"قد ينقلبون على البرهان لاحقا".. كيف يمكن للإسلاميين لعب دور لحل أزمة السودان؟

12

طباعة

مشاركة

مع دخول الحرب التي بدأت في السودان يوم 15 أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع والجيش، شهرها الثالث، وظهور صعوبة في حسمها عسكريا، يبرز دور القوى المدنية وخاصة التيار الإسلامي بفصائله المختلفة في إنهاء الأزمة.

ولأن التيار المدني اليساري الليبرالي الذي دخل في شراكة مع الجيش والدعم السريع عقب عزل الرئيس عمر البشير عام 2019، انتهى دوره وتأثيره الفعلي بتصارع شركائه العسكريين، برزت أهمية التيار الإسلامي، لأن له وجود أيضا داخل المنظومة العسكرية.

لكن ما يجعل التيار الإسلامي ضعيفا رغم قوته العددية والتنظيمية، هو تعدد الفصائل الإسلامية وتوزعها على قيادات مختلفة، تشتت قوتهم، لكن أغلبها يدعم الجيش ضد الدعم السريع، بحسب مصادر سودانية استطلعت "الاستقلال" آراءها.

هذا الأمر انعكس أيضا على انقسام العسكريين الإسلاميين وتوزع تركيبتهم بين الفريقين المتحاربين، وهما قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وإن كانوا يتركزون أكثر داخل الجيش ويدعمونه.

وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب وسياقات هذا الدعم من جانب الإسلاميين للجيش، وكيف يؤثر وجودهم على طرفي الحرب في وقف أو تصعيد القتال ومستقبل السودان؟، وما هي أسباب وسياقات دعم أغلبهم للجيش؟.

الإسلاميون والجيش

منذ بداية الحرب، أعلنت أحزاب ومجموعات عدة تنتمي للحركة الإسلامية موقفها الداعم للجيش، مثل مجموعة رئيس "التيار الإسلامي العريض"، علي كرتي، وجماعة أنصار السنة المحمدية، وغالب الحركات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

لم يخف الإسلاميون تأييدهم للجيش، واستعدادهم للذود عنه والقتال في صفوفه بصفته أحد رموز سيادة البلاد.

وكان موقف الإسلاميين الأبرز في هذا الصدد، قول رئيس "التيار الإسلامي العريض"، كرتي، بعد أسبوع من بدء الحرب بين الجيش والدعم السريع إن "الحركة الاسلامية حددت موقفها المعلن بالوقوف خلف القوات المسلحة"، بحسب صحيفة "السوداني" في 23 أبريل/نيسان 2023.

وإعلان الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، عقب هروبه من سجن كوبر، في تسجيل صوتي، تأييده للجيش، داعيا قواعد حزبه إلى الالتفاف حول القوات المسلحة.

وقبل هذا قول القيادي بالحركة الإسلامية السودانية، أمين عمر، في حوار مع برنامج "المسائية" على قناة "الجزيرة مباشر" في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إن "الحركة الإسلامية لن تكف عن إظهار دعمها للجيش كمؤسسة قومية ممسكة بالبلد".

وأكد أن "الحركة الإسلامية قاتلت مع القوات المسلحة خندقا بخندق، يعني أننا رفقاء خنادق مع الجيش، وسنبقى ندعم المؤسسة"، واصفا مهاجمة البرهان للحركة الإسلامية مرتين يومي 3 و13 نوفمبر 2022 بــ"كلام منابر".

ورغم تحذيرات "البرهان" للإسلاميين يومي 7 و13 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 من التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية أو محاولة المشاركة في الحكم، ظلت أغلب فصائل إسلاميي السودان تدعم الجيش ضد قوات "حميدتي".

المحلل السياسي والصحفي السوداني، وليد الطيب، أوضح لـ"الاستقلال" أن "أغلب فصائل الإسلاميين ترغب في استمرار قيادة الجيش على رأس الفترة الانتقالية لذا يدعمونه".

