على خطى هتلر وموسوليني.. هندوس يعبدون "مودي" ويحلمون بـ"الهند الكبرى"

12

طباعة

مشاركة

بعدما رسخ سياسة عدوانية إقصائية ضد الأقليات، خاصة المسلمين، بدأ رئيس الوزراء الهندي المتطرف ناريندرا مودي باتخاذ خطوات توتر العلاقات مع دول جارة بنشره خريطة تظهر ضم الهند لها.

ونشرت حكومة مودي جدارية ضخمة في البرلمان الهندي الجديد، خلال حفل افتتاحه، تظهر خريطة الهند ممتدة إلى الدول المجاورة، على الطريقة الإسرائيلية، وفق صحيفة "إندبندنت" البريطانية 7 يونيو/حزيران 2023.

خريطة مستفزة

والخريطة تضم 7 دول هي باكستان ونيبال وبنغلاديش وأفغانستان وجزر المالديف وسريلانكا وبوتان.

إذ يتبنى حزب مودي "بهاراتيا جاناتا" المتشدد الحاكم، مفهوم "الهند الكبرى"، والتي يطلق عليها شعبيا اسم "آخاند بهارات" باللغة الهندية، وهو ما أشعل غضب هذه الدول المجاورة.

وتشبه خريطة الهند الكبرى تلك التي رسمها الصهاينة على جدران الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لحدود دولتهم التوراتية المزعومة، التي تمتد من النيل للفرات، وتضم مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزءا من العراق والسعودية، وفق زعمهم.

وبالتزامن مع ذلك، انتقدت صحف غربية محاولات تحويل مودي إلى أدولف هتلر (زعيم ألمانيا النازية) أو بينيتو موسوليني (مؤسس الفاشية في إيطاليا) أو جوزيف ستالين (ثاني زعيم للاتحاد السوفياتي السابق) جديد. 

ففي قضية الخريطة الجديدة، يتشابه مودي وحزبه مع هذه الأنظمة الاستبدادية التوسعية، من زاوية سعيه لاستعمار بلدان مجاورة لبناء إمبراطورية هندوسية، على غرار ما فعله هتلر وموسوليني بالتوسع واستعمار بلدان مجاورة وأخرى إقليمية.

وتُصور اللوحة الجدارية التي وضعت في البرلمان الهندي الجديد، خريطة لـ "الهند الموحدة" وبينها 7 دول مجاورة مستقلة، لا تختلف عن "الرايخ الثالث" لـ "هتلر"، ولا حلم "موسوليني لإحياء مجد الإمبراطورية الرومانية القديمة".

إذ يتبنى القوميون المتشددون مفهوم "الهند الكبرى" التي تسعى للتوسع على حساب دول أخرى، والذي يطلق عليها شعبيا اسم "آخاند بهارات" Akhand Bharat باللغة الهندية.

ويطلق عليها أيضا " آخاند هندوستان" Akhand Hindustan، بحسب ما قالت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 7 يونيو 2023.

وقد أكد العزم على استعمار نيودلهي لدول أخرى، وزير الشؤون البرلمانية في برالهاد جوشي، الذي نشر تغريدة تتضمن صورة الجدارية. وقد علق عليها قائلا: "العزم واضح.. آخاند بهارات"، أي أن هدفنا "الهند الكبرى".

وكان رئيس الوزراء الهندي قد افتتح في 28 مايو/أيار 2023 مبنى البرلمان الجديد، الذي حرص على أن يشمل رموز هندوسية ضمن رؤيته للهند الكبرى، مثل نظرائه من الزعماء الشعبويين اليمينيين، بحسب ما نشرت مجلة "تايم" الأميركية قبلها بيومين. 

وإزاء غضب الدول المجاورة التي ظهرت ضمن "الهند الكبرى"، زعم نظام "مودي" أن اللوحة الجدارية هي صورة لإمبراطورية "موريان" القديمة، وتمثل فترة ازدهار الحكم "الموجه للشعب"، و "لا علاقة لها بالسياسة".

ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، ممتاز بالوش، الجدارية بأنها "مظهر من مظاهر العقلية التحريفية والتوسعية التي تسعى إلى إخضاع هوية وثقافة الأقليات الدينية في الهند وليس فقط البلدان المجاورة".

وأثارت اللوحة الجدارية احتجاجات في نيبال وبنغلاديش وباكستان ونيبال، وانتقادات من بقية الدول التي ظهرت في هذه الخريطة، خاصة عقب تقارير تؤكد وجود صور لها أيضا في مكاتب قادة الحزب الهندوسي البارزين.

عبادة مودي

وتندرج سياسيات مودي تحت العقيدة الدينية القومية المتطرفة التي تبناها حزبه "بهاراتيا جانتا" الحاكم، وهي "هندوتفا"، التي تؤمن أن "الهند للهندوس فقط" وقد شكل عدة مليشيات هندوسية مسلحة.

