عبر كسر "الثنائي الشيعي".. هل ينجح التوافق المسيحي بتسمية رئيس جديد للبنان؟

12

طباعة

مشاركة

دخلت القوى المسيحية في لبنان مرحلة "كسر عظم" مع الثنائي الشيعي "حزب الله – حركة أمل" من أجل فرض اسم مرشح الرئاسة الذي سعبر إلى قصر بعبدا في بيروت.

واختزلت القوى السياسية في لبنان راهنا اسمين لملء الفراغ الرئاسي، للتصويت عليهما داخل البرلمان، وهما "جهاد أزعور" المسؤول في صندوق النقد الدولي، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الاسم الحاسم للثنائي الشيعي.

مرشح توافقي جديد

وفشل البرلمان اللبناني منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2022، على مدى 11 جلسة في انتخاب رئيس الذي يقضي نظام المحاصصة الطائفية أن يشغله مسيحي ماروني.

وأمام انقسام الطبقة السياسية بشدة حول المرشح الرئاسي، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، البرلمانيين إلى جلسة تصويت جديدة في 14 يونيو/حزيران 2023.

وبما أن التوافق هو السبيل للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، فقد بدأت الكتل المسيحية بتكوين "حلف مواجه" ضد "الثنائي الشيعي"، وقد دفعت باسم الوزير السابق أزعور لخوض معركة الرئاسة الصعبة.

وأعلن 32 برلمانيا لبنانيا في 4 يونيو/حزيران 2023 ترشيح المسؤول في صندوق النقد الدولي والوزير السابق، أزعور، وذلك خلال مؤتمر صحفي تلا فيه النائب مارك ضو بيانا باسم هؤلاء النواب.

وأكد وقتها "ضو" أن ترشيح أزعور "كمرشح تلاق وسطي غير استفزازي لأي مكون سياسي في البلاد".

ويمثل النواب الـ32 كتلا معارضة، أبرزها حزبا القوات اللبنانية، الذي يملك كتلة برلمانية وازنة، والكتائب المسيحيان، فضلا عن النائب ميشال معوض ونواب مستقلين وبضعة آخرين ينتمون لكتلة التغييريين المنبثقة من الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية في 2019.

وسبق أن دعم هؤلاء معوض الذي كان أول من ترشح للمنصب، قبل أن يعلن في 8 يونيو/حزيران 2023 سحب ترشيحه لإتاحة الفرصة أمام أزعور.

اللافت أن إعلان ترشيح أزعور، جاء إثر اتصالات مكثفة بين كتل معارضة و"التيار الوطني الحر"، حليف حزب الله ليعلن التيار المسيحي الأبرز معارضة حزب الله في مسألة رئاسة الجمهورية، والموافقة على اسم أزعور.

إذ إن رئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وهو من أشد حلفاء حزب الله، بات يدعم ترشيح أزعور، لقطع الطريق على فرنجية، لكون باسيل لا يزال يؤيد ترشيح الوزير السابق زياد بارود.

دعم مسيحي

ويعول الفريق الداعم لأزعور حصوله على 65 صوتا من الجولة الأولى لجلسة البرلمان المقررة، أو على فارق كبير لمصلحته بينه وبين فرنجية، الأمر الذي سيكون كافيا لتعديل مواقف الدول الخارجية المعنية بالملف الرئاسي تحت وطأة التوافق المسيحي.

وبحسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية، فإن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قد تواصل شخصيا في 9 يونيو 2023، مع عدد من النواب المسيحيين المترددين لإقناعهم بأن التصويت لأزعور يمثل تصويتا لـ "بكركي"، وهو الصرح البطريركي الماروني الواقع شمالي بيروت.

حتى إن الراعي توجه إلى فرنسا والتقى الرئيس إيمانويل ماكرون في 31 مايو/أيار 2023، وآنذاك قالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن ماكرون والراعي "عبرا عن مخاوفهما العميقة بشأن الأزمة اللبنانية" و"شلل المؤسسات الذي فاقمه شغور سدة الرئاسة منذ أكثر من سبعة أشهر".

وأضاف قصر الإليزيه في بيان أن الرئيس الفرنسي والبطريرك الماروني "اتفقا على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بدون تأخير".

