كرزة تزين كعكته.. لماذا يحشد ابن سلمان قواته في باريس لاستضافة إكسبو 2030؟
في زيارة مطولة استغرقت عشرة أيام، حط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رحاله في باريس يوم 16 يونيو/حزيران 2023، ضمن حشده القوة الناعمة لاستضافة حدث عالمي.
فمن أبرز الملفات التي جرى تناولها على مائدة قصر الإليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وابن سلمان، قضية استضافة السعودية "إكسبو 2030".
وفي 19 يونيو 2023 شارك ابن سلمان بنفسه في حفل استضافة المملكة معرض "إكسبو 2030" الذي أقامته "الهيئة الملكية لمدينة الرياض" في قصر Grand Palais بباريس.
واستضاف في الحفل مندوبي 179 دولة من أعضاء المكتب الدولي للمعارض (المنظمة المسؤولة عن معرض إكسبو الدولي) في سعي حثيث لإقناعهم بترشيح الرياض لإقامة "إكسبو 2030".
فلماذا يسعى الأمير لتنظيم هذا الحدث بقوة؟ ولماذا اختار باريس كمركز إستراتيجي لإدارة حملته؟ وما العوائق التي ستواجهه؟
لوبي الضغط
وفي 12 يونيو 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، أن المملكة اختارت "Hopscotch" الفرنسية، وهي شركة للعلاقات العامة مقرها باريس، للإشراف على لوبي الضغط السعودي، لإدارة حملة ترشيح الرياض لمعرض "إكسبو 2030".
وذكرت أن ولي العهد السعودي أرسل عددا من الوزراء إلى باريس منتصف يونيو، كجزء من الجهود المبذولة لوضع شراكة ثنائية إستراتيجية مع فرنسا لهذا الحدث. وأوردت أن الرياض تسارع بقوة إلى الحدث العالمي،
وقد وصل وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إلى باريس في 19 يونيو للمشاركة في رئاسة منتدى الاستثمار الفرنسي السعودي الذي تنظمه شركة MEDEF الدولية مع وزير التجارة الخارجية الفرنسي أوليفييه بيشت، بترتيب من "Hopscotch" في إطار خطتها لتمكين الرياض من "إكسبو 2030".
وحينها أعلن الفالح خلال كلمته بالمنتدى أن "الميزانية التي خصصتها المملكة لاستضافة معرض إكسبو الدولي 2030، الذي ترشحت الرياض لاستضافته، هي 7.8 مليار دولار".
ومن جانبها استهدفت "Hopscotch" جذب أكثر من 600 شخص إلى "المكتب الدولي للمعارض" في باريس، للقاء الوزراء السعوديين ورجال المملكة المسؤولين عن الملف.
ومن المقرر أن يجري اختيار المدينة التي ستستضيف معرض إكسبو الدولي 2030، عبر تصويت يستند إلى قاعدة "دولة واحدة، صوت واحد"، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2030.
وتعتزم الرياض ضمان حصولها على أغلبية الأصوات لصالحها قبل التصويت، وهي حريصة بشكل خاص على تأمين أصوات الدول الإفريقية، التي تمثل ما يقرب من ثلث المجموع.
وستحضر منظمات الأعمال الفرنسية السعودية مثل مجلس الأعمال السعودي الفرنسي (CAFS) بقيادة رئيسه محمد بن لادن، وكذلك 10 وزراء سعوديين أو قريب من هذا العدد، إلى باريس خلال تلك الفترة، وستكون مهمتهم الترويج للاستضافة السعودية.
ومن الذي يعتمد عليهم ابن سلمان بقوة في حملته وزراء الثقافة والسياحة والتجارة، وكذلك إبراهيم بن محمد السلطان وزير الدولة، والرئيس التنفيذي المعين أخيرا للهيئة الملكية لمدينة الرياض، بحسب ما ذكرته مجلة "إنتيليجنس أونلاين".
وأضافت أن ولي العهد الذي يتابع المشروع مباشرة، يرمي إلى جعل معرض إكسبو 2030، وكذلك المديرية العامة لليونسكو منصات لعرض إستراتيجية "رؤية السعودية 2030".