وبعدما بدأ تغيير هوية الهند الإسلامية التاريخية، بهدم مساجد أثرية بمزاعم إحياء أو استعادة المعابد الهندوسية المفقودة تحتها، بدأ مودي يتحول إلى زعيم يعبده الهندوس.

وفي 4 نوفمبر/تشرين ثان 2022 كتب المؤرخ الهندي "راماتشاندرا جوها" مقالا بمجلة "فورين بوليسي" الأميركية تحت عنوان "عبادة مودي.. كيف فكك رئيس وزراء الهند أكبر تجربة ديمقراطية في العالم؟".

ألقى في مقاله الضوء على خطة الهندوس لتحويل "مودي" إلى هتلر أو موسوليني أو ستالين جديد. وانتقد المؤرخ دفع المتطرفين في الهند إلى عبادته مثلما يعبدون البقر، وفق تعبيره.

قال: بعد قرن على حقبة ستالين وهتلر وموسوليني، يشهد العالم مرة أخرى صعود الزعماء الاستبداديين في بلدان ذات تاريخ ديمقراطي من نوع ما، حيث تشهد الهند منذ عام 2014 خضوع تام لرغبات ونزوات فرد واحد، هو "مودي".

وأوضح أن الحزب الهندوسي والحكومة بنت نمطا من العبادة الشخصية حول مودي وظهر هذا في تمجيد الصحافة له، وتملق القيادات السياسية، وكبار مشاهير الأعمال والفن والرياضة في الهند.

وحذر المؤرخ الهندي من سعي "مودي" مثل الحكام السابقين (هتلر وموسوليني وستالين) لتقديم أنفسهم كـ "مخلصين" لأمتهم وإحاطة أنفسهم بـ "هالة" من القداسة وصلت لحد العبادة.

ويحدث ذلك إلى درجة أنه أصبح يقال: "مودي هو الهند"، وبدلا من أن تُنسب الإنجازات للدولة، نُسبت إلى رجل واحد فقط.

ونبه مقال "فورين بوليسي" إلى أن "مودي" تربى في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) الهندوسية المتشددة، التي تعتنق عقيدة "هندوتفا"، التي تعتقد أنه يجب طرد المسلمين والمسيحيين من البلاد.

وأن "مودي" يعتمد في خطته هذه لجعل الهندوس يعبدونه، على ما فعله سابقوه هتلر وأقرانه، من امتلاك آلية دعاية ضخمة تحت قيادته، مدعمة بالموارد لحزبه وحكومته.

وكتب المؤرخ "راماشاندرا جوها" مقالا سابقا في مجلة "إيكونوميست" البريطانية 8 نوفمبر 2021 حول "نمو عبادة مودي". وقال فيه إن هدف حزب بهاراتيا جاناتا من جعل الهنود يعبدون رئيس الوزراء هو "تخويف الأقليات".

أكد أنهم يلعبون على هذا الوتر (عبادة مودي) مستندين إلى حقيقة أن الهند تاريخيا هي أرض الأساطير والأبطال، حيث كانت عبادة الآلهة والقديسين والمحاربين سمة للثقافة الهندية على مر الزمان.

ويشير تقرير لصحيفة "تليغراف الهند" 22 مايو 2023 إلى أنه من المتوقع أن يجرى الضرب على وتر ونغمة "عبادة شخصية" مودي حتى انتخابات 2024، مشيرا إلى أن هذه "من السمات الثابتة لإستراتيجية إعادة انتخابه".

ويشير مقال للكاتب "هريش خير" في موقع "واير" الهندي 15 أغسطس/آب 2022، إلى أن ما يفعله مودي مشابه لسلوك القادة الديماغوجيين (الغوغائيين)، في إشارة إلى سياسة استهواء الجماهير واستغلال ميولها.

قال إن الديماغوجي لا يسمح لجمهوره بالتواصل مع الواقع، وهو ما يفعله مودي، عبر حيلة بسيطة هي إبعاد المواطنين عن مشاكلهم الحقيقية، وخطورة هذه الظاهرة أن هذا النموذج يسعى لإقناع نفسه أنه يمكنه التحدث نيابة عن الأمة.

ويشير تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 18 مارس/آذار 2021 أن مسألة عبادة شخصية مودي بدأت مبكرا في الهند، ووصل الأمر لإطلاق اسمه وصورته على أماكن منسوب اسمها للآباء المؤسسين الهند.

أوضحت أنه بعد عامين من تولي مودي منصبه، أخبر شيفراج سينغ تشوهان، رئيس وزراء ولاية ماديا براديش بوسط الهند، حشدًا عام 2016 أن رئيس الوزراء كان "هدية الله الإلهية للهند". 

ثم شرع جاجديب دهانكار العضو السابق في البرلمان، ونائب الرئيس حاليا، في إضفاء الطابع الرسمي على "وضع مودي الإلهي في حزب بهاراتيا جاناتا" بقرار يشيد به باعتباره "هدية من الله للهند" و"مسيح الفقراء". 

