إقرار موازنة ثلاث سنوات بالعراق.. ما انعكاساتها على الأوضاع السياسية والاقتصادية؟
في ظل إقرار البرلمان العراقي موازنة ثلاث سنوات مالية دفعة واحدة، في 12 يونيو/ حزيران 2023، فإن العديد من التساؤلات تدور حول مدى انعكاس ذلك على الوضع السياسي والاقتصادي، كونها تعد التجربة الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، وجاء بعد نقاشات مطولة بين الكتل البرلمانية.
وفي وقت يشكل فيه النفط 90 بالمئة من موازنة العراق، فإن صندوق النقد الدولي حذر من تقلص صادراته بنسبة 5 بالمئة عام 2023، بسبب خفض "أوبك بلس" الإنتاج وتوقف تصديره عبر أنبوب "جيهان" التركي، ما أدى إلى تباطؤ زخم نمو اقتصاد البلد أخيرا.
وأوضح صندوق النقد خلال بيان صدر عن اجتماع عقد بالأردن في 31 مايو/أيار 2023، شارك فيه خبراء عراقيون أنه "إذا لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار النفط، فقد يؤدي الموقف المالي الحالي إلى ازدياد العجز وتكثيف ضغوط التمويل في السنوات المقبلة".
إشارات إيجابية
على الصعيد الحكومي، فإن مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح، أكد أن "إقرار الموازنة العامة لمدة ثلاث سنوات (2023 و2024 و2025) من شأنها أن تسهم باستقرار سعر صرف الدولار أمام الدينار في الأسواق المحلية".
وقال صالح خلال تصريحات لموقع "رووداو" العراقي في 8 يونيو 2023 إن "إقرار الموازنة العامة يعطي إشارات ايجابية للمجتمع الاقتصادي، ولا سيما الأسواق، كونها قلقة جدا من التطورات التشريعية".
ولفت إلى أن "إقرار الموازنة العامة يسهم بشكل إيجابي في استقرار سعر صرف الدولار، والذي يحتاج أيضا إلى علاقات مالية دولية مع العالم بشكل أعمق وأوسع، وهو ما يسعى إليه البنك المركزي بقوة وبمهنية عالية في الوقت الحاضر".
وكانت الحكومة العراقية قد صادقت في 7 فبراير/ شباط 2023 على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بما يعادل 1300 دينار للدولار الواحد، وفقا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، محمد شياع السوداني.
لكن سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي يشهد تذبذبا منذ ذلك التاريخ، إذ يصل حتى يوم 10 يونيو 2023 إلى 1460 دينارا لكل دولار، رغم خفضه بشكل رسمي.
وفي 13 مارس/ آذار 2023، صادق مجلس الوزراء العراقي على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات (2023، 2024، 2025)، مع احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر (70) دولاراً للبرميل الواحد، بمعدل تصدير قدره 3.5 مليون برميل يوميا.
وبعد ذلك، عزا رئيس الوزراء خلال مؤتمر صحفي، أهمية الخطوة الحكومية إلى أنها تكمن في "دعم الاستقرار المالي".
ولفت إلى أن "الوزارات السابقة كانت في العادة تدخل بمرحلة من السُبات في نهاية السنة وبدايتها لحين إقرار الموازنة، وبذلك يتوقف العمل".
تحديات حقيقية
وبخصوص مدى انعكاس إقرار موازنة ثلاث سنوات على الوضع السياسي، قال الكاتب العراقي، عبد الزهرة الهنداوي، خلال مقال نشرته صحيفة "الصباح" المحلية في 8 يونيو 2023 إنه "ثمة تحديات لايُستهان بها تواجه الموازنة الثلاثية خلال فترة تنفيذها".
ورأى الكاتب أن الموازنة أتت "في مشهد من اللايقين أو عدم الوضوح من جهة الموارد المالية المطلوبة لتغطية حجم النفقات الهائل، في وقت يتحدث فيه البنك الدولي عن رصده تباطؤا في نمو الاقتصاد العراقي، حتى مع تعافي أسعار النفط، وسينعكس هذا التباطؤ على حدوث حالة من انكماش الإنتاج بنسبة تصل إلى 5 بالمئة خلال 2023".
وتابع الهنداوي، قائلا إن "العراق بحاجة إلى أن يكون سعر البرميل 96 دولارا، لكي يتمكن من تغطية حجم الإنفاق ويعزز صمود الاقتصاد، حيث يأتي ذلك في ظل توقعات غير مؤكدة أن أسعار النفط العالمية قد تتراجع خلال السنوات المقبلة".
