إلغاء الحشد الشعبي استعراضه العسكري بالعراق.. اتفاق سياسي أم ضغط أميركي؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل الذكرى التاسعة لتأسيس "قوات الحشد الشعبي" بالعراق، غاب الاستعراض العسكري المركزي الذي دأبت الحكومات السابقة منذ عام 2016 على إقامته، ولا سيما أن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، انبثقت عن "قوى الإطار التنسيقي" الحليف لإيران.

ويتكون الحشد الشعبي من فصائل شيعية معظمها تدين بالولاء لما يعرف بـ"الولي الفقيه" المرشد الأعلى بإيران علي خامنئي، وقد تأسس في 13 يونيو/ حزيران 2014، بعد فتوى "الجهاد الكفائي" للمرجع الشيعي، علي السيستاني، للقتال ضد "تنظيم الدولة".

احتفالات مغلقة

وفي الذكرى السنوية لتأسيس "الحشد الشعبي"، اكتفت الحكومة بإجراء احتفاء داخل قاعة مغلقة حضرتها الرئاسات الثلاثة (الجمهورية، البرلمان، الحكومة) وعدد من النواب والمسؤولين وقيادات المليشيات المسلحة في البلاد.

وخلال كلمة له بالمناسبة في 14 يونيو 2023، قال رئيس الحكومة، إن "الحشد الشعبي أصبح من بين أهم التشكيلات الأمنية التي تعتمد عليها الدولة والحكومة لمواجهة الأخطار المستقبلية ولا يمكن الاستغناء اليوم عنه أو التفريط به".

ولفت إلى أنه "على المستوى الأمني فقد أصبح الحشد الشعبي جزءا أساسيا من حالة الاطمئنان في الشارع"، مؤكدا أن "التحديات الأمنية التي واجهها البلد سابقا، قد أصبحت اليوم من الماضي بفضل يقظة قواتنا الأمنية".

وأشار السوداني إلى أن "أن دور تشكيلات الحشد الشعبي لم يقتصر على تحرير الأرض، بل ساند الجيش لحفظ مؤسسات الدولة والنظام السياسي"، مبينا أن "فتوى الجهاد الكفائي، كانت ثمارها تحرير العراق من عصابات تنظيم الدولة".

ورأى أن "الحشد الشعبي بات بعد صدور قانونه، يمتلكُ كامل الشرعية المستندة للدستور، ويخضعُ لإشراف القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) مثل بقية الأجهزة الأمنية".

وفي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أقر البرلمان قانون "هيئة الحشد الشعبي" وسط مقاطعة نواب "تحالف القوى العراقية" السني، الذي عدّ تمرير القانون "نسفا للشراكة الوطنية".

وجاء تصويت البرلمان وسط خلاف بين الكتل السياسية على فقرات في القانون، تتعلق بالتوازن وتوزيع النسب بين مكونات الشعب ومشاركة جميع المحافظات في الدفاع عن مدنهم، وألا يقتصر على محافظة دون أخرى.

كما كان يدور الخلاف حول أعداد "الحشد الشعبي"، وألا تتجاوز 100 ألف مقاتل، لكن العدد استمر في تصاعد، والذي وصل عام 2023 إلى 238 ألفا و75 شخصا، أي بزيادة بلغت نحو 138 ألفا و75 شخصا.

ونص القانون وقتها على أن قوات الحشد ستكون قوة رديفة إلى جانب القوات المسلحة وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ويتألف الحشد من قيادة وهيئة أركان وألوية مقاتلة، ويخضع للقوانين العسكرية النافذة، ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه.

غضب وتساؤلات

غياب الاستعراض العسكري أثار تساؤلات أنصار الحشد قبل غيرهم، حيث قال الصحفي والمحلل السياسي المحسوب على الإطار التنسيقي، مازن الزيدي، إن "قيادات الحشد الشعبي مطالبون بتوضيح أسباب عدم إقامة الاستعراض السنوي بمناسبة الذكرى التاسعة للتأسيس".

وأضاف الزيدي عبر تغريدة على تويتر في 13 يونيو 2023 أن "جمهور الحشد وأبناءه يطالبون بتوضيح الأسباب، هل هي مالية أم لوجستية أم سياسية؟ من غير الصحيح استبدال الاستعراض السنوي باحتفالات القاعات المغلقة أو مسيرات سيّارة في الشوارع".

وفي السياق ذاته، أبدى رئيس مركز "أفق" للدراسات القريب من الإطار التنسيقي، جمعة العطواني، استغرابه من عدم إقامة استعراض عسكري للحشد الشعبي في ذكرى تأسيسه.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 15 يونيو 2023، قال العطواني: "في عيد الجيش والشرطة نحتفي ونستعرض عسكريا، لكن لماذا هذا العام في عيد تأسيس الحشد الشعبي المؤسسة الرسمية الدستورية القانونية، اقتصرت على الاستعراضات العفوية".