والتي تتكون من سلسلة من المشاريع التي تهدف إلى جعل السعودية في الصدارة في منافستها الحثيثة مع الإمارات، خاصة وأن الأخيرة استضافت "إكسبو 2020".
أسلحة ناعمة
وقد بدأ ابن سلمان الحشد مبكرا، ففي يونيو 2022، عين الدبلوماسي الفرنسي السابق موريس جوردولت مونتاني لبدء حملته في باريس.
وجاء ذلك بعد أن ترك الأخير منصبه كرئيس للجنة الأخلاقيات في شركة Avisa Partners ليصبح مستشارا أول لمجموعة بوسطن الاستشارية.
وفي 16 مايو/أيار 2023 نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن "محمد بن سلمان أصبح واثقا من أن النصر صار في متناول يده".
حتى إنه حاول إقناع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بالتخلي عن استضافة روما لمعرض إكسبو 2030 إثر تعزيز البلدين علاقاتهما عقب انتهاء الحظر الإيطالي على مبيعات الأسلحة للمملكة، وفق الموقع.
وأضاف: "هذا هو الهدف الأساسي لحضور ابن سلمان القمة الأولى لحدث بعنوان (ميثاق مالي عالمي جديد) نظمه ماكرون في باريس، في 23 يونيو 2023".
فبالإضافة إلى بعده العالمي، حضره أكثر من 20 رئيس دولة إفريقية، واستهدف ابن سلمان بشكل خاص هؤلاء، الذين تمثل دولهم ما يقرب من ثلث الناخبين في انتخابات استضافة معرض إكسبو 2030.
وفي ذلك دلالة واضحة أن ولي العهد السعودي لن يدخر جهدا في مسعاه نحو استضافة "إكسبو 2030" كحدث إستراتيجي مهم وفارق في مسيرته السياسية.
خاصة وأنه رأى دبي تستضيف "إكسبو 2020" وقطر غريمته اللدودة تستضيف كأس العالم 2022.
أهمية إكسبو
ومن هنا يبرز تساؤل: لماذا يسعى ابن سلمان لاستضافة ذلك المعرض؟ ويعطيه كل هذا الاهتمام ويدشن رجاله ويستيعن بجماعات الضغط، ويتواصل مع زعماء العالم بشأنه؟
تكمن أهمية معرض "إكسبو" بصفته أهم معرض دولي عالمي يقام كل 5 سنوات، فى بلدان مختلفة حول العالم، هدفه الرئيس عرض الإنجازات في مجالات عدة، كالصناعة والتكنولوجيا وعلوم الفضاء وغيرها.
يستمر المعرض لمدة 6 أشهر، يجذب خلالها ملايين الزوار من أفراد وشركات ومنظمات وحكومات، بهدف التعرف على الأجنحة والفعاليات المقامة داخله.
ويصنف معرض إكسبو الدولي كثالث أهم حدث بعد كل من بطولة كأس العالم لكرة القدم ودورة الألعاب الأولمبية من حيث الصدى الاقتصادى.
وتاريخيا أقيمت الدورة الأولى من معرض إكسبو خلال عام 1851 فى العاصمة البريطانية لندن، وكانت تحت عنوان "لواء المشاركة الإنتاجية، لتعزيز العلاقات الدولية وتسليط الضوء على أهمية التنوع الثقافي ودوره في إثراء الصناعات التكنولوجية".
حضر المعرض آنذاك قرابة 6 ملايين شخص، وجرى تحصيل إيراداته واستثمارها في بناء متحف فيكتوريا وألبرت.
أما النسخة الأخيرة التي أقيمت في دبي تحت عنوان "إكسبو دبي 2020" والتي بدأت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021 (بسبب ظروف جائحة كورونا) كانت مغرية لمحمد بن سلمان، أن يسعى إلى المضي قدما نحو نسخة مماثلة في الرياض.
وقد حققت الإمارات من وراء استضافة إكسبو عددا من المكاسب الإستراتيجية، أولها من حيث المشاركة بتواجد ممثلي 191 دولة، وحضور 25 مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، مع حجز قرابة 80 ألف غرفة فندقية ما أنعش السياحة والاستثمار والاقتصاد.