وأشار إلى "تأييدهم أيضا تشكيل حكومة برئيس وزراء مستقل، أو عبر توافق واسع لا يستثني طرفا، ويريدون أن تحسم الانتخابات الصراع سواء بين المدنيين أو العسكريين".

وأكد أن أغلب إسلاميي السودان يدعمون الجيش ضد قوات "حميدتي" لأسباب واضحة ذكر منها أربعة.

أولها، لأن حميدتي يريد تفكيك الجيش وإحلال قواته (الدعم السريع) محله، جيشا وطنيا بديلا، وقد صرح بذلك مستشار حميدتي، ياسر عرمان.

وثانيها، العداء المعلن من طرف حميدتي تجاه الحركة الإسلامية السودانية ككل من غير أسباب واضحة، لكن بالتزامن مع تحالفاته الخارجية مع دول لها مواقف سلبية من الإسلاميين (الإمارات).

وثالثها، بسبب دور حميدتي في الانقلاب على حكومة الرئيس السابق عمر البشير المحسوبة على الإسلاميين، وهو يعد خيانة للرجل الذي صنعه من عدم.

ورابعها، أن هيمنة حميدتي على السلطة في السودان واستخدامه تحالف أحزاب "قوى الحرية والتغيير" اليسارية أداة لمنح سلطته شكلا شرعيا، يتعارض مع مصالح الإسلاميين.

لكن المحلل السياسي، الطيب، قال إن المشكلة هي تشعب المتحدثين باسم الحركة الإسلامية، هل هم حزب المؤتمر الوطني الحاكم المحلول؟، أم الأحزاب الجديدة مثل "حركة المستقبل" بزعامة عبد الواحد يوسف إبراهيم؟ أحد كوادر الحركة الإسلامية؟

أم هي المؤتمر الشعبي (حزب الراحل حسن الترابي)؟ أم هي تشكيلة أخرى من الإسلاميين مثل رئيس حزب "دولة القانون والتنمية"، محمد علي الجزولي، وآخرين كانوا جزءا من الحركة الإسلامية ذات الجذر الإخواني؟ وفق قوله.

أم يقصد بالحركة الإسلامية "التيار الإسلامي العريض" الذي تشكل في 20 أبريل 2022 وضم 10 قوى وتيارات إسلامية بقيادة وزير الخارجية السابق، علي كرتي؟، ملمحا بأن مصطلح "حركة إسلامية" غير واضح المعالم الآن في السودان.

أوضح أنه رغم دعم أغلب الفصائل الإسلامية للجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع، هناك مشكلة هي أن البرهان يبدو ليس قويا بما يكفي للحسم.

صراع وشيك

مسؤول سوداني سابق، فضل عدم ذكر اسمه أوضح لـ"الاستقلال" أن هناك مشكلة أعمق تتعلق بظهور صراع بين البرهان والتيارات الإسلامية التي دعمته.

وسعى البرهان وحميدتي على السواء لإطلاق تصريحات ضد الإسلاميين إرضاء لأجندات خارجية تتعلق بسعيهما لطلب دعم دول الثورة المضادة التي تعادي الإسلاميين، والغرب، ما يعمق الأزمة.

ومع تزايد نفوذ عسكريين إسلاميين عقب صراع البرهان وحميدتي، بدأت وسائل إعلام عربية وأجنبية معادية للإسلاميين تتخوف من خروجهم منتصرين وتروج لصراع بينهم وبين البرهان بدعوى أنه ليس حازما بصورة أكبر مع قوات حميدتي، وتشير لانتظار الإسلاميين انتصار الجيش الذي سيكون في صالح الحركة.

صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية وموقع "يورونيوز" الأوروبي أكدا في 29 مايو 2023 أن هناك بوادر صراع وشيك بين البرهان وإسلاميي السودان، وقالا إن "الإسلاميين لديهم وجود كبير في المؤسسة العسكرية، عملوا عليه منذ وصولهم إلى السلطة في انقلاب البشير عام 1989". 