في المقابل، تساءل المحلل السياسي، رعد هاشم، عن أسباب السماح للفرقة التابعة للعتبات الدينية التي شكلتها المرجعية الشيعية في النجف، من الاستعراض العسكري تزامنا مع ذكرى تأسيس الحشد الشعبي.

وكانت "فرقة العباس القتالية" قد أعلنت في أبريل/ نيسان 2020 مع ثلاثة فصائل (لواء أنصار المرجعية، فرقة الإمام علي القتالية، لواء علي الأكبر) فك ارتباطها عن الحشد الشعبي، والارتباط بشكل مباشر بوزارة الدفاع تحت إشراف القائد العام للقوات المسلحة.

ونقل عن بيان قال إنه صدر عن خلية "الخبراء التكتيكية" في الفرقة، أكدت فيه أن "هذه الفعاليات تميزت بالظهور الأول لدبابات (أسد بابل) في صفوف لواء الكفيل المدرع التابع لفرقة العباس القتالية".

وتُعد "أسد بابل" أشهر نسخة عراقية مطورة للدبابة السوفييتية T-72، إذ جرى تحديث الأخيرة وإضافة مميزات أخرى مثل المنظار الليزري للمدفع الرئيس وتحسين التدريع، وكذلك قدرة الدبابة في محو أثر السرفة من على الرمل والطين، وقد بدأ إنتاجها عام 1989.

هدية للأميركيين

في المقابل، قال عضو التيار الصدري، عصام حسين، إن "آخر استعراض للحشد الشعبي كان في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وهذا يعني أن الرجل لم يكن يهتم بالرأي الأميركي".

ونقل حسين تصريحا عن أحد مستشاري رئيس الوزراء (لم يسمه) قوله إن "منع استعراض الحشد الشعبي هو هدية للإدارة الأميركية التي تدعم حكومة الإطار ومليشياتها بقوة".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال علي تركي، عضو البرلمان عن كتلة "صادقون" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" خلال مقابلة تلفزيونية في 15 يونيو 2023 إن "قضية إلغاء الاستعراض لا أعتقد وراءها اتفاقات سياسية، بقدر ما هي ضغوط أميركية".

وأوضح البرلماني أن "الضغوط الأميركية واضحة، والعداء الأميركي للحشد والذي سبق أن استهدف أبو مهدي المهندس (نائب رئيس الحشد الشعبي قتل مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي في يناير/ كانون الثاني 2020)".

وأردف: "كل الحكومات التي توالت منذ تأسيس الحشد الشعبي وحتى اليوم، ومن ضمنها حكومة السوداني لم تعط حقوق الحشد سواء على مستوى أفراد أم تشكيلات".

وتعليقا على ذلك، قال الباحث في الشأن السياسي، إياد ثابت، إن "الحديث عن ضغط أو تبليغ أميركي للحكومة العراقية بمنع إقامة الاستعراض هذا العام، أثار لغطا وتململا داخل صفوف الحشد الشعبي".

وأوضح ثابت لـ"الاستقلال" أن "الغريب في الموضوع هو جهر المليشيات في أن منع الاستعراض جاء بضغط أميركي، وهذه تحصل لأول مرة وفي ظل حكومة هم شكلوها، فأين لغة التحدي والإصرار على إقامة مثل هذه الفعاليات واعتبارها من الأمور المقدسة".

وتابع: "هذه المليشيات في العادة تزيّف الحقائق وتختلق الأكاذيب للظهور أمام أنصارها وجماهيرها بأن الحشد قوي ومتماسك ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تملي عليه أي شيء".

وأعرب ثابت عن اعتقاده بأن "اعترافهم بالضغط الأميركي ربما يكون من قبيل التهييج لجماهيرهم ضد الولايات المتحدة، وتلميع لصورتهم في الوقت ذاته بأن الأميركيين يخشونهم، لكنهم أغبياء حتى بتفكيرهم هذا".

وشدد على أن "هذه التصريحات وإلقاء اللوم على الأميركيين بعدم إقامة الاستعراض العسكري تعطي انطباعا للرأي العام أن واشنطن هي المتصرف الأول في العراق حتى مع حكومة يقودها الإطار التنسيقي، وأن بإمكانها عمل كل شيء، حتى حل الحشد الشعبي".

ويتولى رئاسة الحشد الشعبي، فالح الفياض، لكن القائد الفعلي هو رئيس الأركان فيه عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك" أو "الخال" والذي تدور حوله اتهامات بارتكاب مجازر بحق المتظاهرين في احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 التي سقط فيها 800 قتيل ونحو 30 ألف جريح.

وتولى "أبو فدك" المحمداوي- الذي يعد القائد الفعلي للحشد الشعبي- منصبه خلفا لأبي مهدي المهندس الذي قتل بغارة أميركية مع قاسم سليماني قرب مطار بغداد في يناير 2020.