"الذكاء الاصطناعي".. كيف تستخدمه إسرائيل كسلاح في مواجهة المقاومة الفلسطينية؟
مواقع ومخازن ومصانع صواريخ تحت الأرض طالها القصف الإسرائيلي، خلال العدوان على قطاع غزة الذي استهدف حركة "الجهاد الإسلامي" في مايو/أيار 2023.
بدا لغز اكتشاف الاحتلال لهذه المواقع المخفية "محيرا"، إلى أن اتضح استخدام إسرائيل تقنيات "الذكاء الاصطناعي" في الكشف عن هذه المواقع.
وتمتلك إسرائيل قدرات استخبارية كبيرة، سخرت خلالها الأقمار الاصطناعية ومناطيد المراقبة والطائرات المسيرة والسايبر وبرامج التجسس، وكذلك العملاء على الأرض وغيرها من الوسائل؛ لتتبع واستهداف كل "عدو حقيقي" ومحتمل أو حتى "صديق"، حتى باتت من كبرى الكيانات في هذا المجال.
تطور متسارع
ولم تكتف إسرائيل بهذا التقدم، بل تسعى إلى أن تصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، واستخدامه لخدمتها عسكريا وأمنيا ومدنيا.
وخلال العدوان على غزة في مايو 2023، عزز جيش الاحتلال من استخدامه للذكاء الاصطناعي، وبجانب استخدام التقنية لاكتشاف المواقع والأهداف، استخدم لأول مرة برنامج "نوليدج ويل" الآلي، الذي يوفر ملاحظات فورية عن عمليات إطلاق الصواريخ الفلسطينية، مثل مكانها ومعدلها ومداها.
ويعتزم رئيس وحدة بيانات وتطبيقات العمليات بالجيش الإسرائيلي، الكولونيل إيلي بيرنباوم، استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بعمليات الإطلاق في المواجهة التالية، حسب وكالة "رويترز" في 13 يونيو/ حزيران 2023
وقال بيرنباوم للوكالة إن "هذه هي الخطوة القادمة المثيرة للاهتمام، أريد أن أكون في مكان أستطيع منه استخدام المعلومات بشكل أفضل؛ لجعل قواتنا الميدانية فعالة".
وذكر أن "ما يقرب من نصف خبراء التكنولوجيا العسكريين في إسرائيل، سيركزون على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028، في إطار تحول بدأ منذ أن قاد عام 2016، أول منصة للتعلم الآلي مصممة لاكتشاف محاولات القرصنة".
وتلقى بيرنباوم دعما حكوميا بعدما رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ميزانية الدفاع، وتعهد بجعل الكيان قوة للذكاء الاصطناعي.
وخلال حرب غزة، استخدم جيش الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر نشر أسراب صغيرة من الطائرات بدون طيار رباعية المروحيات فوق جنوب القطاع.
وزودت الحوامات بقدرات الذكاء الاصطناعي، وكل حوامة تراقب رقعة معينة من الأرض، وتكشف مناطق إطلاق الصواريخ ومواقع المقاومة وتزود الجيش ببنك أهداف، ثم تهاجم طائرات مسلحة أو وحدات أرضية الأهداف، حسب صحيفة "التايمز أوف" العبرية.
وفقا لموقع "واللا" العبري، تم استخدام أسراب الطائرات بدون طيار عشرات المرات أثناء القتال من قبل شركة سرية حتى الآن تابعة لواء المظليين، استنادا إلى المفاهيم التي طورتها وحدة الأشباح التجريبية التابعة للجيش الإسرائيلي، والمكلفة بتجربة وإنشاء التكتيكات وأساليب القتال للجيش.
وقال قائد سرية في جيش للموقع "أجرينا أكثر من 30 طلعة جوية بأسراب الطائرات بدون طيار، والتي جمعت معلومات استخبارية دقيقة، وساعدت طائرات بدون طيار أخرى على تنفيذ هجمات على الأهداف".
من جانبه، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، سعيد بشارات، إن "قدرات الاحتلال في مجال الذكاء الاصطناعي متقدمة جدا، وهناك معلومات سطحية محدودة لدى الإعلام عن حجم هذه الإمكانيات، في حين يبقى الجزء الأكبر طي الكتمان وخاضع للتعتيم".
وأضاف بشارات في حديث لـ"الاستقلال" أن "الاحتلال يقوم بتطوير حوامات وصواريخ موجهة مخصصة للاغتيالات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بطريقة معقدة، بحيث تنفذ العمليات بدقة متناهية وسرعة كبيرة".
وأكد أن "الذكاء الاصطناعي سيغير من المعادلة القائمة حاليا في الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، خصوصا مع التطور المتسارع في قدرات جيش الاحتلال في هذا المجال، وهو ما عبر عنه نتنياهو صراحة بأنه (سعيد للغاية) بعد معاينة هذه القدرات".
