExpressVPN سيواصل العمل بشكل مستقل، فإن ناشطين حذروا من مخاطر أمنية بسبب سيطرة "Kape " الإسرائيلية عليه.

5 شركات إسرائيلية

لا تقتصر سيطرة الصهاينة على شركة ExpressVPN فقط، فقد اشتروا أيضا شركات تزويد خدمات VPN التالية: Webselenese/Zenmate/GhostVPN.

لذلك حذرت الناشطة ومنتجة البرامج "منى حوا" من سيطرة الإسرائيليين على أربع شركات لتزويد خدمات VPN ودعت من يستخدمون خدماتها لإخفاء هويتهم أثناء التصفح لحذفه هذه التطبيقات جميعا.

وقد أوضح موقع "تايمز أوف إسرائيل" 13 سبتمبر 2021 تاريخ شراء إسرائيل لهذه الشركات موضحا أنها اشترت مزود حلول الخصوصية والأمن GhostVPN عام 2017، ثم مزود VPN آخر هو Zenmate في 2018.

ثم اشترت مزود Webselenese للخصوصية والأمان في مارس/آذار 2021، كما استحوذت شركة Kape الإسرائيلية البريطانية على ExpressVPN في 13 سبتمبر 2021.

أيضا تملك شركة j2 Global الإسرائيلية ما لا يقل عن 13 شبكة من شبكات VPN، منها IPVanish وStrongVPN وEncrypt.me وSaferVPN وPerimeter 81 وBuffered VPN، بحسب دراسة نشرتها مجلة "بي سي"، المتخصصة في الإلكترونيات.

وقد رصد موقع "01net" خمس شركات عاملة في إسرائيل توفر خدمات VPN وخوادم إسرائيلية للتخفي بينها ExpressVPN، الذي يسمح بالوصول إلى 3000 خادم في 94 دولة و160 موقعًا.

والشركة الثانية هي CyberGhost ولديها 9000 خادم سريع فيما يقرب من 100 دولة، كما يوفر 52 خادما في القدس المحتلة.

والشركة الثالثة هي NordVPN وهي مزود أكثر شعبية لشبكة VPN يتعامل مع 5400 خادم في 60 دولة وأكثر من 20 خادما في تل أبيب.

والرابعة هي Surfshark وهي مزود VPN يتعامل مع 3200 خادم في 95 دولة، أما الخامسة فهي مزيج من بعض الشركات تسمح بالوصول إلى "الإنترنت الخاص"، وفق الموقع.

ووفقاً لموقع vpn pro فإن عدد الشبكات الافتراضية المتوفرة حاليا يبلغ 105، تملكها 24 شركة فقط، وهي مقسمة على دول محددة، أغلبها في الصين وروسيا وإسرائيل ودول شرق آسيا.

ويستخدمها 1.5 مليار شخص حول العالم يضعون بياناتهم وكل أسرارهم تحت وصاية تلك الشبكات.

وقُدر حجم سوق VPN العالمي بـ 35.4 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 92.4 مليار دولار بحلول عام 2026، وفقًا لدراسة نُشرت بواسطة ناشر أبحاث السوق Global Industry Analyst في 20 مايو/أيار 2023.

تجسس على العرب

ما يثير القلق هو تحالف محتمل مستقبلا بين شركات مزودي خادم الإنترنت السري أو الافتراضي (VPN)، مع شركات بيع تقنيات التجسس الإسرائيلية وتعاونهما معا لبيع بيانات ناشطين ومعارضين عرب لأنظمة قمعية خاصة في دول الخليج ومصر.

إذ باعت الشركات الإسرائيلية برامج تجسس عديدة للدول العربية وجرى الكشف عن استخدامها لتعقب معارضين وناشطين.

والآن مع لجوء الناشطين للتخفي عبر تقنية (VPN) فقد تبيع الشركات الإسرائيلية بياناتهم أيضا للأنظمة القمعية.

وتنشر مواقع إسرائيلية دعاية لأفضل شركات توفير خدمة التصفح الإلكتروني الحر الإسرائيلية، وتدعي حفظ بيانات العملاء وعدم تبادلها مع أي جهات، وتقدم مغريات للانضمام لها، ما يزيد من الشبهات حولها.

وفي 11 أبريل/نيسان 2023، كشف مختبر "سيتيزن لاب" الكندي عن برنامج تجسس إسرائيلي جديد يدعى "كوادريم" QuaDreams مشابه لبرنامج آخر انتشر هو "بيغاسوس".

أوضح أن البرنامج الجديد، جرى استخدامه أيضا لاستهداف صحفيين وسياسيين معارضين في عدة دول بينها دول عربية، وفق "سيتيزن لاب"، المتخصص في الفضاء الإلكتروني والأمن العالمي وحقوق الإنسان.