وزعم الموقع الأوروبي أنه "منذ اندلاع الصراع بين الجيش والدعم السريع في السودان، يحاول الإسلاميون، استغلال الوضع القائم ليضمنوا وضعا ملائما لهم في التسوية السياسية المستقبلية". 

وأبلغت مصادر سودانية مقربة من الحركة الإسلامية "الاستقلال" أن "هذه المعلومات المنشورة، محاولة من قبل أطراف انقلابية عربية خصوصا الإمارات والإعلام السعودي وقوى غربية للترويج لصراع وهمي بين الجيش والإسلاميين ضمن معركة دعمهم لـحميدتي".

وقالت إن "هذه التسريبات التي تنشرها صحف موالية لدول الثورة المضادة مثل (الشرق الأوسط) وصحف الإمارات هي فزاعة للداخل للوقوف ضد الجيش، وتسويق أن الجيش كله إسلاميون لمزيد من الضغط الخارجي لصالح حميدتي".

ومرت العلاقة بين الإسلاميين والمجلس السيادي بقيادة البرهان خلال المرحلة الانتقالية بمنعطفات متعددة، أبرزها عندما شكلت حكومة عبد الله حمدوك لجنة "إزالة التمكين"، التي هدفت إلى تفكيك نظام البشير بفصل العديد من الإسلاميين من مناصبهم.

وأصدرت اللجنة قرارات بفصل آلاف الموظفين من الخدمة المدنية والسفراء والدبلوماسيين والمستشارين القانونيين والقضاة، بصفتهم من الإسلاميين والموالين لهم.

وترافق ذلك مع إحالة البرهان مئات ضباط الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة للتقاعد، وقد عدّ إسلاميون قرارات اللجنة "تصفية حسابات سياسية وانتقاما منهم".

لكن حدث تحوّل واستدارة في العلاقة بين البرهان والإسلاميين قبيل انقلاب البرهان على القوى المدنية اليسارية "تحالف قوى الحرية والتغيير" التي كانت تشاركه الحكم في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وذلك عندما ألغت المحكمة العليا قرارات لجنة "إزالة التمكين"، وأعادت كل الذين فصلتهم اللجنة إلى وظائفهم. 

وهو ما أثار غضب "قوى الحرية والتغيير" التي عدّت الأمر "ردة على "الثورة" التي أطاحت بحكم البشير والإسلاميين، وانحيازا من البرهان إليهم.

وزعمت قوى الحرية والتغيير أن هناك تحالفا خفيا بين الطرفين (البرهان والإسلاميين) لضمان استمرار قائد الجيش في موقعه السيادي والاستقواء بالإسلاميين على معارضيه.

نفوذ تاريخي

بسبب دور الحركة الإسلامية (الترابي وأنصاره) في السلطة خلال حكم البشير مدة 30 عاما، زاد نفوذ الإسلاميين داخل الجيش.

ورغم صراع البشير والترابي، ثم انقلاب البرهان وحميدتي علي البشير، وإبعاد قيادات عسكرية تنتمي للتيار الإسلامي عن الجيش، ظل تواجد الإسلاميين قائما وبقوة داخل الجيش.

المسؤول السوداني السابق الذي تحدث لـ"الاستقلال" أكد أن "هناك وجودا كبيرا للضباط الإسلاميين داخل الجيش، خاصة أن قادة حزب المؤتمر الحاكم سابقا سعوا لتعميق الوجود الإسلامي داخل الجيش".

وأكد أنه "رغم الحديث عن إضعاف العسكريين الإسلاميين وعزل العديد منهم، إلا أن هؤلاء المعزولين كانوا فقط بعض القادة المعروفين بينما غالبية جسم الجيش موال للفكر الإسلامي"، مشيرا إلى أن "انتقاد كل من البرهان وحميدتي لإسلاميي الجيش موجه للخارج".

ولم يستبعد أن ينقلب رموز الإسلاميين في المؤسسة العسكرية على البرهان في الوقت الذي يرونه مناسبا لذلك، بسبب ضعفه ودوره في إشعال الصراع في السودان.