وقال البطريرك الراعي في عظة ألقاها بتاريخ 28 مايو/أيار 2023، في إشارة إلى أزعور من دون أن يسميه، "نود أن نشكر الله على ما نسمع بشأن الوصول إلى بعض التوافق بين الكتل النيابية حول شخصية الرئيس المقبل، بحيث لا يشكل تحديا لأحد، ويكون في الوقت عينه متمتّعا بشخصية تتجاوب وحاجات لبنان اليوم وتوحي بالثقة الداخلية والخارجية".

وكان الراعي قد ألمح أكثر من مرة إلى أن المطلوب "مرشح لديه قدرة على مد الجسور ويستطيع أن يخرج البلد من التعطيل ولديه انتماء واضح مسيحيا".

وفي وقت تسعى فيه الأحزاب المسيحية إلى كسب مزيد من التوافق على اسم أزعور، أعلنت كتلة "اللقاء الديمقراطي" التي يترأسها النائب تيمور وليد جنبلاط، عقب اجتماع 8 يونيو، برئاسة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط التصويت للوزير السابق أزعور.

أزعور كمرشح

ورغم أنه لا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تمكنه من إيصال مرشحه، فقد عاد حزب الله للتأكيد على لسان ممثله في البرلمان "حسن فضل الله" للقول وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية، "لا تتعبوا أنفسكم وتهدروا الوقت، فلن يصل مرشح التحدي والمواجهة إلى بعبدا أيا يكن اسمه".

ويشغل أزعور (57 عاما) منصب مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي وقد شغل منصب وزير المال اللبناني بين 2005 و2008.

وأزعور حائز، وفق موقع صندوق النقد، دكتوراه في العلوم المالية الدولية ودرجة عليا في الاقتصاد الدولي والعلوم المالية.

وكانت مديرة التواصل الإستراتيجي في صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، أكدت في 8 يونيو، أن أزعور علق عمله مؤقتا في الصندوق كمدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وقالت كوزاك "من أجل تجنب أي انطباع عن تضارب المصالح، تخلى مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أزعور مؤقتا عن مسؤولياته في صندوق النقد، وهو في إجازة" من المؤسسة.

ويعني هذا الإعلان تفرغ أزعور للمعركة الرئاسية، وإسقاط حجة أنه يتردد في تقديم استقالته من موقعه.

وكان أزعور من الأسماء التي التقطت خلال مرحلة البحث عن اسم توافقي ولا يشكل تحديا لأي طرفي سياسي في لبنان مما سيقوده لتجاوز عتبة التعطيل.

فهو كما يعرف عنه ماروني منفتح قادر على أن يتحاور مع الجميع، ولا خلافات بينه وبين أي طرف كما تؤكد وسائل إعلام محلية.

وبعد الجلسة العاشرة الفاشلة لانتخاب الرئيس، طرح رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" المستقيل حاليا وليد جنبلاط، ثلاثة أسماء كخيارات للخروج من المأزق الرئاسي، وهم جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين وقائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون.

وأمام سعي القوى المسيحية لحشد الدعم لأزعور عبر البحث عن مخارج رئاسية، فإن جلسة الرابع عشر من يونيو 2023، ستشكل محطة فاصلة له.

إما ستسمي الجلسة أزعور رئيسا أو تخرجه من السباق الانتخابي الرئاسي، لتبدأ لعبة الأسماء من جديد بالدوران باستثناء فرنجية الذي سيبقى داخل حلبة البرلمان طالما يتمسك به الثنائي الشيعي الذي يتبنى معادلة الفراغ الرئاسي المفتوح أو فرض فرنجية رئيسا على اللبنانيين وجميع المسيحيين.

وفرنجية (58 عاما) نائب ووزير سابق، يُعد من بين حلفاء حزب الله البارزين، وهو صديق شخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

الاحتمالات الثلاثة

وفي السياق، قال الكاتب السياسي اللبناني منير الربيع إن "توافق القوى المسيحية مع جنبلاط والنواب المستقلين ونواب تغييرين في تبني ترشيح أزعور لرئاسة لبنان أعطى دفعا لهذا الترشيح، وهو بذلك سيتغلب على سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي وبعض النواب السنة والمستقلين".