وذكر الموقع الرسمي لنسخة "إكسبو دبي 2020" الذي أطلقته الإمارات، أن المعرض جذب عددا كبيرا من المستثمرين وكبار رجال الأعمال، مع عقد العديد من الشراكات العالمية بين الشركات الإماراتية والأجنبية.
وأورد أن سوق العقارات الإماراتية شهد مع بدء توافد الزائرين للحدث تحسنا كبيرا في زيادة الطلب على الفيلات والوحدات الفاخرة وعقارات الواجهات المائية خاصة في دبي، كما عزز إكسبو قبل وأثناء انعقاده من جودة خدمات المواصلات ومشاريع البنية التحتية المرتبطة بها.
لذلك فإن ولي العهد السعودي يرى في المعرض أهمية قصوى من أكثر من ناحية، منها ما يتعلق بالاقتصاد وجذب الاستثمار، وأيضا بصورته التي تضررت بشدة عقب قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018.
عوائق الأمير
وللمفارقة فإن ابن سلمان الذي اتخذ من باريس مركزا استراتيجيا لإدارة حملته نحو "إكسبو 2030" لا ينسى أن ماكرون أيضا هو الذي ساهم في كسر عزلته، عقب اغتيال خاشقجي.
إذ بدت قوة العلاقة بين ابن سلمان وماكرون، في الوقت الذي عانى فيه ولي العهد السعودي من كونه "منبوذا دوليا".
هنا تميزت الارتباطات بين النظامين السعودي والفرنسي في أحلك اللحظات، وهو ما ظهر بشدة في 30 نوفمبر 2018.
فعلى هامش قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في الأرجنتين، وجد ابن سلمان نفسه معزولا عن جميع القادة والرؤساء.
وتجنب معظمهم التقاط الصور أو الحديث معه بشكل منفرد، إلا عدة زعماء قلائل من بينهم ماكرون الذي تقرب منه، وعقد معه محادثة لنحو 5 دقائق، طمأنه خلالها بأنه سيتعامل مع قضية خاشقجي، بينما اكتفى ولي العهد بالابتسام.
الآن أيضا خلال مسعى الأمير لـ "إكسبو 2030" ورغم اختلاف موازين القوة، فهو حاليا أقوى كثيرا من وضعه أيام أزمة خاشقجي، لكنه يواجه اعتراضات وعوائق حقوقية شرسة ترفض استضافته للحدث العالمي.
وفي 17 مايو 2023 طلبت 12 منظمة حقوقية منظمي معرض "إكسبو 2030" بعدم السماح للرياض بتنظيمه، وقالوا إن سجل المملكة "السيئ" في مجال حقوق الإنسان يهدد بتلطيخ الحدث.
تلك المنظمات على رأسها منظمة "منا لحقوق الإنسان" التي راسلت المكتب الدولي للمعارض (BIE) ومقره باريس، وطالبت باستبعاد السعودية من السباق.
وعللت هذه المطالبة بـ"استمرار الانتهاكات الحقوقية بالمملكة، والتي يتمثل أبرزها في الاستمرار باستخدام الإعدام كعقوبة، وإسكات المدافعين عن حقوق المرأة، واستهداف المعارضين في الخارج".
وأعلنت بوضوح: "إذا مر ترشيح السعودية، وانتهى الأمر باستضافتها معرض إكسبو العالمي 2030، فهذا يعني ببساطة أن العالم يتستر على السجل المروع للمملكة".
المصادر
- expo-2030-hopscotch-oversees-low-key-saudi-lobbying-in-paris
- World Expo 2030 organisers urged to drop Saudi Arabia as potential host
- لهذه الأسباب.. 12 منظمة حقوقية تطلب استبعاد السعودية من التنظيم المحتمل لإكسبو 2030
- السعودية تعرض ملف “الرياض إكسبو 2030” وتخصص 7.8 مليار دولار لاستضافته
- محمد بن سلمان يصل فرنسا في زيارة رسمية ويقيم في منزله قصر لويس الرابع عشر
- كل ما يجب أن تعرفه عن اكسبو
- في ختام إكسبو 2020 دبي.. 4 مكاسب استراتيجية للإمارات
- الثقافة في الإمارات 2021..انجازات عالمية تصدرها «اكسبو دبي»