وقال محلل عسكري طلب عدم كشف هويته،  إن "الإسلاميين لديهم وجود في المؤسسة العسكرية عملوا عليه منذ وصولهم إلى السلطة في انقلاب البشير عام 1989".

وتابع: "حاول البرهان إبعاد بعضهم، ولكنه في ذات الوقت أبقى على البعض الآخر".

وأشارت دراسة لمركز "ريفت فالي إنستتيوت" المختص بشؤون السودان في 2 مايو/أيار 2023 إلى أن "العسكريين حكموا مدة 55 عاما منذ أن نال استقلاله قبل 67 عاما".

وشدد على أن "السياسة السودانية مرتبطة ارتباطا عضويا بالعسكريين، والجيش هناك مؤسسة مسيسة"، ما يفسر صراعات البرهان وحميدتي على النفوذ.

وينوه المحلل السوداني، الطيب، إلى أن "وجود العسكريين الإسلاميين لا يقتصر علي الجيش، فهناك عسكريون إسلاميون موجودون أيضا داخل قوات الدعم السريع وبينهم قادة كبار".

وأفاد بوجود عدد كبير من العسكريين الإسلاميين مع حميدتي، على رأسهم حسبو محمد عبد الرحمن، نائب البشير المحسوب على الحركة الإسلامية.

والجنرال عثمان محمد حامد الشهير بـ"عثمان عمليات"، وهو عضو في الحركة الإسلامية وكان زميلا في الدراسة مع القيادي بالحركة الإسلامية أنس عمر، وأحد من أحالهم البرهان في مايو 2023 إلى التقاعد.

لكن لماذا يحارب هؤلاء القادة العسكريون الإسلاميون مع حميدتي ضد الجيش؟ ولماذا يهاجم حميدتي الإسلاميين بينما قادة منهم يحاربون معه؟

بحسب " الطيب" الأمر يرجع لسببين، الأول أن غالبية من يحاربون معه هم من دارفور، أي يقفون معه لأسباب قبلية، والثاني أن حميدتي يهاجم الإسلاميين "ربما لارتباطه بعلاقات خارجية (الإمارات) لها موقف سلبي من الإسلاميين".

وكان نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، الذي عينه البرهان بدل حميدتي، انتقد مقولة الأخير أنه "يحارب الإسلاميين داخل الجيش لا شرفاء الجيش".

وفي لقاء مع "المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية"، وهو مركز بحثي استخباري، بالقاهرة في 17 يونيو/حزيران 2023 قال عقار إنه "أمر مُعقد معرفة من هو إسلامي أو غير إسلامي داخل الجيش، لأنه ليس مكتوبا على جباههم أنهم إسلاميون".

حملة اعتقالات

رغم وجود عسكريين إسلاميين ضمن قوات حميدتي، تحدثت حسابات سودانية على تويتر معادية لهم، عن اعتقال الدعم السريع لعدد من أبرز قادة الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين في السودان.

موقع موال لحميدتي ويروج لأخبار الإمارات، يسمى "برق السودان" زعم في 23 مايو 2023، أنه تم اعتقال علي كرتي رئيس الحركة الإسلامية ومعه أنس عمر والجزولي عبر قوات الدعم السريع.

 

لكن كرتي نشر في 29 مايو، عدة تغريدات تنفي ذلك عمليا منها تهنئته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوزه في انتخابات الرئاسة ما أكد كذب هذه المزاعم.

بيد أن مصادر سودانية أبلغت "الاستقلال" أن قوات الدعم السريع اعتقلت بالفعل قرابة 6 من أعضاء الحركة الإسلامية أبرزهم القيادي البارز بالمؤتمر الوطني السابق، أنس عمر، ورئيس حزب العدالة، محمد على الجزولي، وهو إسلامي معروف.

الصحفية المتخصصة في الشأن السوداني، صباح موسي، أبلغت "الاستقلال" أن قوات حميدتي "أجبرتهم أن يسجلوا فيديوهات كل على حدة يقولون فيه إن الإسلاميين والإخوان يقفون خلف هذه الحرب".