وشدد بشارات على أن "الذكاء الاصطناعي سيكون حاضرا في مجالات متعددة، منها التعرف على المقاومين وملاحقة المطاردين، وكذلك تحديد أماكن مراكز التصنيع المخفية والأنفاق، وصولا لدخوله في التصنيع العسكري".
وتابع: "قادة الاحتلال أعلنوا أنهم يريدون تطوير المجال الإلكتروني والسايبر والذكاء الاصطناعي حتى الوصول لمرحلة الاعتماد الكامل على التكنولوجيا والتقنيات، بهدف إبعاد الجندي بقدر المستطاع عن أرض المعركة".
واستدرك المختص قائلا "لهذا ضرر كبير، وهناك شبه إجماع لدى الخبراء العسكريين في كيان الاحتلال بأنه طالما ابتعد الجندي عن أرض المعركة، فإن الجيش ليس موجودا بالميدان ويصبح عاجزا عن حسم المعركة، وكل القدرات الأخرى لا تغني عن المشاركة البشرية المباشرة والمكثفة".
ترقية الأدوات
وفي ذات السياق، كشف قائد مركز الذكاء الاصطناعي في "وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200"، العقيد يوآف، عن استخدام الوحدة لتقنية الذكاء الاصطناعي خلال حرب غزة مايو/ أيار 2021.
وقال المسؤول عن التقنية وفق القناة "14" العبرية في فبراير/شباط 2023، إن "إحدى الأدوات المهمة التي قمنا ببنائها وتشغيلها اليوم، هي نظام يعرف كيفية العثور على الأشخاص الخطرين، بناء على مدخلات من قائمة الأشخاص الذين تم تجريمهم ودخلوا في النظام".
وأوضح أن "النظام يقوم بهذه العملية في ثوان، حيث كانت في الماضي تستغرق مئات الباحثين وعدة أسابيع لإنجازها".
وأضاف يوآف: " في عملية حارس الأسوار (معركة سيف القدس) تمكنا من استخدام النظام للتعرف على قادة فرق الصواريخ التابعة لحماس، ونشطاء مضادات الدبابات في الحركة في غزة بهدف اغتيالهم".
وأشار إلى أن "شعبة المخابرات التابعة للجيش تمكنت من إنشاء 200 هدف جديد جاهز للهجوم أثناء العملية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها".
وبحسب العقيد يوآف، "تمكنت الوحدة من تحديث وترقية أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها حوالي 150 مرة خلال العملية".
ونبه بأن "النظام الذي تم تطويره في الوحدة 8200 ينضم إلى سلسلة من الأنظمة في إطار ثورة الذكاء الاصطناعي - من بينها هبشورا والخيميائي- التي حسنت قدرة الجيش على تحديد الأهداف".
كما لفت المسؤول الأمني إلى أن "أدوات علم البيانات والذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الوحدة تزيد بشكل كبير من قدرتها على إحباط العمليات الفلسطينية في غزة والضفة والداخل".
من جانبه، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، إن "جيش الاحتلال ماض بتطوير أعمال قواته ودعمها بالقدرات التكنولوجية والسايبر، والأهم مجال الذكاء الاصطناعي الذي ترى فيه إسرائيل مستقبل الحروب وتستثمر فيه بلا حدود".
وأضاف النعامي لـ"الاستقلال" أن "جيش الاحتلال كشف قبل شهرين عن وحدة داخل شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) مختصة في كيفية إخضاع الجهد الحربي بأنواعه (الهجومي والدفاعي والاستخباري) إلى الذكاء الاصطناعي".
وأكد على أن "الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي عن طريق تزويد محاكيه بكم مهول من المعلومات الاستخبارية، في المقابل يحصل على تصور وتنبؤ دقيق وكامل عما يبحث عنه الجيش أو الأخطار التي يتخوف منها".
وتابع النعامي: "هذه المعلومات التي تضخ داخل محاكي الذكاء الاصطناعي تتضمن معلومات عن شخصيات في المقاومة، وأنفاق مكتشفة وأماكن نشطة لوجود مقاومين، ومخازن للصواريخ ومواقع إطلاق سابقة، وبجانب معلومات من العملاء مع صور الأقمار الصناعية وتصوير الطائرات المسيرة".
واستطرد: "وتكون النتيجة الحصول على صورة كاملة تكشف أنفاقا جديدة، أو مواقع تصنيع تحت أرضية، كما حصل في التصعيد الأخير، أو تكشف مواقع تحصن قادة في المقاومة خلال الحروب، وتثري بنك الأهداف الإسرائيلي".