وعن التحديات، يرى الكاتب أنه "لا يمكن تجاوز قضية الدين العام المتراكم، الذي يشكل عبئا على الموازنة العامة، وحسنا صنعت الحكومة عندما أعلنت توجهها بعدم الاقتراض إلا للضرورة القصوى، من أجل تمويل المشاريع الإستراتيجية العملاقة".
وخلص الهنداوي إلى أن "واضعي قانون الموازنة لم تغب عنهم كل التحديات المتمثلة باستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي وارتباك أسعار الصرف والهيمنة النفطية، لذلك فإن إقرار قانون الموازنة مهم، لكي تتحرك جميع المفاصل المتوقفة، وتعويض العام الماضي (2022) الذي مر من دون موازنة".
ولم يقر العراق موازنة مالية خلال عام 2022، بسبب حالة الانسداد السياسي التي شهدها العراق واستمرت نحو عام كامل، وبقيت خلالها حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لتصريف الأعمال.
تشديد الرقابة
وفي الجانب السياسي، تحدث عراقيون عن أن إعطاء الحكومة موازنة مالية لمدة ثلاث سنوات يعني ذلك تجريد السلطة التشريعية من أهم مهامها التي يعكف البرلمان على مشاريع الحكومة وتخصيصاتها المالية والوظائف التي تخصص للمحافظات.
وقال النائب السابق والسياسي العراقي، مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في مايو/ آيار 2023 إن "رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، رفض تمرير الموازنة المالية لمدة ثلاث سنوات، لأنه لا يستطيع بعدها لي ذراع حكومة السوداني، في كل عام قبل إقرار أي موازنة".
وأوضح الجبوري أن "الحلبوسي إضافة إلى كتل سياسية أخرى لا تريد أن تسلم المال والقرار السياسي كله للحكومة التي يقودها السوداني في الوقت الحالي، لأنهم يعتقدون أن البرلمان سيجرد من أهم مهامه، وهي إقرار الموازنة المالية وطريقة توزيع الأموال فيها على المشاريع والمحافظات".
وعلى ضوء ذلك، فقد رجح مراقبون أن يشدد البرلمان رقابته على حكومة السوداني في المرحلة المقبلة، وبالتالي "ربما ستكون بداية للأزمات السياسية، وقد تشهد العديد من حالات استضافة وزراء ومسؤولين في الحكومة تحت قبة البرلمان لمساءلتهم أو محاسبتهم، وربما حتى إقالتهم".
ورأى مراقبون عراقيون أن حصول حكومة السوداني على موازنة مالية لمدة ثلاث سنوات، سيجعلها مراقبة بشكل أكبر من جميع نواب البرلمان، ولاسيما المستقلين والكتل المعارضة لها، وتحديدا في الجانب الخدمي والاقتصادي الذي سيكون بوابة للمناكفة السياسية بالمرحلة المقبلة.
وفي 1 مايو 2023، نشر موقع "الوقت" العراقي تقريرا أكد فيه أن "خطة حكومة السوداني لوضع موازنة لثلاث سنوات هي قرار سياسي بالكامل، لأن الإطار التنسيقي الشيعي الذي انبثقت منه الحكومة الحالية تعهد قبل تشكيلها بإجراء انتخابات مبكرة".
واستدرك: "لكن في الأشهر الأخيرة، أعلن بعض القادة السياسيين المقربين من الحكومة أنه لا داعي لإجراء انتخابات مبكرة وستظل حكومة السوداني في مكانها حتى عام 2025".
ولفت الموقع إلى أن "الأسباب التي تُظهر أن قرار الحكومة بتقديم خطة الموازنة الثلاثية له توجهات سياسية قوية، هو أن الموازنة السنوية كانت من أهم أدوات الرقابة البرلمانية، وأن الموافقة عليها لمدة ثلاث سنوات يؤدي إلى إبعاد الحكومة عمليا عن رقابة وضغط البرلمان".
وأكد أن "هذا الموضوع مهم جدا للأحزاب السنية، لأن قوة هذه الأحزاب في تقسيم المناصب في النظام السياسي العراقي تتجلى في البرلمان ورئاسته، وبهذه الموازنة يصبح البرلمان عمليا برلمانا شرفيا".
وذكر الموقع أن "العديد من الأحزاب الشيعية قلقة من موازنة الثلاث سنوات، لأنه بمثل هذا العمل، يتم وضع مبالغ ضخمة من المال تحت سيطرة الحكومة دون إشراف مستمر، وبالتالي يمكن للسوداني بسهولة استخدامها لصالح مستقبله السياسي، وخاصة في انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.