ويعترفون فيها، كرها، أنهم اتفقوا مع البرهان على إسقاط حكومة حمدوك، وشاركوا في انقلاب 25 أكتوبر 2022، وحددوا ساعة الصفر لهذه الحرب بالتنسيق مع علي كرتي، والذي اتهمه حميدتي بأن الجيش يقوم بهذه الحرب بالوكالة عنه وعن الحركة الإسلامية.

وفي أعقاب بث فيديو لرئيس حزب دولة القانون والتنمية الإسلامي، محمد علي الجزولي، يتضمن هذه الاعترافات تحت الإكراه، أكدت صفحته الموثقة على "فيسبوك" أنه "مختطف".

وأشار ضمنا إلى مسؤولية قوات الدعم السريع، مؤكدا أن الفيديو المصور له لا يعبر عنه وأنه محاولة لاستنطاقه بما يريده حميدتي، وهو الزعم أن الحركة الإسلامية وراء الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع.

أيضا نشرت قوات حميدتي فيديو للقيادي الإسلامي أنس عمر بعد اختطافه يتضمن اعترافات كاذبة تحت التهديد، وفق المصادر، بدعوى أنه اعترف بدعم الحركة الإسلامية، لقتال الجيش ضد الدعم السريع.

ونشرت الحركة الإسلامية بيانا في 24 مايو/أيار 2023 تؤكد فيه أن هذه الاعترافات تمت تحت التهديد، وأنه تم اختطاف من قالوها، منتقدة "إرهاب قوات الدعم السريع المتمردة" وفق البيان.

وسبق لحميدتي أن زعم أن الإسلاميين هم من أوصل البرهان إلى السلطة في أبريل/نيسان 2019، وكرر في تغريده اتهاماته هذه، وزعم أنه "يقاتل إسلاميين راديكاليين" لا الجيش، ووصف البرهان بأنه "إسلامي متطرف"، في 17 أبريل 2023.

مستقبل الصراع

تحركات الجيش خاصة الجوية بقصف قوات وتجمعات حميدتي لا تبدو اعتباطية، وإنما ضمن خطة للقضاء عليها، وفق رؤية المحلل السياسي والصحفي، وليد الطيب، لـ"الاستقلال".

وأوضح أن "إستراتيجية الجيش للقضاء على قوات حميدتي تقوم على تدمير المركبات العسكرية التابعة له بشكل أساسي، وقطع خطوط إمداد التسليح ثم القضاء على القيادات الميدانية وفتح ممرات الهروب للجنود الذين لا تعتقلهم".

وقال الطيب: "أتوقع مع حلول الخريف في السودان (يوليو/تموز وأغسطس/آب) أن ينقطع خط الإمداد وطريق الهروب بعد امتلاء الخيران والأودية بالمياه في كردفان ودارفور وهذا قد يمكن الجيش من إحراز تقدم ميداني واسع".

ويرى أن هذا الانتصار المتحمل للجيش قد يسمح بقيام تفاوض لإنهاء الحرب بشكل منظم، لكن المحلل السياسي يحذر من أنه "إذا لم يحدث ذلك حتى نهاية أغسطس فإن الحرب ستطول".

وخلال لقاء معه في "المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية"، قال نائب رئيس مجلس السيادة، عقار، إن "حميدتي كان يريد الحرب من منذ البداية لاعتلاء السلطة".

لكنه أكد أن "الجيش سينتصر في النهاية في معركته ضد الدعم السريع، لكن لا نقدر أن نحدد وقتا معينا، بالصبر والتخطيط الإستراتيجي".

وقال عقار إن "الحرب بدأت في 13 أبريل 2023 باحتلال قوات حميدتي لقاعدة مروي بالخرطوم، لا يوم 15 أبريل (تاريخ اشتباك الطرفين)، وأن حميدتي تعلل بوجود قوات مصرية في القاعدة".