وأوضح النعامي أن "الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي أيضا في تدقيق المعلومات الاستخبارية الواردة من العملاء، وفحص مصداقيتها، للتأكد قبل البناء عليها، وكذلك يفحص نسبة نجاح العمليات، وشيئا فشيئا تزداد الرهانات الإسرائيلية عليه".
تغيير المعادلة
وكشفت القناة 13 العبرية، في 19 مارس/ آذار 2023، أن الجيش استخدم تقنية "الذكاء الاصطناعي" خلال الهجوم على غزة في 15 أغسطس/ آب 2022.
وأوضحت أن "التقنية استطاعت التنبؤ بحجم الخطر وبناء على قراءات الذكاء الاصطناعي؛ قرر جيش الاحتلال تنفيذ هجوم استباقي في غزة".
وبعدها بدأ جيش الاحتلال سلسلة اغتيالات، نالت مجموعة من القادة في سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، تيسير الجعبري وخالد منصور وزياد المدلل ورأفت الزمالي وسلامة عابد.
بدوره، قال الخبير العسكري، اللواء واصف عريقات، إن "إدخال الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير وشأن في المعركة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، خصوصا في المجال الاستخباري وكشف المواقع والأنفاق ومنصات إطلاق الصواريخ والكمائن وغيرها من تجهيزات المقاومة".
وأوضح عريقات لـ"الاستقلال" أن "الاحتلال يستخدم المجال التكنولوجي والسيبراني كركيزة أساسية في أنشطته العسكرية والاستخبارية".
وشدد على أن "الاحتلال لن يستطيع حسم المواجهة من خلال الذكاء الاصطناعي؛ لأنه في المقابل تدير المقاومة معركة عقول وتتطور وتتكيف مع تطورات الجيش الإسرائيلي، وتتغلب عليه في العديد من المجالات".
وتابع: "مع إطلاق الاحتلال القبة الحديدية عد أنها ستنهي صواريخ المقاومة، وبالفعل في البداية حققت نجاحا كبيرا وصل لإسقاط نسبة 96 بالمئة من صواريخ المقاومة، ولكن تدريجيا تمكن الفلسطينيون من التغلب عليها واعترف الاحتلال بفشلها بالتصدي لصواريخ ضربت عمق الأراضي المحتلة".
وسبق للفلسطينيين أن طوروا عام 2014 صاروخا تعجز رادارات القبة الحديدية عن اكتشافه، وكذلك تتهم إسرائيل المقاومة بتطوير وسائل تشويش على القبة وحتى مهاجمتها سيبرانيا، وهذا يدلل بشكل قاطع أنه كل تطور تكنولوجي وتقني لدى الاحتلال يقابل بتطور مماثل".
وأكد الكاتب في الشؤون العسكرية، أن "التكنولوجيا الحربية من الممكن مواجهتها وتهكيرها واختراقها، وسلاح السايبر الذي تعد إسرائيل رائدة فيه، استخدم ضدها في حرب 2021، وكشفت المقاومة من خلال الضربة الكبرى التي ينوي الاحتلال تنفيذها من خلال قصف الأنفاق وهي مكتظة بالمقاومين بعد إيهامهم بأن عملية برية قد بدأت".
وأضاف "مثل هذا الأمر قد ينطبق على الذكاء الاصطناعي، فمنذ بداية الحروب تاريخيا طور الإنسان سلاحا مضادا لكل سلاح، مهما طالت مدة هيمنته العسكرية".
وأوضح عريقات أن "الاحتلال يندفع بشكل كامل تجاه التكنولوجيا والتقنيات والمسيرات والذكاء الاصطناعي لمحاولة تقليل حاجته للمشاركة البشرية لجنوده في أرض المعركة وبالتالي تكبد خسائر في الأرواح".
وتكثف إسرائيل من تحركاتها الدولية لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث بحث نتنياهو، ورجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، إمكانية تحويل تل أبيب إلى "عنصر مهم" بمجال الذكاء الاصطناعي.
ووفق بيان لمكتبه في 5 يونيو/حزيران 2023، قال نتنياهو: "ناقشت موضوع الذكاء الاصطناعي مع ماسك، وهو شخص أقدر كثيرا ذكاءه ومساهمته في الإنسانية".
وأضاف نتنياهو أن ماسك أبلغه خلال الاتصال الهاتفي أنه يجب على الحكومات "أن تدرك سواء الفرص أو المخاطر الكامنة في الذكاء الاصطناعي".
وتابع: "أعرب ماسك عن تقديره لإمكانية أن تصبح إسرائيل عنصرا مهما في هذا المجال على المستوى العالمي".
وقال نتنياهو: "سأجتمع في الأيام المقبلة مع مجموعات بحثية لبحث السياسة الوطنية لإسرائيل في موضوع الذكاء الاصطناعي، في المجالين المدني والأمني".