وصمم البرنامج الجديد شركة إسرائيلية غير معروفة تحمل اسم "كوادريم ليمتد" أسسها مسؤول عسكري إسرائيلي سابق وموظفون سابقون في شركة "إن إس أو" التي أنتجت "بيغاسوس"، ربما للتهرب من سمعة البرنامج السابق السيئة.

ووفقاً للمختبر يمكن لبرنامج التجسس هذا تسجيل المكالمات والأصوات الخارجية والتقاط الصور من الكاميرات والبحث في ملفات الجهاز دون علم المستخدم.

كذلك يمكنه إنشاء رموز مصادقة ثنائية، أي كلمات مرور ورموز أمان لتأمين الوصول المستمر إلى الحسابات السحابية لمالك الجهاز.

كما حدد "سيتزين لاب" خوادم تحوي هذا البرنامج في عشر دول تلقت بيانات من أجهزة الضحايا، بما في ذلك إسرائيل وسنغافورة والمكسيك والإمارات العربية المتحدة وبلغاريا.

وقال الباحثون في مختبر "سيتزين لاب"، إن شركة QuaDream سوّقت برامج التجسس التي تنتجها لعملاء حكوميين في سنغافورة والمملكة العربية السعودية والمكسيك وغانا وإندونيسيا والمغرب ودول أخرى".

وبحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية 12 أبريل 2023 تضمنت لائحة الضحايا "صحفيين وشخصيات سياسية معارضة وأحد العاملين في منظمة غير حكومية"، وفق "سيتيزن لاب" لكن لم يجر إعلان هويتهم في الوقت الحالي لأسباب أمنية.

وبإمكان تلك البرمجيات التي يجرى تنصيبها على أجهزة الجوال أو الحواسيب الوصول إلى كل البيانات الرقمية والحيوية، كبصمة الوجه والإصبع والصور الشخصية وحسابات البريد وكلمات المرور وغيرها.

لذا يرى خبراء أن سيطرة إسرائيل التي تتمتع بتاريخ عريض بالتجسس على هذه الشركات يعرض خصوصية المستخدمين لأخطار جسيمة.

الخصوصية في خطر؟

بحسب دراسة لجامعة EC-Council لمخاطر التكنولوجيا، ومقرها في نيو مكسيكو، نُشرت 14 أبريل 2023، يستخدم الأشخاص شبكات VPN لمجموعة متنوعة من الأسباب.

أولها الخصوصية، فهي أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الناس يستخدمون التطبيقات.

إذ تنشئ تلك الشبكات اتصالاً مشفراً يخفي نشاط المستخدمين عبر الإنترنت عن مزود خدمة الإنترنت (ISP) وعن أعيُن المتطفلين كذلك.

قالت إنه وفقا لاستطلاع سابق أجرته شركة ExpressVPN، التي باتت تمتلكها إسرائيل، أشار 74 بالمئة من المشاركين إلى أن الخصوصية عبر الإنترنت هي السبب الرئيس لاستخدام VPN.

أما السبب الثاني فهو الأمان، إذ توفر VPN للمستخدمين ميزات أمان محسّنة، مثل الحماية من التهديدات السيبرانية كالقرصنة والتصيد والبرامج الضارة.

وقد وجدت دراسة نشرتها مجلة "بي سي"، PCMag المتخصصة في أبحاث الكومبيوتر، وتملكها شركة زيف ديفيس أن 38 بالمئة من المشاركين استخدموا VPN لأغراض أمنية.

أما السبب الثالث لاستخدام شبكات VPN، وفق دراسة جامعة EC-Council فهو الوصول إلى المحتوى المقيد جغرافيا.

إذ يستخدم عديد من الأشخاص شبكات VPN للوصول إلى المواقع المحجوبة التي تقيد حكوماتهم الوصول إليها.

على سبيل المثال، تحجب مصر أكثر من 500 موقع أغلبها ينشر تقارير معارضة للسلطة، لذا يلجأ المصريون لتطبيقات لفك الحجب والتمكن من الاطلاع على هذه المواقع.

وقد طالبت 6 منظمات حقوقية في 20 يونيو 2023 خلال بيان مشترك برفع الحجب عن هذه المواقع الإلكترونية المحجوبة داخل مصر ما بين صحف ومنظمات حقوقية ومراكز أبحاث.

فإن كنت ناشطاً حقوقياً، أو إعلامياً، أو مواطنا يسعى لبعض الحرية في تصفح مواقع الويب والهروب من الرقابة، وتستخدم أحد تطبيقات الشبكات الافتراضية (VPN)، فأنت من ضمن 1.5 مليار مستخدم حول العالم واضعين بياناتهم وكل أسرارهم تحت وصاية تلك الشبكات، وفق ما يرى مراقبون.