وذهبت كيرين رييجو، وهي وزيرة دولة من حزب بهاراتيا جاناتا في شرق الهند، إلى أبعد من ذلك وأشادت بما أسمته "عصر مودي" باعتباره "استكمالًا مجيدًا لنبوءة عمرها 450 عامًا".

وأشارت "واشنطن بوست" لتغيير حكومته تسمية أكبر ملعب كريكيت في العالم بـ "ملعب ناريندرا مودي"، بعدما كان يحمل اسم أحد مؤسسي الهند.

 وكذا وضع وكالة الفضاء "صورة مودي" على قمر صناعي أطلقته في السماء لتمجيد عبادته.

أرجعت هذا إلى حرمان الهند بعد الاستقلال للقوميين الهندوس المتطرفين من التمجيد كأيقونات تاريخية، ووصمهم لعقود من الزمان بأنهم "مرتدون أيديولوجيون" في بلد عرّف نفسه على أنه جمهورية علمانية.

لهذا ينتقم هؤلاء المتطرفون الهندوس الآن، ويصورون أنفسهم باعتبارهم أهم من الآباء المؤسسين للهند ويعيدون توجهها من الليبرالية العلمانية إلى الدولة الدينية الهندوسية الخالصة.

طمس الإسلام

وتشبه حالة "مودي" من سبقوه من الديكتاتوريين الذين كانت أنظمة بلادهم تقدمهم لشعوبهم كي يعبدوهم. إذ يعتمد على مليشيات مسلحة تُسمى (RSS)، مثل هتلر (الشبيبة) وموسوليني (القمصان السوداء).

وضمن هذه الجهود التي يبذلها "مودي" وحزبه لبناء إمبراطورية هندوسية على غرار النازية، بحيث يقودها قائد هندوسي تاريخي، يأتي تصعيد عملية تغيير هوية الهند الإسلامية التاريخية.

إذ تسعى حركات هندوسية لإحياء أو استعادة ما تزعم أنه "المعابد المفقودة تحت المساجد"، عبر مهرجانات تقام بالقرب منها هي والآثار الإسلامية التاريخية.

فضمن جهود "إحياء" ما يسمى مهرجان "كومبه ميلا"، الذي يشير لتحول عميق في السياسة وعقيدة "هندوتفا" اليمينية، قاد مودي وحزبه إحياء هذه الممارسة بعد 700 عام من اندثاره، وربطوها بإعادة معابد مطمورة أسفل مساجد وفق زعمهم.

مودي وحزبه المتطرف اختاروا منطقة "تريبيني" في البنغال وقال في حديثه عن المنطقة: "تشير الوثائق التاريخية المختلفة إلى أن هذه المنطقة كانت ذات يوم مركزًا للغة السنسكريتية والتعليم والثقافة الهندية ومكانًا مقدسًا".

لكن الحقيقة أنه اختار هذا المكان لـ "إحياء" مهرجان "كومبه ميلا" بعد 700 عام لأنه يقع على بعد بضع مئات الأمتار من ضريح ومسجد الجنرال المسلم التركي ظفر خان غازي، المبني من القرن الثالث عشر بهدف هدمه، وذلك وفق دراسة نشرها موقع article-14 الهندي 12 مايو 2023.

وكرر نظام "مودي" نفس اللعبة العنصرية ضد مساجد المسلمين حين زعم إحياء مهرجانات هندوسية قديمة واختار إقامتها بالقرب من المساجد التي يزعم الهندوس أن أسفلها معابد لهم.

الخطة الهندوسية التي تتشابه مع أجندة الصهاينة ضد المسجد الأقصى، تدعي وجود آثار لمعابد أو تماثيل آلهة هندوسية أسفل بعض المساجد التاريخية القديمة، ومن ثم الدعوة لصلاة الهندوس داخلها وتحويلها إلى معابد أو هدمها بالقوة.

وقد أجج هذه الحملة الجديدة قبول المحاكم الهندية خلال الشهور القليلة الماضية، دعاوى قدمها هندوس للصلاة بأصنامهم داخل مسجدين أثريين هما مسجد "غيان وابى" بمدينة واراناسي، والآخر مسجد "عيدكاه" بمدينة ماتهورا شمال البلاد.

وبدأ هندوس، منذ مارس 2021، في حصر ثلاثة آلاف مسجد يزعمون أن بها أثارا هندوسية أو أنها كانت معابد حولها المسلمون لمساجد ويطالبون باستعادتها.

وزعموا أن هذه الثلاثة آلاف مسجد، أسفلها معابد، ادعوا أن المسلمين هدموها وبنوا مساجدهم فوق أنقاضها خلال فترات الحكم الإسلامي للهند، ونشروا قائمة بأسمائها للمطالبة بإعادتها لمعابد هندوسية.

وهذا التطور الجديد جزء من خطة أكبر لإعادة تشكيل الهوية وفق سياسة "الهند للهندوس" التي يقودها مودي إذ بات تمجيد "نقاء العنصر الهندوسي" والعداء للمسلمين يسيطر على الأجندة السياسية.