بايدن يتراجع.. ما الذي يدفع واشنطن لإعادة تعزيز شراكتها مع الرياض؟
رأى مركز دراسات تركي أن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية في 6 يونيو/حزيران 2023، يمكن النظر إليها على أنها مظهر ملموس لجهود إدارة جو بايدن لإصلاح النسيج المهترئ للعلاقات المشتركة والتي كانت متوترة منذ البداية.
وقال مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" في مقال للكاتب جوكهان إرالي: أصبح أنتوني بلينكن ثاني دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، بعد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يزور المملكة في أقل من شهر.
وينظر إلى الأهداف الشاملة التي تقوم عليها زيارة بلينكن إلى السعودية في الغالب على أنها ضمان الأمن الإقليمي والحفاظ عليه، وتطوير آليات التعاون لحل النزاعات الإقليمية المستعصية.
هذا بالإضافة إلى بناء وزيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، والجهود المشتركة لتعزيز مبادرات الطاقة النظيفة، وتعزيز التعاون في مجال التعليم.
ومع ذلك، من الضروري التأكيد على العوامل الكامنة وراء هذه المبادرة الدبلوماسية، التي تنبع من التحول العميق الذي يؤثر أيضا على السياسة الخارجية السعودية.
إذ شهدت المملكة أخيرا مثل هذا التحول في مناخ سياستها الخارجية لأنها تريد الحفاظ على توازن حلفائها الغربيين وحلفائها الآسيويين.
3 عوامل رئيسة
وأردف إرالي: خلال فترة حكم إدارة بايدن، برزت عوامل أدت إلى تعقيد العلاقات الأميركية السعودية مثل أزمة الصحفي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول ووجهت واشنطن اللوم في ذلك لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
يضاف إلى ذلك أزمة حرب اليمن، والمواقف المختلفة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، والمخاوف فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في السعودية.
بالإضافة إلى سياسة الطاقة المتغيرة للولايات المتحدة، والمقاربات المختلفة للصراعات الإقليمية، والتأثير السعودي في تشكيل تفسيرات مختلفة للإسلام، وفق الكاتب.
وفي هذه البيئة، يرى أن ثلاثة تطورات رئيسة أدت إلى ضرورة إعادة الولايات المتحدة تعريف مشاركتها بشكل شامل مع المملكة.
يتعلق التطور الأول والأهم بعملية نزع الطابع الأميركي أو ما يُسَمَّى بفك ارتباط الولايات المتحدة عن المنطقة.
فكانت علامات عملية الانسحاب، التي شهدت درجات متفاوتة من الزخم خلال إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، واضحة منذ فترة طويلة.
ومع ذلك، فإن الانسحاب المفاجئ وغير المنتظم للقوات الأميركية من أفغانستان نهاية أغسطس/آب 2021 قدم مثالا حيا على انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.
ونتيجة لذلك، فقد مهَّد هذا الأمر الطريق لترجمة الاتجاهات السياسية لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى خيارات سياسية ملموسة واستباقية.
وفي هذا الإطار، طورت دول الخليج بشكل نشِط، بما في ذلك السعودية، علاقات سياسية واجتماعية وعسكرية واقتصادية مع روسيا والصين.
والدليل على هذا الاتجاه هو زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة، كما أجرى محادثات مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وتوسطت الصين في الوقت نفسه في التطبيع السياسي بين السعودية وإيران في مارس/آذار 2023 بعد جهود الوساطة الأولية التي قادها رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي.
ثانيا، أدى التحدي الذي واجهته خطط أمن الطاقة الأميركية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وعلاقة ابن سلمان الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إطار أوبك+ (التحالف النفطي)، إلى أزمة إمدادات الطاقة العالمية.
وأخيرا، في خضم الضغوط التضخمية العالمية المتزايدة والركود الذي يلوح في الأفق في الغرب، اضطرت الولايات المتحدة إلى التقارب مع المملكة العربية السعودية، وفق الكاتب.
وفي هذه البيئة أيضا، تحاول السعودية تطوير علاقات متينة مع منظمة البريكس، التي تعد واحدة من أقوى المدافعين عن عملية إزالة الدولرة، وهو توجه عالمي، والارتقاء بعلاقاتها إلى مستوى إستراتيجي.
في حين ظهر الجدل الأخير حول عضوية السعودية في بريكس، وهو تكتل سياسي واقتصادي عالمي يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وشاركت السعودية أخيرا في اجتماعات "أصدقاء بريكس" مع دول الخليج الأخرى، مما أثار تكهنات حول إمكانية انضمامها.
تنظيم العلاقات
وأردف إرالي: تتزامن المعايير التي تشكل أساس الشراكة الدائمة بين الولايات المتحدة والسعودية مع العوامل التي جعلت إعادة تنظيم العلاقات أخيرا أمرا ضروريا.
وفي هذا السياق، أصبحت حتمية ضمان أمن إمدادات الطاقة ومواصلة تعزيز التعاون الاقتصادي أمرا بالغ الأهمية وتحفز الولايات المتحدة على مواصلة هذه الشراكة.
بالإضافة إلى ذلك، برز الالتزام المشترك بسياسات مكافحة الإرهاب، والإيمان المتبادل بتطوير الاستقرار الإقليمي، والتعاون في الجهود العسكرية، والتصميم على مواجهة التهديدات الإقليمية كعناصر مهمة أخرى تعزز الروابط بين البلدين.
كما أن مكانة المملكة الثقافية والدينية المهمة في العالم العربي وجهودها الإغاثية المشتركة الأخيرة في السودان واليمن جعلت من الضروري إحياء العلاقات الثنائية.
علاوة على ذلك، فإن قرارات خفض إنتاج النفط تدريجيا في إطار أوبك+ تسهم في زيادة تقلب أسعار النفط وتقويض القدرة على التنبؤ بالاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة انخرطت في جهود دبلوماسية مكثفة مع السعودية، لم تتحقق نتائج ملموسة في هذا الصدد بعد.
وفي المدة التي تبدأ من زيارة بايدن إلى جدَّة في يوليو/تموز 2022 وحتى زيارة بلينكن للرياض، لم يجر الكشف عن إرادة سياسية ملموسة بين البلدين.
وفي الوقت نفسه، أعادت مبادرات التطبيع السياسي الأخيرة التي تقودها الصين بين السعودية وإيران وضع الولايات المتحدة في إطار التنافس العالمي بين واشنطن وبكين.
كما قللت من حاجة المملكة إلى التكنولوجيا العسكرية الأميركية، وخفضت من تصور التهديدات الإقليمية من إيران.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ وجود قوى كبرى بديلة مثل روسيا والصين والهند في الأسواق السعودية بأخذ مكانة الشركات الأميركية في المملكة، وبالتالي فإن هذا الأمر يؤثر على القدرة التنافسية العالمية للولايات المتحدة.
ويعتقد الكاتب أن هذه العوامل تسهم في تفسير الاهتمام الأميركي المتجدد بالمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج الأوسع.
وقد اعترف الوزير بلينكن بذلك علنا، مؤكدا أن مجلس التعاون الخليجي يقع في قلب سعي الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى كل هذه التطورات، فإن تسارع التغيرات الهيكلية في تحالفات الشرق الأوسط وزيادة النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي للقوى البديلة في المنطقة يظهر أن آفاق الأحادية القطبية والأحادية للولايات المتحدة تتلاشى يوما بعد يوم.