مياه راكدة.. هل تكسر المبادرات الحزبية حالة الجمود السياسي بالجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

بعد فترة ركود طويلة للساحة السياسية في الجزائر، عادت الأحزاب لتخلق حراكا غير مسبوق عبر تقدمها بمبادرات مختلفة لتجاوز حالة الجمود المستمرة منذ أزيد من 4 سنوات بسبب القطيعة التي وقعت بينها وبين ناشطي "الحراك الشعبي".

وفي 22 فبراير/شباط 2019، انطلقت شرارة الحراك الشعبي الذي تجاوز الأحزاب السياسية وأظهر ضعف أدائها، بعدما اختار العديد من الناشطين لغة الاحتجاجات والمسيرات كوسيلة للتحاور المباشر مع السلطة.

بل إن العديد من الفاعلين رفضوا في ذلك الوقت، وجود الكثير من الأحزاب ورموزها بينهم لتدخل اليوم في سلسلة اتصالات ومشاورات مفتوحة مع هيئات سياسية ونقابية ومدنية بغية وضع الأسس الأولى لعدة مشاريع جديدة.

مبادرات متعددة

وتهدف الأحزاب عبر هذه الخطوة إلى "تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية"، وفق تصريحاتها.

وفي 27 مايو/أيار 2023، أعلن حزب "حركة البناء الوطني" (داعم للسلطة) خلال اجتماع مجلس الشورى، عن انخراط العشرات من الأحزاب في مبادرته لـ "تعزيز التلاحم".

واستجابة لمبادرة حزب "حركة البناء الوطني" التي يقودها رئيس الحزب والمرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة، أطلقت أحزاب الموالاة وعدد من المنظمات والنقابات في الجزائر، بعد تشاور بينها، "المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل".

وفي 4 يونيو/حزيران 2023، جرى التوقيع على المبادرة من قبل خمسة أحزاب مشاركة في الحكومة، هي حركة البناء الوطني، وجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وصوت الشعب، وجبهة المستقبل، إضافة إلى أخرى هي حزب الكرامة، واتحاد القوى الديمقراطية الاجتماعية، وتجمع أمل الجزائر.

كما وقعت عليها نقابات عمالية، كالاتحاد العام للعمّال الجزائريين وكونفدرالية أرباب الأعمال وثلاث منظمات مدنية: منظمة أبناء الشهداء، والكشافة، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وغيرها، إضافة لشخصيات إعلامية.

وقالت الهيئات الموقعة على "المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل"، إن "العالم يشهد تحولات جوهرية متسارعة أفرزت وضعا متأزما وتوترات متعددة وتناقضات للمصالح، وكانت لها انعكاسات سلبية على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف الدول".

وأضافت في بيان لها، أن "الجزائر ليست بمنأى عن تداعيات وانعكاسات هذه الأوضاع، مما يفرض علينا تفعيل الإرادة الوطنية وفاء بما يقتضيه واجب تعزيز التلاحم الوطني وتمتين الجبهة الداخلية، من خلال رفع التأهب لمواجهة التهديدات والمخاطر التي تستهدف الجزائر".

وشدد بيان المبادرة، على ضرورة "التعبئة العامة من أجل النهوض بوطننا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتأمين مستقبل أجيالنا وتحقيق تطلعات شعبنا في كنف الوحدة والانسجام والاستقرار والتطور".

وأوضح أن الهدف من إطلاق المبادرة هو تعبئة الطاقات الوطنية والنخب المسؤولة وقوى المجتمع الحية، والتكامل مع مؤسسات الدولة في تحصين الوطن وتمتين الجبهة الداخلية وتأمين مستقبل الأجيال، واستكمال مسار التجديد وتحقيق تطلعات الشعب الجزائري.

ومقابل مبادرة أحزاب الموالاة، أعلنت جبهة القوى الاشتراكية (حزب يساري معارض) عن تحضيرها لمبادرة شاملة تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية، وتتوجه إلى جميع القوى السياسية المتشبثة بقيم الديمقراطية، الحرية والعدالة الاجتماعية.

وفي 2 يونيو 2023، قال السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، خلال دورة المجلس الوطني للجبهة (برلمان الحزب)، إنه من الحيوي أن تتحمل الطبقة السياسية مسؤولياتها وتجتمع، بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية، وذلك لحماية البلاد من حلقة جديدة من الصدامات الداخلية على وقع توظيف الشارع.

ولهذا الغرض، يدعو حزب جبهة القوى الاشتراكية، حسب سكرتيره الأول، مجموع الأحزاب إلى مشاورات بهدف التوجه نحو عقد تاريخي لاستكمال المشروع الوطني.

وتابع "هذه المبادرة نريدها شاملة دون إقصاء تنأى بنا عن الانقسامات الأيديولوجية وتتوجه إلى جميع القوى السياسية المتشبثة بقيم الديمقراطية، الحرية والعدالة الاجتماعية".

وفي نفس الوقت تكون حازمة لأن الأمر يتعلق بالوقوف في وجه محاولات، داخلية كانت أو خارجية، من شأنها المساس تحت أي ذريعة كانت بسلامة البلاد ووحدتها وبالدولة ومؤسساتها، وفق قوله.