وأضاف الربيع لـ"الاستقلال" أن "هذا المسار سيقود إلى ثلاثة احتمالات تتعلق بـجلسة البرلمان لانتخابات الرئيس القادمة، وهي إما أن تطلب بعض الكتل النيابية تأجيل الجلسة لإفساح المجال أمام المزيد من المشاورات".

الاحتمال الثاني "يتعلق بإمكانية تعطيل حزب الله وحركة أمل لنصاب الجلسة من الأساس وبالتالي لا تعقد، أما الاحتمال الثالث يتعلق بالذهاب لجلسة البرلمان وعقب دورتها الأولى لا يحقق أي من المرشحين النصاب الكافي لانتخابه رئيسا للبنان"، وفق الكاتب.

ورأى الربيع أن "المسار السياسي في لبنان أصبح يحتاج الحوار على مروحة واسعة بين الكتل السياسية".

بالإضافة إلى "تدخل بعض القوى الإقليمية، ولا سيما أن هناك تغيرا في المقاربة الفرنسية بعد تعيين وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان والذي سيعقد لقاءات مع كل القوى السياسية، مما يمكنه من إعداد تقرير لباريس يمكن أن تسهم في تغيير المقاربة الفرنسية وإمكانية تقدم مبادرة جديدة".

وذهب الربيع للقول: "لا يمكن الحديث عن قرب الوصول إلى حل أو توافق في لبنان، لكن عقب جلسة البرلمان سيكون هناك على الأكيد توازنات قد مالت لصالح أزعور والقوى المسيحية، وبالتالي سينطلق التفاوض بناء على هذا الأساس".

وفي 8 يونيو 2023، أعلن ماكرون، لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية التي يتخبّط فيها هذا البلد، بحسب ما أعلن مسؤول في الإليزيه.

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مستشار للرئيس الفرنسي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن لودريان (75 عاما)، الذي شغل منصب وزير الخارجية لخمسة أعوام حتى 2022، سيكلف بصفته رجلا يتمتع بخبرة واسعة "في إدارة الأزمات"، بالمساعدة في إيجاد حل "توافقي وفعال" لأزمة لبنان التي تفاقمت خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.

وأضاف المستشار أن لودريان "يخطط للذهاب إلى لبنان قريبا جدا"، مشيرا إلى أن ماكرون طلب منه "أن يعد له سريعا تقريرا عن الوضع" في هذا البلد يتضمن "مقترحات عمل".

وأمام تلك المعطيات، فإن الثنائي الشيعي رغم سيرهما ضمن عملية تبدو وكأنها ديمقراطية في انتخاب الرئيس، إلا أن إصرارهما على فرنجية يأتي من كونه الاسم الذي تنطبق عليه مواصفات لخصها زعيم حزب الله، حسن نصر الله، بوصفه رئيسا "مطمئنا للمقاومة".

وضمن هذه الجزئية، يؤكد السياسي اللبناني كمال معوض، أن دخول أزعور إلى بعبدا يعني "إمكانية لتوجيه لبنان إلى مسار الانقاذ من خلال علاقاته الدولية وموقعه في صندوق النقد، وقطع الطريق على استكمال مشروع حزب الله في تغيير وجه لبنان بعد الانهيار الذي حصل في عهد ميشال عون من خلال مرشحه".

ويرى معوض في حديث لصحيفة "النهار" اللبنانية أن في ترشيح أزعور "ضغطا على الثنائي الشيعي للخروج من منطق محاولات فرض فرنجية، وهذا الضغط قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الاتفاق على شخصية ثالثة، ثم إنه خيار يمثل رفضا للانصياع إلى إملاءات حزب الله ومن خلفه إيران، لكن ذلك يبقى رهن ارتفاع عدد الأصوات المؤيدة لأزعور".

إلا أن معوض يتساءل: "هل سيقبل حزب الله بهذا المسار الديموقراطي؟"، مبديا في الوقت نفسه "قلقا شخصيا من توترات أمنية قد تحصل في البلاد أو حتى عودة موجة الاغتيالات، وذلك بهدف تطيير الاستحقاق الرئاسي حال لم يكن المسار وفق رغبة حزب الله، ليطرح فيما بعد مصير البلاد برمتها، فتعود النزعات الانفصالية لتعزز حضورها".