وأضاف "سألنا حميدتي عن تاريخ وجود القوات المصرية، فقال منذ عام 2019، أي أنها لم تحضر خصيصا لقمع قواته ودعم الجيش ضده كما زعم، لكنه بدأ بعدها بالهجوم على المقرات والمواقع".

واستبعد عقار الحل الديمقراطي حاليا قائلا: "لا يجوز أن يكون هناك عمل ديموقراطية بالبندقية، هناك أطراف تحمل البندقية والعملية أصبحت معقدة، والهدف الأساسي هو احتلال السلطة".

ووجه عقار خلال اللقاء رسالة مبطنة لمصر ودول المنطقة والقرن الإفريقي أفاد فيها "إذا انهار السودان في الصباح ستنهار الدول المجاورة له ليلا!".

ويقول محللون إن "تفرد الإسلاميين في السودان بأنهم كانوا جزءا من النظام السياسي وجزءا من المؤسسة العسكرية، يجعل حسم الصراع الدائر مرهونا بدور لهم، وقد ينتهي الصراع بين العسكر إلى عودتهم للسلطة".

ويرون أن "عودة الإسلاميين إلى المشهد ومؤشرات حضورهم تتعلق بالبيئة السياسية التي تشكلت خلال المرحلة الانتقالية، والتي ساهمت في جزء من حيثياتها في عملية تسهيل عودة الإسلاميين". 

وتراجع حجم الرفض الشعبي للإسلاميين، لا سيما بعد حالة الإرباك والتعطيل والتأجيل التي مرت بها المرحلة الانتقالية منذ 11 أبريل/ نيسان 2019.

وفشل المدنيون والعسكريون في التوافق على وقف التدهور والصراعات وتسليم السلطة وإجراء الانتخابات، وتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ثم دخول العسكر في حرب بينهم على المناصب والثروة.

أيضا زاد من شعبية الإسلاميين هرولة العسكر (البرهان وحميدتي) باتجاه التطبيع مع إسرائيل ولقاءاتهم وزياراتهم لقادة ومسؤولين في كيان الاحتلال، ورهانهم بأن التطبيع يمكن أن يكون رافعة اقتصادية وسياسية لهم.

فيما أفضى ذلك إلى نتائج عكسية، لتعارض التطبيع مع المزاج الشعبي العام، ورفض السودانيين وخروجهم للتظاهر ضد التطبيع والعسكر معا.

وهو ما يشير إلى ملامح عودة الإسلاميين للمشهد السوداني ومؤشرات لصعودهم بشرط تقديم خارطة طريق وطنية توافقية تطمئن القوى السياسية الأخرى للخروج من الأزمة الحاصلة والصراع الدائر، حسبما يؤكد الباحث ثابت العمور، في مقال نشره عبر موقع قناة "الميادين" اللبناني في 3 مايو/أيار 2023.

وفي دراسة بمركز "المسبار للدراسات والبحوث"، حول مستقبل الإسلاميين في السودان نشرت في 8 فبراير/شباط 2023، يقول الباحث السوداني، وعضو الحزب الاتحادي، محمد المبروك، إنه "سيتأثر بعدة عوامل".

وأبرز هذه العوامل، في حسم انقسامهم الداخلي بين أكثر من فصيل ورؤية، ومواقف القوى الخارجية (أميركا، السعودية، الإمارات، مصر، وربما بريطانيا).

ويرى أن انقسام الإسلاميين الداخلي والصراع بين القيادات منذ بدايات حكم نظام الإنقاذ (يونيو/ حزيران 1989 إلى أبريل/ نيسان 2019) وتفجّر هذا الانقسام آخر أيام الإنقاذ، وحتى بعد سقوط دولتهم ووجود أكثر من مركز قرار الآن.

ويجزم المبروك بـ"استحالة عودة الإسلاميين للحكم على نمط حكم البشير والإنقاذ السابق، ولكن في نظام تعددي ديمقراطي مستقر، يمكن تصور وجود مؤثر لهم ضمن الآخرين، وليس وحدهم كما في السابق".