وكشف أوشيش، عن تقديم الحزب قريبا "مقترحا سياسيا ملموسا" إلى مجموع الشركاء السياسيين، مؤكدا أن "خط الفصل الأساسي هو ذاك الذي يفرق بين القوى الوطنية من جهة والدوائر المعادية للوطن من الجهة الأخرى".

تمييع السياسة

وأمام تعدد المبادرات سواء من أحزاب الموالاة أو المعارضة، يتساءل مراقبون عن دوافعها وخلفياتها وما إذا كانت إقرارا سياسيا بوجود أزمة داخلية أو استشعارا لمخاطر خارجية؟

أم أنها مجرد تحركات ترتبط بترتيبات دعم الرئيس عبد المجيد تبون كمرشح توافقي لولاية ثانية في حال قرر الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة نهاية عام 2024؟

ولم يعلن تبون حتى الآن عن رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، إذ سبق أن قال في تعليق عن موقفه من الترشح لعهدة ثانية، بأن "وقته لم يحن بعد، ولكل حادث حديث".

رئيس حزب حركة البناء الوطني والوزير الأسبق، عبد القادر بن قرينة، نفى أن تكون للمبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل أي علاقة بدعم الرئيس تبون في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

وبعد أن استغرب ابن قرينة، في حوار مع موقع "سبق برس" المحلي، من بعض التحليلات والأقاويل والتشكيكات في أهداف المبادرة، وصف ربطها برئاسيات 2024 بأنه "تفكير بائس".

وأردف أن "هناك من قال إن المبادرة هي لدعم تبون في الترشح وهناك من قال بأن هناك جهة كلفتنا لمنع الرئيس من الترشح، وهناك من قالوا بأنه لا يقبل ترشيحه ضمن المبادرة وسيكلف الدكاترة وأساتذة الجامعات لترشيحه لعهدة ثانية".

ورأى بن قرينة، أن كل هذه التحاليل والأقاويل "كاذبة ومغلوطة"، مشيرا إلى أنه لا يمكن ربط المبادرة بالرئاسيات التي ما زالت تفصلنا عنها أزيد من سنة ونصف.

وفي المقابل، رأى الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، أن خلفيات هذه المبادرات السياسية "تأتي في خضم التحضير للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2024".

وأضاف كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه جرى "تمييع المشهد السياسي في الجزائر من قبل النظام"، مؤكدا أنه لا توجد حياة سياسية حقيقية.

ويرى أن "المؤسسات الحزبية دكاكين سياسية تخدم أجندة النظام الحاكم بعد توقف الحراك ولا تأثير لها على الشارع الجزائري"، مشيرا إلى أنها "لا تتحرك إلا بإيعاز من طرف السلطة".

وأكد أن "الشعب الجزائري بصفة عامة لا يهتم بما تقوم به هذه الدكاكين، وهذا ما يؤكد عمق الأزمة السياسية".

وأشار إلى أن هذه المبادرات تدخل في إطار "تحريك المياه الراكدة" للساحة السياسية بالجزائر.

وأردف أنها تأتي في إطار لفت انتباه الرأي العام للمرحلة القادمة، مبينا أن جميع المبادرات "تسير ضمن مخطط النظام للمرور بسلاسة إلى مرحلة ثانية قد تكون عهدة ثانية لتبون أو أولى لشخص آخر يعينه العسكر رئيسا في الفترة المقبلة".

وفي تعليقه على مبادرة أحزاب الموالاة بقيادة حزب حركة البناء الوطني، وصفها كبير بالـ "فاشلة"، مضيفا أن السبب في ذلك هو أن "هذه الأحزاب لا تعبر عن تطلعات الشعب الجزائري ولا تتبنى أهداف الحراك، بل تدور في فلك السلطة".

وشدد الصحفي والمعارض الجزائري، على أن الغاية من تحرك هذه الأحزاب في هذا التوقيت هو "سعيها لنيل جزء من قطعة الحلوى التي ستوزع قبل الانتخابات وبعدها".

وتابع أنه "في إطار التحضير للحملات الانتخابية للرئيس الذي سيكون عليه إجماع من قبل المؤسسة العسكرية، فإنه سيتم ضخ أموال طائلة للفت الانتباه والتأثير على الجزائريين ودفعهم للمشاركة في المسرحية التي سيشرف عليها النظام".  

وبخصوص مبادرة حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض، رأى كبير أن "الجبهة لم تعد ذلك الحزب الذي أسسه الحسين آيت أحمد".

وأضاف أن الجبهة في الوقت الحالي هي "حزب يحاول أن يظهر بمظهر المعارض ولكن لا يريد أن يدخل في صراع مع السلطة قصد نيل مكاسب في المرحلة القادمة".  

وخلص كبير إلى وجود عزوف شعبي كبير تجاه السياسة بالجزائر جراء "سياسة القمع الممنهجة من قبل النظام الذي يخشى عودة الحراك في أي لحظة لأنه فكرة والفكرة لن تموت".

ولفت إلى أن "النظام متأكد بأن الشعب الجزائري سيتحمل يوما ما مسؤوليته التاريخية من أجل إحداث تغيير حقيقي".